ما يحدث في غزة منذ عام من استشهاد ما يقرب من خمسين ألفا وضعفهم من المصابين والعجزة، وتدمير المساكن على ساكنيها، ثم ما حدث خلال الأيام الماضية من استشهاد قيادة حزب الله وفي مقدمتهم أمين عام الحزب حسن نصر الله ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤، وما أعقب ذلك من عدوان غير مسبوق على جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت من هدم وتدمير لدرجة أن الحكومة اللبنانية والمتطوعون من الشباب اللبناني لم يتمكنوا من حصر عدد الشهداء لأن معظمهم قد استشهد تحت الأنقاض، وقد نجم عن كل ذلك هجرة آلاف اللبنانيين من جنوب لبنان وضاحية بيروت، قدرت الحكومة اللبنانية عدد النازحين بمليون نازح، معظمهم يعيشون في المدارس والشوارع، كل ذلك يحدث تحت أعين وبصر العالم الذي التزم الصمت، بينما راح الرئيس الأمريكي بايدن ووزير دفاعه يشيدون بالموقف الإسرائيلي مبررين العدوان بتصريحات فجة يمكن فهمها على ضوء الدعم المالي والعسكري لإسرائيل، ويعتقد نتنياهو وحكومته أن الحرب قد حُسمت بقتل حسن نصر الله وقيادات حزبه، وأن العالم سيكون أفضل كثيرا، ولم يلتفتوا إلى أن حزب الله يملك كوادر عسكرية وسياسية تقدر بمئات الألوف، وفي نشوة الانتصار راح الإسرئيليون يخططون لاجتياح بري إلى جنوب لبنان، وقد مهدوا له بهجمات صاروخية هائلة في الثلاثين من سبتمبر الماضي.
لم يستوعب الإسرائيليون الدرس حينما احتلوا لبنان عام ١٩٨٢، وبدعم من ميليشيا إنطوان لحد، وعاشت لبنان خلال ثلاثة سنوات في وضع مأساوي، إلى أن أصدرت الأمم المتحدة قرارا بانسحاب إسرائيل (٧ فبراير ١٩٨٥)، ومع بداية عام ٢٠٠٦، اندلعت المواجهات التي أسمتها إسرائيل حرب لبنان الثانية، والتي استمرت حتى ١٤ أغسطس حينما صدر قرار مجلس الأمن ١٧٠١ (١١ أغسطس ٢٠٠٦)، وفي كل هذه الحروب لم تستطع إسرائيل أن تكسر عزيمة اللبنانيين، على الرغم من الخسائر الباهظة التي تكبدوها من استشهاد الآلاف وتدمير الكثير من البنية الأساسية، لكن بقيت المقاومة اللبنانية رمزا للفخار والعزة، ففي الحروب دائما يظل المقاتلون المدافعون عن أرضهم هم القوة الحقيقية التي لا تُقهر أبدا، واليوم تعاود إسرائيل هجومها بشكل همجي، مستخدمة أحدث الصواريخ والطائرات في ظل وضع مأساوي تمر به لبنان، وقد اعتقد نتنياهو وجماعته ومناصريه أن الحرب قد انتهت ولم يبق إلا اجتياح لبنان، اعتقاداً منهم بأن ما حدث من أهوال ستثني عزيمة المقاتلين وستدفعهم إلى الاستسلام وقبول شروط عدوهم.
علمتنا التجارب التاريخية أن الحروب الكبيرة لا تنتهي في جولة واحدة، وخصوصاً إذا كان العدو عازماً على اغتصاب الأرض، فقد مضى على حرب غزة عاماً كاملاً وقد أحال العدو المدن والمنازل والمنشئات العامة إلى دمار شامل تجاوز ٧٥٪، وعلى الرغم مما تواجهه المقاومة من وضع معقد وصعب، إلا أن إسرائيل لم تتمكن من سيطرتها كاملاً على كل القطاع، ولم تستطع استعادة أسراها ولم تتمكن من كسر عزيمة المقاتلين، والآن تفتح إسرائيل جبهة جديدة في لبنان بهدف فصل المقاومة في لبنان عن نظيرتها في غزة واستعادة الأسرى، وهو مالم يتحقق، سيبقى الصراع وستظل المقاومة ما بقي العدوان والظلم والحصار وصمت العالم الذي يرفع شعار الحرية والديمقراطية واستعادة حقوق الشعوب المظلومة، سيظل الفلسطينيون يقاومون جيلاً بعد جيل وستبقى قضيتهم حية على الرغم من مرور ستة وسبعين عاماً على احتلال وطنهم، ستبقى المقاومة ما بقي الفلسطينيون متمسكين بحقوقهم حتى لو انصرف عنهم كل العرب، وسيبقى الصراع طالما بقي الفلسطينيون وقد قطعوا عهدا على أنفسهم توارثوه جيلاً بعد جيل، ولن تنعم إسرائيل بالأمن والسلام وسط شعب يُقبل على الموت أكثر من إقدام عدوه على الحياة.
دائما كنت على يقين بأن نتنياهو والمتعصبون الصهاينة من أنصاره سيدفعون بالمنطقة إلى حرب قد تكون مدمرة، تطال معظم دول المنطقة وخصوصاً وأن استقوائهم وغطرسة قادتهم وإصرارهم على مواصلة هجومهم ليس على غزة فقط وإنما على الضفة الغربية وأخيراً عزمهم على اجتياح لبنان، التي تمر بوضع مأساوي، كل هذا قد دفع بقوى إقليمية كبيرة (إيران) لكي تقذف العاصمة الإسرائيلية تل أبيب بصواريخ فائقة السرعة مساء الأول من أكتوبر الماضي، ولم تستطع القبة الحديدية التي استقوت بها إسرائيل أن تحول دون ضرب المناطق العسكرية الهامة، وهو ما أحدث قدراً كبيراً من الهلع في الشارع الإسرائيلي، ولا أعتقد أن ما يتطلع إليه نتنياهو من عودة الأسرى وإعادة المستوطنين إلى شمال إسرائيل يمكن أن يتحقق طالما بقيت إسرائيل مصرة على أن الحل يكمن في القضاء على أعدائها، حتى لو ساندتها الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الغربية. ستظل الجغرافيا هي العامل الحاسم والأكثر تأثيراً على الأرض، وهي حقيقة لم تستوعبها إسرائيل بعد ، فمن المتوقع أن تنطلق صواريخ أخرى من جبهات متعددة على حدود إسرائيل.
أتذكر أنني زرت الجنوب اللبناني في نهاية سبتمبر عام ٢٠٠٦، عقب انسحاب إسرائيل، وقد اصطحبني في هذه الزيارة أحد الأصدقاء اللبنانيين في سيارته، خرجنا من بيرت صباحا عبر طريق صور ومنها إلى الجنوب فوق طرق وعرة وطبيعة ساحرة، شاهدت بعيني الدبابات والمدرعات والمدافع المدمرة التي خلفها الإسرائيليون وراءهم، اجتزنا طرقا ودروبا جميعها تحتفي بالنصر عقب انسحاب إسرائيل، الفلاحون وقد عادوا إلى فلاحة أرضهم، والبيوت التي دُمرت يعمل أصحابها على إعادة إعمارها، والمحلات قد فتحت أبوابها والأطفال يلعبون في ساحات منازلهم والبهجة قد عمت الجميع.
مشهد الأسلحة المُدمرة التي خلفها العدو تعد بمثابة معرض مفتوح، يقفز الأطفال فوق المدافع والمدرعات وقد غمرتهم البهجة والسعادة، توقفنا لمشاهدة هذه الأسلحة وأنواعها والتقطنا الصور التذكارية، ثمّ عدنا إلى ركوب السيارة لمواصلة سيرنا نحو أقصى نقطة في الجنوب، في الطريق قرب الحدود الجنوبية أشار لي صديقي إلى مبنى كبير قائلا: هذا هو السجن الذي أقامه الإسرائيليون لسجن المقاتلين، توقفنا أمامه وطلبت من الحراس أن يأذنوا لنا بمشاهدته من الداخل، اصطحبنا الحارس عبر ممرات ضيقة للغاية، وعلى اليمين واليسار غرف صغيرة لا تزيد مساحتها عن متر ونصف، رحت أتطلع إليها، الكثير من السجناء قد سجلوا يومياتهم على جدران الزنازين، شباب وفتيات كانت معظم الكتابات تحمل رسائل إلى عائلات المسجونين، محتواها.. حتى لو خرجنا من السجن فسوف نواصل نضالاتنا، رجال يكتبون وصيتهم إلى أبنائهم يوصونهم بمواصلة مسيرتهم، شباب يكتبون خواطرهم إلى محبيهم، أزواج يوصون زوجاتهم على الأبناء، أمضينا أكثر من ساعة، تمنيت لو أن هذه الكتابات قد جُمعت لكي تكون موضوعاً لدراسة علمية عن أدب المقاومة، بعضها أشعار وآيات قرآنية.
خرجنا من مبنى السجن، ومضينا إلى معلم آخر يحتفي به اللبنانيون (بوابة فاطمة) ، وهي آخر نقطة في الحدود مع العدو، وقد أقيم عليها سياح حديدي كبير، رأيت الناس وقد تجمعوا ويرددون في نفس واحد فاطمة.. فاطمة، سألت مرافقي ما هي حكاية فاطمة وبوابتها؟ أجابني الصديق اللبناني قائلا: عند إنسحاب العدو مهرولا من جنوب لبنان راح اللبنانيون وقد تجمعوا وواصلوا قذفهم بالحجارة، وعند هذه النقطة تحديداً كانت (فاطمة) الفتاة التي لا يتجاوز عمرها خمسة عشر عاما قد أمسكت بحجر وألقته في وجه أحد الضباط الإسرائيليين، الذي فقئت عينه، عاد الجنود الإسرائيليون وقد أمسكوا بفاطمة، والناس من خلفها ينادون: يا فاطمة يا فاطمة. ذهبت فاطمة ولم تعد إلى الآن. أضاف صديقي: لعل الإسرائيليون قد قتلوها، لذا أطلق الناس على هذه المنطقة الحاجزة على الحدود (بوابة فاطمة).
أوشكت الشمس على المغيب، وقد عدنا إلى السيارة ورحنا نسلك نفس الطريق وسط حطام من الأسلحة والناس منتشون وفرحون، توقفنا عند أحد المحلات الصغيرة للتزود بالماء والقليل من الطعام، كانت بداخله امرأة في نهاية العقد الخامس من عمرها، قابلتنا بابتسامة رقيقة لكن يبدو عليها الألم والحزن، قدمت إلينا ما طلبناه، وبينما أتطلع إلى الحائط من خلفها شاهدت صورة لشابين في مقتبل العمر، يتوسطهما رجل في الخمسينات، سألتها بقدر من الفضول: لمن هذه الصورة؟ تنهدت وكأنها تحمل هموم الدنيا كلها، وأجابتني: إنها صورة زوجي وأولادي الذين استشهدوا في الحرب مع إسرائيل، ولهذا اضطررت إلى العمل في المحل الذي كان يديره زوجي، فلديّ بنتان صغيرتان، وقد قطعت على نفسي عهدا بأن أواصل رسالته.
عدنا إلى السيارة وقد تملكني الحزن والألم، وسألني صديقي: ما بك؟ أجبته الآن عرفت لماذا انسحب الإسرائيليون، انه شعب لا يعرف الهزيمة، ولهذا فان الصراع لم ينته بعد، وأن القضية ستظل حية ما بقي شعب يناضل في سبيل استعادة حقوقه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جنوب لبنان ما بقی
إقرأ أيضاً:
ما علاقة سوريا الجديدة مع إسرائيل؟ ملاحظات أولية
(1) تحرك بقيادة نتنياهو؟جاء التحرك العسكري للمعارضة السورية "سابقا" بعد أيام من تصريحات لرئيس وزراء الاحتلال نتنياهو يحذر فيها نظام الأسد من "اللعب بالنار". استخدم هذا التصريح للترويج لفكرة أن التحرك تم بالتنسيق مع حكومة الاحتلال الفاشي، للاستفادة من حالة التراجع التي يمر بها "محور المقاومة"، بعد توقيع حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار مع الاحتلال.
كثير ممن طرحوا هذه الفكرة لا يستحقون النقاش، لأنهم ينطلقون في هذا الطرح من عدائهم للثورة السورية منذ يومها الأول، ولكن البعض ممن أيدوا الثورة في بداياتها السلمية، ثم بدأت المخاوف تطغى على تأييدهم بعد عسكرة الثورة، يطرحون هذا التزامن من باب القلق على مستقبل سوريا، وهؤلاء بالطبع يستحقون النقاش بهدوء.
إن الرد الأساسي على هذا التزامن "المفتعل" هو أن السياسة لا تعمل بشكل "خطيّ"، ولذلك فإن تزامن حدث سياسي أو عسكري مع تصريح لسياسي هنا أو هناك لا يعني بالضرورة أن الحدث والتصريح مترابطان.
يضاف إلى ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي يعلن عداءه وهجومه على نظام الأسد منذ عقود، ولم تتوقف التصريحات المناوئة له خصوصا بعد دخول القوى العسكرية التابعة لإيران إلى سوريا، وبالتالي إذا كان تحرك "المعارضة" السورية هو "تنفيذ" لتصريحات نتنياهو، فلماذا لم تتحرك سابقا؟
بات مؤكدا أن انتصار "المعارضة" السورية وهروب الأسد بعد سقوط نظامه تحقق في جزء منه بسبب خسارة ما كان يعرف بـ"محور المقاومة".ولا بد من الإشارة هنا إلى أن "المعارضة" لو أرادت أن تكون جزءا من حرب "إسرائيل" على "محور المقاومة" لتحركت أثناء العدوان "الإسرائيلي" على لبنان، ولكنها التزمت بالصمت رغم استعدادها للهجوم منذ أكثر من سنتين إلى حين انتهاء العدوان.
ولكن هذا لا يعني أن المعارضة لم تستفد من نتائج التغييرات التي حصلت في المنطقة منذ "طوفان الأقصى".
(2) هزيمة لمحور المقاومة؟
بات مؤكدا أن انتصار "المعارضة" السورية وهروب الأسد بعد سقوط نظامه تحقق في جزء منه بسبب خسارة ما كان يعرف بـ"محور المقاومة". لم تتمكن إيران من تقديم المساعدة العسكرية اللازمة للنظام كما فعلت خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية بسبب تراجع اقتصادها، وتضرر قوتها بعد الضربات التي وجهها الاحتلال لأهدافها العسكرية خلال الشهور الماضية. ولم يتمكن حزب الله أيضا من القتال في مواجهة المعارضة السورية كما فعل سابقا، بسبب تعرضه لضربة كبيرة خلال العدوان الإسرائيلي الذي بلغ ذروته بعد عملية تفجير البيجر الإرهابية وما تبعها من اغتيالات لكبار قادته وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله وشن حرب عدوانية على لبنان برا وجوا.
هذا يعني أن اختيار توقيت عملية "ردع العدوان" أخذ بعين الاعتبار هذه العوامل، ولكن هل يعني هذا أن العملية تسببت في هزيمة "لمحور المقاومة"؟
الحقيقة أن هزيمة النظام السوري لم تكن سوى إسدال للستار على نهاية "محور المقاومة" كما كنا نعرفه سابقا، ولم يكن السبب لهذه النهاية. لقد بات ثابتا الآن حسب مصادر إعلامية دولية وعربية وحتى مقربة من حزب الله أن نظام الأسد كان ينفذ خطوات متسارعة للابتعاد عن المحور بوساطة إماراتية منذ أكثر من سنتين، وقد بدا هذا واضحا في خطوات اتخذها النظام ضد النفوذ الإيراني في سوريا، ومنع حزب الله -حسب مصادر إعلامية ـ من تنشيط قواعده العسكرية أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان، إضافة إلى السكوت المطبق حتى عن البيانات المساندة لقوى "المحور" التي كانت تشن حرب إسناد لقطاع غزة بعد "طوفان الأقصى".
هذا يعني أن سوريا أصبحت خارج "المحور" قبل هزيمة النظام وهرب الأسد، كما أن المحور أضعف بسبب ما تعرض له من عدوان شرس من الاحتلال، بعد عملية السابع من أكتوبر 2023 وليس بسبب سقوط نظام الأسد. ولذلك فإن التباكي على المقاومة باعتبارها قد تلقت ضربة بهروب الأسد، هو قراءة في غير محلها.
(3) الأهداف "الإسرائيلية"
يمكن معرفة الأهداف "الإسرائيلية" في سوريا من خلال ما تنفذه من اعتداءات يومية على الأراضي السورية، وما تطلقه القيادات السياسية والعسكرية من تصريحات تجاه مستقبل هذا البلد العربي المهم.
خلال أيام قليلة، قصف الاحتلال سوريا بوتيرة عالية جدا، تفوق ما كان ينفذه من قصف منذ عام 2011 بنسبة كبيرة، واحتل جيش العدوان أراض سورية جديدة أهمها القنيطرة، إضافة إلى مناطق في الجنوب السوري تصل إلى درعا على حدود الأردن.
لقد بات ثابتا الآن حسب مصادر إعلامية دولية وعربية وحتى مقربة من حزب الله أن نظام الأسد كان ينفذ خطوات متسارعة للابتعاد عن المحور بوساطة إماراتية منذ أكثر من سنتين، وقد بدا هذا واضحا في خطوات اتخذها النظام ضد النفوذ الإيراني في سورياوبالتزامن مع القصف الجوي والعدوان البري، فإن الاحتلال لم يخف أهدافه السياسية والعسكرية في سوريا، إذ أكد أنه يريد إضعاف ما تبقى من مقدرات للجيش السوري، والاستمرار باحتلال القنيطرة كمنطقة عازلة لمدة عام على الأقل، وربما يطمح لإقامة منطقة عازلة في الجنوب، كما أنه يريد منع أي فرصة لمهاجمة "إسرائيل" من قبل القيادة السورية الجديدة التي أعلن بشكل واضح أنها قيادة معادية متطرفة غير جديرة بالثقة.
أما الهدف الأبعد للاحتلال فهو تقسيم سوريا من خلال دعم الأقليات "الدروز والعلويين والأكراد"، وقد ورد هذا بوضوح عبر تحليلات تنشر في الصحف العبرية على لسان خبراء استراتيجيين وجنرالات سابقين، وبشكل غير مباشر في تصريحات وزير الخارجية جدعون ساعر الذي أكد أنه "من المهم ضمان حماية الأقليات في سوريا، من الأكراد والدروز والمسيحيين، إضافة للعلويين وهي الأقلية التي كانت حجر الأساس لنظام الأسد"، حسب قوله.
(4) ما هو المطلوب سوريا؟
إزاء هذا المشهد الإقليمي، والأهداف "الإسرائيلية" العدوانية المعلنة، فإن المطلوب سوريا هو تكوين موقف وطني سوري موحد ضد العدوان. يتطلب هذا ابتداء خطاب سياسي واضح يدين العدوان ويرفض الاحتلال الإسرائيلي سواء للجولان أو للأراضي التي احتلت في الأيام الأخيرة، والابتعاد عن الخطاب "الناعم" الذي يعلن الضعف عن مواجهة الاحتلال، وهو الخطاب الذي ساد في اللقاءات الإعلامية لقائد العمليات العسكرية أحمد الشرع بعد سقوط الأسد.
وحتى تتمكن سوريا من مواجهة العدوان "الإسرائيلي" السافر، فمن الضروري أن تضع القيادة السورية الجديدة مسألة وحدة البلاد على رأس أولوياتها، لأن مواجهة العدوان ووحدة سوريا قضيتان لا تقلان أهمية عن حل المشكلات الداخلية التي تستحق هي الأخرى اهتماما كبيرا بدون شك.لا يعني هذا دعوة قيادة سوريا الجديدة لشن حرب على الاحتلال، لأن موازين القوى المختل بين الطرفين يحول دون مثل هذه الحرب، ولكن المطلوب على الأقل تهديد الاحتلال بمقاومة شعبية لعدوانه، وإدانته بلغة واضحة، والكف عن تقديم الوعود والنوايا "الحسنة" المجانية للاحتلال، ووضع الاحتلال غير القانوني للجولان والقنيطرة وغيرها من الأراضي السورية على طاولة البحث مع الوفود الأجنبية.
وحتى تتمكن سوريا من مواجهة العدوان "الإسرائيلي" السافر، فمن الضروري أن تضع القيادة السورية الجديدة مسألة وحدة البلاد على رأس أولوياتها، لأن مواجهة العدوان ووحدة سوريا قضيتان لا تقلان أهمية عن حل المشكلات الداخلية التي تستحق هي الأخرى اهتماما كبيرا بدون شك.
إن السياسة الغربية تقوم على الضغط على دول منطقتنا بالتدريج، وكلما تنازلت قيادات هذه الدول أمام الضغوط، فإنها ستتعرض لضغوط إضافية من الغرب للحصول على المزيد من التنازلات، ولذلك فإن القيادة السورية الجديدة يفترض أن تعرف متى تقبل ومتى ترفض، وتعرف أيضا كيف تناور أمام الضغوط، بدون خسارة العلاقات مع دول العالم الضرورية لبناء سوريا وحل مشكلاتها المستعصية.
لقد بني نظام الأسد جزءا من شرعيته على دعم المقاومة وفلسطين، ولكن سوريا الجديدة التي قامت بعد ثورة وصراع طويل، سوريا الحرة وشعبها الذي بدأ يتنفس حريته وكرامته بعد سوط هذا النظام، هي الأولى بهذه الشرعية، التي ستظل منقوصة، ما دام الاحتلال الإسرائيلي يسرح ويمرح في الأراضي السورية دون خطاب قوي وموقف واضح واستعداد لمقاومة احتلال أراض سورية وفق الإمكانيات المتاحة.