اليوم العالمي للمُعلِّم 5 أكتوبر
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
في اليوم الخامس من أكتوبر يحتفل العالم أجمع بيوم المُعلِّم العالمي الذي يصادف هذا العام يوم السبت 05/10/2024م الموافق 02/04/1446هـ، والذي تحتفل به وزارة التعليم في المدارس والكليات والجامعات ووسائل الإعلام المرئي والمسموع ومنصات التواصل الاجتماعي، نظرا لأهمية مهنة التعليم التي لها تأثير بالغ في تربية وتهذيب الأجيال وصناعة القادة الواعية بأهداف بناء الأوطان ومستقبلها المشرق، فالمُعلم هو الذي يؤدي رسالة التربية والتعليم والمعرفة وينير دروب الأجيال ويساهم في تنشئتهم النشأة الواعية المثقفة، ويقوم بدور عظيم في العملية التربوية والتعليمية وهو قدوة مُهمِّة لهذه الأجيال وحجر أساس في بناء المجتمع.
وبنظرة سريعة على اليوم العالمي للمعلم، فقد تم إطلاق هذا اليوم من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” عام 1994م بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، تقديرا للدور الحيوي والجهد العالي الذي يبذله المُعلم في تحسين جودة التعليم ودعم المُعلم لتطوير قدراته وأساليبه في التعليم وحفظ حقوقه الكاملة ونظام تدريبه ومعرفة الظروف والتحديات التي تواجهه في العمل والوسائل التي يمكن بها تحسين بيئة التعليم، لذا كان من باب الشكر والعرفان والتقدير أن يحتفى المجتمع بالمُعلم في يوم مخصص له سنوياً في العالم أجمع ليُعبِّر كلا من الوطن والطلاب والشعب بأكمله، من خلاله عن حبهم وتقديرهم وامتنانهم للمُعلم.
أمَّا مَا أحببت أن أذكِّرَ به كل مُعلم في مجتمعنا الإسلامي العظيم، هو أعظم مُعلِّم عرفته البشرية على الإطلاق وهو نَبيّنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام محمد بن عبد الله الذي قال في بعثته “إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارمَ (وفي روايةٍ: صالحَ) الأخْلاقِ” (الألباني-السلسلة الصحيحة)، والذي غيَّر أمة كاملة بفضل الله وأنتشلها من الجهل والضلال وزكَّاها وعلَّمها الكتاب والحكمة كما قال الله تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (الجمعة-2)، بل تخرج على يديه الكريمتين أعظم جيل عرفه التاريخ في حب الله ورسوله والخوف من الدار الآخرة، بفضل شمائل هذا النبي المعلم الكريم عليه الصلاة والسلام التي تمثلت في خُلُقِه العظيم وقيادته الحكيمة وحرصه ورفقه ولطفه وتسامحه وتوجيهه وتواضعه وتقديره لأحوال الناس وحبه لهم والتريث في الإجابة على السؤال وترك الحديث بلا علم، وضرب الأمثال، وتحفيز الأذهان، وتكرار الكلام المفيد وعند التحذير، وعدم الضرب كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها “ما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله” (رواه مسلم).
لذا فإن من يقم بمهمة المُعلِّم ويتشرف بتقمص رداء الرسل وخلافتهم في أعظم مهنة وأشرفها لابد له أن يتحلى بهذه الصفات الجليلة قدر الإمكان ويعي أهمية هذه الوظيفة حيث قال المصطفى عليه الصلاة والسلام “من سلك طريقًا يطلبُ فيه علماً، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرض، والحيتانُ في جوفِ الماءِ، وإنَّ فَضْلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ” (الألباني – صحيح أبي داود).
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا
كَادَ المُعَلِّمُ أَنْ يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي
يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: الم علم
إقرأ أيضاً:
الشيخ ياسر مدين يكتب: في الصوم
قال سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدِنا جبريلَ عليه السلام حين سأله عن الإسلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيمَ الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا». سبقت الإشارة إلى أن قَصْر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فى هذه الخمس ليس معناه أنّ الإسلام عبادات فقط، فقد سبق أن أشرنا إلى أثر الشهادة والصلاة والزكاة في حياة المسلم، وما تستلزمه منه.
وسوف نشير -إن شاء الله تعالى- إلى أثر الصيام والحج، فالحديث إذن لا يدل على انحصار الإسلام في العبادات فقط، وإنما هو ذِكرٌ للأركان الكبرى التي تُؤصّل لحياة مستقيمة في العبادات والمعاملات. وبدَيهيٌّ أن يبدأ الحديث بشهادة «أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم» لأنها إعلان الإسلام والالتزام به عقيدة وسلوكا.
وقد سبقت الإشارة إلى أنّ الواو العاطفة بين الصلاة والزكاة والصيام والحج تقتضي الجمع بدون ترتيب؛ أي: صار المرء بمجرد إسلامه مطالبا بهذه العبادات كلها، إلا إذا سقطت عنه لعدم القدرة. فالواو إذن لا تقتضي ترتيبا، لكن هذا لا ينفي أن يكون لترتيب هذه الأركان حِكمةٌ، وذلك ليس من حيثُ اقتضاء الواو ترتيبا معينا، ولكن من حيث إن المتكلم بها قدَّم بعضها على بعض وأخّر بعضها عن بعض.
وإذا نظرنا سنجد أنّ الزكاة والصيام لا يفرضان كل عام، بخلاف الصلاة التي تتكرر خمس مرات في اليوم والليلة، فتقديم الصلاة تقديم لما يكثر تكراره، والزكاة والصيام يسقطان عن غير القادر، فالذي لا يملك النِصاب يسقط عنه أداء الزكاة، وغير القادر على الصيام لا يصوم، هذا بخلاف الصلاة التي يؤديها المسلم ولو بالإشارة إن لم يقدر على الركوع والسجود، وهذا داعٍ ثانٍ لتقديمها عليهما.
ثم تأتي الزكاة بعد الصلاة، وهي كذلك في كتاب الله جاءت تالية للصلاة في ستة وعشرين موضعا، ومن الجهة الاجتماعية نجد أن الصلاة شأنها أن تجمع المسلمين خمس مرات فى اليوم والليلة فيقترب بعضُهم من بعض، ويعرف بعضهم بعضا، وهذا يُوقفهم على أصناف مستحقي الزكاة بينَهم، وهنا يأتي دور الزكاة لمساعدة أولئك المحتاجين، وهذا يقتضي أن تأتي الزكاة بعد الصلاة.
ثم إن الزكاة رِفْدٌ بالمال [أي عطاء وصِلة]، وهذا العطاء هو الذي يعين المحتاج على ضروريات حياته، فيقدرُ على شراء الطعام الذي يتسحر به ويُفطر عليه إذا صام، وبعض مصارفه قد يُجعل لحج بعض المحتاجين، فسبق الزكاة للصيام والحج أمر منطقى.
وإذا كانت الزكاة قد عوّدت المسلم الواجد أن يُخرج قدرا من ماله للمحتاجين، فإنّ ما يذوقه في الصيام من سَغَبٍ [أي: جوعٍ] يحمله على مزيد من الجود والإطعام، وكما طهّرته الزكاة من البخل وحب المال والاستئثار به، يأتي الصيام ليرقى به مرتبة أعلى فيجعله يستغني في يومه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن الطعام والشراب والشهوة، وهذه الأمور هي أسباب استمرار الحياة، وطغيان شهوتي البطن والفرج سبب لارتكاب الموبقات والاعتداء على الحرمات، فالصيام يجعل الإنسان يستعلى عن أن تسوقه الشهوات، فهو قادر على قمعها وتوجيهها وفق ما أمر الله تعالى به، وباستقامة هذا الشأن يستقيم أمر الإنسان في سائر حياته في العبادات والتعاملات.
والصيام إذن عبادة تؤصّل لاستقامة شأن الحياة في جميع مناحيها، حيثه إنه يرجى من وراءه تحقيق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى هى أن يقي الإنسان نفسه من الوقوع فيما حظره الشرع الشريف، فبها يستقيم شأن الحياة وفق مراد الله تعالى.
ثم بعد ذلك يأتي الحج، فهو عبادة مالية بدنية، يحتاج فيها المرءُ إلى مالٍ كافٍ للذهاب والعودة وترك ما يكفي لأهله حتى عودته، كما يحتاج إلى قوة بدنية يستطيع بها أداء مناسك الحج المختلفة، وهو بهذا لا يتهيأ لكل مسلم، ولذا قيده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستطاعة فقال: «وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا»، وهذا يقتضي تأخره عما قبله.
ثم إنه عبادة تجب مرةً في العمر، وهذا الوجه أيضا يقتضي تأخره عما قبله.