أجابت دار الإفتاء المصرية عن تساؤل قد ورد إليها حول ما حكم الشرع الشريف في التحرُّش الجنسي؟ حيث قام أحد الأشخاص بمحاولة التحرّش بالألفاظ تجاة إحدى الفتيات في الطريق، وعندما نهيتُه عن ذلك ادّعى أنَّ الفتاة هي السبب؛ لنوع ملابسها التي ترتديها. نرجو منكم التكرّم بالردّ على مثل هذه الدعاوى التي تُبرِّر هذه الجريمة وتُلقي بالتهمة على الفتاة وملابسها.

 

أجابت الإفتاء عبر فتوى تحمل رقم “6847” قائلة: يُطْلَق "التحرُّش" عرفًا على: الأفعال أو الأقوال أو الإشارات ذات الطابع الجنسي التي يُنْتَهك بها خصوصية الغير. وهذا هو التوصيف القانوني لهذا الفعل، كما نَصَّ على ذلك قانون العقوبات المصري في المادة (306 مكرر "أ").

والشرع الشريف قد حَذَّر من انتهاك الحرمات والأعراض، وقبَّح ذلك ونفَّر منه، وشدَّد الوطأة والعذاب على مرتكبيه، ونوَّه إلى عِظَم شأن الحرمات وكبير وزنها عند الله تعالى؛ من أجل تعلقها بحقوق العباد؛ فأخرج الإمام البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَي يَوْمٍ هَذَا؟»، قالوا: يوم حرام، قال: «فَأَي بَلَدٍ هَذَا؟»، قالوا: بلد حرام، قال: «فَأَي شَهْرٍ هَذَا؟»، قالوا: شهر حرام، قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا»، فأعادها مرارًا، ثم رفع رأسه فقال: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ..».

والمُتَحَرِّش الذي أَطْلَق سهام شهوته جامعٌ بين منكرين؛ الأول: استراق النظر، والثاني: خَرْق خصوصية الغير، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»، فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا»، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ» متفق عليه.

بل إنَّ هذه الفِعْلة القبيحة من شأن المنافقين الذين قال الله فيهم: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ۝ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ۝ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 60-62].

قال الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (25/ 184، ط. دار إحياء التراث العربي): [الذي في قلبه مرض: الذي يؤذي المؤمن باتباع نسائه] اهـ.

فأعلن الإسلامُ الحربَ على مَنْ يقترف مثل هذه الجريمة، وتَوعَّد فاعليها بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة؛ وأوجب على أولي الأمر أن يتصدّوا لمظاهرها الـمُشينة بكل حزمٍ وحَسْمٍ، ولذا فقد نَصَّ قانون العقوبات على تجريم هذه الفِعْلة ووضع العقاب الرادع لكل مَنْ تُسَوِّل له نفسُه التلطخَ بهذا العار.

وفي سبيل ذلك؛ فإنَّ إلصاقَ جريمة التَّحَرُّش النَّكْرَاء بقَصْر التُّهْمَة على نوع ملابس المرأة وصفته؛ تبريرٌ واهمٌ لا يَصْدُر إلَّا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة، فالحجاب لا يُنْظَر فيه إلى توصيف شَكْل أو نوع الملابس، كما أنَّ المُسْلِم في ذلك مأمورٌ بالبُعْد عن المحرَّمات في كل الأحوال والظروف؛ وذلك امتثالًا لقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: 30].

وبناءً على ذلك: فالتحرُّش الجنسي من الكبائر، ومِن أشنع الأفعال وأقبحها في نظر الشرع الشريف.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: التحر ش الجنسي الإفتاء دار الإفتاء المصرية

إقرأ أيضاً:

الإفتاء: الكل في طلب العلم سواء في السن والنوع

يحتفل العالم اليوم السبت الموافق 5 أكتور 2024 باليوم العالمي للمُعلم كما سنته منظمة الأمم المُتحدة  منذ عام 1994، لإحياء ذكرى توقيع توصية اليونسكو ومنظمة العمل الدولية لعام 1966 بشأن أوضاع المدرس، ولم يقف الإسلام عند إعطاء الفضل والتكريم لطلب العلم والعلماء بل حث على تعليم كبار السن ومحو أميتهم.

في يومه العالمي.. المُعلم وريث الأنبياء ومُحارب الشيطان في الإسلام يوم المُعلم العالمي.. الأزهر ينصح الطلاب بـ 10 حقوق للمُعلّم

 

 الحث على طلب العلم وبيان فضله في النصوص الشرعية 

قالت دار الإفتاء المصرية أنه قد تظاهرت الآيات والأخبار وتواترت الدلائل الصريحة وتوافقت على فضيلة العلم والحث على تحصيله والاجتهاد في اقتباسه وتعليمه؛ قال جلَّ شَأْنه: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، وقال عز وجل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1-5].

والأحاديث في ذلك كثيرة ومشهورة؛ منها: قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ في الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ في جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رواه أبو داود والترمذي في "سننيهما".

ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ» متفق عليه.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» رواه ابن ماجه في "سننه".

فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على فضل العلم والتعليم، وشَرَف منزلة أهله، وأَنَّ طلبه لا يقف عند حد معين، ولا عند سنّ معينة، فلا فرق في طلبه بين صغيرٍ وكبيرٍ، ولا بين ذَكَرٍ وأنثى؛ فالكل في طلبه سواء؛ وقد اشتُهِر من مأثور التراث الإسلامي: (اطلب العلم من المهد إلى اللحد).

 

حكم تعليم الكبار ومحو أميتهم، وكيف حثَّ الشرع على ذلك

تعليم الكبار ومحو أميتهم أمر مندوبٌ ومطلوبٌ شرعًا، والمقصود بمحو الأمية: تعليم الأُمِّي القراءةَ والكتابةَ للوصول بهم لمستوى الإجادة. ويُقْصَد بتعليم الكبار: إعطاؤهم قدرًا مناسبًا من التعليم لرفع مستواهم الثقافي والاجتماعي والمهني لمواجهة التطورات في المجتمع، وإتاحة الفرصة أمامهم لمواصلة التعليم في مراحله المختلفة.

وكثير من الأئمة وعلماء الأمة الكبار لم يبتدئ الجدَّ في الطَّلَب إلَّا بعد كِبر السن، ولم يستحِ أحدهم من شيخوخته ولا مكانته، متمثلًا في ذلك الحديث الشريف: «مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا» رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، والدارمي في "سننه"، والبزار في "مسنده"، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وانتهت دار الإفتاء أنه تعليم الكبار ومحو أميتهم أمر مندوب إليه شرعًا؛ للآيات والأخبار الدالة على أهمية العلم والتعليم، وشرف منزلة أهله، وأَنَّ طلبه لا يقف عند حد أو سِنٍّ معينة، فلا فرق في طلبه بين صغيرٍ وكبيرٍ، ولا ذَكَرٍ وأنثى؛ فالكل في طلبه سواء.

مقالات مشابهة

  • الإفتاء: الكل في طلب العلم سواء في السن والنوع
  • حكم الاحتفال بذكرى انتصارات حرب أكتوبر المجيدة
  • الأوقاف: افتتاح البرنامج التدريبي لمجموعة من علماء دور الإفتاء الماليزية
  • اليوم.. 4 عروض لذوي الهمم والطفل والديودراما بدورة نور الشريف لمهرجان آفاق مسرحية
  • ذكرى أكتوبر.. الجيش المصري في السنة النبوية
  • فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • ما حكم ارتداء السلسلة الفضة للرجل وربط شعره ضفائر؟.. الإفتاء تجيب
  • دار الإفتاء.. الجمعة غرة ربيع الآخر 1446 هـ