دارت أحداث معركة القطمون في الحي الواقع غربي القدس، الذي كان في صميم الخطط الصهيونية لاحتلال الجزء الغربي من المدينة، نظرا لموقعه الإستراتيجي. وشارك في المعركة مقاومون فلسطينيون وعرب، أبرزهم الشهيد إبراهيم أبو دية، الذي شكل مجموعة من 130 مقاتلا لم يبق منهم في النهاية إلا 15.

موقع الحي وأهميته

يقع حي القطمون في الجزء الغربي من القدس، وتبلغ مساحته نحو 157 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع)، ويعود تاريخه إلى منتصف العقد الأخير من القرن الـ19، كان يضم قبل النكبة نحو 200 عائلة من القدس.

موقع الحي إستراتيجي، نظرا لوجوده على هضبة تشرف على مساحات واسعة من المدينة، إذ يقوم على رابية مشرفة على حي البقعة التحتا والفوقا وما بينهما من سهول، وعلى الرابية دير قديم يعرف بدير القطمون، مما جعله محط أطماع المخططات الإسرائيلية، لأن من يحتله يسيطر على القطاعين الغربي والجنوبي من المدنية.

سير المعركة

كان حي القطمون في صميم خطط العصابات الصهيونية لاحتلال غربي القدس نظرا لموقعه، وكانت القوات العربية تعرف أن سقوطه يعني هزيمتها في غربي القدس.

وقد مهدت القوات الصهيونية لهجومها على القطمون بقصف مدفعي عنيف دام أسابيع. ففي الخامس من يناير/كانون الثاني 1948، نسفت عصابات الهاغاناه عمارة فندق سميراميس في الحي، وقبلها بـ3 أيام، نسفت 3 منازل عربية، مما دفع أغنياء الحي إلى النزوح حفاظا على حياتهم.

فتولى الدفاع أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة بالاشتراك مع فريق من أبناء الأحياء والقرى المجاورة، وشارك في القتال جيش الدفاع المقدس بقيادة المجاهد إبراهيم أبو دية.

كان عدد المناضلين في الحي، قبل نسف الفندق 46، وانخفض بعد النسف إلى 18، كلهم فلسطينيون، ولم يكونوا مزودين بالسلاح الكافي، ولم يكن لديهم المال اللازم لشرائه.

وفي مارس/آذار 1948، نسفت العصابات الصهيونية عددا من العمارات في الحي وقطعت عنه الكهرباء، كما هاجمت معظم القنصليات العربية التي كانت موجودة فيه، وسيطرت على جميع وسائل النقل العربية.

وفي 22 أبريل/نيسان من العام نفسه، أمرت اللجنة القومية الفلسطينية للقدس فروعها المحلية بترحيل النساء والأطفال والشيوخ من الضواحي استعدادا للمعركة الكبرى.

يروي بهجت أبو غربية، أحد قادة جيش الجهاد المقدس في مذكراته، أن هجوم عصابات "البالماخ" على القطمون بدأ بالتصاعد في 27 أبريل/نيسان 1948، واستمر على شكل موجات متلاحقة إلى الحيّ بين 27 و29 أبريل/نيسان، إذ دارت في تلك الأيام معارك شديدة استشهد فيها 35 مجاهدا، مما اضطر باقي المجاهدين إلى الانسحاب.

عقب ذلك توالت النجدات من جبهات أخرى لحي القطمون من قبل المقاتلين العرب، لكنهم لم يمكثوا في الحي سوى ليلة واحدة، بسبب شدة النيران وجهلهم بطبيعة المنطقة.

ما بين 29 أبريل/نيسان وحتى الأول من مايو/أيار 1948، دارت المعارك بشكل خاصّ حول دير يقع في أطراف القطمون اسمه "دير سان سيمون"، أو دير مار سمعان، كان الفلسطينيون قد ترفعوا عن السيطرة عليه حفاظا على حرمته، وفق أبو غربية.

وفي ليلة 29 أبريل/نيسان، نجحت العصابات في احتلال مبنى الدير. في ذلك الحين واصل المناضلون بقيادة أبو دية -خلال الليالي الثلاث التالية- حصار الدير ومنع المزيد من قوات "البالماخ" من التقدم، إلا أن هذا الحصار لم يدم طويلا مع قلّة عدد المناضلين وضعف خبرة النجدات التي وصلت إلى هناك، ومع تقدم المزيد من قوات العصابات الصهيونية إلى مركز قيادة حيّ القطمون.

وفي مطلع مايو/أيار 1948، هاجمت العصابات الصهيونية حي القطمون بأعداد كبيرة لم يسبق لها مثيل، حيث نسفت عددا من بيوته، وقتلت العديد من رجال المقاومة.

وتشير المصادر إلى أن بسالة رجال المقاومة أخرت احتلال الحي شهرا كاملا، رغم قلة العتاد، وفي النهاية لم يبق إلا 15 مقاتلا "دافعوا عن أرضهم دفاع الأبطال ولم يسمحوا للعدو أن يمرّ إلا على جثثهم"، كما ورد في مذكرات أبو غربية.

وكتب عبد الله التل -وهو أحد المشاركين في المعركة- في مذكراته التي حملت عنوان "كارثة فلسطين" قائلا "لإسناد المناضلين العرب، اتفقت مع قائد سرية في الجيش العربي في معسكر العلمين بالقدس، الرئيس سليمان مسعود، على استغلال وجود حرس من الجيش العربي في القنصلية العراقية بالقطمون، وزيادة عددهم وإرسال 3 مدرعات لحماية القنصلية من جهة، ولتعزيز دفاع المناضلين عن القطمون من جهة أخرى".

وأضاف عبد الله التل "نفذنا الخطة، وأرسلت المدرعات تحت مسؤوليتي، واندلعت معارك عنيفة شاركت فيها هذه المدرعات مع الجنود الذين ألبسناهم زي أوفرهول".

وبحسب التل، فإن البريطانيين، الذين كان يُعتبرون حلفاء العرب، "شعروا بمشاركة قواتنا مع المناضلين، مما أخّر احتلال اليهود للقطمون. وأصدر البريغادير جونسن أمرا، بلغه لي ضابط بريطاني، جاء فيه "إذا لم تسحب مدرعاتك وجنودك من القطمون حالا، سأضطر لضرب المدرعات والقنصلية بالقنابل الثقيلة".

ويتابع "أدركت حينها أن هذا القائد البريطاني قد باع القطمون لليهود، إذ اتبع أمره بإغلاق الطرق المؤدية إلى القطمون، مما منع جنودنا من الحصول على الذخيرة ومنع قائد المناضلين، أبو دية، من الدخول إلى القطمون حينما كان عائدا من الروضة، ومن ثم أصبح المناضلون بلا قائد".

مشهد من حي القطمون في القدس (شترستوك) نهب الممتلكات

رافق احتلال القطمون نهب واسع النطاق لبيوت العرب في الحي، وفقد كثيرون من الفلسطينيين الذين نزحوا من غربي القدس جميع أملاكهم. وكما كتب وسيط الأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت "بينما تمكن الذين هربوا في الأيام المبكرة للنزاع من أخذ قسم من أغراضهم وأملاكهم الشخصية الثمينة معهم، فإن كثيرين ممن تأخروا حرموا كل شيء عدا ملابسهم التي يرتدونها، وإضافة إلى بيوتهم التي دمر الكثير منها، فقدوا أثاثهم ومتاعهم وحتى عدة عملهم".

وجاء في رواية شاهدة عيان على نهب الحي "أتذكر نهب القطمون جيدا. كنت ممرضة إسعافات أولية في بيت (هفرئا عتسيون) وهو مركز عسكري للنقاهة في القطمون. كان المركز موجودا في بنايتين عربيتين كبيرتين. وذات ليلة خرجت مع أحد الجنود وتجولنا في الحي. أذهلني جمال البيوت، دخلت أحدها، كان جميلا، فيه بيانو وسجاد وثريات رائعة".

وتضيف "في ذلك الوقت كانت عائلتي تعيش في رحافيا في شارع يقع على الطريق من القطمون إلى الأحياء اليهودية الأخرى. وكان بالإمكان رؤية الناس يوما بعد يوم وهم يمرون حاملين أغراضا منهوبة. كنت أنظر من خلال نافذة شقتنا، وأرى عشرات من الناس يمرون بأحمالهم المسروقة. وكان لذلك صلة بالزيارة التي قمت بها مع الجندي للبيت في القطمون لأنني كنت أعرف أي كنوز كانت موجودة في تلك البيوت. شاهدتهم يمرون يوما بعد يوم. ليس الجنود فقط، بل مدنيون أيضا. كانوا ينهبون كالمجانين ويحملون حتى موائد الطعام في وضح النهار، كي يستطيع الجميع رؤيتهم".

نهاية المعركة

في الثاني من مايو/أيار أصبح الحي تحت سيطرة العصابات الصهيونية، وفي إثر احتلال الحي، اكتشف طبيب تابع للجنة الدولية للصليب الأحمر جثث عدد من الشهداء العرب في أحد الكهوف. وبحسب الطبيب "كانت مجموعة من الجثث مكدسة بعضها فوق بعض، بينها جثث جنود ونساء وحتى جيفة بغل".

ولما استولت سلطات الاحتلال على الحي أجرت بيوته للمستوطنين بأسعار زهيدة، ولاحقا أصبحت البيوت ملكا لأولئك المستوطنين.

رسالة عبد الله التل إلى الملك

في الأول من مايو/أيار 1948م، أبرق عبد الله التل رسالة إلى الملك عبد الله الأول جاء فيها "منعني قائد المنطقة البريطاني من حماية القنصلية العراقية وتقديم النجدة والمساعدة لجنودنا في تلك المنطقة، وهددني باستخدام مدافعه ضدنا إذا لم أسحب المدرعات والجنود وأخلي المنطقة. أسترحم جلالتكم التدخل للسماح لنا بالدفاع عن النفس، وإذا سقط القطمون سقطت القدس بأيدي اليهود".

ولما وصلت البرقية إلى عمّان، جرى اتصال بين الملك والمندوب السامي في القدس، خلص إلى أن الملك أمر بتنفيذ أوامر قائد المنطقة البريطاني، باعتبار أن جميع وحدات الجيش العربي في فلسطين كانت هناك بأمر من البريطانيين وتحت إشرافهم الكامل.

وعلم عبد الله التل من عمان أن المندوب السامي وعد بفرض هدنة في منطقة المعركة، مما يعني أن القطمون أصبح في قبضة اليهود. وكتب التل "بذلنا جهدنا أثناء سحب القوات الأردنية لحماية ظهور المناضلين عند انسحابهم مع تجهيزاتهم وأسلحتهم. لجأ القائد أبو دية إلى قيادتي في "النهضة" لإعادة تنظيم قواته والالتحاق بجبهة جديدة، بعد أن تآمر البريطانيون مع اليهود على ضياع القطمون".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات العصابات الصهیونیة أبریل نیسان غربی القدس مایو أیار فی الحی أبو دیة

إقرأ أيضاً:

ليبيا تنفي المزاعم الصهيونية بشأن محاولات ترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا

الثورة نت/..

نفت لجنة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في مجلس النواب الليبي المزاعم الإعلامية الصهيونية بشأن محاولات ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى ليبيا.

وذكر موقع “بوابة الوسط” الليبي، صباح اليوم الجمعة، أن “البرلمان الليبي أعلن رفضه الزج ببلاده في أي مشاريع تهدف إلى تصفية حقوق الشعب الفلسطيني”.

وأكد أن “ليبيا لن تكون طرفاً في أي مخططات ترحيل أو تهجير قسري للفلسطينيين، مهما كانت الظروف والضغوط”.

وشدّدت اللجنة على أن “موقف ليبيا، قيادة وشعباً، ثابت في دعم القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، بحسب قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي”.

كما حذّرت اللجنة من “أي محاولة لاستغلال الأوضاع الإقليمية والدولية لتمرير أجندات لا تخدم إلا الاحتلال “الإسرائيلي”، مشيرة إلى أن “ليبيا كانت وستظل أرضاً عربية داعمة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”.

كذلك، دعا البرلمان الليبي المؤسسات والهيئات الوطنية والدولية بما في ذلك “جامعة الدول العربية” ومنظمة “التعاون الإسلامي” إلى “ضرورة اتخاذ موقف واضح وحازم حيال هذه المخططات المشبوهة التي تسعى إلى تهجير الفلسطينيين وتفريغ الأراضي المحتلة، في انتهاك صارخ للمواثيق الدولية كافة”.

مقالات مشابهة

  • حصيلة الإبادة الصهيونية في غزة ترتفع إلى 48,329 شهيدًا
  • الاتحاد الوطني: الموقف العربي الموحد هو السبيل لإفشال كافة المخططات الصهيونية
  • بطريقة مأساوية.. وفاة أسير فلسطيني مفرج عنه بالقدس
  • استقلاليو الريف غاضبون من مضيان ويطلبون لقاء بركة بعد إقصاء المناضلين وتفضيل “أصحاب الشكارة”
  • وفاة أسير محرر من صفقة التبادل إثر سقوطه عن علو بالقدس
  • سلطنة عُمان تُعزّي الكويت في حادث تمارين رماية بالذخيرة الحيّة
  • ليبيا تنفي المزاعم الصهيونية بشأن محاولات ترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا
  • الحرب وجمود الخطاب
  • مرصد حقوقي: معارض الأسلحة الإماراتية بوابة لدعم آلة القتل الصهيونية
  • يهودي يطعن إسرائيلية بالقدس ويهتف مسيحية