الوطن:
2025-03-03@14:54:32 GMT

أشرف غريب يكتب: لماذا انتصرت مصر في حرب أكتوبر؟

تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT

أشرف غريب يكتب: لماذا انتصرت مصر في حرب أكتوبر؟

حتى ظهر السادس من أكتوبر 1973، كان الموقف فى ما يتعلق بالصراع العربى - الإسرائيلى أقرب إلى الجمود، إذ لم تكن لدى القطبين الكبيرين الاتحاد السوفيتى -آنذاك- والولايات المتحدة الأمريكية، الإرادة الكافية لتحريك الوضع القائم منذ هزيمة يونيو 1967، فبدت المنطقة فى حالة اللاسلم واللاحرب، وهو وضع مريح بطبيعة الحال للجانب الإسرائيلى والقوى الكبرى التى تدعمه.

لكن الأمر لم يكن كذلك داخل مصر.. كان الشارع يغلى ويغل بفعل وعود عامين للحسم فى 1971 و1972 والمقاتل المصرى على الجبهة لا يغمض له جفن، طلباً للثأر، وبينما هذا كله يحدث على الساحتين الخارجية والداخلية كانت القيادتان السياسية والعسكرية فى مصر تعملان فى صمت تام وتناغم مُبهر، متحملتين كل الضغوط من أجل الوصول إلى ساعة الخلاص.

وفجأة جاءت هذه الساعة المنتظرة فى الثانية ظهر ذلك اليوم المجيد.. إنه السادس من أكتوبر 1973 أعظم يوم فى تاريخ العسكرية المصرية الحديث، وفخرها وشرفها ومبعث عزتها وكرامتها، يوم أن كسر خير أجناد الأرض حاجز الصمت الذى فرضه العالم علينا، ليُثبت أنه لا صوت يعلو على صوت المعركة، صوت الحق والكبرياء المصرى، بل والعربى أيضاً، لقد كان نصر أكتوبر العظيم نقطة فاصلة بين واقعين.. ليس فقط بين هزيمة وانتصار، يأس ورجاء، ظلام ونور، ضياع وانطلاق، وإنما وهو بجانب ذلك كله كسر ثوابت على الأرض، وحطّم أساطير فى الأذهان، وبدّد نظريات كان لها الرسوخ، وأعاد النظر فى استراتيجيات ثبت فشلها، وغيّر موازين القوى فى المنطقة، وأفرز أوضاعاً اقتصادية جديدة بفعل بروز سلاح البترول، فازدادت بعض الدول ثراءً، وظهرت مدن مستدامة ونشطت حركة عمران غير مسبوقة، وتحرّكت كل الأسعار حول العالم، فاختلفت أوضاع اجتماعية وتبدّلت معها أساليب حياة، باختصار.. لقد زلزل المقاتل المصرى بانتصارات أكتوبر العالم كله زلزالاً ما زلنا نعيش توابعه وتداعياته حتى اليوم.

ولكن لماذا حقق الجندى المصرى هذا الانتصار العظيم؟ هل لأنه كان يسعى وراء ثأره الذى كتمه فى صدره ست سنوات، فإذا به ينفجر حماساً وقوة أمام جندى إسرائيلى متغطرس؟ هل لأنها المرة الأولى فى مواجهاته مع إسرائيل التى يمتلك فيها زمام المبادرة، فجعل الإسرائيليين على غير ما يرغبون ويشتهون فى موقف الدفاع، فتكشف زيف نظرية الجيش الذى لا يُقهر؟ هل لأن مصر وهى تنوى الأخذ بزمام المبادأة خططت ونفّذت أكبر عملية خداع استراتيجى فى التاريخ كانت ضحيتها ليس إسرائيل فقط، وإنما أيضاً أجهزة استخبارات أكبر دول العالم؟ هل لأننا أخذنا بأسباب العلم وطورنا عقلية المقاتل المصرى ونوعيته بعد الاعتماد على خريجى الجامعات المصرية فى مختلف التخصّصات، فبات لدينا جيل من الجنود يستطيع التعامل بيُسر وحرفية مع أكثر الأسلحة تقدّماً، بل يضيف عليها من ابتكاراته فإذا بها أفضل أداءً وأشد أثراً؟ هل لأننا درسنا عدونا بدقة ووعى، وعرفنا مكامن قوته ومواطن ضعفه، مستفيدين من أخطاء كارثة يونيو 1967؟ هل لأن الأشقاء العرب دخلوا تباعاً على خط المعركة، كل فى حدود ما يملكه من سلاح؟

كل هذا صحيح تماماً، لكن الأصح هو أن جيش مصر العظيم، وهو يخوض معركة العزة والكرامة كانت وراءه جبهة داخلية صلبة ومتماسكة تحمّلت معاناة السنوات العجاف، وكانت نِعم العون والمدد للجندى المصرى على الجبهة، وصدق الرئيس عبدالفتاح السيسى حين قال قبل خمس سنوات فى الاحتفال بالذكرى السادسة والأربعين للعبور العظيم: «إن يوم السادس من أكتوبر عام 1973 لا يُمثل فقط نصراً عسكرياً باهراً حققته القوات المسلحة باقتدار، بل هو تعبير فريد عن إرادة أمة، وتماسك شعب استمد من تاريخه العريق صلابة وقوة لا تُقهر».

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مصر العرب 6 أكتوبر إسرائيل

إقرأ أيضاً:

د. عبدالله الغذامي يكتب: لسان الثقافة

للثقافة لسانها الخاص وهناك مواقف تكشف عن هذا اللسان المخبوء من تحت ألسنة المتحدثين، نجده في أمثلة للأحاديث والوقائع المرتجلة، ويشبه ما سماه فرويد بسقطات اللسان، ولكنه أكثر من مجرد سقطات، وإنما هو من فعلِ ما سميناه (المؤلف المزدوج)، أي الثقافة حين تتسلّل عبرنا لتشاركنا قولنا وكتاباتنا.
ونستدعي هنا موقفاً جرى في البرلمان البريطاني زمن رئاسة تيريزا مي رئاسة الحكومة (2019)، حيث واجهها أحد نواب المعارضة محيلاً إليها بقوله: هذه المرأة الغبية، مما فجر غضباً ثقافياً هائلاً، امتّد للإعلام بكل وسائله، وهنا يتكشف النسق الثقافي بأعلى درجاته، وأشد معانيه هو وصف المرأة بالغباء، الذي يحيل لتاريخٍ ممتّد عبر الأزمنة والثقافات، من حيث حشر المرأة بصفات الجهل، بينما العقل للرجل، ولها كل صفات السلب كالحماقة، ومنها قولهم إن الرجل كلما كبر، زاد حكمةً، وكلما كبرت المرأة، زادت حماقةً، ولو أن النائب مثلاً قال عن زميلٍ له هذا الرجل الغبي لظلّت الجملة عاديةً، ومجرد شتيمة شخصية، ولن تُحمل على أنها تعني جنس الرجال، على عكس جملة (هذه المرأة الغبية) التي تتجاوز الذاتي لتشمل الجنس، وإن جاءت لغوياً بصيغة الإفراد عبر اسم الإشارة لكن حالات استقبالها كشفت مدى تجذر سياقها الثقافي، أي أننا أمام نسقٍ ثقافي متجذّر، وهي التي فجرت الغضب العارم ضد جملة النائب المتورط ثقافياً.
ومثل ذلك المثل المشهور (قطعت جهيزةُ قول كل خطيبٍ)، وهذه جملة في ظاهرها مجرد جملة إخبارية، وقد يتبدى عليها الثناء بما أن هذه المرأة تفوقت على الفحول من الخطباء، وكسرت بلاغتهم وأسكتتهم، ولكن إذا تتبعنا سيرة هذه الجملة، فسنرى أنها جملة نسقيّة، وعلامة ذلك أن الميداني أورد هذه المثل ليعلق عليه بتعليقين متواليين، أولهما شرحٌ للمقولة وهذا تصرفٌ علمي خالص العلمية، ولكنه يختم حديثة بجملةٍ تكشف البعد النسقي لها، إذ يشير إلى أن هذا المثل يصف حماقة من يقطع أحاديث الرجال، ومن هنا تصبح جهيزةُ حمقاءَ ويسري المعنى ليعزّز هذه التوصيفات للمرأة.
وهنا نكتشف مدى قوة لسان الثقافة، الذي يقوم مقام المؤلف المزدوج، ولم يستطع الميداني تمرير المقولة دون التأويل الثقافي لها كما حدث مع جملة (المرأة الغبية) التي ما كان لها أن تمر دون تأويل ثقافي لها.
وهذه كلها صيغٌ ثقافية تعني أن البشر كائناتٌ سرديةٌ يتصرفون ويفكرون وفق أنظمة ذهنيةٍ قسرية، وهي التي تحرك مشاعرهم اللغوية وردود فعلهم في حروب كلامية عنصرها إقصائي ومكوّنها طبقي، ومهما تعلموا يظلون نسقيين رغم علميتهم ورغم عقلانيتهم، لأنهم تحت سلطة أنساقٍ مضمرةٍ سابقة عليهم، وقد تولدوا فيها ويستمرون معها، وهي فيهم ومن ثم يستمرون في إعادة إنتاجها.
ولسان الثقافة يظل تحت لسان البشر، وللثقافة حيلها في التخفي والإضمار عبر لسانها المخفي، ولكنه يمتلك القدرة على فرض معناه ومن ثم احتلال الأذهان في الإرسال والاستقبال معاً. وما تخفيه اللغه يختلف عما تبديه، وربما هو الأخطر والأكثر تحدياً.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة  الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: الوعي والتجييش د. عبدالله الغذامي يكتب: بين النص والقارئ

مقالات مشابهة

  • إعلام إسرائيلي: كارثة أكبر كانت ستحدث لو انضم حزب الله لهجوم 7 أكتوبر
  • التويجري ينتقد أداء الأندية: دوري غريب ولا أحد يستحق الفوز.. فيديو
  • لماذا ينتشر الفقر في العالم؟
  • محمد حامد جمعة يكتب: شكرا مصر
  • حرب المعادن الأوكرانية مستمرة.. بعد توتر العلاقة بين ترامب وزيلينسكى.. السؤال الذى يشغل العالم لماذا تجعل واشنطن اتفاقية التعدين عنصرًا حاسمًا فى عملية السلام مع روسيا؟
  • أشرف صبحي: تتويج فريدة خليل بذهبية كأس العالم للخماسي امتداد لما يتم التخطيط له
  • برلمانى : المتحف المصرى الكبير إنجاز تاريخى ويدعم السياحة والاقتصاد الوطني
  • أشغال شقة جدًا الحلقة 2 .. مدينة تضرب مصطفي غريب وتترك منزل هشام ماجد
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: لسان الثقافة
  • الرئيس السيسي يهنئ الشعب المصري العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان