الرعاية الاجتماعية في مؤشر الابتكار العالمي 2024
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
تُعد ريادة الأعمال الاجتماعية فكرة ابتكارية قائمة على تطوير وتنفيذ نماذج أعمال مبتكرة تعالج التحديات الاجتماعية والبيئية، ولها تأثير اقتصادي يظهر من خلال الشركات الممارسة للتجارة المعززة للرعاية الاجتماعية؛ فريادة الأعمال الاجتماعية تقوم على قضايا اجتماعية قابلة للتطبيق باعتبارها مشروعات ريادية تعمل على مواجهة وحل المشكلات بابتكار وقدرة على الاستدامة لتنمية المشروعات التي تهدف إلى تلبية احتياجات أفراد المجتمع عامة، والفئات الهشة (المرأة، المعاقين، كبار السن، وغيرهم) بشكل خاص.
لذلك فإن ريادة الأعمال الاجتماعية تقوم على أفكار ابتكارية، قادرة على إحداث تأثيرات مباشرة على المستويات الاقتصادية للأفراد، لأنها تستخدم أساليب إبداعية ومبتكرة لتنمية المشروعات والمؤسسات التي تحقق نتائج اجتماعية واسعة بُغية الوصول إلى تأثير مجتمعي، يستطيع أن يُحدث تغيرات على المستوى الاقتصادي للأسر والأفراد، من خلال إيجاد حلول مناسبة لتوليد فرص لزيادة الموارد الاقتصادية، وتوفير خدمات اجتماعية مبتكرة ومناسبة، تُسهم في تطوير مهارات الأفراد، وإيجاد نماذج جديدة إبداعية لتوفير الخدمات والمنتجات.
ولأن ريادة الأعمال الاجتماعية بحسب الأدبيات هي إمكانات (توظيف الأنشطة التجارية لمواجهة التحديات المجتمعية والبيئية الملحة)، فإن الاهتمام بها اليوم يتزايد بسبب الكثير من التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المجتمعات، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسة والاقتصادية والأمنية والصحية التي تتفاقم في العديد من دول العالم، وحاجة أفراد المجتمع إلى إيجاد بدائل قادرة على المساهمة في رفع مستواهم المعيشي، والتقليل من المخاطر التي يواجهونها، لذا فإن هذا النوع من ريادة الأعمال يحضى بأهمية كبرى في تلك المجتمعات التي تعتني بتحقيق الرفاه الاجتماعي لأفرادها.
إن هذه الرعاية لريادة الأعمال الاجتماعية تقوم في الأساس على تمكين روَّاد الأعمال ليستطيعوا التكيُّف مع بيئات الأعمال المتغيِّرة بشكل أكثر سرعة وكفاءة، إضافة إلى القدرة على الابتكار الاستراتيجي الهادف إلى النمو والاستدامة، لهذا فإن مستقبل هذه الأعمال مرهون بالقدرة على التطوير المرتبط بالابتكار والرقمنة والتكنولوجيا بشكل عام. إن تبني عقلية الابتكار وتطويرها وتعزيزها بما يخدم الأعمال الاجتماعية سيُسهم في إيجاد مشروعات شاملة ومتكاملة مع التطوُّر التقني والاستفادة من الشبكات العالمية لاغتنام الفرص والتقليل من التحديات.
لذا فإن الابتكار والتقدُّم التكنولوجي له دور بارز في تشكيل مستقبل ريادة الأعمال الاجتماعية؛ فالتطورات التقنية الهائلة أسهمت في تغيير جوهر هذه الأعمال، وغيَّر أفقها وطريقة عملها، بحيث أصبحت أكثر توجها نحو الأفكار الابتكارية ذات التقنية العالية التي تمتلك (ميزة تنافسية)، خاصة تلك التي يقودها القدرات الشابة أو تلك التي تؤمن بالتقنية والابتكار في العمل؛ فالتحوُّل الرقمي للاقتصاد دفع العديد من الدول إلى القوة الدافعة وراء هذا التحوُّل والإمكانات الهائلة التي يمكن أن يتيحها سواء أكان لقطاع الأعمال بشكل عام، أو لريادة الأعمال الاجتماعية بشكل خاص.
قبل أيام قليلة أصدرت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو) النسخة الرابعة عشر من مؤشر الابتكار العالمي للعام 2024، وقد صدر المؤشر بعنوان (تحرير الطاقات الواعدة لريادة الأعمال الاجتماعية)، وهو عنوان لافت يربط بين الابتكارات وريادة الأعمال الاجتماعية التي يصفها بأنها (تقود إلى التغيير الإيجابي)؛ إذ تكتسب أهمية لما تمثِّله من دور بارز في (ريادة الابتكار الذي يهدف إلى مواجهة التحديات المجتمعية الحرجة)، ولهذا فإن التقرير يكشف تلك الأهمية من خلال مجموعة من الشركات والمشروعات التي لا تسعَ إلى تحقيق تأثير اجتماعي له أثر على المستوى الاقتصادي للأفراد وحسب، بل أيضا (لتكون مستدامة من خلال آليات قائمة على السوق)، وما يقدمه من فرص وإيجاد حلول ابتكارية جديدة تتواكب مع مرحلة التغيير التي تمر بها المجتمعات.
إن ريادة الأعمال الاجتماعية في علاقتها بالابتكار تتخذ مجموعة من الأنماط التي تسهِّل ابتكار أنواع جديدة من القيمة متعددة الأبعاد، القادرة على مواءمة التقدُّم المجتمعي مع الاستدامة المالية، إلاَّ أن تقرير الوايبو يكشف أن هذه الأعمال ما زالت (غير مستكشفة نسبيا) خاصة في المجالات التقليدية لأبحاث الابتكار، والذي يُعزى إلى الفهم العام لماهية هذه المشروعات وقدرتها باعتبارها (محرِّكا مهما للابتكار)، لذا فإن الأمر هنا يحتاج إلى تأسيس بنية تحتية ووعيا قادرا على إطلاق العنان لتلك الإمكانات التي يمكن أن يقدمها الابتكار لريادة الأعمال الاجتماعية، وتطوير الرؤى الشاملة للآثار الاجتماعية والاقتصادية التي تحدثها هذه الأعمال.
والحال هنا لا يحتاج إلى إجراءات متفرقة تقوم بها المؤسسات كل على حدة، بل إلى (مراجعة وتقييم موضوعي للسياسات والمبادرات والنظم الأيكولوجية التي تعزِّز الابتكار)، بحيث يتم من خلال ذلك تأسيس أنماط رائدة من المشروعات التي تسهم في تشكيل آفاق ريادة الأعمال الاجتماعية، وتساعد في تطوير أنظمة الابتكار، وبالتالي فإنه يقدِّم حلولا للكثير من التحديات ويعمل على تغيير الكثير من الأنماط السائدة عن هذه المشروعات وقدرتها على التطوير بما ينعكس على الخدمات التي تقدمها من خلال توليد الأفكار المبتكرة.
يحاول تقرير الوايبو الإجابة عن مجموعة من التساؤلات منها (هل يتعامل الابتكار مع ارتفاع أسعار الفائدة والصراعات الجيوسياسية؟ وما الذي يتطلبه الأمر لريادة الأعمال الاجتماعية من أجل تحفيز الابتكار التحويلي والتأثير المجتمعي؟، وذلك من خلال مجموعة من التحليلات للحالة الراهنة للابتكار العالمي وفق أربع مراحل أساسية هي؛ (الاستثمار في العلوم والابتكار، والتقدم التكنولوجي، واعتمادات التكنولوجيا، والتأثير الاجتماعي والاقتصادي للابتكار)؛ إذ يخبرنا أن وضع التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للابتكار (يبدو أكثر إيجابية، فقد عادت العديد من المؤشرات إلى النمو مقارنة بما كان في العام 2023، ولكن بعضها لم يعد بعد إلى مستويات ما قبل الوباء).
إن رصد تلك التأثيرات يعكس الأوضاع الاجتماعية ومعدلات الفقر في العالم، كما يرصد التأثيرات البيئية ومعدلات الابتكار التي تخفِّف من تحديات البيئة وانبعاثات الكربون، إضافة إلى تأثير ذلك على مواجهة التحديات الاجتماعية، ومدى مواءمة مشروعات ريادة الأعمال التجارية مع الأهداف الاجتماعية والأنشطة التجارية والمشروعات التي تدفع النمو الاقتصادي والابتكار من خلال التحوُّل الرقمي والاعتماد على التطورات التكنولوجية المتسارعة.
وضمن تقرير مؤشر الابتكار العالمي للعام 2024، أصدرت الوايبو دراسة خاصة بعنوان (منظور اقتصادي لريادة الأعمال الاجتماعية. الرؤى والسياسة والآثار)، بهدف مناقشة العوائد الاقتصادية لريادة الأعمال الاجتماعية وقدرتها على الانتشار المعرفي، انطلاقا من أهمية (المعرفة) وتأثيرها على الشركات التي تهدف إلى تحقيق أرباح؛ فـ (الشركات ذات الدوافع الاجتماعية التي تنفذ الممارسات التجارية المعزِّزة للرعاية الاجتماعية تؤثر على المعايير العامة)، وبالتالي فإنها تؤثر على الأسواق التنافسية، وعلى أنماط الابتكار التي يمكن أن تُسهم في دفعها وتطويرها.
إن تطوير ريادة الأعمال الاجتماعية في الدولة وتغيير أنماطها التقليدية من خلال الإبداع والابتكار، ومراجعة الأفكار المرتبطة بعوائدها الاقتصادية، يتجاوز آثارها الاجتماعية على الأفراد المستفيدين من الخدمات التي تقدمها، بل أيضا يقوم بدور أساسي في (نشر الممارسات التجارية المبتكرة)، التي تُسهم في تخطي الكثير من التحديات التي تواجهها هذه المشروعات، من خلال إيجاد حلول مبتكرة تقوم على تعظيم الفرص وفتح آفاق جديدة لروَّاد هذه الأعمال.
لذا فإن الوايبو من خلال هذه الدراسة تعرِّف مؤسسات ريادة الأعمال الاجتماعية بأنها (منظمة)، لها أهداف اجتماعية قائمة على (توليد فوائد اجتماعية)، فهي ليست منظمات خيرية، بل مؤسسات قادرة على المساهمة في التنمية وإيجاد حلول مستدامة وابتكارية لتوليد فرص جديدة خاصة للشباب والنساء بما يسهمون به من إنتاجات ابتكارية وخدمات تقدِّم حلولا للعديد من التحديات المجتمعية؛ ولهذا فهي مؤسسات تخلق أنشطة اقتصادية وأعمال تجارية واجتماعية، تمثِّل امتدادا (للقيمة يتجاوز الوظيفة الموضوعية لريادة الأعمال).
إن مؤسسات ريادة الأعمال الاجتماعية تنتج عوائد للمجتمع، وتقدِّم نفسها باعتبارها إمكانات واعدة للابتكار، تجعل من الأفراد شركاء في الإنتاج بدلا من كونهم مستهلكين، ومنتجين قادرين على تطوير مهاراتهم بدلا من اعتمادهم على العطاءات الخيرية؛ فهذه المؤسسات هدفها الرعاية الاجتماعية المستدامة التي توفِّر المنتجات والخدمات وفق أنماط جديدة ابتكارية، قادرة على المساهمة في حل العديد من المشكلات، لذا فإن الهدف هنا ليس العطاء الخيري وإنما القدرة على تزويد الأفراد بالمهارات الابتكارية من أجل تحسين المستويات المعيشة.
فحاجتنا اليوم إلى دعم ريادة الأعمال الاجتماعية وتمكينها بالابتكار والإبداع وفق متطلبات المرحلة، لا يُسهم في تطويرها وتنميتها وحسب، بل أيضا في تأصيل ثقة المستفيدين منها، وقدرتها على تغيير الصورة الذهنية عن المشروعات التقليدية التي تعتمد أنماط مكرورة غير قادرة على النمو والتطوير.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لریادة الأعمال الاجتماعیة ریادة الأعمال الاجتماعیة المشروعات التی من التحدیات هذه الأعمال إیجاد حلول العدید من مجموعة من قادرة على من خلال التی ت سهم فی
إقرأ أيضاً:
عطاف: علينا التعامل بجدية مع التحديات التي تمنع إستقرار إفريقيا وتنميتها
قال وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، أن الجزائر تعتقد أن الوقت قد حان للتعامل بجدية مع التحديات والعقبات الرئيسية التي تحول دون استقرار إفريقيا وتنميتها وتكاملها.
وأكد عطاف، في كلمة له خلال مشاركته بجوهانسبرغ في الاجتماع الوزاري “”G20، أن الجزائر تؤيد تأييدا كاملا الأولويات الأربع التي حددها الرئيس سيريل رامافوزا. في خطابه الافتتاحي ظهيرة أمس. وتشيد على وجه الخصوص بتركيزه على حاجيات إفريقيا وتطلعاتها.
مضيفا أن هذا ما يؤكد مرة أخرى أن جنوب إفريقيا كانت ولا تزال مُدافعا صادقا ومُخلصا عن قضايا القارة وطموحاتها المشروعة.
وقال عطاف، أن هناك ثلاثة مساعٍ ذات أبعاد استراتيجية تستحق أن نوليها اهتمامنا الكامل وهي:
أولها إصلاح المؤسسات المالية والنقدية الدولية، فنحن بحاجة إلى مؤسسات تمثل عالم اليوم بصدق. وتستجيب بشكل فوري وبكفاءة عالية لشتى أنواع وأشكال التحديات التي تتهدد الدول النامية والإفريقية منها على وجه الخصوص.
ويتعلق المسعى الاستراتيجي الثاني بالحاجة الملحة لمعالجة أزمة المديونية بإفريقيا بغية الاستجابة لمتطلبات التنمية بها. فإفريقيا في حاجة إلى دعم قوي من مجموعة العشرين في هذا الشأن. بغرض تجاوز الأزمات المتفاقمة والمتمثلة في العسر المالي وتغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي واستفحال النزاعات.
وأضاف الوزير، بأنه لا ينبغي لإفريقيا أن تتخلف عن الثورات الراهنة التي ترسم مستقبل البشرية. سواء فيما يتعلق بالانتقال الطاقوي أو فيما يخص الرقمنة والذكاء الاصطناعي.
أما المسعى الاستراتيجي الثالث والأخير، فيرتبط بالضرورة الملحة للوفاء بالالتزامات الدولية تجاه إفريقيا. لاسيما فيما يخص تعزيز الدعم المالي والشراكات. وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا بغية تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتطلعات الأجندة الإفريقية 2063.
الجزائر تُرحب بمبادرة جنوب إفريقياوفي هذا الصدد، قال الوزير، أن الجزائر ترحب الجزائر بمبادرة جنوب إفريقيا المتعلقة بإنشاء ثلاث مجموعات عمل. تتناول كلا من “النمو الاقتصادي الشامل” و”الأمن الغذائي” و”الذكاء الاصطناعي”.
وأضاف الوزير، أن مبادرة من هذا القبيل من شأنها أن تضفي زخما جديدا على كيفية التعامل مع القضايا والتحديات العالمية الملحة. كما أنها ستجعل من التعاون الدولي من أجل التنمية العالمية أوسع مضمونا وأكبر فعالية وأكثر جدوى.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور