أشرف غريب يكتب: لماذا انتصرت مصر في حرب أكتوبر؟
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
حتى ظهر السادس من أكتوبر 1973، كان الموقف فى ما يتعلق بالصراع العربى - الإسرائيلى أقرب إلى الجمود، إذ لم تكن لدى القطبين الكبيرين الاتحاد السوفيتى -آنذاك- والولايات المتحدة الأمريكية، الإرادة الكافية لتحريك الوضع القائم منذ هزيمة يونيو 1967، فبدت المنطقة فى حالة اللاسلم واللاحرب، وهو وضع مريح بطبيعة الحال للجانب الإسرائيلى والقوى الكبرى التى تدعمه.
لكن الأمر لم يكن كذلك داخل مصر.. كان الشارع يغلى ويغل بفعل وعود عامين للحسم فى 1971 و1972 والمقاتل المصرى على الجبهة لا يغمض له جفن، طلباً للثأر، وبينما هذا كله يحدث على الساحتين الخارجية والداخلية كانت القيادتان السياسية والعسكرية فى مصر تعملان فى صمت تام وتناغم مُبهر، متحملتين كل الضغوط من أجل الوصول إلى ساعة الخلاص.
وفجأة جاءت هذه الساعة المنتظرة فى الثانية ظهر ذلك اليوم المجيد.. إنه السادس من أكتوبر 1973 أعظم يوم فى تاريخ العسكرية المصرية الحديث، وفخرها وشرفها ومبعث عزتها وكرامتها، يوم أن كسر خير أجناد الأرض حاجز الصمت الذى فرضه العالم علينا، ليُثبت أنه لا صوت يعلو على صوت المعركة، صوت الحق والكبرياء المصرى، بل والعربى أيضاً، لقد كان نصر أكتوبر العظيم نقطة فاصلة بين واقعين.. ليس فقط بين هزيمة وانتصار، يأس ورجاء، ظلام ونور، ضياع وانطلاق، وإنما وهو بجانب ذلك كله كسر ثوابت على الأرض، وحطّم أساطير فى الأذهان، وبدّد نظريات كان لها الرسوخ، وأعاد النظر فى استراتيجيات ثبت فشلها، وغيّر موازين القوى فى المنطقة، وأفرز أوضاعاً اقتصادية جديدة بفعل بروز سلاح البترول، فازدادت بعض الدول ثراءً، وظهرت مدن مستدامة ونشطت حركة عمران غير مسبوقة، وتحرّكت كل الأسعار حول العالم، فاختلفت أوضاع اجتماعية وتبدّلت معها أساليب حياة، باختصار.. لقد زلزل المقاتل المصرى بانتصارات أكتوبر العالم كله زلزالاً ما زلنا نعيش توابعه وتداعياته حتى اليوم.
ولكن لماذا حقق الجندى المصرى هذا الانتصار العظيم؟ هل لأنه كان يسعى وراء ثأره الذى كتمه فى صدره ست سنوات، فإذا به ينفجر حماساً وقوة أمام جندى إسرائيلى متغطرس؟ هل لأنها المرة الأولى فى مواجهاته مع إسرائيل التى يمتلك فيها زمام المبادرة، فجعل الإسرائيليين على غير ما يرغبون ويشتهون فى موقف الدفاع، فتكشف زيف نظرية الجيش الذى لا يُقهر؟ هل لأن مصر وهى تنوى الأخذ بزمام المبادأة خططت ونفّذت أكبر عملية خداع استراتيجى فى التاريخ كانت ضحيتها ليس إسرائيل فقط، وإنما أيضاً أجهزة استخبارات أكبر دول العالم؟ هل لأننا أخذنا بأسباب العلم وطورنا عقلية المقاتل المصرى ونوعيته بعد الاعتماد على خريجى الجامعات المصرية فى مختلف التخصّصات، فبات لدينا جيل من الجنود يستطيع التعامل بيُسر وحرفية مع أكثر الأسلحة تقدّماً، بل يضيف عليها من ابتكاراته فإذا بها أفضل أداءً وأشد أثراً؟ هل لأننا درسنا عدونا بدقة ووعى، وعرفنا مكامن قوته ومواطن ضعفه، مستفيدين من أخطاء كارثة يونيو 1967؟ هل لأن الأشقاء العرب دخلوا تباعاً على خط المعركة، كل فى حدود ما يملكه من سلاح؟
كل هذا صحيح تماماً، لكن الأصح هو أن جيش مصر العظيم، وهو يخوض معركة العزة والكرامة كانت وراءه جبهة داخلية صلبة ومتماسكة تحمّلت معاناة السنوات العجاف، وكانت نِعم العون والمدد للجندى المصرى على الجبهة، وصدق الرئيس عبدالفتاح السيسى حين قال قبل خمس سنوات فى الاحتفال بالذكرى السادسة والأربعين للعبور العظيم: «إن يوم السادس من أكتوبر عام 1973 لا يُمثل فقط نصراً عسكرياً باهراً حققته القوات المسلحة باقتدار، بل هو تعبير فريد عن إرادة أمة، وتماسك شعب استمد من تاريخه العريق صلابة وقوة لا تُقهر».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مصر العرب 6 أكتوبر إسرائيل
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: غزة وحقوق الإنسان
الهيئات الممثلة لحقوق الإنسان دعمها المادي الذي يمكَّنها من الوفاء بمهامها من قبل دول تسحق ماهية تلكم الحقوق في غزة؛ فما يمارس تجاه الشعب الأعزل يعد عار يتحمله الضمير المجتمعي في تلك الحقبة التي باتت مظلمة في أحداثها؛ من أجل مآرب ومخططات بعينها تغمر قيم من أجلها خلق الإنسان على المعمورة، وهذا بكل تأكيد يشير إلى زيف الشعارات وازدواجية المعايير؛ ومن ثم لن تجد من يثق في منظمات وهيئات تدعي شعارات أضحت بلا قيمة.
مُمَولي حقوق الإنسان دون مُواربة يدعمون الظلم ويعضدونه؛ لذا لن تجد نصرة مستحقة حقيقية على أرض الواقع لشعب غزة المكلوم؛ لكن التاريخ لن يرحم والذاكرة لن يتم محوها، وما تحمله الصدور سوف ترثه أجيال تلو أخرى؛ فالحق دومًا يعود لصاحبة مهما تغيرت المعادلات وسنحت الفرص لاغتصاب الحقوق والنيل من ماهية العدالة؛ فما يضمره المستقبل بيد العادل سبحانه وتعالى.
غزة وحقوق الإنسان متخاصمتان؛ فهناك دعوة من قبل منظمات حقوق الإنسان تحث على غرس قيم الكرامة والعزة وتعضيد الهوية، وتعظيم مقومات الوطنية، والحفاظ على النفس والذات من كل ما قد يؤثر سلبًا على وجدان الفرد ويؤدي إلى إحباطه؛ لكن ليس لهذا الادعاء حقيقة على أرض غزة؛ فشعبها يباد ويذل وتمارس ضده صور التنكيل التي لا يتقبلها من لديه ذرة من رحمة وقلب يحتضن جزءًا من الإنسانية.
الدول التي ظننا في لحظة ما أنها حافظة لكرامة الإنسان بدت اليوم تمارس الهيمنة المقيتة التي تساعد الظالم على ظلمه، بل وتسمح له بإسالة الدماء دون ورع أو توجس؛ فالخصوبة أضحت فاجرة على أرض محروقة، والتعاطي مع ما آلت إليه الأمور يصب في صالح ومصلحة المعتدي الذي تُعزِّز قدراته ويتعالى بَطشه من قبل الدول المناحة لهيئات ومنظمات ما تسمى بحقوق الإنسان؛ لكن يمكننا أن نصفها بمنظمات وهيئات ظلم الإنسان.
غزة وحقوق الإنسان متباعدتان؛ فمن يسلب منه حقه التاريخي، ومن يجار على أدني حقوقه التي منحها الخالق له، ومن تقوض حريته على أرضه، ومن يجبر على هجر تراب بلده، ومن تدمر له مقومات تنميته، وتدحر مخططات مستقبله نحو النهضة؛ فهو دون شك محبط من ادعاءات هيئات ومنظمات حقوق الإنسان، بل كاد لا ينتظر نصرة من مؤسسات باتت موجهة وتدار حركتها من قبل داعمي الظلم وسبل القهر والجور.
رغم الصورة الحالكة التي نشاهدها؛ لكن نترقب انتصار حقوق الإنسان من قبل أجيال استوعبت الدروس وأدركت أن فلسفة الحقوق تقوم على ماهية الحفاظ على الوطن وتجنب التفريط به جراء دعوات كاذبة من أبواق تحمل غايات سيئة تستهدف تفكيك نسيج الشعوب وتحدث الفرقة وتخلق النزاعات التي من شأنها تضعف لحمة الشعوب وانتفاضتها ضد كل عدوان وظلم.
حقوق الإنسان عبر الهيئات والمنظمات لا تساعد في رفع راية الحق والعدل؛ لكن لها أدوار محدودة وموجهة يدركها أصحاب الألباب؛ فمن يدعي نزاهة تلك المؤسسات فهو واهم دون مواربة، وهنا نؤكد أن ازدهار الدول ونهضتها يقوم على مسلمة رئيسة فحواها وحدة الراية والكلمة والغاية واستبعاد كل ما من شأنه يفرق ويمزق النسيج الوطني.
الدعوة الآن واضحة في كليتها، لا حقوق تنالها الشعوب في خِضَمِّ التفرقة والتشرذم، وليس هناك مرامي لوطن غابت عنه شمس المصلحة العليا، وبات يبحث مكونه عن مصالح ضيقة، لقد بذلت الجهود المضنية من قبل مصر الفتية وقيادتها السياسية تجاه توحيد الصف؛ لكن تيارات مخططات التفرقة أضحت عاتية وحققت مآربها التي نشهد عواقبها اليوم.
البحث عن حقوق الإنسان في غزة صار ضربًا من المستحيل؛ لكن أمل الوحدة والتلاحم يشكل سفينة النجاة؛ فهل هناك عقلاء؟ يقدمون المصلحة العامة دون غيرها ويحققون المعادلة الصعبة في لَمِّ الشمل، وهل هناك رغبة في التنصل عن أجندات أودت بالقضية الأم؟، هذا ما نتطلع إليه وما ننشده بقلوب تحمل المحبَّة والخير والسلام.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.