إن المتأمّل في مسار الأحداث السياسية التي تعصف بالمنطقة العربية في الوقت الراهن، يُدرك تماماً أنّ الأوطان لم تعد كما كانت، وأن الركيزة الأولى لاستقرارها هي الدولة الوطنية، التي تعيش حالياً أزمة وجودية تهدّد كيانها ومستقبلها. في عراق الأمس ولبنان اليوم، سوريا المكلومة، واليمن المنهك، نجد أن الدولة قد أُضعفت وتآكلت بفعل عوامل خارجية وداخلية، مما ألحق بالأوطان جراحاً غائرة، وآن الأوان لإعادة النظر في مفهوم الدولة، ليس كإطار سياسي فحسب، بل كضمانة لحماية المجتمع ومنعه من الانهيار.
الدولة الوطنية، بمؤسساتها وقياداتها الشرعية، ليست مجرد أداة للحكم، بل هي الضامن الوحيد للتعايش والسلم الأهلي، فحين تضعف الدولة أو تفقد سيادتها، تبدأ الولاءات الطائفية والقبلية بالظهور، وتختفي معها ملامح الوحدة الوطنية. رأينا كيف أن الميليشيات المسلحة كانت بمثابة معاول هدم تقوّض أسس تلك الدول، وتعزّز الانقسامات الاجتماعية، لتتحول الأوطان إلى مسارح فوضى لا يعرف المواطن فيها إلى من يلجأ. وهكذا، تتفكك الدولة شيئاً فشيئاً، وتذوب في بحر من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فلا يبقى من المؤسسات إلا أطلالها.
ومع ذلك، يجب أن ندرك أن دعم الدولة الوطنية ومؤسساتها ليس فعلاً سياسياً عابراً، بل هو واجب أخلاقي وحتمي للحفاظ على وجود الوطن نفسه. هذا الكلام يتّفق ويتّسق مع ما كان يؤمن به الرئيس الأمريكي الراحل جورج واشنطن حين قال: الوحدة الوطنية هي الأساس الضروري للحفاظ على حريتنا واستقلالنا. لذلك؛ فالالتفاف حول القيادة الشرعية ومؤسسات الدولة، هو السبيل الوحيد لاستعادة الهيبة والسلطة، في وقت تُهدّد فيه الكيانات بالانهيار. الدولة هي الأساس الذي يجب أن يستند عليه المجتمع في بناء مستقبله، وهي الوحيدة التي تستطيع أن تقود الوطن نحو طريق التقدّم والاستقرار.
ولكن، في خضم هذه الأزمات، تظهر على الساحة أصوات تدعي الفهم والخبرة، متسربلة بعباءة المثقف أو الخبير. تراهم على شاشات التلفاز، يتحدثون عن الميليشيات المسلحة وكأنها الملاذ الأخير، متجاهلين تماماً أن هذه الجماعات هي ما تسبب الفوضى والانقسام. هؤلاء ليسوا سوى أدوات في أيدي قوى خارجية تسعى لزعزعة استقرار الأوطان، وخداع الناس بوعود لا أساس لها، والابتعاد عن هؤلاء وعدم الانجراف خلفهم، هو ضرورة لكل مواطن عربي يتطلّع إلى مستقبل مستقر.
المواطن العربي اليوم مطالب بأن يعي جيداً ما يحاك له ولبلاده، وأن يدرك أن البديل عن الدولة الوطنية ليس إلا الفوضى. الطائفية والميليشيات المسلحة ليست إلا دعوة للفناء الذاتي والانتحار الجماعي.
إن الدول التي كانت مثالاً للتنوع والتعايش الديني والثقافي، تحوّلت إلى ساحات للفتن والحروب بسبب صعود الميليشيات التي تعمل خارج إطار الدولة. هذه الحروب لم تُبقِ على شيء، فالبنية التحتية انهارت، والأمن غاب، والملايين من الناس هاجروا من أوطانهم، بحثاً عن أمان فقدوه في ديارهم. ومن هذا المشهد الحزين، علينا أن نأخذ الدروس، وأن نعي أن الدولة الوطنية هي الضامن الحقيقي لاستمرار الحياة واستقرار المجتمع.
الخلاصة واضحة: الدولة الوطنية هي السور الذي يحمي المجتمع من التفتت والخراب، والالتفاف حول القيادة الشرعية ليس مجرد فعل سياسي، بل هو واجب على كل مواطن. الوقوف مع الدولة هو الوقوف مع الحياة، والانسياق خلف الميليشيات ودعاة الفوضى ليس إلا خطوة نحو الدمار.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ولبنان عام على حرب غزة إسرائيل وحزب الله إيران وإسرائيل الدولة الوطنیة
إقرأ أيضاً:
مصر أكتوبر: الدولة المصرية هي الملاذ الآمن لكل اللاجئين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال المستشار ناصر جابر حسان، أمين حزب مصر أكتوبر ، إن موافقة مجلس النواب على مشروع قانون لجوء الأجانب، خطوة مهمة وجيدة تعكس التزام الدولة المصرية بتعزيز جهودها نحو تطبيق المفاهيم الشاملة لحقوق الإنسان، والالتزام بالاتفاقيات الدولية المعنية بتقنين أوضاع اللاجئين وتوفير الرعاية الكاملة لهم وضمان تمتعهم بالخدمات المختلفة كالخدمات الصحية والتعليم والحق في المسكن وغيرها.
وأكد حسان في بيان له اليوم، أن مصر من أوائل الدول التي فتحت أبوابها أمام المهاجرين والنازحين جراء الأحداث والأزمات والحروب التي تشهدها أوطانهم، لتصبح الدولة المصرية هي الملاذ الآمن ومصدر الأمن والأمان والاستقرار لهم، ولا يمكن لمصر أن تجد من يستغيث بها وتغلق الباب في وجه، مشددًا على ضرورة أن تتحد جهود المجتمع الدولي إلى جانب الجهود المصري في حماية اللاجئين.
وأوضح أمين عام مصر أكتوبر، أن قانون لجوء الأجانب الذي أقره مجلس النواب، يتضمن العديد من المزايا كونه ينظم شئون اللاجئين بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر، وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين الموقعة في جنيف بتاريخ 28 يوليو 1951، وينظم حقوقهم وواجباتهم داخل الدولة المصرية، ويضمن تلبية احتياجاتهم كاملة في إطار قانوني منضبط.
وطالب المستشار ناصر جابر حسان كافة المؤسسات المعنية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني بضرورة التضافر في تنظيم لجوء الأجانب في مصر حسبما أقر القانون، وضمان توفير الحماية القانونية اللازم لهم، وحمايتهم من الانتهاكات التي قد يتعرضون لها، والعمل على دمجهم بشكل إيجابي في المجتمع، وضمان حقهم في التقاضي وممارسة المهن الحرة، وكذلك الحصول على الأجر المناسب، إلى جانب جهود الدولة في ذلك.