بير نبالا بلدة فلسطينية يحاصرها جدار الفصل الإسرائيلي
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
بير نبالا هي إحدى بلدات محافظة القدس، يحيط بها جدار الفصل الإسرائيلي من أغلب جهاتها، ويعزلها عن البلدات والمدن المحيطة بها، ويعيش معظم أهلها على الأنشطة الزراعية.
الموقعتقع بير نبالا شمال غربي مدينة القدس، وتبعد عنها 8.7 كيلومترات. وترتفع عن سطح البحر 726 مترا.
تحدها من الشرق بلدة الرام، ومن الشمال بلدة الجديرة، ومن الغرب بلدة الجيب، ومن الجنوب بيت حنينا.
سميت بير نبالا بهذا الاسم نسبة إلى بئر ماء في البلدة القديمة، كانت هي المصدر الوحيد للمياه لسكان البلدة، ثم أصبحت هذه البئر من أهم الأماكن الأثرية في القرية.
وتعني كلمة "نبالا" في اللهجات العربية القديمة الحوض أو الآنية، وتقول رواية أخرى إن التسمية تحوير لاسم "نبلات" وهي قرية كانت في جوار البلدة واختفت معالمها.
حسب التعداد العام للسكان والمساكن الذي أجراه الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء عام 2007، فإن عدد سكان بلدة بير نبالا بلغ نحو 6 آلاف نسمة.
وتبين إحصاءات أخرى غير رسمية أن عدد سكان بير نبالا في العقد الثاني من القرن 21 أصبح نحو 15 ألفا، قبل أن ينخفض من جديد بسبب تضييقات الاحتلال وزحف الاستيطان.
التاريخفي أعقاب النكبة عام 1948، وبعد اتفاقات الهدنة لعام 1949، أصبحت بير نبالا تحت الحكم الأردني، لكنها بعد النكسة عام 1967 سقطت بيد الاحتلال الإسرائيلي.
شهدت البلدة في عام 1994 حادثة اختطاف الجندي الإسرائيلي نحشون فاكسمان، في عملية عسكرية نفذتها كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- ردا على مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل.
أسرت كتائب القسام الجندي فاكسمان عند موقف للجنود الإسرائيليين داخل أراضي الـ1948، ثم أخذوه إلى منزل أُعِدّ سلفا في قرية بير نبالا، وانتهت العملية بعد اقتحام قوات الاحتلال مقر الوحدة القسامية الآسرة للجندي في محاولة لتحريره.
لكن المحاولة أدّت إلى قتل الجندي الأسير إضافة إلى قائد الوحدة المقتحمة وجندي ثالث كما أصيب نحو 20 جنديا.
اتسمت قرية بير نبالا منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى بناء جدار الفصل الإسرائيلي عام 2004 بجذب السكان إليها، إذ يمتاز موقعها الجغرافي بتوسطه بين الشمال والجنوب، وبين مدينتي القدس ورام الله، كما تمتاز بوقوعها من الشرق إلى الغرب قريبا من مدن الرام وحزما وشعفاط عبر الجيب، وقرى غرب القدس إلى يافا عبر طريق رئيسي إلى الساحل، وبسهولة التنقل منها إلى مدن الداخل المحتل، وكانت أسواقها كفيلة بسدّ حاجات سكانها وزوارها.
في مطلع عام 2006 أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي شارع فلسطين الذي يتوسط قرية بير نبالا، بعد عامين من بدء بناء الجدار العازل الذي أحاط بالقرية من أغلب الاتجاهات وفصلها جغرافيا عن محيطها الممتد حتى مدينة القدس المحتلة.
الاقتصادتتمتع قرية بير نبالا بالأراضي الخصبة الملائمة لزراعة الزيتون والخضراوات، ولكثرة المياه اهتم أهالي البلدة بالزراعة.
أما من حيث المنشآت والمؤسسات الاقتصادية والتجارية، فيوجد في التجمع مصانع مواد تنظيف، ومحلات للحرف اليدوية مثل الحدادة والنجارة، فضلا عن المحلات التي توفر الحاجات اليومية للسكان.
ويهدف الاحتلال إلى تدمير الاقتصاد في بلدة بير نبالا ليعزز اقتصاد مستوطنة عطروت الصناعية التي لا يفصلها عن البلدة سوى الجدار، وأصبحت مدينة صناعية كبيرة يعمل الاحتلال جاهدا لتسهيل العمل فيها ووصول التجار إليها، رغم أنها كانت في الماضي تنافس أسواق بلدة بير نبالا.
أهم معالم بير نبالايوجد في بلدة بير نبالا مسجدان هما: مسجد الحاج توفيق النبالي ومسجد بير نبالا القديم. كذلك توجد بها بعض الأماكن والمناطق الأثرية، منها: بيوت قديمة وبئر الماء التي سميت باسمها البلدة.
وفي بير نبالا بقايا أثرية من العصور المختلفة مثل الحقبة البيزنطية وبقايا برج من الحقبة الصليبية ومباني البلدة القديمة التي تعود إلى الحقبة العثمانية.
الاستيطان في بير نبالافي عام 2007 لم يكتف الاحتلال بمحاصرة قرية بير نبالا من الجهة الشرقية التي تربطها بالقدس فقط، بل أكمل بناء الجدار ليحيطها من كل جوانبها ويبقيها على اتصال مع العالم من خلال مدخلين فقط، أحدهما يتصل بقرى شمال غربي القدس المحاصرة أيضا بالجدار، والمدخل الآخر يغلقه الاحتلال أحيانا بالحواجز العسكرية ويربط بين هذه القرى ومدينة رام الله.
وقد انخفض عدد السكان في البلدة بعد بناء الجدار بشكل مباشر من 15 ألف مواطن إلى أقل من 5 آلاف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
*جمعة الكرامة.. يوم صُربت أحلامنا على جدار الدم*
في بعض الأيام، لا تغيب الشمس وحدها، بل يأخذ الغروب معه أرواحًا، وأحلامًا، وقطعة من القلب لن تعود أبدًا، هناك أيام خالدة في الذاكرة لا تغادرها، تظل محفورة في أعماق ارواحنا كجرح لا يلتئم، كلحظة توقف فيها الزمن أمام مشهد لا يُحتمل، كلحظة اختلطت فيها الدماء بالأحلام والامال، والهتاف بالرصاص، والابتسامة بالنهاية.
18 مارس 2011 لم يكن مجرد يوم عادي او تاريخ مدون في الأوراق، بل هو نقش من دم على صخرة الذاكرة، إنه اليوم الذي سالت فيه أرواح الأحرار في صنعاء، حيث اصطف القتلة خلف جدار العار، يفرغون رصاصهم الغادر في صدور الشباب، أولئك الذين لم يحملوا إلا حلماً بحياة كريمة ووطن لايسلب أبناءه حقهم في العيش بكرامة.
في ذلك اليوم ، ارتقى شقيقي محمد وستة من أصدقائي وزملائي: علي الفلاحي، علوي الشاهري، عوض اليافعي، مجاهد القاضي، خالد الحزمي، وعرفات الحمزة، بينما كان أخي الأصغر حسين وأكثر من عشرة من رفاقي بين الجرحى، بعضهم بقي ينزف على الإسفلت، وبعضهم حمل جراحًا لم تبرأ، لا في جسده ولا في قلبه .
كنا هناك، في ساحة التغيير نحلم بوطنٍ جديد، نحلم بكرامةٍ لم نكن ندري أنها ستُسقى بدمائنا، وقفنا نهتف، نرفع أصواتنا، لم نكن نعلم أن الصدى الوحيد الذي سيرد علينا هو صوت الرصاص، وأن الأحلام التي رسمناها ستُكتب بالحبر الأحمر على جدران المدينة.
*هذه حكايتي مع جمعة الكرامة.. الحكاية التي لم تنتهِ بعد.*
*اللحظة التي دوّى فيها الرصاص*
كل شيء حدث بسرعة فور ان أكملنا صلاة الجمعة، كأننا كنا في مسرحٍ للجنون، والرصاص يعزف لحن الموت من خلف الجدار، كان صوت القناصة يسبق الرؤية، ومن يسقط، لا يقوم ثانية. كانت جمعة الكرامة، لكنها لم تكن كريمة إلا بالشهداء.
حينما دوّى الرصاص هرولت مسرعاً نحو الجدار برفقة أخي وصديقي سياف النهاري وأثناء ذلك، وفي منتصف الطريق وجدت اخي محمد مصابًا، يحمله مجموعه من الشباب ، حاولت مساعدتهم لكنه رفض إسعافي له وصرخ في وجهي: “أنا بخير، سير دور حسين، عنه أصيب قبلي!”، لم أستوعب ما قاله، كان جرحه ينزف، لكنه كان أقوى من الألم، أو ربما لم يكن يريدني أن أراه يسقط أمامي.
هرولت باحثًا عن شقيقي حسين، وبينما كنت أركض، رأيت شابًا يسقط أمامي، لم يكن مجرد شاب، وإنما كان علوي الشاهري.. صديقي، ورفيقي في درب الثورة، هرعت إليه، أمسكت به، كنت أهزّه وأصرخ باسمه، لكنه لم يرد، كان الرصاص أسرع من صرخاتي، كان الموت قد احتضنه قبل أن أمدّ يدي إليه، علوي مات بين يدي، وأنا لا أزال أسمع صوته يضحك في أذني، كأن شيئًا لم يحدث.
لم أستطع الصمود، كان المشهد أكبر من احتمالي وقدرتي، جلست وسط الشارع، أبكي دون وعي، كأن البكاء هو كل ما تبقى لي، لكنني لم أكن وحدي، كان هناك شبابٌ يتساقطون، وجراحٌ تنزف، وأصواتٌ تصرخ بأسماء من سقطوا، كأن أحدًا ما كان يجمع أرواحهم واحدًا تلو الآخر.
*الجدار.. حيث انهار الدم ولم ينهَر الحلم*
كان هناك جدارٌ يفصلنا عن القتلة، جدارٌ تخفّى خلفه الرصاص، وكأنه كان الحدّ الفاصل بين الحلم والموت، لم أفكر طويلًا، مسحت دموعي، وعدت إلى حيث كان سياف ورفاقي يهدّمون الجدار، كنا نهدمه بأيدينا، نحفره باضافرنا ووجعنا، وكأن سقوطه سيعيد لنا من فقدناهم.
حينها لم أتذكر محمد، لم أتذكر علوي، لم أتذكر حسين أو أيًّا من الجرحى، كنت كبقية الشباب، أريد هدم ذلك الجدار اللعين، كنت أريد أن أرى القتلة وهم يدفعون الثمن، أن أشعر للحظة أننا لم نُقتل بلا ثمن.
وحين سقط الجدار، لم يتوقف الغضب، لاحقنا القتلة حتى أمسكنا ببعضهم، رأيت الخوف في أعينهم، رأيت كيف يهرب الجُبناء حين يواجهون الحقيقة، لكن الحقيقة الأقسى كانت أن من سقطوا خلفي، لن يعودوا معي أبدًا.
*“محمد بخير”… كذبة تمنيت لو كانت حقيقة*
بعد انتهاء المجزره وهروب القتله، عدت أبحث عن شقيقي محمد وحسين، كنت متعبًا، قدماي بالكاد تحملانني، لكنني مشيت، حتى التقيت بأمي، كانت تبحث بين الناس، تسأل بذعر: “أين محمد؟!”. حاولت تهدئتها، قلت لها: “محمد بخير، تعالي با نلاقيه في المستشفى الميداني" لم أكن أعلم أن إصابته كانت خطيرة، لم أكن أعلم أن الزمن كان يسابقه نحو النهاية.
نظرت إليّ أمي بعينين غارقتين بالدموع وقالت: “ يبني لا تكذب علي أنا شفته على قناة الجزيرة.. أصيب برصاصة في صدره”، شعرت بأن الأرض تميد بي، كانت الحقيقة أمامي، لكنني لم أشأ أن أراها، أمسكت بيدها، أخذتها إلى المسجد "المستشفى الميداني"، وصلنا هناك وكنت أقلب جثث الشهداء أمامها، واحدًا تلو الآخر، لأثبت لها أن محمد ليس بينهم، وأثناء ذلك تفاجأت برؤية زميلي علي الفلاحي بين الشهداء وبجانبه خالد الحزمي وهنالك في الوسط عوض القطيبي (اليافعي) رفيق الساحة وعلى مقربةٍ منه عرفات الحمزة ، يالله انهارت قواي واخذت ابكي نسيت ان امي وشقيقي الاكبر احمد بجانبي (ليس حزناً على اخي واصدقائي الذين استشهدوا بقدر ماكان تحسراً على نفسي ان الله لم يصطفيني معهم) لم افق الا بعد المغرب لاسألهم عن محمد فاخبروني انه مفقود.
*محمد.. أين اختفى؟*
حين استعدت توازني، سألت عن محمد، لكن أحدًا لم يكن يعلم أين هو، في صباح اليوم التالي ، بدأنا رحلة البحث، في المستشفيات وأقسام الشرطة، لعله يكون بين المعتقلين ولم نجد له اثر، يوم كامل ونحن نفتش بين القوائم، بين الجرحى، بين الموتى، بلا نتيجة.
حتى جاء ابن عمي احمد يوم السبت بعد الظهر ، وهو يحمل ورقة، وينادي علي : "مجاهد تعال شوف القائمة.. هذا محمد، شكلهم أخطأوا في كتابة اسمه!”، اخذت الورقة من يده وقراتها بتمعن، لم اكن اود تصديق ما قرأته، لكنني ذهبت معه، إلى مستشفى العلوم والتكنولوجيا.
وفوراً دخلنا غرفة الثلاجات، بدأ المسؤول بفتح الأبواب وآحد بعد الآخر وحين فتح الباب الأخير، كان هناك جسد مغطى بسجادة صلاة، لم يكن عليّ أن أرى وجهه لأعرفه، لكنني اقتربت، حتى رأيت.. محمد، شقيقي، كان هناك، جسده مسجّى، كأنه نائم، كأنه لم يمت، كأنه فقط ينتظرني لأراه قبل أن يرحل نهائيًا.
انهرت تمامًا، سقطت على الأرض، لم أشعر بشيء، حتى رأيت بجانبه جسدًا آخر.. علوي الشاهري ، صديقي الذي مات بين يديّ، ملقى على الأرض لأن الثلاجة كانت ممتلئة بالشهداء، فلم أتحمل المشهد وفقدت وعيي، ولم أصحُ إلا حين رشني مسؤول الثلاجة بالماء.
خرجت من المستشفى واتصلت بوالدي وأخبرته بالأمر، وصل بعد ساعة، حمد الله، وكتم ألمه، أما أنا فلم أفق من هول الصدمة إلا بعد أسبوع تقريبًا
*وداعًا أيها الخالدون..*
ختاماً إن سألتني اليوم: هل نسيت؟
لا، كيف أنسى؟
كلما أغمضت عيني، أرى علوي يموت بين يدي، محمد يصرخ: “أنا بخير، اسعف حسين”، أرى الجدار ينهار، أمي تمسك بيدي، وأجساد الشهداء المستلقية بسلام، كأنها لا تزال تنظر إلينا، تنتظرنا لنكمل الطريق.
وداعًا اخي وسندي محمد ،وداعاً يارفاقي، يا وقود الحلم، يا من افتديتم اليمن بدمكم، لم تكونوا مجرد أسماء في ذاكرة عابرة، بل كنتم وما زلتم جزءًا من كياننا، نبضًا يسري في قلوبنا ، فلا الزمن ولا الانقلاب، ولا الحرب الطويلة ، ولا حياة التشرد، ولا المآسي، ولا قسوة الحياة أنستنا وجوهكم، او أصواتكم، وخطواتكم التي سبقتنا على درب الحلم.
ولم تغيبوا عن ذاكرتنا يومًا، بل أنتم الحاضرون في كل لحظة، في كل شهقة ألم، في كل نبضة أمل، في كل صرخة تطالب بالكرامة.
اخي ورفاقي إن كان لي أن أخاطبكم اليوم، فلن أقول وداعًا، بل عهدًا يتجدد، عهدًا أن نظل أوفياء للحلم الذي دفعتم فيه أرواحكم، فلا شيء عندي أقدس من دمكم، ولا معنى للكرامة إن لم يمضِ حلمكم إلى نهايته، بل سنجعل من ذكراكم وقودًا لا ينطفئ، نورًا يرشدنا وسط العتمة، وسنرفع رايتكم حتى يزهر الغد بالدولة التي حلمتم بها، حتى تتحقق العدالة التي وهبتم حياتكم لها.
وداعًا أيها الخالدون.. لا زلنا هنا، ولا زال الحلم حيًا، وسنمضي حتى النهاية.