د. محمد بن خلفان العاصمي

المُتابع للقضية الفلسطينية عبر تاريخها المقارب لثمانين عامًا، وخاصة التحولات التي شهدتها خلال السنوات الخمسة والثلاثين الماضية، يُدرك أن زوال هذا الكيان الغاصب المغروس في قلب الامة العربية بات وشيكًا، حتى الصهاينة أنفسهم يدركون هذه الحقيقة ويعيشون هواجسها بشكل يومي، رغم قوتهم وتمكنهم وغطرستهم وتقدمهم التكنولوجي وتفوقهم العسكري والاقتصادي، بينما الأمة العربية والإسلامية تعيش حالة شتات وخلاف مذهبي وطائفي وعرقي وسياسي.

الصهيوني يرى أن زوال دولته حاصلٌ في أي لحظة من مراحل التاريخ، وأنه في أي وقت قد تنعكس موازين القوى، خاصةً مع تنامي رقعة الصراع ودخول المنطقة في مرحلة من الفوضى السياسية وتعددية القوى وتشكل التحالفات من جديد، مع صعود الوعي العالمي بمدى بربرية المحتل ووحشيته، علاوة على تزايد عدد المؤيدين للقضية الفلسطينية حول العالم، لا سيما من الشعوب الغربية، التي اكتشفت الخديعة الكبرى، واتضحت لها سياسات حكوماتها العنصرية تجاه هذه القضية، وباتت أكثر شراسة في رفضها لهذا المغتصب العنصري، حتى من الدول العربية والإسلامية التي يعيش بعض شعوبها حالة من الغيبوبة الفكرية.

خلال الأسبوعين الماضيين، عاثت آلة القتل الصهيونية فسادًا في لبنان واغتالت عددًا من قيادات "حزب الله" وعلى رأسهم السيد حسن نصرالله الأمين العام للحزب، ومن قبله السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. هذا التوجه الذي نهجه المحتل يهدف إلى ضرب حركات المقاومة معنويًا من خلال التخلص من قياداتها، في تصورٍ منه أن ذلك يُضعف هذه الحركات، ويتناسى المحتل أن هذه السياسة ذاتها هي التي أوقدت جذوة المقاومة، وربما اغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين خيرُ دليل على ذلك. هذا التوجه في حد ذاته يُبيِّن مدى التخبُّط الذي يعيشه المحتل والخوف الذي ينتابه من فكرة الزوال والنهاية التي يعيشها كل يوم!

من الطبيعي أن يفرح اليهودي الصهيوني وحتى الغربي والكارهين للعرب والمسلمين منهم، وهم يشاهدون الدمار الذي يُحدثه المحتل الغاشم، وأعداد الضحايا من الأبرياء وقيادات المقاومة التي تسعى لتحرير فلسطين المحتلة، لكن أن تفرح شرذمة قليلة العرب والمسلمين بنصر عدوهم، فهذا أمر غير منطقي وغير مقبول، وهو ما يُثبت نجاح النظرية الصهيونية التي قامت على أن بقاء إسرائيل يمر عبر تقسيم المنطقة إلى جماعات إثنية وطائفية وعرقية، حتى يظل الصراع الداخلي بينهم؛ بعيدًا عن عدوهم الأساسي. وقد ذكر كثير من المفكرين المتخصصين في هذا المجال هذه النظرية التي يغذيها الغرب بشكل مستمر، والشواهد كثيرة حتى ظهر لدينا "المُتصهْيِنيون" الذين أظهروا مواقف وتصرفات، أشد كرهًا للعرب والمسلمين من اليهود أنفسهم!

لقد تجاوزت هذه الفئة كل المبادئ الإنسانية والأخلاقية في تعاطيها مع المقاومة الفلسطينية والداعمين لها، ومدَّت يدها للصهاينة، في مشهد أكثر تقاربًا من التطبيع ذاته، وخرجت جموعهم تحتفل مع كل ضربة يوجهها العدو لإسقاط المقاومة. ومن المؤسف أن بعض من أفراد الأُمَّة لا يفرقون بين العدو والصديق، وبين ما يأمرنا به الدين وما ينهانا عنه، وكل ذلك من جراء الطائفية والانتماءات السياسية التي بُليت بها الأُمَّة، وما أفرزه مشروع التقسيم الصهيوني الغربي من جيل يعاني عدد من أفراده من التغييب والتدمير الأخلاقي والفكري، وأصبحنا نجد من يفرح لموت مسلم على يد محتل غاصب.

وسط هذه الفوضى الفكرية المُلوَّثة، تبرز سلطنة عُمان وأبناؤها بمواقفهم التاريخية الثابتة من قضية فلسطين العادلة، وفي حقيقة الأمر هذا الموقف يمثل لي- كعُماني- مصدر فخر ما بعده فخر، وأعيش حالة من الشعور بالقوة الداخلية والرضا التام، عندما أشاهد هذا الثبات من حكومتنا الرشيدة ومن علمائنا الأجلاء وعلى رأسهم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة- أمد الله في عمره- تجاه قضية فلسطين، ومن خلفهم أبناء عُمان الأوفياء، الذين ضربوا أروع الأمثلة في دعم هذه القضية، نابذين كل عوامل التفرقة التي تفتك بالشعوب الأخرى، ومبتعدين عن مُسببات الشقاق والتشرذم الذي وقع فيه الآخرون.

لقد ظلّت تصريحات سلطنة عُمان وتوجهاتها السياسية نحو القضية الفلسطينية ثابتة على مر تاريخ هذه القضية، وانتهجت سلطنة عُمان نهجًا ثابتًا داعمًا للأشقاء لم يتغير، رافضةً للتطبيع والتعاطي مع المحتل، مطالبةً المجتمع الدولي بأن يقوم بواجبه لإجبار هذا المحتل على تطبيق قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وخاصة فيما يتعلق بحل الدولتين على حدود 1967، ووقف دوامة العنف، الذي يجر المنطقة والعالم نحو حرب شاملة مُدمِّرة، وعلى الدول الداعمة لهذا الكيان المحتل أن تتوقف عن تقديم الدعم الذي يُكرِّس الظلم، ويؤسِّس لصراع طويل وواسع قد يصل لمصالح هذه الدول وشعوبها، وعلى الجميع أن يُجنِّب العالم أجمع كارثةً باتتْ وشيكة أكثر من أي وقت مضى.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بعد إصدار قرار باعتقال نتنياهو وجالانت.. هل تنفذ قرارات الحكمة الجنائية الدولية؟

في خطوة تاريخية ومثيرة للاهتمام، أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت. تأتي هذه المذكرة على خلفية تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يعد خطوة هامة نحو محاسبة الجرائم الإسرائيلية أمام القانون الدولي.

الدكتور جهاد أبولحيةاعتقال نتنياهو وجالانت

صرّح أستاذ النظم السياسية والقانون الدولي، الدكتور جهاد أبولحية، أن مذكرة الاعتقال الصادرة بتاريخ 30 مايو 2024 ضد نتنياهو وجالانت، تلزم جميع الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على المتهمين فور دخولهم أراضي تلك الدول، ما لم يسلموا أنفسهم طواعية للمحكمة.

وأضاف الدكتور أبولحية في تصريحات خاصة لـ “صدى البلد”، أن الدائرة التمهيدية للمحكمة اقتنعت بأن جرائم خطيرة وانتهاكات جسيمة قد ارتكبت بحق المدنيين دون اتخاذ أي إجراءات لحمايتهم، وهو ما يخالف القانون الدولي في النزاعات المسلحة.

وقال أبولحية إنه وفقًا للمادة (62) من نظام روما الأساسي، "تنعقد المحاكمات في مقر المحكمة"، ما يعني أن المعتقلين سيتم نقلهم إلى لاهاي لبدء المحاكمة. ويتم اعتماد التهم الموجهة من قبل دائرة ما قبل المحاكمة وفق المادة (61)، التي تنص على عقد جلسة في غضون فترة معقولة من تقديم المتهم للمحكمة.

وأشاد الدكتور أبولحية بجرأة المحكمة الجنائية الدولية في أداء واجبها القانوني، رغم التهديدات والهجمات التي تعرضت لها من إسرائيل، والولايات المتحدة، وبعض الدول الغربية. وأوضح أن هذه الضغوط تضمنت اتهامات باطلة للمدعي العام ومحاولات إشغال المحكمة بقضايا جانبية لتعطيل عملها.

أكد أبولحية أن إصدار المذكرة بحق نتنياهو وجالانت يمثل خطوة هامة، لكنه تمنى أن تشمل جميع المسؤولين الإسرائيليين، من ضباط وجنود، الذين شاركوا في الجرائم الدولية. كما أشار إلى أن هذه المذكرة ترسخ مبادئ هامة، أبرزها:  

الاعتراف بالشخصية القانونية لفلسطين دوليًا.بدء مرحلة المحاسبة على الجرائم الإسرائيلية وفق القانون الدولي.ردع المخالفين مستقبلاً وإجبارهم على التفكير قبل ارتكاب الجرائم .التأكيد على مبدأ أن الجميع متساوون أمام القانون الدولي.

وتُعد مذكرة الاعتقال خطوة مفصلية في مسار العدالة الدولية، حيث تؤكد المحكمة الجنائية الدولية التزامها بمحاسبة مرتكبي الجرائم الدولية، بغض النظر عن الضغوط السياسية. ويبقى السؤال: هل ستتمكن المحكمة من تنفيذ قراراتها ومحاسبة المتهمين؟ الأيام القادمة قد تحمل الإجابة.

مقالات مشابهة

  • بعد إصدار قرار باعتقال نتنياهو وجالانت.. هل تنفذ قرارات الحكمة الجنائية الدولية؟
  • وقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء لبنان وفلسطين قبل بدء محاضرة " السينما الفلسطينية واللبنانية" ( صورة)
  • اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم العين غرب مدينة نابلس
  • مفتي عُمان: مغاوير اليمن يتصدرون الإنجازات في خدمة القضية الفلسطينية
  • الخارجية : سورية تؤكد أن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في سورية ولبنان وفلسطين تشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار المنطقة
  • بالفيديو.. جنود الاحتلال يفرّون أمام مقاتلي المقاومة الفلسطينية في شمال غزة
  • المقاومة الفلسطينية تواصل التصدي لقوات العدو في جنين لليوم الثاني
  • المقاومة الفلسطينية تستهدف بعبوة ناسفة دبابة ميركافا للاحتلال الإسرائيلي في حي القصاصيب وسط مخيم جباليا شمال قطاع غزة
  • معهد روسي: الحوثيون يبنون شبكة تحالفات خاصة بهم خارج محور المقاومة الذي تقوده طهران (ترجمة خاصة)
  • من هو القسام الذي بدأ المقاومة.. وماذا ورثت عنه الكتائب في غزة؟