#المنبطحون_للمتغطرسين
د. #هاشم_غرايبه
ثمة برنامج ثقافي غربي يعرض ثقافات وحضارات الشعوب، كان جزء من الحلقة مخصصا لمدينة “دبي”، وقدم لمحة سريعة عن أبرز معالمها الحضارية، والتي في أغلبها أماكن للترفيه والتسوق، الملاحظ احتفاء مبالغا فيه لمسؤولي هذه المدينة بمقدمة البرنامج الشقراء، قد يكون ذلك لأن البرنامج يشكل دعاية سياحية للأوروبيين، لكن ما لا يمكن تقبله الإنسداح المخزي والإحتفاء المبالغ به للأوروبي، وتجلى ذلك عندما أخذها مضيفوها الى مسجد زايد في أبوظبي، والذي أنشئ تجسيدا لمظاهر البذخ والتباهي بالثراء أكثر مما هو كبيت لعبادة الله، بدليل أن الضيفة دخلت بشعرها الأشقر المتطاير حاسرة وبحذائها، فيما جميع النساء الموجودات كن يغطين رؤوسهن، فتساءلت وهي تتصنع البراءة: لماذا تغطية الشعر؟، فأجابتها المضيفة إجابة غبية، فبدت وكأنها تعتذر: إن الله يرى أن جمال المرأة في شعرها، لذلك يريدها أن تخفيه، وتجاهلت الإجابة الحقيقية وهي ان ذلك متطلب ديني، وفي كل الشرائع السماوية.
في المقابل عندما زارت مقدمة البرنامج اليابان، عبرت عن احترامها لمعتقداتهم وتقاليدهم، فعند دخولها المعبد البوذي ارتدت الكيمونو الياباني وربطت شعرها كما يفعلون، ولم تسأل لماذا تفعلون كذلك.
ربما شعر المسلمون جميعا بالإهانة عندما نشرت صورة الأمير تشارلز في الأزهر قبل أن ينصب ملكا، جالسا على كرسي وهو ينتعل حذاءه، فيما الجميع يجلسون على الأرض، لا يمكن أنه لا يعلم أنه لا يجوز دخول المسجد بالأحذية، فبماذا يسمى تصرفه هذا.
بغض النظر عن اقتناع المرء بالدين أو تكذيبه به، فهنالك أصول يجدر مراعاتها، وهي أنه عندما يكون المرء ضيفا يجب عليه احترام ثقافة مضيفيه ومعتقداتهم، فلماذا نشهد الأوروبيين يقفون أمام بوذا بخشوع ويطأطئون رؤوسهم احتراما في معابد البوذيين والهندوس وغيرهم، فيما هم لا يبدون الشيء ذاته تجاه معتقدات المسلمين!؟.
في تايلاند رأيت تمثال بوذا الذي يزن 2 طن من الذهب الخالص، توضع أمامه أصناف الفواكه والأطعمة الفاخرة، كان ثمة آلة لتقشير الأناناس، سألت عنها، قالوا إن بوذا يحب الأناناس!.
الأوروبي المتعالي الذي يعتبر نفسه متنورا ويقول انه لا يؤمن بالخرافات… لماذا يسكت عن ذلك، ولا يندهش مستنكرا كما فعلت تلك الشقراء تجاه تغطية الشعر، فلا يتساءل: هل حقا يتناولها التمثال بعد أن يذهب الناس، أم أن الرهبان هم الذين يأكلونها!؟.
وفي الجوار كشك يبيع للزوار رقائق ذهبية من عيار 24 قيرط كالورق ، يلصقونها على تمثال ذهبي أصغر حجما مقابل التمثال الكبير، لو حُسب مقدار ما يلصق عليه يوميا لزاد حجمه الضعفين في السنة، لكنه يبقى على الدوام لا يزيد ولا ينقص، أليس منطقيا أن الرهبان المؤمنين هم من يسلبون إلههم فيقشرونه أولا بأول؟.
لو سألت شخصا غربيا عن رأيه في العقيدة البوذية، سيقول لك إنها فلسفة راقية تحمل مُثلاً عليا، أما عن رأيه في العقيدة الإسلامية، سيقول لك المسلمون وثنيون وعقيدتهم شريرة، لو سألته هل معلوماتك عن بحث أو تجربة شخصية، سيقول لك لا لكن هذا شيء معروف.
كيف أصبحت هذه هي الصورة الإفتراضية للمسلمين في عيون الغرب؟.
قبل أن يتسرع بعض المغرضين لإحالتها الى الإرهاب الإسلامي، أقول مهلا، فهي موجودة قبل اختراع قصة الإرهاب بألف عام، بل قد تكون هذه الصورة هي التي شكلت ردة الفعل للناقمين والمقهورين فجعلت ردودهم متطرفة.
الظاهرة موجودة قبل المسيحية والإسلام، فظلت منطقة العرب هدفا للبيزنطيين بداية، ثم للرومان من بعدهم، يحتلون أرضهم وينهبون خيراتها، عندما جاء الإسلام ونهض بالعرب، طردوا الرومان، مما دعا هرقل الى القول حزينا يائسا وهو يعود الى موطنه: “سلاما يا سوريا.. لا لقاء بعده”.
لقد كان يعرف حقيقة أن عهد روما قد ولى الى غير رجعة، ويعلم أن الإسلام هو الذي فعل ذلك.. فكيف لا يكره من كان السبب في هذه الهزيمة، لذلك بقى الحقد متأججا على هذه العقيدة التي يوقنون أنها هي التي ارتقت بمعتنقيها فحررتهم من العبودية لهم، وتوارثت أجيال الأوروبيين هذا الحقد الى يومنا هذا.
لذا ترى الغربي يكره الإسلام من غير مبرر ولا سبب يعرفه.. فذلك مترسخ في ذاكرته الجمعية، لذلك يقول عنه ابتداء إنه شرير، ثم يبدأ بالبحث عما يعزز فكرته. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
ريو دي جانيرو من مستعمرة إلى مدينة عالمية | كيف تغيرت عبر العصور؟
منذ تأسيسها عام 1565 على يد البرتغاليين، مرت ريو دي جانيرو بتحولات كبرى جعلتها واحدة من أشهر المدن في العالم، من مستعمرة عسكرية لحماية المصالح البرتغالية، إلى عاصمة للبرتغال في المنفى، وصولًا إلى مدينة حديثة تستقطب الملايين سنويًا، يعكس تاريخ ريو رحلة غنية من التغيير والتطور.
التأسيس: القلعة الأولى وبداية المستوطنةتأسست ريو دي جانيرو عندما أنشأ البرتغاليون مستوطنة دفاعية ضد الغزو الفرنسي، حيث كانت البرازيل مستهدفة من القوى الاستعمارية الأوروبية. تم بناء حصن “ساو سيباستياو” كنواة للمدينة، وتمركزت حوله المستوطنات الأولى، التي كانت تعتمد على الزراعة والتجارة البحرية.
القرن السابع عشر والثامن عشر: ريو كميناء تجاري رئيسيمع توسع تجارة السكر والذهب، تحولت ريو إلى مركز تجاري رئيسي في البرازيل الاستعمارية. ازدادت الهجرة الأوروبية إليها، وبدأت تشهد نشاطًا اقتصاديًا مكثفًا، خاصة مع تصدير المعادن والسلع الزراعية. كما لعبت تجارة العبيد دورًا مهمًا في ازدهار المدينة، حيث كانت أحد المراكز الكبرى لتجارة الرقيق في المحيط الأطلسي.
1808: العاصمة الملكية للبرتغالكانت نقطة التحول الأبرز في تاريخ ريو دي جانيرو عام 1808، عندما هربت العائلة المالكة البرتغالية إلى البرازيل بعد غزو نابليون للبرتغال. تحولت ريو إلى عاصمة للمملكة البرتغالية، وهو ما منحها مكانة غير مسبوقة، حيث شهدت طفرة في البنية التحتية والتعليم والثقافة. تم تأسيس العديد من المؤسسات الرسمية، مثل البنك الوطني والمطبعة الملكية، مما جعل المدينة أقرب إلى عاصمة أوروبية في قلب أمريكا الجنوبية.
من عاصمة البرازيل إلى مدينة سياحية عالميةعندما حصلت البرازيل على استقلالها عام 1822، استمرت ريو كعاصمة حتى عام 1960، عندما تم نقل العاصمة إلى برازيليا، ورغم فقدانها مركزها السياسي، استمرت ريو في التطور كمركز ثقافي وسياحي، حيث ازدهرت الفنون، والموسيقى، وأصبح كرنفال ريو الشهير رمزًا عالميًا للاحتفال.
ريو اليوم: مدينة الحداثة والتحدياتاليوم، تعتبر ريو واحدة من أكثر المدن شهرة في العالم، بشواطئها الخلابة مثل كوباكابانا وإيبانيما، وتمثال المسيح الفادي الذي يعد أحد عجائب الدنيا الحديثة. لكنها أيضًا تواجه تحديات كبيرة مثل الفقر، والعشوائيات (الفافيلا)، والجريمة. ومع ذلك، لا تزال ريو رمزًا للتنوع الثقافي والطبيعة الخلابة، وتستمر في جذب ملايين السياح سنويًا