غارديان: انتصارات إسرائيل التكتيكية قد يثبت أنها خسائر إستراتيجية
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
قالت صحيفة "غارديان" البريطانية إن النجاحات التكتيكية الكبيرة التي حققتها إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، كاغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وغيره من قادة الحزب الرئيسيين، لن تغير الديناميكيات الإستراتيجية الأساسية للصراع في المنطقة.
وأوضحت الصحيفة، في مقال بقلم سينا توسي من مركز السياسة الدولية، أن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم السبت أن مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله كان خطوة نحو تغيير "توازن القوى في المنطقة لسنوات قادمة" أعقبه بعد أيام قليلة هجوم صاروخي إيراني ضخم تجاوز دفاعات إسرائيل الجوية الهائلة، وذلك يشير إلى التكاليف والمخاطر المرتفعة لمزيد من التصعيد لتل أبيب.
وأشار الكاتب إلى أن النضال الفلسطيني المتطور يشكل التحدي الأعمق في قلب هذا الصراع، إذ يقول عميحاي أيالون، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "شين بيت" (الشاباك)، إن الفلسطينيين لا يرون أنفسهم مجرد مقاومين للقمع أو ساعين إلى الإغاثة الفورية من المصاعب، بل ينظرون إلى أنفسهم كأمة تقاتل من أجل الاستقلال.
وأضاف أن "الفلسطينيين اليوم، ليست حماس فحسب بل جميعهم، على استعداد للقتال والموت، لا من أجل الغذاء بل من أجل إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال. ومنذ اللحظة التي ينظرون فيها إلى أنفسهم كأمة تصبح الحرب مختلفة تماما".
منطق تاريخي أوسعوتشير هذه الملاحظة -حسب الكاتب- إلى منطق تاريخي أوسع يقول إنه عندما تنشأ الحركات الوطنية التي تقاتل من أجل تقرير المصير، غالبا ما تكون القوة العسكرية التقليدية وحدها غير كافية لقمعها. وقد أثبتت فيتنام وأفغانستان والصراع الإسرائيلي المطول أن قوات حرب العصابات التي تعاني من مظالم قومية عميقة وتحظى بدعم شعبي لديها قدرة على الصمود وتجاوز الجيوش الحكومية على الرغم من الصعوبات الهائلة.
ورغم أن النجاحات التكتيكية التي حققتها إسرائيل في الأيام الأخيرة "مثيرة للإعجاب"، فإنها فشلت في تحقيق الاختراقات الإستراتيجية التي يسعى نتنياهو إلى تحقيقها، حسب الكاتب. وعلى الرغم من تدمير أجزاء من قيادة حزب الله، فإن القوات الإسرائيلية لم تتمكن من تحقيق أحد أهدافها الأساسية، وهو ما دفع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني لتأمين شمال إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، تواصل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إظهار قدرتها على الصمود في غزة حيث تشن هجمات منتظمة على القوات الإسرائيلية، وقد استعادت بلدات في غضون "15 دقيقة" من الانسحاب الإسرائيلي كما اعترف جنرال إسرائيلي سابق مؤخرا. وذلك يؤكد قوة المجموعة الدائمة وحدود المكاسب التكتيكية التي حققتها إسرائيل في تأمين السيطرة الدائمة.
خلق أفق سياسي
ونبه سينا توسي إلى أن السياق الإقليمي الأوسع يعمل على تعقيد أهداف إسرائيل بشكل أكبر، خاصة أن إيران -اللاعب المركزي في ما يسمى "محور المقاومة"- أثبتت مرة أخرى قدرتها على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتطورة بضربة صاروخية أحدثت أضرارا جسيمة، مما يؤكد التكاليف الباهظة المترتبة على الصراع الشامل مع إيران.
وتسعى طهران -حسب الكاتب- إلى إقامة توازن ردع جديد، وهو ما ستحققه إذا امتنعت إسرائيل عن شن هجوم انتقامي كبير عليها في المستقبل القريب. ولكن حتى لو تم التوصل إلى هذا التوازن، فسيكون مؤقتا وغير مستقر إلى حد كبير ما بقي القتال مستمرا في غزة ولبنان.
نهج بديلولضمان مكاسب إستراتيجية طويلة الأجل وأمن دائم، يتعين على إسرائيل -حسب الكاتب- أن تفكر في نهج بديل يتجاوز القوة العسكرية، مثل إنهاء الحرب على غزة الذي أشار حزب الله والحوثيون اليمنيون إلى أنه سيوقف هجماتهم، وقد يفتح الطريق أمام سلام أوسع نطاقا يمكن أن يخلق المساحة للتفاوض على حل الدولتين مع الفلسطينيين، استنادا إلى المقترحات السابقة لإقامة دولة فلسطينية مجاورة عاصمتها القدس الشرقية.
ومثل هذا الاتفاق لن يحقق تطلعات الفلسطينيين فحسب، بل سيكسب إسرائيل أيضا اعتراف العالم العربي الأوسع، وهو ما من شأنه أن يغير الديناميكية الإقليمية بشكل جذري، وينزع سلاح إيران عن استخدام الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كرافعة لزيادة نفوذها الإقليمي.
وكما أكد أيالون، فإن مفتاح السلام الدائم يكمن في تزويد الفلسطينيين بأفق سياسي (…) والطريقة الوحيدة لهزيمة حماس هي خلق هذا الأفق، لأنه عندما لا يكون هناك أفق فسوف يثور الفلسطينيون كما فعلوا أثناء الانتفاضة الثانية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات حسب الکاتب حزب الله إلى أن من أجل
إقرأ أيضاً:
غارديان: نهاية حقبة "السلام الأمريكي" في أوروبا
بعد خطاب نائب الرئيس الأمريكي جيه دي. فانس في ميونيخ الشهر الماضي، توصل معظم الزعماء الأوروبيين إلى استنتاج مفاده، أن عالمنا قد تغير جذرياً، انتهى عهد "السلام الأمريكي"، الذي ضمن لوقت طويل السلام والأمن والحرية في أوروبا.
من مصلحة الأمن القومي تحقيق تقدم في إقامة اتحاد حقيقي
وليس هذا الأمر موضع شك على الإطلاق، خاصة بعد المعاملة المخزية التي تعرض لها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، ما يؤكد أن أوروبا لم يعد في إمكانها الاعتماد على الأمريكيين في أمنها الجماعي.
وكتب نائب رئيسة المفوضية الأوروبية السابق فرانس تيمرمانس، الذي يترأس التحالف ذي الاتجاه اليساري في هولندا، أنه "يجب أن نأمل بحصول الأفضل، لكن الأمل ليس سياسة. نحن الهولنديين والاتحاد الأوروبي، وكل الدول الغربية التي تقف مع أوكرانيا، يجب أن نستعد للأسوأ". والسؤال المطروح هو الآتي: كيف نحافظ على أوكرانيا حرة ومستقلة، وكيف نحمي اقتصادنا، وحريتنا وديمقراطيتنا، وحدودنا؟.
"ويبدأ هذا بالتنبه إلى أن أمننا قد بات مهدداً فعلاً من روسيا. ويريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يعقد صفقات تجارية على حسابنا مع هذا البلد. ويبدو أنه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قسما أوروبا إلى مناطق نفوذ، شأنهما شأن زعماء العصابات".
إن هولندا ليست جزيرة في وسط المحيط الأطلسي، ونحن معرضون بالكامل عندما تجتاح العواصف الجيوسياسية والاقتصادية قارتنا. كان العدوان الروسي في أوكرانيا هو وراء الارتفاع الصاروخي لأسعار الطاقة، ولا يمكننا أن نغلق الأبواب في انتظار هدوء العاصفة. إننا بلد متوسط الحجم يمتلك مصالح أوروبية ودولية مهمة، وحان الوقت لنتصرف تبعاً لذلك.
ولفت الكاتب إلى "أن مدانا الوطني صغير جداً، بحيث لا يحدث فرقاً حقيقياً. اليوم، نحن في حاجة إلى الاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت مضى. يجب علينا أيضاً العمل على إقامة علاقات أوثق مع البلدان التي تشاركنا إحساسنا بالإلحاح وهي ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وفي المقام الأول المملكة المتحدة والنروج، ولكن أيضاً كندا وأستراليا ونيوزيلندا"، وسيحتاج الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً ضد الدول الأعضاء مثل المجر، التي لا تدخر جهداً في الترويج لأجندة بوتين وترامب.
إن الأولوية الأكثر إلحاحاً الآن هي دعم أوكرانيا. ويتعين علينا سد الفجوة التي تركها ترامب خلفه. وعلى الصعيد المالي، يجب ألا يكون ذلك معقداً، لكن من الناحية العسكرية، فإن هذا يشكل تحدياً مختلفاً. وستصعد روسيا الآن من هجماتها، لذلك يجب إرسال كل المعدات العسكرية المتوافرة إلى أوكرانيا في أسرع وقت ممكن. ومع مساعدة مالية إضافية، يمكننا أيضاً أن ننهض بالصناعات العسكرية الأوكرانية، وجعلها تعمل بأقصى طاقتها.
وعلى المدى البعيد، يجب علينا أولاً تأسيس شراكة توفر الضمانات الأمنية الجماعية لحلف الناتو، من دون الاعتماد على الولايات المتحدة. ومن الضروري هنا انخراط بريطانيا وربما كندا ودول أوروبية ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وثانياً، من مصلحة الأمن القومي أن نحقق تقدماً في إقامة اتحاد حقيقي للطاقة. ذلك أن أسعار الطاقة المرتفعة تشكل التهديد الاقتصادي الأساسي لهذه القارة. وهذا يتطلب المزيد من الاستثمار الجماعي في شبكات الطاقة، والطاقة المتجددة، فضلاً عن الشراء المشترك للغاز طالما كنا في حاجة إليه.
ويمكن للهولنديين الإضطلاع بدور قيادي في كل هذه المجالات، لكنهم لا يفعلون ذلك. والسبب في ذلك هو الانقسام العميق داخل الإئتلاف الحكومي، إذا أن رئيس الوزراء ديك سكوف يتحدث بتردد واضح ومـتأخراً جداً وبغموض كبير. ولأن الائتلاف لا يرصد مساعدات مالية إضافية لأوكرانيا، ويعمد إلى تخفيضات غير ذي معنى لمساهماته في موازنة الاتحاد، فإن الدعم اللفظي رخيص بالمعنى الحرفي والمجازي على حد سواء. ونتيجة لأن حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت غيلدرز هو أكبر حزب في الائتلاف، ويتخذ مواقف غامضة في أفضل الحالات ويساند ترامب- الذي يقف الآن مع بوتين- فإن حكومتنا تسير على غير هدى.
ولحسن الحظ، لا يزال ثمة أمل. وربما تكون الحكومة التي لا تمسك بزمام الأمور، على وشك اليأس، ولكن الشعب ليس بلا أمل، ولا شك أن بلدنا ليس بلا آفاق. فالشعب الهولندي يرى أن النظام العالمي يتغير. وفي مثل هذه الأوقات غير العادية والخطيرة، يستحق الشعب الهولندي حكومة حاسمة وموحدة.