نصر أكتوبر.. عام بعد عام نشهد احتفالات عظيمة بذكرى نصر أكتوبر الأعظم، إلا أن ما قاله الرئيس السادات في أول خطاب بعد العبور يظل خالدا يتردد في الأذهان، وهذا ما سوف نستعرضه خلال السطور التالية.

كلمة الرئيس السادات في أول خطاباته بعد العبور

«بسم الله، أيها الإخوة والأخوات، كان بودى أن أجيء إليكم قبل الآن، ألتقى بكم وبجماهير شعبنا وأمتنا، لكن مشاغلى كانت كما تعلمون وكما تدرون، وأثق أنكم تقدرون، ومهما يكن فلقد أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معا فيما أخذت على مسؤوليتى تعبيرا عن إرادة أمة، وتعبيرا عن مصير شعب، مناسبا أن أجيء إليكم اليوم أتحدث معكم ومع جماهير شعبنا ومع شعوب أمتنا العربية وأمام عالم يهمه ما يجرى على أرضنا لأنه وثيق الصلة بأخطر القضايا الإنسانية، وهى قضية الحرب والسلام، ذلك لأننا لا نعتبر نضالنا الوطنى والقومى ظاهرة محلية أو إقليمية لأن المنطقة التى نعيش فيها بدورها الاستراتيجي والحضارى فى القلب من العالم وفى الصميم من حركته ولأن الحوادث كبيرة ولأن التطورات متلاحقة ولأن القرارات مصيرية فإننى أريد أن أدخل مباشرة فيها أريد أن أتحدث معكم وسوف أركز على نقطتين: الحرب والسلام.

أولا: الحرب لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معا ونتباهى بما حققناه فى أحد عشر يوما من أهم وأخطر بل وأعظم وأمجد أيام تاريخنا، وربما جاء يوم نجلس فيه معا لا لكي نتفاخر ونتباهى ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله، نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء، ذلك كله سوف يجيء وقته وأظنكم توافقونني على أن لدينا من المشاغل والمهام ما يستحق أن نكرس له وقتنا وجهدنا، وإذا جاز لي أن أتوقف قليلا وأنا أعلم أنني أتوق شوقا إلى سماع الكثير فإنني أقول ما يلي: أولاً: فيما يتعلق بنفسي فقد حاولت أن أفي بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه.

حاولت أن أفي بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه قبل ثلاث سنوات بالضبط من هذا اليوم، عاهدت الله وعاهدتكم أن قضية تحرير التراب الوطني والقومي هي التكليف الأول الذي حملته ولاء لشعبنا وللأمة، عاهدت الله وعاهدتكم على أن لن أدخر جهدا ولن أتردد دون تضحية مهما كلفني في سبيل أن تصل الأمة إلى وضع تكون فيه قادرة على دفع إرادتها إلى مستوى أمانيها، ذلك أن اعتقادنا دائما كان ولا يزال أن التمني بلا إرادة نوع من أحلام اليقظة يرفض حبي وولائي لهذا الوطن أن تقع في سرابه أو في ضبابه.

عاهدت الله وعاهدتكم على أن نثبت للعالم أن نكسة 1967 كانت استثناء في تاريخنا وليست قاعدة وقد كنت في هذا أصُر عن إيمان بأن التاريخ يستوعب «7000» سنة من الحضارة ويستشرف آفاقاً أعلم علم اليقين بأن نضال شعبنا وأمتنا لايعلو عنها وللوصول إليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمى، عاهدت الله وعاهدتكم على أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلى جيل سوف يجيء بعده منكسة أو ذليلة، وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها قد تكون مخضبة بالدماء، لكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة. عاهدت الله وعاهدتكم على ألا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة ولا أتقدم عنها لا أغامر ولا أتلكأ، وكانت الحسابات مضنية والمسؤولية فادحة، لكنني أدركت كما قلت لكم وللأمة مرارا وتكرارا أن ذلك قدري، وأني حملته على كتفي، عاهدت الله وعاهدتكم وحاولت مخلصا أن أفي بالوعد ملتمسا عون الله وطالبا ثقتكم وثقة الأمة، وإني لأحمد الله.

ثانيا: لقد كان كل شيئا منوطا بإرادة هذه الأمة، حجم هذه الإرادة وعمق هذه الإرادة، وما كنا نستطيع شيئا، وما كان أحد ليستطيع شيئا لو لم يكن هذا الشعب، ولو لم تكن هذه الأمة، لقد كان الليل طويلا وثقيلا ولكن الأمة لم تفقد إيمانها أبدا بطلوع الفجر وإنى لأقول بغير ادعاء إن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمة أن نكستها لم تكن سقوطا، وإنما كانت كبوة عارضة وأن حركتها لم تكن فورانا وإنما كانت ارتفاعا شاهقا لقد أعطى شعبنا جهدا غير محدود وقدم شعبنا تضحيات غير محددة وأظهر شعبنا وعيا غير محدود وأهم من ذلك كله أهم من الجهد والتضحيات والوعي، فإن الشعب احتفظ بإيمان غير محدود، وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة، ولقد كنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسؤوليتي وقبلت راضيا بما شاء الله أن يضعه على كاهلي، كنت أعرف أن إيمان الشعب هو القاعدة، وإذا كانت القاعدة، سليمة فإن كل ما ضاع يمكن تعويضه، وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الانطلاق إليه مرة أخرى.

السادات ومبارك

وبرغم ظواهر عديدة بعضها طبيعي وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا، فقد كان سؤالي لنفسي ولغيري في كل يوم يمر: هل القاعدة سليمة؟ وكنت واثقاً أنه ليس في قدرة أية حرب نفسية مهما كانت ضراوتها أن تمس صلابة هذه القاعدة، ومادامت القاعدة بخير فإن كل شيء بخير، وغير ذلك لن يكون إلا زوبعة في فنجان كما يقولون. لست أنكر إننا وُجهنا بمصاعب جمة، مصاعب حقيقية مصاعب في الخدمات، مصاعب في التموين مصاعب في الإنتاج، مصاعب في العمل السياسي أيضا. وكنت أعرف الحقيقة، ولكنني لم أكن في موقف يسمح لي بشرحها كنت أعرف إننا نحاول نجعل الحياة مقبولة للناس وفي نفس الوقت فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظر وكنت واثقا إنه سوف يجيء يوم تظهر فيه الحقيقة لغيري كما كانت ظاهرة لي، وحين تظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون وسوف يقدرون وأحمد الله.

ثالثا: لقد كانت هناك إشارة واضحة إلى وجود تمزق في ضمير الأمة العربية كلها، وكنت أرى ذلك طبيعيا لأسباب اجتماعية وفكرية وزادت عليها مرارة النكسة، كان هناك من يسألونني ويسألون أنفسهم هل تستطيع الأمة أن تواجه امتحانها الرهيب وهي على هذه الحالة من التمزق في ضميرها. كنت أقول أن هذا التمزق فضلا عن أسبابه الطبيعية يعكس تناقضا بين الواقع والأمل وليس في ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد أنه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولا راحة له إلا عندما تواجه الأمة لحظة التحدي ولم أكن في نفس الأوقات على استعداد للدخول في مناقشات عقيمة، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدي؟

وكان رأيي أن الأمم لا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها إلا من خلال ممارسة الصراع وبمقدار ما يكون التحدي كبيرا بمقدار ما تكون يقظة الأمة واكتشافها لقدراتها كبيرة، لست أنكر وجود خلافات اجتماعية وفكرية فذلك مسار حركة التاريخ، لكنني في نفس الوقت كنت أعرف أن الأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبرى فإنها قادرة على أن تحدد لنفسها أولوياتها بوضوح لا يقبل الشك، كنت مؤمنا بسلامة وصلابة دعوة القومية العربية وكنت مدركا للتفاعلات المختلفة التي تحرك مسيرة أمة واحدة.

لكنني كنت واثقا أن وحدة العمل سوف تفرض نفسها على كل القوى وعلى كل الأطراف وعلى كل التيارات، لأننا جميعا سوف نعي أن هذا الظرف ليس مساواة بين الاجتهادات وإنما هو الصراع بين الفناء والبقاء لأمة بأسرها وأحمد الله. رابعا: ولقد كنت أعرف قواتنا المسلحة ولم يكن حديثي عنها رجما بالغيب ولا تكهنا، لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة وعشت بنفسي تقاليدها وتشرفت بالخدمة في صفوفها وكنت في ألويتها.

إن سجل هذه القوات كان باهرا، لكن أعداءنا الاستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزا مخيفا لأنها أرادت أن تشكك الأمة في درعها وفى سيفها، ولم يكن يخامرنا الشك في أن هذه القوات المسلحة، كانت من ضحايا نكسة سنة 1967 ولم تكن أبدا من أسبابها. كان في استطاعة هذه القوات سنة 1967 أن تحارب بنفس البسالة والصلابة التي تحارب بها اليوم لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران التي حذر منها عبد الناصر أو لو أن تلك القيادة لم تصدر قرارا بالانسحاب العام من سيناء بدون علم عبد الناصر.

إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام 1967 أن هذه القوات لم تعط الفرصة لتحارب دفاعا عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه، لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتها الظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل. إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكري، ولقد شاركت مع جمال عبد الناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة ثم شاءت الأقدار أن أتحمل مسؤولية استكمال البناء ومسؤولية القيادة العليا لها أن القوات المسلحة قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكري استوعبت العصر كله تدريبا وسلاحا بل وعلما واقتدارا حين أصدرت لها الأمر أن ترد على استفزاز العدو وأن تكبح جماح غروره فإنها أثبتت نفسها أن هذه القوات أخذت في يدها بعد صدور الأمر لها زمام المبادرة وحققت مفاجأة العدو وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً أمام عملية يوم 6 أكتوبر 1973.

ولست أتجاوز إذا قلت أن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم 6 أكتوبر 73 حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لمعركة 6 أكتوبر خلال الساعات الست الأولى من حربنا كانت هائلة فقد العدو توازنه إلى هذه اللحظة وإذا كنا نقول ذلك اعتزازاً وبعض الاعتزاز إيمان فان الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وباسم هذا الشعب وباسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة ثقتنا في قياداتها التي خططت وثقتنا في شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم.

ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة في قدرتها على استيعاب هذا السلاح أقول باختصار أن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قد أصبح درع وسيف أريد من هنا أن أشد انتباه حضراتكم معي إلى الجبهة الشمالية، حيث يحارب الجيش السوري العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصة والحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد وأريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية إنكم عاهدتكم وكنتم الأوفياء للعهد وصادقتكم وكنتم أشرف الأصدقاء وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين.

إنكم حاربتم حرب رجال وصمدتم صمود الأبطال ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخر من هذه الرفقة التي تشرفنا بالقتال فيها معكم ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربية كلها، لقد كنا من طلائع المعركة، تحملنا ضراوتها ودفعنا معاً أفدح تكاليفها من دمائنا ومن مواردنا، ولسوف نواصل القتال، ولسوف نتحدى الخطر، ولسوف نواصل مع إخوة لنا، تنادوا إلى الساحة صادقين مخلصين سوف نواصل جميعاً دفع ضريبة العرق والدم حتى نصل إلى هدف نرضاه لأنفسنا وترضاه أمتنا لنضالها في هذه المرحلة الخطيرة من مراحله المتصلة المستمرة أيها الإخوة والأخوات كل ذلك عن الحرب والآن ماذا عن السلام؟

عندما نتحدث عن السلام فلابد لنا أن نتذكر ولا ننسى كما لابد لغيرنا ألا يتناسى حقيقية الأسباب التي من أجلها كانت حربنا وقد تأذنون لى أن أضع بعض هذه الأسباب محددة قاطعة أمام حضراتكم.

أولاً: إننا حاربنا من أجل السلام ٠٠ حاربنا من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام، وهو السلام القائم على العدل، إن عدونا يتحدث أحيانا عن السلام، ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل، إن دافيد بن جوريون هو الذي صاغ لإسرائيل نظرية فرض السلام والسلام لا يفرض والحديث عن فرض السلام معناه التهديد بشن الحرب أو شنها فعلاً والخطأ الكبير الذي وقع في عدونا إنه تصور أن قوة الإرهاب تستطيع ضمان الأمن ولقد أثبت عملياً اليوم وفي ميدان القتال عقم هذه النظرية السلام لا يفرض وسلام الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم، السلام بالعدل وحده، والسلام ليس بالإرهاب مهما أمعن في الطغيان ومهما زين له غرور القوة أو حماقة القوة ذلك الغرور وتلك الحماقة اللتين تمادي فيها عدونا ليس فقط خلال السنوات الست الأخيرة بل خلال السنوات الخمس والعشرين، أي منذ قامت الدولة الصهيونية باغتصاب فلسطين.

ولقد نسأل قادة إسرائيل اليوم: أين ذهبت نظرية الأمن الإسرائيلي التي حاولوا إقامتها بالعنف تارة وبالجبروت تارة أخرى، طوال خمس وعشرين سنة؟ لقد انكسرت وتحطمت، قوتنا العسكرية تتحدى اليوم قوتهم العسكرية وها هم في حرب طويلة ممتدة وهم أمام استنزاف نستطيع نحن أن نتحمله بأكثر وأوفر مما يستطيعون وها هم عمقهم معرض إذا تصوروا أن في استطاعتهم تخويفنا بتهديد العمق العربي وربما أضيف كي يسمعوا في إسرائيل أننا لسنا دعاة إبادة كما يزعمون أن صواريخنا المصرية العربية عابرة سيناء من طراز ظافر موجودة الآن على قواعدها، مستعدة للانطلاق بإشارة واحدة إلى الأعماق في إسرائيل ولقد كان في وسعنا منذ الدقيقة الأولى للمعركة أن نعطي الإشارة ونصدر الأمر خصوصاً وأن الخيلاء والكبرياء الفارغة أوهمتهم بأكثر مما يقدرون على تحمل تبعاته لكننا ندرك مسئولية استعمال أنواع معينة من السلاح ونرد أنفسنا بأنفسنا عنها، وإن كان عليهم أن يتذكروا ما قلته يوما ومازلت أقوله العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق.

محمد أنور السادات

ثانياً: إننا لم نحارب لكى نعتدى على أرض غيرنا وإنما حاربنا ونحارب وسوف نواصل الحرب لهدفين اثنين الأول: استعادة أراضينا المحتلة بعد سنة 1967 الثانى: إيجاد السبل لاستعادة واحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، هذه هى أهدافنا من قبول مخاطر القتال ولقد قبلناها رداً على استفزازات لا تحتمل ولا تطاق ولم نكن البادئين إنما كنا فيها ندافع عن أنفسنا وعن حرياتنا وعن حقنا فى الحرية والحياة إن حربنا لم تكن من أجل العدوان ولكن ضد العدوان ولم نكن فى حربنا خارجين على القيم ولا القوانين التى ارتضاها مجتمع الدول لنفسه وسجلها فى ميثاق الأمم المتحدة الذى كتبته الشعوب الحرة بدمائها بعد انتصارها على الفاشية والنازية بل لعلنا نقول إن حربنا هى استمرار للحرب الإنسانية ضد الفاشية والنازية، ذلك لأن الصهيونية بدعواها العنصرية وبمنطق التوسع بالبطش ليس إلا تكراراً هزيلاً للفاشية والنازية يثير الازدراء ولا يثير الخوف ويبعث على الاحتقار أكثر مما يبعث على الكراهية إننا فى حربنا كنا نتصرف وفق نص روح وميثاق الأمم المتحدة وليس مجافاة للروح ولا للنص وإلى جانب الميثاق نفسه فقد كنا نتصرف تقديراً واحتراماً لقرارات المنظمة الدولية سواء على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو على مستوى مجلس الأمن.

أيها الإخوة والأخوات لقد شهد العالم كله لنا بالحق وأشاد بشجاعتنا دفاعاً عن هذا الحق أدرك العالم إننا لسنا البادئين بالعدوان ولكننا المبادرون بواجب الدفاع عن النفس، لسنا ضد قيم وقوانين مجتمع الدول ولكننا مع قيم وقوانين مجتمع الدول لسنا مغامرى حرب وإنما نحن طلاب سلام أدرك العالم ذلك كله وكان يتعاطف من قبل ذلك مع قضيتنا واليوم زاد على تعاطفه معنا إحترامه لتصميمنا على الدفاع عن هذه القضية ولقد كنا نطمئن بعطف العالم ونحن الآن نعتز باحترامه.

وأقول لكم بصدق وأمانة إننى أفضل احترام العالم ولو بغير عطف على عطف العالم إذا كان بغير احترام وأحمد الله أيها الإخوة والأخوات إن دولة واحدة اختلفت مع العالم كله ولم تختلف معنا فقط إنما مع العالم كله كما قلت، وهذه الدولة هى الولايات المتحدة لقد فوجئت كما تدعى بأننا حاولنا رد العدوان ولسنا نفهم كيف ولماذا فوجئت هذه الدولة، لم تكتف كما تقول بأنها فوجئت وإنما أفاقت من المفاجأة دون أن تعود إلى الصواب، ومن المؤسف والمحزن أن يكون هذا موقف واحدة من القوى الأعظم فى هذا العصر لقد كنا نتوقع أو ربما نتمنى ضد الشواهد والتجارب كلها أن تفيق الولايات المتحدة الأمريكية من المفاجأة إلى الصواب لكن ذلك لم يحدث ورأينا الولايات المتحدة تخرج من المفاجأة إلى المناورة والعودة إلى خطوط ما قبل 6 أكتوبر وكان يمكن أن نغضب من هذا المنطق المعكوس ولكننا لم نغضب لأننا نثق فى أنفسنا من ناحية.

ومن ناحية أخرى لأننا بالفعل نريد أن نساهم فى سلام العالم إن العالم يدخل فى عصر من الوفاق بين القوتين الأعظم ونحن لا نعارض سياسة الوفاق، كان لنا تحفظ واحد عليها ومازال تحفظناً قائماً، إذا كنا نريد أن يدخل العالم بعد استحالة الحرب العالمية إلى عصر من السلام فإن السلام ليس معنى مجرداً أو مطلقاً السلام له معنى واحد هو أن تشعر كل شعوب الأرض إنه سلام لها وليس سلاماً مفروضاً عليها وانى لأقول أمام حضراتكم وعلى مسمع من العالم: نحن نريد أن تنجح وأن تتدعم سياسة الوفاق ونحن على استعداد للمساهمة فى إنجاحها وتدعيمها إن أى نسيان لهذه الحقيقة البديهية ليس تجاهلاً فحسب وإنما هو إهانة لا نرتضيها لأنفسنا ولا للعالم الذى يعرف أهمية وقيمة المنطقة التى نعيش فيها وعليه أن يعرف الآن أن هذه المنطقة قادرة على أن تمنح وأن تمنع.

أيها الإخوة والأخوات إن الولايات المتحدة بعد المناورة التي رفضنا مجرد مناقشتها خصوصاً بعد أن فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت إلى سياسة لا نستطيع أن نسكت عليها ٠٠ لا نستطيع أن نسكت عليها أو تسكت عليها أمتنا العربية ٠٠ ذلك إنها أقامت جسراً سريعاً تنقل به المعونات والمساعدات العسكرية لإسرائيل لم يكف الولايات المتحدة أن سلاحها هو الذي مكن إسرائيل من تعطيل كل محاولات الحل السلمي لأزمة الشرق الأوسط فإذا هي الآن تتورط فيما هو أفدح، فيما هو أخطر في عواقبه بينما نحن نقاتل العدوان وبينما نحاول إزاحة كابوسه عن أراضينا المحتلة إذ هي تسارع إلى العدوان تعوضه عما خسره وتزوده بما لم يكن لديه إن الولايات المتحدة تقيم جسراً بحرياً وجوياً تتدفق منه على إسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة وصواريخ جديدة وإليكترونيات جديدة ونحن نقول لهم إن هذا لن يخيفنا ولكن عليكم وعلينا قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللا عودة أن نفهم إلى أين وإلى متى وأين ونحن خريطة الشرق الأوسط وليست إسرائيل، إلى أين ومصالحكم كلها عندنا وليست في إسرائيل؟ إلى أين وإلى متى؟.

أيها الإخوة والأخوات لقد فكرت في أن أبعث إلى الرئيس ريتشارد نيكسون بخطاب أحدد فيه موقفنا بوضوح ولكنني ترددت خشية إساءة التفسير ولذلك قررت أن استعيض عن ذلك بتوحيد رسالة مفتوحة إليه من هنا، رسالة لا يمليها القول ولكن تمليها الثقة، رسالة لا تصدر عن ضعف ولكن تصدر عن رغبة حقيقية في صون السلام ودعم الوفاق، أريد أن أقول إنه بوضوح إن مطلبنا في الحرب معروف لا حاجة بنا لإعادة شرحه، وإذا كنتم تريدون معارضة مطلبنا في السلام فإليكم مشروعنا للسلام.

أولا: إننا قاتلنا وسوف نقاتل لتحرير أرضنا التي أمسك بها الاحتلال الإسرائيلي سنة 67 ولإيجاد السبيل لاستعادة واحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، ونحن في هذا نقبل التزامنا بقرارات الأمم المتحدة في الجمعية العامة ومجلس الأمن.

السادات ومبارك

ثانياً: إننا على استعداد لقبول وقف إطلاق النار على أساس انسحاب القوات الإسرائيلية عن كل الأراضي المحتلة فوراً وتحت إشراف دولي إلى خطوط ما قبل 5 يونيو 1967.

ثالثاً: إننا على استعداد فور إتمام الانسحاب من كل هذه الأراضي أن نحضر مؤتمر سلام دولي فى الأمم المتحدة سوف أحاول جهدي أن اقنع به رفاقي من القادة العرب المسئولين مباشرة عن إدارة الصراع مع العدو كما إنني سوف أحاول جهدي أن أقنع به ممثلي الشعب الفلسطيني، وذلك لكي يشارك معنا ومع مجتمع الدول في وضع قواعد وضوابط السلام في المنطقة يقوم على احترام الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقة.

رابعاً: إننا على استعداد في هذه الساعة من هذه الدقيقة أن نبدأ فى تطهير قناة السويس وفتحها أمام الملاحة الدولية لكي تعود أداء دورها في رخاء العالم وازدهاره ولقد أصدرت الأمر بالفعل إلى رئيس هيئة قناة السويس بالبدء في هذه العملية غداة إتمام تحرير الضفة الشرقية للقناة، وقد بدأت بالفعل مقدمات للاستعداد لهذه المهمة.

خامساً: إننا لسنا على استعداد في هذا كله لقبول وعود بمهمة أو بمبادرات مضللة تقبل كل تفسير وكل تأويل وتستنزف الوقت مما لا جدوى منه وتعيد قضيتنا إلى جمودها لم نعد نقبل به مهما كانت الأسباب لدى الغير أو تضحيات بالنسبة لنا، ما نريده الآن هو الوضوح، الوضوح في الغايات والوضوح في الوسائل.

أيها الإخوة والأخوات لقد قلنا كلمتنا وأدعو الله مخلصاً أن يفهمها الجميع في إطارها الصحيح وأن يضعوها على الخط المستقيم وأن يحسنوا تقدير الأمور إن هذه المسألة تتطلب شجاعة الرجال وعقل الرجال ومن جانبنا فإننا نواجه هذه الساعات بخضوع الصادقين مع الله ومع أنفسهم ومع أمتهم ومع إنسانيتهم هذه ساعات تدور فيها معارك أكبر مما دار من أسلحة تقليدية حتى في حروب العمالقة، هذه ساحات تتقرر فيها مصائر وتتحدد فيها علاقات سوف تفرض نفسها على المستقبل وهي تؤكد نفسها في الحاضر هذه ساعات يتقدم فيها أبطال، وهذه ساعات يسقط بل يرتفع فيها شهداء هذه ساعات حافلة بمشاعر متباينة تمتزج فيها صيحة الفرح بمشاعر عميقة أخرى ذلك إننا كنا ولازلنا نريد الحق ولا نريد الحرب لكننا كنا ولا نزال نريد الحق حتى إذا فرضت علينا الحرب وحين كانت نشوة الانتصار تملأ كل القلوب فإنني كنت فيما بيني وبين ربي أعرف مدى العناء الإنساني الذي ندفعه في سبيل النصر ولقد كنت أتتبع أنباء انتصارنا في خشوع لأنني أعرف الحرب.

ولقد كان أعز القائلين هو الذى علمنا «كتب عليكم القتال وهو كره لكم»، أيها الإخوة والأخوات هذه ساعات نعرف فيها أنفسنا ونعرف فيها الأصدقاء ونعرف فيها الأعداء، ولقد عرفنا أنفسنا ولقد عرفنا أصدقائنا وكانوا بأصدق وأخلص ما نطلب من الأصدقاء ولقد كنا نعرف عدونا دائماً ولسنا نريد أن نزيد من أعداءنا بل إننا لنوجه الكلمة بعد الكلم والتنبيه بعد التنبيه، والتحذير بعد التحذير لكي نعطي للجميع فرصة يراجعون ولعلهم يتراجعون لكننا بعون الله قادرون بعد الكلمة وبعد التنبيه وبعد التحذير أن نوجه الضربة بعد الضربة ولسوف نعرف متى وأين وكيف إذا أرادوا التصاعد فيما يفعلون، الأمة العربية كلها وأسمح لنفسي أن أعبر عنها، لن ننسى مواقف هذه الساعات أن الأمة العربية لم تنس أصدقاءها هذه الساعات الذين يقفون معها ولن ننسى أعداء هذه الساعات الذين يقفون مع عدونا «ربنا كن لن عونا وهدى.. ربنا وبارك لنا فى شعبنا وأمتنا ربنا انك وعدت ووعدك الحق » أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم» والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اقرأ أيضاًضياء رشوان: حرب أكتوبر ستظل رمزاً خالداً لقوة الإرادة المصرية وقدرتها على عبور المحن

تفاصيل وثائق حرب أكتوبر 1973.. أفرج عنها بعد 50 عامًا من السرية (صور)

الخطط التكميلية وسر الساعة 2.. تفاصيل الكشف عن وثائق حرب أكتوبر 1973

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: حرب أكتوبر السادات العبور حرب أكتوبر 1973 حرب 6 أكتوبر ذكرى نصر أكتوبر الرئيس السادات ذكرى العبور الولایات المتحدة القوات المسلحة الأمة العربیة الأمم المتحدة شعبنا وأمتنا هذه الساعات مجتمع الدول على استعداد هذه القوات هذه الأمة هذه ساعات مصاعب فی کنت أعرف أرید أن لقد کنا نرید أن لقد کان لم تکن على أن لم یکن أن هذه

إقرأ أيضاً:

باحث بالعلاقات الدولية: الرئيس الفلسطيني يوصل الليل بالنهار لرفع الظلم عن شعبه

قال أحمد شديد، الباحث في العلاقات الدولية، إن  الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من منطلق واجباته الرئاسية والمسؤوليات الوطنية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني؛ يوصل الليل بالنهار من أجل رفع العدوان المستمر على شعبه، إلى جانب إدخال المساعدات إلى قطاع غزة.

خطاب شامل

وأضاف «شديد» خلال مداخلة بقناة «القاهرة الإخبارية»، أن محمود عباس «أبو مازن» تطرق خلال خطابه اليوم في قمة مجموعة الثماني للأوضاع في سوريا ولبنان، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على البلدين.

وأوضح الباحث في العلاقات الدولية، أن خطاب أبو مازن كان شاملًا، أراد منه أن يوصل رسالة الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، ليذكر العالم بأن هناك عدوانًا على الشعب الفلسطيني والسوري واللبناني، وأكد أن المطلوب وقف العدوان، وحمامات الدم  المسؤولة عنها آلة الإجرام الإسرائيلية.

مقالات مشابهة

  • خطاب استثنائي للسيد القائد.. التحذير من مخطط بعثرة الأمة والأطماع الأمريكية الصهيونية في المنطقة
  • فعالية ثقافية في حجة بمناسبة ذكرى ميلاد فاطمة الزهراء عليها السلام
  • اللجنة المنظمة تحدد الساحات النسائية بالمحافظات لإحياء ذكرى مولد الزهراء
  • تحديد الساحات النسائية بالمحافظات لإحياء ذكرى مولد الزهراء عليها السلام
  • باحث بالعلاقات الدولية: خطاب الرئيس الفلسطيني بقمة مجموعة الـ 8 كان شاملا
  • بيان من حزب الأمة القومي السوداني بمناسبة ذكرى اعلان الاستقلال من داخل البرلمان وذكري ثورة ديسمبر المجيدة
  • باحث بالعلاقات الدولية: الرئيس الفلسطيني يوصل الليل بالنهار لرفع الظلم عن شعبه
  • فعاليات ثقافية في حجة لإحياء ذكرى ميلاد السيدة الزهراء عليها السلام
  • لقاء توعوي لموظفات مكتب رئاسة الوزراء لإحياء ذكرى ميلاد الزهراء عليها السلام
  • هيئة الأوقاف تُحيي ذكرى ميلاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام