مجلس استشراف المستقبل.. هل بات ضرورة؟
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
يسود المشهد العالمي وتيرة متسارعة من التغيرات المتقاطعة؛ حيث لكل حدث أيما كان سياقه اقتصاديًا أو سياسيًا أو عسكريًا أو طبيعيًا تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على مختلف أنشطة الوجود الإنساني. تمتاز بعض الأحداث بمقدار كبير من الغموض وعدم القدرة على التنبؤ، وليس أدل على ذلك من الحالة السياسية والعسكرية الراهنة لأحداث الشرق الأوسط، حيث لا خيط رفيع يمكن الإمساك به للتكهن بمسارات الأحداث، أو مآلاتها، أو نقاط الانتهاء التي يمكن أن تتوقف عندها.
نحن إذن لسنا أمام عالم يتغير بسرعة، بل أمام تأريخ جديد للعالم يصعب القبض على معطياته وسيناريوهاته، وهذا بدوره يجعل الحكومات أمام تحد مهم في تدبيرها للمستقبل والحاضر على حد سواء؛ فأصبحت الرؤى والخطط طويلة المدى اليوم رهن المراجعة الدورية والتبديل والتعديل المستمر جراء تداعيات هذا التغير، وأصبح المحك اليوم في دور الحكومات هو مدى قدرتها على التخطيط الاستباقي، والانتقال في الآن ذاته من استشراف المستقبل بمفاهيمه التقليدية، إلى الاستشراف الاستراتيجي للمستقبل، وهو الوضع الذي تكون فيه الدولة ليست مجرد متلق/ متأثر بالمتغيرات، باحث عن الفرص، وإنما تكون من صناع أجندة المستقبل، ومن الفاعلين الرئيسيين في تحديد خرائطه ومساراته.
هذا الانتقال يتطلب من الدولة مجموعة من الممكنات، وكذلك الإرث على مستوى الفكر الاستراتيجي وعلى مستوى المساهمات العلمية، والخبرة الممتدة في التخطيط الاستراتيجي، والقدرة على الاستشعار بناء تجربة الماضي وفهم محكات التغير الراهنة. وفي سبيل ذلك أصبح اليوم وجود نظام متكامل للتهيئة للمستقبل (Ecosystem) ضرورة وطنية قصوى، ونقول نظام للتهيئة للمستقبل وليس فقط لاستشرافه؛ ونقصد الأدوات والممكنات التي تستطيع من خلالها الدولة تحويل استشعارها ورصدها للإشارات المستقبلية إلى نظم وسياسات وإجراءات تكيف، تمكنها من الاستعداد الجاد للتعامل مع الواقعة المستقبلية، واستثمار الفرص المتاحة، وتحقيق الريادة في المجالات التي ترى فيها تنافسيتها، والاستباق إلى درء المخاطر التي من المحتمل أن تؤثر على كيانها وديمومتها.
اليوم ثمة إشارات مستقبلية تتوافق عليها أغلب الأدبيات التي تناقش المستقبل، فعلى المستوى الاقتصادي والتجاري هناك انكفاء محتمل للعولمة التجارية، وتحول نحو التحالفات والتكتلات الإقليمية بشكل أوسع، يصحبه تعزيز لسلاسل التوريد الإقليمية في مقابل العالمية، وعلى المستوى الاجتماعي هناك صعود لطبقة وسطى عالمية جديدة، تشكل معايير جديدة في الاستهلاك والمفاهيم الاقتصادية، وهناك استمرار لتركز الثروة العالمية لدى فئات محدودة وقليلة في المجتمعات، وهناك أزمة شيخوخة عالمية ستدفع بعض الدول المتأثرة بها إلى الانفتاح في سياسات الهجرة واستقطاب العمالة، كما ستنشط سوقًا عالمية لخدمات ما يُعرف بـ "اقتصاد الشيخوخة"، وعلى المستوى العلمي ستكون التكنولوجيا الحيوية محورًا رئيسيًا للتنافس العالمي، فالتوقعات تشير إنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن يصل حجم الاستثمار السنوي في التكنولوجيا الحيوية إلى ما يقارب 1.2 تريليون دولار ويقود ذلك استخداماتها في قطاعات متعددة أهمها تقنيات الرعاية الصحية واستخدامات الطاقة النظيفة، كما يتوقع أن تشكل سوقًا عالمية مقدارها 3.87 تريليون دولار بحلول 2030. وعلى المستوى التقني سيكون الذكاء الاصطناعي محركًا للتغير في الانتاج وأسواق العمل وتكوين المهارات والتنافسية العالمية، فعلى سبيل المثال، وبحسب ماكينزي، فإنه يمكن أتمتة ما يصل إلى 30 بالمائة من ساعات العمل بحلول عام 2030، بفضل الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى ملايين التحولات المهنية المطلوبة.
هذه نماذج لإشارات مستقبلية تتوافق عليها أغلب أدبيات المستقبل، لكن ما يجب التنبه إليه أمرين مهمين: الأول أن المستقبل يُصنع يوميًا، أحداث الساعة تصنع شكلًا من أشكال المستقبل، وطرائقنا في التعامل معها وتدبيرها والسيطرة عليها أو توجيهها تصنع أشكالًا مختلفة للمستقبل. الأمر الآخر أن الريادة لم تعد اليوم في رصد المستقبل وحده، وإنما في الطريقة التي تهيئ بها الحكومات والمؤسسات نفسها للمرونة المستقبلية. وممكن أصيل من هذه المرونة المستقبلية هو (التوافق)، ونقصد به على مستوى الحكومات أن يكون صناع القرار والقيادات التنفيذية متوافقة على الإشارات المستقبلية الأكثر تأثيرًا، وما يجب التركيز عليه، وكيف يتم التهيئ له كمنظومة حكومية واحدة. في التهيئة للمستقبل لا يمكن احتمال العمل بشكل منفصل، فالتأثيرات متقاطعة، والفرص المستقبلية تحتاج جهدًا توافقيًا وتآزريًا. وحين تكون هناك أجندة وطنية للمستقبل واضحة ومتفق على السير نحوها أو التعامل معها يصبح المستقبل جزءا من فلسفة التدبير الحكومي. وهنا لعلنا نطرح فكرة وجود مجلس وطني لاستشراف المستقبل، حيث يمكن تشكيله على مستوى القيادات الوطنية، مع وجود أذرع فنية تقوم بالأعمال الفنية والبحثية المتصلة باستشراف المستقبل، وأن تكون مهمته الأصيلة هو حشد التوافق على المجالات والقضايا والأجندة التي يمكن لسلطنة عُمان أن تركز عليها في مسارها نحو المستقبل، وتهيئة الظروف والممكنات للعمل التشاركي لاغتنام الفرص المستقبلية بطريقة استباقية، حيث يكون التخطيط ليس في اللحظة وللحظة، وإنما برؤية كوننا في المستقبل الأن، وننطلق لصنع المستقبل الذي نريد. إن وجود مثل هذه الكيانات اليوم يعتبر ممكنًا أصيلًا في صنع السياسات وتدبير الخطط التنموية، ويجعل من كلف التنمية استثمارًا فعليًا للمستقبل، ويجعل من ديمومة برامج التنمية أمرًا مضمونًا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على مستوى
إقرأ أيضاً:
بين مؤيد ومعارض.. جدل برلماني حول ضرورة وجود وزارة مستقلة للتعليم الفني
تسبب مقترح ضرورة وجود وزارة مستقلة خاصة بالتعليم الفني في جدل بين النواب بين مؤيد و معارض.
وأكد النواب على ضرورة تطوير التعليم الفني بما يقلل فاتورة الاستيراد من الخارج وإزالة العراقيل لدعم الاستثمار في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال بما ينعش قطاع التعليم الفني.
شددت النائبة سها سعيد عضو مجلس الشيوخ ورئيس مجلس إدارة مؤسسة كيان للتنمية المجتمعية ، على ضرورة تطوير التعليم الفني من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة، مشيرة إلى ضرورة تطوير المناهج بحيث تتماشى مع احتياجات الصناعات، وإقامة برامج تدريبية للمدربين المتخصصين إعداد قائمة بيانات للخريجين لتسهيل فرص العمل.
واستعرضت النائبة سها سعيد التوصيات التي تستهدف تطوير التعليم الفني و منها إقرار صلاحية للمديرين للقيام بدورهم بأكثر كفاءة ، وتوفير ميزانية لتطوير البنية التحتية للمدارس ، دعم الصحة النفسية للطلاب من خلال منهج مخصص، وتقديم منح دراسية للطلاب المتفوقين لتشجيعهم على الاستمرار في التعليم الفني.
جاء ذلك خلال الورشة الختامية لحزمة الورش التي نظمتها مؤسسة كيان تحت عنوان "جسور المهارات .. تطوير التعليم الفني في مصر"،والتي نظمها مؤسسة كيان للتنمية المجتمعية بالتنسيق مع فريدريش إيبرت ،بحضور عدد من الخبراء والمتخصصين ونواب المجالس النيابية .
وشملت التوصيات ضرورة نشر ثقافة ريادة الأعمال وتشجيع الطلاب علي التفكير في إقامة مشاريعهم الخاصة للتنمية المجتمعية، كما شملت المطالبة بقانون للتعليم الفني والتدريب المهني ووزارة مستقلة للتعليم الفني والتدريب المهني وتنظيم تصاريح مزاولة المهنة للمهن الفنية
و طالبت النائبة سها سعيد بضرورة استماع الحكومة لتوصيات المجتمع المدني وتنفيذ ما يحقق مصلحة قطاع التعليم الفني منها.
وقالت النائبة أميرة صابر عضو مجلس النواب أن التوصيات الخاصة بالموضوع توصلت لسياسات ومطالب تشريعية لدعم قطاع التعليم الفني وتطويره بما يحقق مصلحة المجتمع.
وشدد النائب علاء مصطفى عضو مجلس الشيوخ على ضرورة استمرار الجهود الرامية لتطوير الطلاب من خلال مسارات غير تقليدية للعمل ومساحات مختلفة للمشروعات الصغيرة وريادة الأعمال.
ومن جانبها قالت النائبة جيهان البيومي عضو لجنة التعليم بمجلس النواب " لابد من دعم الشراكة مع القطاع الخاص بما يساهم في النهوض بهذا القطاع ، و لفتت إلى أنها غير مؤيدة لفكرة وجود وزارة مستقلة للتعليم الفني.
وشددت النائبة د أمل عصفور على ضرورة تطوير و تغيير نظرة المجتمع السلبية للتعليم الفني ، و صياغة سياسات تدعم هذا القطاع، مشددة على ضرورة ربط التعليم الصناعي بالصناعات المؤثرة عبر تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في هذا السياق ،كما طالبت بتطوير التخصصات التي عفا عليها الزمن في بعض القطاعات.
و من جانبه قال النائب أحمد مقلد عضو مجلس النواب أن تطبيق قانون إنشاء المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب سيساهم في تطوير هذا القطاع، مستطردا " قد لا نحتاج لوزارة مستقلة لكننا نحتاج لتشريع ينظم الأمر ، مشيرا إلى أهمية ما ورد من توصيات تتعلق بالحوار الوطني.
و من جانبه قال النائب عادل عبد الفضيل رئيس لجنة القوي العاملة بمجلس النواب، أن الصناعة هي قاطرة التنمية و بدونها تتراجع الدول اقتصاديا ، و أضاف " غياب العنصر البشري ينعكس على القطاع كاملا ، موضحا أن دعم العنصر البشري يقلل فاتورة الاستيراد من الخارج موضحا أن تطوير التعليم والعنصر البشري يحقق المصلحة العليا للمجتمع.
كما شدد على اخر أن تطوير النظرة المجتمعية للتعليم الفني و الشراكة مع القطاع الخاص تنهض بالمنظومة كاملة ، كما شدد على ضرورة تأهيل نسبة ال ٥٪ الخاصة بذوي الهمم بما يرفع الكفاءة و يجعلهم قادرين على مواكبة التطورات في مجال عملهم.
و من جانبه قال المهندس بهاء ديمتري مقرر لجنة الصناعة بالحوار الوطني، أن دعم التعليم الفني يؤدي للتركيز على الوظائف المتاحة مشددا على ضرورة تنسيق الحكومة مع المجتمع المدني و الاستماع لتوصياته بما يدعم قطاع التعليم الفني مطالبا بضرورة مواجهة آفة البيروقراطية.
و ردا على ما ذكره النائب عادل عبد الفضيل رئيس لجنة القوي العاملة بمجلس النواب ، بخصوص المجلس الأعلى لتنمية الموارد البشرية بالمحافظات في قانون العمل الجديد قال المهندس بهاء ديمتري مقرر لجنة الصناعة بالحوار الوطني،" نحتاج لمزيد من تسهيل الإجراءات و ليس البيروقراطية.
وشدد النائب أحمد سمير عضو مجلس الشيوخ على ضرورة تسهيل الاجراءات و إزالة العراقيل ، بما يساهم في الاستثمار في مجال المشروعات الصغيرة و المتوسطة وريادة الأعمال بما ينعش قطاع التعليم الفني.
و قالت إيمان طلعت مدرب الإدارة المحلية ورئيس مجلس أمناء مؤسسة صوت الشباب للتدريب ، لابد من تطوير المناهج و الاهتمام بالتخصصات في مجالات الزراعة و الصناعة ، مؤيدة مقترح ضرورة وجود وزارة متخصصة في مجال التعليم الفني.