أطلقت إيران وابلًا من الصواريخ الباليستية ليل الثلاثاء 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، على مختلف المناطق الإسرائيلية، مستخدمةً أسلحة أكثر تطورًا من تلك التي استخدمت في ضربات أبريل/ نيسان الماضي، في رسالة واضحة، بأن إيران ستصعّد من ضرباتها في المرة القادمة على أي اعتداء جديد من قبل إسرائيل على سيادتها.

رغم التهديد الشديد اللهجة الذي أطلقه الحرس الثوري الإيراني لحكومة إسرائيل بأن أي ردّ سيكون هناك رد مدمر عليه، فإنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد على تهديداته خلال اجتماع سياسي أمني بعد الضربة، أن الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل "فشل"، وستدفع طهران ثمنه، وأعلنت صحيفة "هآرتس" نقلًا عن الجيش الإسرائيلي اليوم، أنه يستعد لهجوم كبير في إيران.

لم يكن يهمّ البعض متى ستنفذ إسرائيل ردها على الضربات الإيرانية – لأن التوقعات كانت تشير إلى أنه قادم لا محالة، بمئات الصواريخ الباليستية؛ انتقامًا على اغتيال حسن نصر الله، وإسماعيل هنية، وعباس نيلفوروشان – بقدر ما بات الأهم هو السؤال أين ستقوم إسرائيل بتنفيذ ضرباتها، وهل ستشعل في ذلك حربًا واسعة؟

أهم ما يمكن التوقف عنده، هو ما قاله نائب وزير الخارجية الأميركي، كورت كامبل، الأربعاء 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ستركز في اتصالاتها مع الإسرائيليين في الأيام القليلة المقبلة على محاولة التوفيق بين وجهات النظر حول أي ردّ محتمل على هجوم إيران سيكون، واصفًا الوضع الحالي في الشرق الأوسط بأنه يمرّ بـ "لحظة خطرة".

لا أحد يعارض كورت في أنّ المنطقة وقعت في المحظور، وأنها تتجه نحو الانزلاق إلى حرب رغم ما كان سائدًا بأنّ الأميركي والإيراني يتفقان على عدم توسيعها. لكنّ ما ذكره حول المشاورات الأميركية – الإسرائيلية، هو جوهر الموضوع؛ لأنّ الأميركي الداعم لإسرائيل يريد ردًّا يتناسب مع مصالحه.

ماذا تعني محاولة التوفيق بين وجهات النظر، من هنا يبدأ البحث عن المكان المفترض استهدافه من قبل طائرات "إف- 35" التي تعمّد نتنياهو وضعها في خلفية صورته عندما كان يوجه تهديداته لمسؤولي طهران. فنتنياهو يذكّر إيران بأنّ قدرات بلاده العسكرية تعتمد على القوى العسكرية الأميركية، وبأنّ الردّ سيكون بحسب التوجيهات الأميركية، وهو مدروس بما لا يؤدي، ربما، إلى تدهور الحرب  وتوسيعها.

كُثر من المتابعين ركزوا في كتاباتهم على قيام إسرائيل بشن هجمات متتالية لضرب مفاعلات إيران النووية، معتمدين على تقارير يعود البعض منها إلى عام 2012، تلك التي سرّبت من مكتب نتنياهو يحثّ فيها الرئيس الأميركي على القبول بتوجيه ضربات مركزة لشلّ قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية.

قد يكون هذا ما يريده نتنياهو، لكنّ الوضع اليوم لا يسمح له باختيار مكان ضرباته منفردًا، ليس لعدم مقدرته على ذلك، بل لأنّه يعلم أنّ أي مغامرة مع إيران، وفي ظلّ حربه التي يخوضها على أكثر من جبهة، لن يستطيع مواجهة الضربات الصاروخية الإيرانية. فما حدث ليل الثلاثاء كان واضحًا من حيث اختيار إيران صواريخ باليستية جديدة "فاتح 1" الأسرع من الصوت.

توجيه ضربة إلى المفاعلات النووية قد تلجأ إليها إسرائيل في حال اشتدّ الصراع وتوسع، ستكون حتمًا على لائحة الاستهداف. فعلى ما يبدو تدرك أميركا أن إيران ليست في مرحلة إنتاج القنبلة؛ لهذا ليس من المهم ضرب المفاعلات، بل يجب توجيه الضربة إلى أماكن أكثر إيلامًا ليس لإيران فقط بل لحلفائها على حدّ السواء.

بعد الضربة الإيرانية على إسرائيل، بدأ الحديث الجدي حول الردّ الإسرائيلي وطبيعته، وارتفعت مع ذلك التقارير التي تفيد بأن الضربة الإسرائيلية ستوجّه إلى منشآت إيران ليست النووية، بل النفطية ومصافي الغاز، هذا ما فتح شهية الولايات المتحدة التي بدأت التنسيق الجدي مع تل أبيب بشأن الضربة. تحتاج واشنطن إلى ضرب تلك المنشآت التي تمدّ خزان إيران التمويلي لكافة وكلائها في المنطقة، ولتمكين الحرس الثوري من تطوير منظوماته العسكرية، الهجومية والدفاعية.

يعتبر الاقتصاد الإيراني من أهم اقتصادات العالم، حيث يعتمد بشكل رئيسي على تصدير النفط والغاز. إذ أصدرت شبكة "إنفاذ قوانين الجرائم المالية" في الخزانة الأميركية في مايو/ أيار الماضي، ما سمّتها "وثيقة تحذيرية استشارية"، لمساعدة المؤسسات المالية في الكشف عن المعاملات غير المشروعة المحتملة، "المتعلقة بالمنظمات الإرهابية المدعومة من إيران"، وسط "النشاط الإرهابي" المكثف في الشرق الأوسط لتعقبها وفرض العقوبات عليها.

تؤكد الوثيقة أن الأحداث الأخيرة أبرزت تورط إيران في تمويل الكثير من الأنشطة في المنطقة وتحديداً في العراق وسوريا.

لا يتوقف الطموح الأميركي لضرب مصادر التمويل الإيراني الرئيسية الوحيدة للنظام وأعوانه. بل أيضًا تعتبر واشنطن أن إيران تجعل من موانئها ملاذًا آمنًا لـ "أسطول الظل" الروسي وتفلته من العقوبات الغربية عليها. حيث تلعب إيران دورًا للتمويه على تصدير النفط والغاز الروسي.

كما أن خبر إعلان طهران عزمها استيراد الغاز من روسيا، شكل صدمة في الأوساط الإيرانية، رغم أنها – وفق آخر الإحصاءات التي نشرت عام 2021 – تعد ثالث أكبر منتج للغاز في العالم بعد أميركا وروسيا، ليتضح بعدها أنها تسعى إلى دعم موسكو على طريقة "المقايضة" بين الغاز الروسي، والصواريخ والمسيرات الإيرانية.

لا يتوقف الأمر عند تضييق الخناق الاقتصادي على الحليف الروسي في حال ضُربت القدرة النفطية الإيرانية، لكنّ سينعكس سلبًا على الصناعات الصينية، فتكون أميركا قد وجهت ضربة إستراتيجية لمنافسها الاقتصادي الأول. إذ كانت كل من بكين وطهران وقعتا في عام 2022، على الشراكة الإستراتيجية الشاملة بينهما التي تستفيد فيها الصين من الطاقة النفطية والغاز الإيراني على مدى 25 عامًا.

تحتاج إسرائيل لتلك الضربة؛ لإعادة بناء معادلة الردع من جديد بغض النظر عن أين ستضرب، ولكن في الوقت نفسه تحتاجها أميركا لتحقيق أهداف منشودة ترتكز على عرقلة طموح القوة الصاعدة التي تسعى لتغيير وجه النظام الدولي أمامها. لهذا ستسمح بشنّ إسرائيل ضربة انتقامية ومدمرة ولكن بشروطها وبأسلحتها وبمسعى لكي لا تتوسع الحرب، إن استطاعت إلى ذلك سبيلًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

مسؤول أمريكي يعلن تحييد عدد كبير من قادة الحوثيين والجماعة ترد بمسيرات وصواريخ

 أعلنت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، أن الولايات المتحدة تواصل غاراتها الجوية ضد جماعة أنصار الله "الحوثي" في اليمن، بينما أكدت الجماعة أنها ردت على الهجمات الأمريكية بحوالي 18 صاروخا وطائرة مُسيّرة أُطلقت على حاملة الطائرات "يو إس إس هاري ترومان".

ولم تقدم القيادة المركزية الأميركية مزيدا من التفاصيل، لكنها نشرت مقطع فيديو على موقع "إكس" (تويتر سابقا) لإقلاع طائرات عسكرية.

وقالت: "تواصل قوات القيادة المركزية الأميركية عملياتها ضد الإرهابيين الحوثيين المدعومين من إيران"، بحسب البيان.

تواصل قوات #القيادة_المركزية_الأمريكية (#سنتكوم) عملياتها ضد الإرهابيين الحوثيين المدعومين من إيران... pic.twitter.com/sQujgUCdS9 — U.S. Central Command (@CENTCOMArabic) March 17, 2025
وأفادت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" التي تسيطر عليها جماعة الحوثي في اليمن بوقوع غارتين جويتين في وقت مبكر من الإثنين في منطقة مدينة الحديدة الساحلية التي تبعد نحو 230 كيلومترا عن العاصمة صنعاء.

وفي وقت سابق، قال مسؤول أميركي لوكالة رويترز، إن مقاتلات الجيش الأمريكي، أسقطت 11 طائرة مسيرة تابعة للحوثيين. 


وأضاف المسؤول أن الجيش الأمريكي تعقب صاروخا تابعا للحوثيين، لكن الصاروخ أخفق في التحليق، وسقط في المياه قبالة اليمن، ولم يشكل أي تهديد.

ويأتي ذلك بعد إعلان المتحدث باسم الحوثيين أن الجماعة استهدفتْ للمرةِ الثانيةِ خلالَ 24 ساعةً حاملةَ الطائراتِ الأميركيةِ "هاري ترومان" في شمالِ البحرِ الأحمرِ.

وقال المتحدث إن الجماعة أفشلت هجوما كان يجري التحضير له واضطرت الطائرات الحربية الأميركية المحلقة إلى العودة. 

وأكدت جماعة أنصار الله أنها ردت بالفعل على الهجمات الأمريكية خلال نهاية الأسبوع، مضيفة أن حوالي 18 صاروخًا وطائرة مُسيّرة أُطلقت على حاملة الطائرات الأمريكية، "يو إس إس هاري ترومان".

وأكد مسؤولان أمريكيان لشبكة "سي إن إن" عدم وقوع إصابات أو أضرار، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كان عليهم محاولة اعتراض أيٍّ من هذه المقذوفات.

وزعم مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، تحييد "عدد كبير من قادة الحوثيين" في غارات جوية أمريكية في اليمن.

جاء ذلك في مقابلة له على قناة "إيه بي سي نيوز"، الأحد، قيم فيها الضربات الجوية الأمريكية ضد جماعة الحوثي في اليمن.

وأشار والتز إلى أن "عددا كبيرا من قيادات الحوثيين تم استهدافهم وقتلهم" في الهجمات الأميركية، دون ذكر أسماء، موضحا أن هذه الهجمات تختلف عن تلك التي نفذت خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، قائلا: "الفرق هنا هو أولا استهداف قيادة الحوثيين وثانيا محاسبة إيران".

وقال إن "إيران هي التي تستهدف ليس فقط السفن الحربية الأميركية، بل أيضا التجارة العالمية، وتساعد الحوثيين على إغلاق اثنين من أكثر ممرات الشحن الاستراتيجية في العالم".

وفي نفس السياق استذكر والتز كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن إيران لا يمكن أن تمتلك أسلحة نووية، مشيرا إلى أن كل الخيارات مطروحة لمنعها من الحصول على هذه الأسلحة.


بدوره، ادعى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن بلاده "تقدم خدمة جليلة للعالم أجمع" بالهجمات التي تشنها ضد الحوثيين في اليمن.

وبحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، الأحد، أدلى روبيو بتصريحات بشأن القضايا الراهنة في مقابلة على قناة "سي بي إس نيوز" الأمريكية.

وأوضح روبيو أن الحوثيين في اليمن هاجموا البحرية الأميركية 174 مرة والسفن التجارية 145 مرة خلال الأشهر الـ18 الماضية.

وذكر أنهم لن يسمحوا للحوثيين بتحديد السفن التي تمر عبر البحر الأحمر والتي لا تمر.

وأفاد بأن واشنطن ستواصل مهاجمة المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن "حتى يمسي الحوثيون غير قادرين على القيام بذلك".

وأضاف: "نحن نقدم خدمة جليلة للعالم أجمع من خلال إزالة هؤلاء الأشخاص وقدرتهم على ضرب الشحن العالمي".

والسبت، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه أمر جيش بلاده بشن "هجوم كبير" ضد الحوثيين في اليمن.

وتعد هذه أول ضربات على اليمن منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس بغزة في 19 كانون الثاني/ يناير 2025.

و"تضامنا مع غزة" في مواجهة الإبادة الإسرائيلية، باشرت جماعة الحوثي منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 استهداف سفن شحن مملوكة لـ"إسرائيل" أو مرتبطة بها في البحر الأحمر أو في أي مكان تطاله بصواريخ وطائرات مسيرة.


وشن الحوثيون من حين إلى آخر هجمات بصواريخ ومسيّرات على "إسرائيل"، بعضها استهدف مدينة تل أبيب، قبل أن توقفها مع دخول وقف إطلاق النار بغزة حيز التنفيذ.

وبعد خرق تل أبيب الاتفاق وإغلاق المعابر مجددا لمنع دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، مع مطلع آذار/ مارس تزامنا مع شهر رمضان، أعلنت جماعة الحوثي استئناف عملياتها ضد سفن "إسرائيل" للضغط عليها لكسر حصار غزة.

مقالات مشابهة

  • عاجل | مراسل الجزيرة: 10 شهداء في القصف الإسرائيلي على مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة
  • الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عملية برية “محدودة” في قطاع غزة
  • الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل الضربة الافتتاحية ضد غزة
  • بعد عودة الحياة إلى ولاية الجزيرة.. بنك كبير يعاود نشاطه
  • العراق:لن نسمح باستهداف إيران والحوثيين والحشد الشعبي والشرع سيكون صديق العراق
  • الجيش الأميركي: قواتنا تواصل ضرباتها ضد الحوثيين
  • البروفيسور صلاح الدين العربي يعلن عن تدشين وثيقة اعمار جامعة الجزيرة
  • من هو المسؤول إم الذي سيكون خلفا لرئيس الشاباك الإسرائيلي
  • مسؤول أمريكي يعلن تحييد عدد كبير من قادة الحوثيين والجماعة ترد بمسيرات وصواريخ
  • التلويح الأميركي بـ جزرة التطبيع مع إسرائيل أربك لبنان