قال تقرير لوكالة الصحافة الألمانية إن قطاع صناعة السيارات في أوروبا يواجه أزمة، في وقت تعاني فيه سوق السيارات الكهربائية من الركود.

وأضاف التقرير أن هذا الأمر يقوّض الأهداف الطموحة للاتحاد الأوروبي في وضع حد لمبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالديزل والبنزين بحلول عام 2035.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2معارضة ألمانية لقرار أوروبي بفرض رسوم على السيارات الصينيةlist 2 of 2نمو الوظائف في أميركا.

. الدولار يقفز والذهب يخسرend of list

ولفت التقرير إلى أن محاولات تعزيز مبيعات السيارات الكهربائية عبر تقديم مكافآت حكومية لشرائها لم تفلح، بينما تحدّ المنافسة القوية من قبل شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية من المبيعات بأوروبا.

واستعرض التقرير الأسباب وراء هذه المشكلات وآفاق تدخل الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذه التحديات.

1- صناعة السيارات الأوروبية تطلب مساعدة عاجلة

يقول التقرير إن شركات صناعة السيارات الأوروبية طلبت مساعدة "عاجلة" من الاتحاد الأوروبي في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وسط تراجع مبيعات السيارات الكهربائية، وأيضا اللوائح الأكثر صرامة المتعلقة بالانبعاثات والمقرر لها أن تدخل حيز التنفيذ العام المقبل.
وقالت الرابطة الأوروبية لمصنعي السيارات إن دوائر الصناعة تبذل قصارى جهدها كي تمتثل لأهداف إزالة الكربون، لكن هذه الجهود تواجه عراقيل بسبب مشكلات تشمل تراجع سوق السيارات الكهربائية، ونقص البنية التحتية للشحن، وضعف القدرة التنافسية التصنيعية في الاتحاد الأوروبي.

وقدمت الرابطة الأوروبية لمصنّعي السيارات -مجموعة ضغط صناعية- طلبا رسميا للمفوضية الأوروبية، تدعو فيه "مؤسسات الاتحاد الأوروبي إلى طرح تدابير إغاثة عاجلة قبل أن تدخل أهداف ثاني أكسيد الكربون الجديدة للسيارات، والحافلات الصغيرة (فان)، حيز التنفيذ في عام 2025".

وبحسب التقرير، تتسابق أوروبا من أجل إنتاج مزيد من السيارات الكهربائية في إطار التحول الأخضر الصديق للبيئة، مع اقتراب الموعد النهائي لتخلص الاتحاد الأوروبي التدريجي من بيع سيارات محركات الوقود الأحفوري بحلول عام 2035.

وعلى الرغم من ذلك، وبعد سنوات من النمو، بدأت مبيعات السيارات الكهربائية تتراجع في نهاية عام 2023، وهي تمثل الآن 12.5% فقط من السيارات الجديدة التي تباع في القارة.

وينقل التقرير عن الرابطة الأوروبية لمصنعي السيارات قولها "نفتقر إلى الظروف الأساسية للوصول إلى التعزيز الضروري في إنتاج وتبنّي المركبات الخالية من الانبعاثات: البنية التحتية للشحن وإعادة تعبئة الهيدروجين، فضلا عن البيئة التنافسية للتصنيع، والطاقة الخضراء ذات الأسعار المعقولة، وحوافز الشراء، والضرائب، ووجود إمدادات آمنة من المواد الخام والهيدروجين والبطاريات".

وطلبت الرابطة من المفوضية الأوروبية تقديم موعد لمراجعة اللوائح الخاصة بثاني أكسيد الكربون، المقررة خلال عامي 2026 و2027. ويريد وزير النقل في جمهورية التشيك مارتن كوبكا تقديم موعد لمراجعة تداعيات الحظر المفروض على بيع السيارات الجديدة التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي في الاتحاد الأوروبي إلى 2025.

وبحسب ما ذكرته صوفيا ألفيس، من المفوضية الأوروبية، سيتعين على صناعة السيارات في القارة التحول من أجل تحقيق أهداف أوروبا المتمثلة في تحقيق اقتصاد محايد للكربون، وهو ما سيعود بالنفع على الجميع.

2- محنة عمالقة السيارات الألمانية

ترددت أصداء المشكلات التي تواجه شركات صناعة السيارات الألمانية في بقية أنحاء أوروبا.

وتحظى ألمانيا بصناعة واسعة تشمل علامات تجارية كبرى، مثل مجموعة فولكس فاغن وبي إم دبليو.

ويعاني مصنعو السيارات في ألمانيا من ضعف المبيعات، مع ارتفاع تكاليف التحول إلى أنظمة القيادة الكهربائية، حسب تقرير وكالة الأنباء الألمانية.

واضطرت شركة مرسيدس في المدة الأخيرة إلى خفض التوقعات بشأن أرباحها للعام الجاري، بسبب تعثر المبيعات في الصين.

وكانت شركة بي إم دبليو خفضت في وقت سابق التوقعات الخاصة بمبيعاتها وأرباحها لهذا العام.

وتواجه مجموعة فولكس فاغن عمليات تسريح إجبارية وإغلاق مصانع، لأول مرة خلال3 عقود. وقد تلغي الشركة العملاقة 30 ألف وظيفة من أصل 300 ألف في ألمانيا.

وتراقب الدول الأوروبية التي تتعاون مع شركة فولكس فاغن إمكانية شطب الوظائف في ألمانيا.

وعلى سبيل المثال، فإن صناعة السيارات في سلوفينيا، التي تشكل نحو 10% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، موجهة نحو التصدير، وتعدّ ألمانيا أحد أهم أسواقها.

وفي البرتغال، يواصل مصنع أوتويوروبا، التابع لشركة فولكس فاغن، في بالميلا جنوبي لشبونة، تأثيره الاقتصادي الواسع في البلاد، حيث أسهم بنسبة 1.3% في إجمالي الناتج المحلي خلال عام 2023، كما أنه يشكل الاستثمار الأجنبي الرئيسي الذي نفذته البلاد.

وفي ألمانيا، جرى تحديد عدد من العوامل التي تفسر سبب الصعوبات التي تواجهها صناعة السيارات في البلاد وفق التالي:

ركود التنقل الكهربائي

فقد أدى إلغاء الدعم على المستوى الاتحادي في ألمانيا العام الماضي إلى انهيار الطلب على السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، في وقت لا تُستغل فيه المصانع للعمل بكامل طاقتها.

كما أن هناك خطرا يتمثل في فرض غرامات مرتفعة بسبب "أهداف أسطول" الاتحاد الأوروبي الأكثر صرامة في ما يتعلق بالانبعاثات الكربونية بدءا من عام 2025.

ويتسبب الغموض الاقتصادي أيضا في ضعف مجال الأعمال بشكل عام.

فخلال شهر أغسطس/آب الماضي، تراجعت عمليات تسجيل السيارات الجديدة في ألمانيا بواقع 28%، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، مقابل انخفاض في الاتحاد الأوروبي ككل بنسبة 18%.

ويتوقع الاتحاد الألماني لصناعة السيارات تسجيل 2.8 مليون مركبة كهربائية جديدة فقط على مدار العام بأكمله، أي أقل بنحو الربع عما كان عليه الأمر في عام 2019 قبل الأزمة. ولا يتوقع الخبراء تحقيق نمو مستدام في أوروبا.

الاعتماد على الصين

تتعثر الأعمال التجارية في الخارج، وقد أثبت الاعتماد الواسع لصناعة السيارات الألمانية على الصين -حيث تنفذ قرابة ثلث أعمالها- أنه أمر مدمر، وفق تقرير وكالة الأنباء الألمانية.

وعلى مدار سنوات عديدة، ضمنت سوق السيارات في الصين تحقيق نمو سريع وأرباح مرتفعة. لكن التعثر الحالي للطلب على طرز السيارات الألمانية وجّه صفعة شديدة لشركة فولكس فاغن والشركات الأخرى.

التكاليف المرتفعة

يعاني المصنعون الألمان من ارتفاع كبير في تكاليف الطاقة والعمالة، ويعدّ إنتاج نماذج سيارات ذات تكلفة أقل غير مربح في ألمانيا، وفقا للخبير شووب.

أهداف طموحة للعائدات

يقول شووب إن جزءا من المشكلة يكمن في توقعات الإدارات العليا في ما يتعلق بهامش الربح. وقد وزادت الضغوط التي تدفع باتجاه خفض النفقات تبعا لذلك.

ولا يزال المصنعون يحققون أرباحا كبيرة، وليسوا بأي حال من الأحوال على شفا الإفلاس، بحسب شووب.

3- الرسوم على السيارات الصينية

يواجه المصنعون الأوروبيون- وفق تقرير الوكالة- منافسة من السيارات الكهربائية الصينية الأرخص، إذ تتهم بروكسل بكين بتقديم دعم غير عادل للمصنعين المحليين.

وكي لا تتعرض شركات صناعة السيارات الكهربائية الأوروبية لمزيد من التقويض من قبل شركات صناعة السيارات الصينية، قدمت المفوضية الأوروبية خطة بفرض رسوم إضافية على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، بالإضافة إلى الرسوم الحالية.
وأثارت هذه القضية انقساما بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فصوّتت 10 من الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي -أمس الجمعة- لمصلحة زيادة الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية من الصين بواقع 35.3%، و10% على الرسوم الحالية.

وصوّتت 5 دول، تمثل حوالي 23% من إجمالي سكان التكتل، ضد الرسوم الإضافية، بينما امتنعت 12 دولة عن التصويت.

ويأمل الاتحاد الأوروبي من خلال الرسوم الجديدة توفير الحماية لصناعة السيارات بالتكتل، التي توفر فرص عمل لنحو 14 مليونا من سكانه.

وانتقدت الرسوم الجديدة ألمانيا ومن ثم إسبانيا، إذ تخشى الدولتان أنها قد تؤدي إلى حرب تجارية مع الصين، في حين تؤيد دول أعضاء أخرى الرسوم، وبينها فرنسا وإيطاليا.

ولا يزال متروكا للمفوضية قرار بدء فرض الرسوم الجديدة التي من شأنها أن تفجر موجة جديدة من الصراع التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين، بدءا من أول نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ويمكن إلغاء هذه الخطة بحال تمكنت المفوضية من الوصول إلى اتفاق تفاوضي مع الصين.

وقالت المفوضية في بيان عقب تصويت أمس "يواصل الاتحاد الأوروبي والصين العمل بجد للبحث عن حل بديل".

وحذر وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر عقب تصويت أمس من تصاعد النزاعات التجارية، مشددا في بيان نشره على منصة إكس "نحن بحاجة لحل تفاوضي".

وبوجه عام، تعارض الرسوم شركات صناعة السيارات الألمانية التي تضم علامات تجارية، مثل فولكس فاغن وبي إم دبليو ومرسيدس، إذ تستثمر بكثافة في السوق الصينية وتبيع جزءا كبيرا من إنتاجها في هذه السوق.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أسواق شرکات صناعة السیارات السیارات الکهربائیة فی الاتحاد الأوروبی السیارات الألمانیة صناعة السیارات فی السیارات الجدیدة الجدیدة التی على السیارات فی ألمانیا فولکس فاغن

إقرأ أيضاً:

قمة سمرقند: لماذا يتزايد الاهتمام الأوروبي بآسيا الوسطى؟

 

استضافت مدينة سمرقند الأوزبكية، يومي 3 و4 إبريل 2025، أول قمة من نوعها بين منطقة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، بمشاركة قادة دول المنطقة الخمس- كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، وأوزبكستان- ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، وهي القمة التي هدفت إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين في ظل تصاعد التنافس بين القوى الدولية والإقليمية المختلفة على الهيمنة والنفوذ في آسيا الوسطى، وعلى رأسها روسيا والصين، على خلفية الأهمية الجيوسياسية الكبرى التي تحظى بها المنطقة، فضلاً عمَّا تزخر به من موارد طبيعية ومعدنية هائلة، ولا سيما المعادن الأرضية النادرة.

سياقات دولية وإقليمية:

عُقدت قمة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في سمرقند على خلفية مجموعة من التطورات الدولية والإقليمية، ومن أبرزها:

1. توجه آسيا الوسطى نحو توسيع الشراكات العالمية: تعمل دول آسيا الوسطى في الآونة الأخيرة على توسيع نطاق تعاملها مع الجهات الفاعلة الخارجية لضمان أمنها السياسي والاقتصادي والعسكري. حيث تسعى هذه الدول بنشاط إلى بناء علاقات وتحالفات مع قوى عالمية أخرى، مثل الصين وتركيا والاتحاد الأوروبي. وتعمل دول آسيا الوسطى على تنويع ارتباطاتها وشراكاتها الاقتصادية، حيث تتعاون مع الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق لجذب الاستثمارات الصينية وتطوير البنية التحتية، إضافة إلى فتح أسواق جديدة لسلع آسيا الوسطى. كما تتعاون أيضاً مع الاتحاد الأوروبي في إطار مبادرة “البوابة العالمية” التي طرحها الاتحاد. فضلاً عن توجهها نحو تعزيز علاقاتها الاقتصادية والثقافية مع تركيا.

2. تنامي التعاون الثنائي بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي: ترتبط دول آسيا الوسطى الخمس، كل على حدة، بعلاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي، ككيان جماعي، يعبر عن الدول الأعضاء فيه، وذلك في كافة المجالات. ومن أبرز المؤشرات على ذلك، اللقاءات رفيعة المستوى التي عقدها الطرفان قبل انعقاد القمة. ومنها الاجتماع الوزاري العشرين بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي الذي عُقد في عشق آباد بتركمانستان في 28 مارس 2025، بمشاركة وزراء خارجية دول آسيا الوسطى والممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس؛ لمناقشة تعزيز التعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية والإنسانية.

وقبل ذلك، قام مفوض الاتحاد الأوروبي للشراكات الدولية، جوزيف سيكيلا، بجولة في آسيا الوسطى، خلال الفترة من 12 إلى 18 مارس 2025؛ بهدف تعزيز التعاون في إطار مبادرة البوابة العالمية، مع التركيز على أربعة مجالات رئيسية: البنية التحتية للنقل، والطاقة النظيفة، والمواد الخام الحيوية، والاتصال الرقمي. وقد عكست الجولة الاهتمام الاستراتيجي المتنامي للاتحاد الأوروبي بمنطقة تُمثل اقتصاداً بقيمة 340 مليار يورو، بمعدل نمو سنوي متوسط يبلغ 5%.

وبجانب ما سبق، فقد شهدت منطقة آسيا الوسطى في الفترة الأخيرة تزايداً ملحوظاً في زيارات قادة أبرز دول الاتحاد الأوروبي إلى المنطقة، والتي أسفرت عن التوقيع على حزمة كبيرة من الاتفاقيات بشأن تطوير التعاون في مختلف المجالات، بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.

3. تنامي التحديات المشتركة: عُقدت قمة سمرقند في سياق العديد من التحديات المتزايدة التي تواجه آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، ولا سيما على الصعيدين الأمني والبيئي. حيث تواجه المنطقتان تهديدات وتحديات أمنية مشتركة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة العابرة للحدود الوطنية، مثل الاتجار بالمخدرات. كذلك، تواجه آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي تهديدات مناخية مشتركة، حيث تواجه الأولى الجفاف وذوبان الأنهار الجليدية ونقص المياه، بينما تشهد الثانية ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة وحرائق الغابات وتغيرات في النظم البيئية.

4. الحرب الروسية الأوكرانية: أدت هذه الحرب إلى اهتزاز العلاقات التاريخية الوثيقة بين دول آسيا الوسطى وروسيا؛ الأمر الذي دفع هذه الدول إلى إعادة النظر في علاقاتها مع روسيا لتقليل الاعتماد عليها وتقليل المخاطر. فمن منظور آسيا الوسطى، فقد باتت روسيا التحدي الرئيسي لاستقرار وتنمية المنطقة ودولها؛ وهو ما دفعها إلى الامتناع عن تقديم أي دعم سياسي أو عسكري للحرب في أوكرانيا.

وعلى الجانب المقابل، فقد ترتب على هذه الحرب تقويض الأمن الأوروبي وخلق واقع؛ تنظر فيه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، من جهة، وروسيا، من جهة أخرى، إلى بعضها بعضاً على أنها تهديدات أساسية.

ومن جهة ثالثة، فقد مثلت الحرب في أوكرانيا فرصة سانحة للعديد من القوى الإقليمية والدولية لزيادة انخراطها وعلاقاتها مع دول منطقة آسيا الوسطى؛ ومن ثم زيادة نفوذها وتأثيرها في هذه المنطقة المهمة من العالم، وعلى رأس هذه القوى الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

5. تزايد نفوذ روسيا والصين: تشهد منطقة آسيا الوسطى في الآونة الأخيرة تزايداً ملحوظاً في دور كل من روسيا والصين في المنطقة. فعلى الرغم من انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، وما ترتب على ذلك من تداعيات على دورها ومكانتها في منطقة آسيا الوسطى؛ فإنها ما زالت تؤدي دوراً مهماً في المنطقة بالنظر إلى أهميتها البالغة لمصالحها القومية. ومن جانبها، تعمل الصين على زيادة اندماجها وتفاعلها السياسي والاقتصادي مع المنطقة، وهو ما عبرت عنه العديد من المؤشرات، وعلى رأسها القمة الأولى التي عقدت بين الصين ودول آسيا الوسطى في مايو عام 2023 بمدينة شيآن الصينية، والمشروعات التي تقيمها الصين في دول المنطقة في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية.

تعزيز الدور والمكانة:

انطلاقاً من السياقات التي أحاطت بالقمة الأولى بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، فقد جاء انعقادها من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية، على النحو التالي:

1. تعزيز المكانة الاستراتيجية: تمثل أحد الأهداف الرئيسية للقمة في تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، ولا سيما في ظل تزايد المنافسة بين روسيا والصين على النفوذ في آسيا الوسطى؛ ومن ثم تعزيز دور ومكانة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في النظام الدولي الراهن. حيث يعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز مكانته الإقليمية في مواجهة تغيرات التوازن الجيوسياسي في آسيا الوسطى نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا، وتنامي التكامل الاقتصادي بين منطقة آسيا الوسطى والصين.

فقد عبّرت فون دير لاين عن أملها في أن ترتقي القمة بعلاقات بروكسل مع آسيا الوسطى “إلى مستوى جديد”، خاصة وأن آسيا الوسطى تحظى بمكانة مهمة ضمن الأولويات التي حددها رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا لإعادة التواصل مع الشركاء العالميين في إطار أولويات سياسته الخارجية. ومن جانبها، تركز دول آسيا الوسطى في إطار توجهها نحو تبني سياسة خارجية متعددة الاتجاهات تقوم على التعاون مع جميع الأطراف الدولية لتحقيق مصالحها، دون إقصاء أي طرف منها.

2. تعميق العلاقات التجارية والاستثمارية: يرغب الاتحاد الأوروبي في تعميق علاقاته التجارية والاستثمارية مع دول آسيا الوسطى، ولا سيما في ضوء تزايد اهتمام قادة دول المنطقة بتنويع خياراتهم من خلال تطوير طريق التجارة “الممر الأوسط”، بجانب اهتمام الاتحاد الأوروبي بتأمين إمدادات الطاقة والوصول إلى المعادن النادرة في آسيا الوسطى.

ومن جانبها، تسعى دول آسيا الوسطى إلى الحصول على التكنولوجيا الصناعية المتقدمة التي تتميز بها دول الاتحاد الأوروبي؛ بهدف تطوير صناعاتها المحلية، بما يمكنها من توسيع صادراتها. وقد بدا لافتاً قيام كازاخستان باستباق القمة بالإعلان عن اكتشاف ما يُحتمل أن يكون “أكبر” مخزون لها على الإطلاق من العناصر الأرضية النادرة. خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يبدي اهتماماً كبيراً برواسب اليورانيوم، بالإضافة إلى معادن استراتيجية أخرى، مثل التيتانيوم والكوبالت والليثيوم.

3. محاولة الاتحاد الأوروبي الضغط على روسيا: مثلت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا إحدى المسائل المهمة التي نوقشت خلال القمة، خاصة وأنه يُنظر إلى آسيا الوسطى باعتبارها إحدى الجهات المسؤولة عن إعادة تصدير السلع الغربية الخاضعة للعقوبات إلى روسيا. حيث يرغب الاتحاد الأوروبي في دفع دول آسيا الوسطى إلى الحد من تدفق هذه السلع، في إطار مساعيه المتواصلة للضغط على روسيا، في ظل مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتقارب مع موسكو. وهو ما أبدت دول آسيا الوسطى “استعدادها” للتجاوب معه لمنع التحايل على العقوبات.

حقبة جديدة للعلاقات:

بجانب إعلان قادة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي عن الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، فقد تمخضت القمة عن العديد من النتائج الإيجابية، التي تعزز العلاقات بين الطرفين في كافة المجالات، وترتقي بها إلى حقبة جديدة، ومن أهمها:

1. إطلاق حزمة مساعدات بقيمة 13.2 مليار دولار لآسيا الوسطى: أطلق الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات بقيمة 12 مليار يورو (13.2 مليار دولار) لمنطقة آسيا الوسطى في إطار مبادرة “البوابة العالمية”، تتضمن أربع أولويات رئيسية: الأولى: مشروع ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين، الذي يربط أوروبا وآسيا الوسطى، باستثمارات أوروبية بقيمة 10 مليارات يورو (11 مليار دولار). الثانية: المناخ والطاقة والمياه، من خلال بناء سدود لدعم أمن المياه والطاقة في المنطقة، وإنشاء حزام أخضر جديد في حوض بحر الآرال. الثالثة: الاتصال الرقمي، عبر تعاون الجانبين لإيصال الإنترنت إلى المناطق النائية والمدارس والمستشفيات في منطقة آسيا الوسطى عبر الأقمار الاصطناعية الأوروبية. الرابعة: المواد الخام الحيوية، وهي ضرورية لتسريع التحول المستقبلي إلى الطاقة النظيفة.

2. تعزيز التعاون لتحقيق الاستقرار الإقليمي: أكدت القمة أهمية تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن. كما أعربت عن القلق المشترك إزاء الوضع في أفغانستان، بما في ذلك التهديدات الأمنية ومخاطر امتدادها المحتملة إلى آسيا الوسطى وأوروبا. كما أكدت القمة أهمية منع التحايل على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، كأحد الجوانب المهمة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى. كما رحبت بتوقيع معاهدة الحدود الدولية بين قرغيزستان وطاجيكستان في 13 مارس 2025.

3. تعزيز التعاون في مواجهة التحديات الأمنية: أكدت القمة أهمية تعزيز التعاون بين الطرفين في المجالات التالية: الأمن السيبراني والتهديدات الهجينة، والتهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، ومنع ومكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز أمن الحدود، ومنع الاتجار بالمخدرات والاتجار بالبشر، وإطلاق حوار مُتخصص بشأن مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وبناء القدرة المجتمعية على الصمود في وجه التضليل الإعلامي.

4. العلاقات الاقتصادية والتجارة والاستثمارات: أكدت القمة أهمية التنفيذ الكامل لاتفاقيات الشراكة والتعاون الثنائية المعززة الحالية والمستقبلية لتعميق التعاون الإقليمي، ورحبت بتوقع اتفاقية الشراكة والتعاون الثنائية المعززة بين الاتحاد الأوروبي وقرغيزستان في يونيو 2024، وأبدت تطلعها إلى توقيعها مع أوزبكستان وطاجيكستان. كما أكد قادة الاتحاد الأوروبي دعمهم المستمر لانضمام أوزبكستان وتركمانستان إلى منظمة التجارة العالمية. كما شهدت القمة اتفاق القادة على عقد منتدى للمستثمرين في وقت لاحق من هذا العام لجذب المزيد من الاستثمارات، ولا سيما لممر النقل عبر بحر قزوين الذي سيقلل بشكل كبير من الوقت اللازم لتصدير البضائع بين المنطقتين.

5. تعزيز التعاون في مجال المعادن النادرة: وقّع الاتحاد الأوروبي مذكرات تفاهم بشأن المعادن الحيوية مع كازاخستان وأوزبكستان، وتم الارتقاء بهذا التعاون إلى مستوى جديد من خلال اعتماد إعلان نيات مشترك بشأن المواد الخام الحيوية. كما أقرت القمة خارطة الطريق 2025-2026 بموجب مذكرة التفاهم بين الاتحاد الأوروبي وكازاخستان بشأن المواد الخام الحيوية والبطاريات والهيدروجين الأخضر. حيث يُعد الوصول إلى الطاقة النظيفة والمعادن النادرة أمراً بالغ الأهمية للاتحاد الأوروبي في سعيه لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، وتعزيز استقلاليته في القطاعات الاستراتيجية.

وفي التقدير، يمكن القول إنه على الرغم من النتائج الإيجابية التي تمخضت عنها قمة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي الأخيرة في سمرقند، باعتبارها تمثل تدشيناً لحقبة جديدة في علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، ولا سيما دورها في تعزيز المكانة الاستراتيجية لكل من آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، وتمتين العلاقات التجارية والاستثمارية بينهما، فضلاً عما تعكسه من الالتزام الأوروبي المتجدد تجاه المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية الكبرى؛ فإن ما انطوت عليه القمة من دلالات تتعلق بإمكانية تقليل الاعتماد على روسيا والصين، سيضع عقبات عديدة أمام نجاح آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في الأهداف المعلن عنها خلال القمة لتفعيل العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، في ظل إصرار روسيا والصين على تكثيف وجودهما في هذه المنطقة ذات الأهمية البالغة لمصالحهما القومية؛ وهو ما يعني أن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من التنافس الثلاثي الأوروبي الروسي الصيني على النفوذ والهيمنة في آسيا الوسطى؛ الأمر الذي يفرض على دولها ضرورة تبني سياسة خارجية توازن بين القوى الكبرى الثلاث؛ بما يجعلها تحقق أقصى استفادة ممكنة لمصالحها الوطنية والإقليمية.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي يسعى إلى منع الشركات الأوروبية من شراء منتجات الطاقة الروسية
  • أزمة إغلاق سلسلة بلبن في مصر وانفراجتها تثير تساؤلات بشأن الأسباب
  • قمة سمرقند: لماذا يتزايد الاهتمام الأوروبي بآسيا الوسطى؟
  • أسعار البيض تحلّق في أوروبا... من هي الدولة التي تدفع أكثر من غيرها؟
  • معدل البطالة في الاتحاد الأوروبي يسجل أدنى مستوى له منذ بداية الألفية
  • عاجل | رئيس الشاباك للمحكمة العليا: لا أعرف ما هي الأسباب التي دفعت إلى إقالتي من منصبي على يد الحكومة
  • الشيب المبكر: الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى ظهور الشعر الرمادي في سن الشباب
  • ضوابط تصدير المعادن النادرة الصينية تهدد صناعة السيارات عالميا
  • جذب استثمارات في تصنيع السيارات الكهربائية.. كيف تستفيد مصر من الحرب التجارية الراهنة؟
  • خبير: مصر مؤهلة لتكون مركزًا إقليميًا لتجميع وتصنيع السيارات الكهربائية