بقلم: د. حامد محمود
المدير التنفيذى لمركز الفارابى للدراسات والابحاث الاستراتيجية

على مدى عقود طويلة تلعب روسيا دور مؤثرا فى منطقة الشرق الأوسط، سياسيا واقتصاديا وعسكريا, ورثته من الاتحاد السوفيتى، حيث ترتبط بعلاقات قوية مع دول رئيسية بالاقليم تتسم بالطابع الاستراتيجى وفى مقدمتها سوريا ومصر والجزائر، فضلا عن علاقاتها الوثيقة والمتنامية مع ايران والتى تتحالف معها استراتيجيا .

ومؤخرا حملت روسيا إسرائيل مسئولية التصعيد فى منطقة الشرق الاوسط وذلك بأغتيالها للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أكد فى جلسة مجلس الأمن المفتوحة لبحث التوتر فى الشرق الأوسط أن إسرائيل، بقتلها الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، تعمدت تصعيد النزاع ومحملا إياها المسؤولية الكاملة عن التصعيد.
وقال نيبينزيا خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في الشرق الأوسط: “هذه التصفية السياسية محفوفة بعواقب كارثية على لبنان والشرق الأوسط برمته، ولا تستطيع القدس الغربية إلا أن تفهم ذلك، لكنهم تعمدوا تصعيد الوضع، وبالتالي يتحمل الجانب الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن التصعيد اللاحق وعواقبه، بما في ذلك على سكان إسرائيل”.

وكانت وزارة الخارجية الروسية قد حملت فى بيانا لها قبل ايام إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تصعيد الصراع في الشرق الأوسط. وأعلنت موقفاً مستنكراً بشدة لعملية اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في بيروت. وقالت في بيان، “إننا ندين بشدة جريمة قتل سياسية أخرى ترتكبها إسرائيل. وهذا العمل العنيف محفوف بعواقب وخيمة أكبر على لبنان والشرق الأوسط بأكمله”.

وعمدت السياسة الروسية الى خفض التوتر فى الشرق الأوسط، لاسيما بعد اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية فى طهران، فحين سلم أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو رسالة من الرئيس فلاديمير بوتين إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأخرى إلى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في 18 سبتمبر أيلول الماضي، طالبهما بعدم تصعيد التوتر ، وعدم التورط في حرب مع إسرائيل مؤكدا أنها تهدف لجر ايران لمواجهة مع القوات الأميركية بهدف تحييدها مشيرا الى أن الصهيونية تعتبر ايران خطراً وجودياً عليها وعلى تل أبيب.

وجاء ذلك فى زيارة شويغو لطهران، فى 5 أغسطس الماضي، عقب ثلاثة أيام من اغتيال إسرائيل زعيم حركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران، في زيارة مفاجئة لم يعلن عنها مسبقاً، التقى خلالها رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان، و أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري.

وجاءت زيارتا شويغو الأخيرتان إلى إيران على خلفية تهديد الجمهورية الإسلامية، وجماعة “حزب الله” اللبنانية الموالية لإيران، بالرد على مقتل الزعيم السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية إسماعيل هنية في طهران وقائد “حزب الله” فؤاد شكر في بيروت. بعدما توعدت طهران بالانتقام من إسرائيل “في الوقت المناسب وفي المكان المناسب وبالطريقة المناسبة”.

اغتيال نصر الله

وبعد اغتيال إسرائيل لأمين عام “حزب الله”، حسن نصرالله في 27 سبتمبر الماضي، أحست روسيا مجدداً أن الأمور المتدحرجة في الشرق الأوسط تكاد تتجاوزها وتفلت من يديها إلى غير رجعة، فأدانت بأشد العبارات جريمة الاغتيال ووصفتها بأنها عملية اغتيال سياسي.
وحملت وزارة الخارجية الروسية إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تصعيد الصراع في الشرق الأوسط. وأعلنت موقفاً مستنكراً بشدة لعملية اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في بيروت. وقالت في بيان، “إننا ندين بشدة جريمة قتل سياسية أخرى ترتكبها إسرائيل. وهذا العمل العنيف محفوف بعواقب وخيمة أكبر على لبنان والشرق الأوسط بأكمله”.
وكما أشارت وزارة الخارجية الروسية، فإن تصرفات الجيش الإسرائيلي ستؤدي حتماً إلى موجة جديدة من العنف. ودعت إسرائيل إلى وقف عدوانها على لبنان.

وخلص البيان إلى أنه “في الوضع المتفجر الحالي، يجب على الأعضاء المسؤولين في المجتمع الدولي أن يفعلوا كل ما في وسعهم لمنع المنطقة من الانزلاق إلى مواجهة مسلحة واسعة النطاق”.

فى حين أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 28 سبتمبر الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن مقتل زعيم “حزب الله” اللبناني حسن نصرالله جريمة قتل سياسية. مضيفاً “إن أساليب الاغتيالات السياسية التي أصبحت ممارسة شبه روتينية، كما حدث مرة أخرى أمس في بيروت، مثيرة للقلق للغاية”.

ووفقاً له، فإن التطور المأسوي وغير المقبول للأحداث في الصراع العربي الإسرائيلي، في اليمن والبحر الأحمر وخليج عدن والسودان وغيرها من النقاط الساخنة في أفريقيا يعكس حقيقة لا تقبل الجدل، هي أن “الأمن يمكن أن يكون متساوياً للجميع وغير قابل للتجزئة بالنسبة إلى الدول أخرى، وإلا فإنه لن يكون موجوداً لأحد”.

وشدد لافروف على أن روسيا تحاول منذ أعوام إدخال هذه الحقيقة البسيطة إلى وعي واشنطن ولندن وبروكسل في سياق الأمن الأوروبي.

مصالح روسيا فى الشرق الاوسط

من المؤكد ان دولة عظمى بحجم روسيت الاتحادية بما تمتلكه من قدرات سياسية وعسكرية واقتصادية لها شبكة مصالح فى منطقة الشرق الاوسط , حيث الوجود والقواعد العسكرية الروسية فى سوريا والمصالح المتنامية والشراكة الاستراتيجية مع مصر والجزائر , فضلا عن التعاون العسكرى القوى مع السودان مؤخرا.

وتعول العديد من دول الشرق الاوسط على الدور الروسى لاسيما فى ظل تراجع الدور الامريكى فى ظل حكم ادرة بايدن الحالية والتى جعلت من الدور الامريكى دور ضعيف ومتهاوى , وليس ادل على ذلك من وصف صحيفة لوموند الفرنسية له ” دور أميركا في الشرق الأوسط تحول إلى متفرج “وتقول الصحيفة فى تقريرا لها « ان أبرز شيء وسط الفوضى التي يصفها البعض برغبة إسرائيل في إعادة تشكيل الشرق الأوسط عن طريق القوة، هو العجز الصارخ للولايات المتحدة». وتتابع: «واشنطن وفرت لإسرائيل ترسانة من الأسلحة استخدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلا خجل أو حدود منذ 7 أكتوبر 2023.

وترى الصحيفة أن قرب الولايات المتحدة من إسرائيل كان يجعلها قادرة على رسم خطوط حمراء. لكن اليوم، يبدو أنها لا تستطيع القيام بذلك. وأرجعت الصحيفة هذا الأمر للوضع السياسي الحالي في أميركا حيث «جو بايدن (رئيس ضعيف)، سيخرج من الرئاسة خلال أشهر.

وتمضي قائلة: «بدأ ضعف الإدارة الديمقراطية قبل قرار بايدن بالانسحاب من حملته الرئاسية لصالح نائبته كامالا هاريس. وفشلت محاولات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المتكررة للوساطة. السعي الأميركي للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة، الذي كان من الممكن أن يحرر رهائن إسرائيليين احتُجزوا منذ عام، ويحمي حياة المدنيين الفلسطينيين، تَحَوَّلَ إلى خيبة أميركية مهينة، بعد أن تجاوزت إسرائيل باستمرار خطوط بايدن الحمراء في غزة».

ورفض نتنياهو اقتراح الولايات المتحدة وفرنسا لوقف إطلاق النار في لبنان بحلول نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي. وتقول الصحيفة: «أعطت الإدارة الأميركية مرة أخرى انطباعاً بأنها تتبع القيادة الإسرائيلية.

خاتمة ..

لعل كل هذه الاستشهادات التى اوردتها صحيفة غربية بحجم لوموند الفرنسية يشير الى تهاوى الدور الامريكى , وهو ما يجعل المراهنة على الدور الروسى أكبر لاعادة التوازن فى الشرق الاوسط لاسيما فى ضوء ما تتمتع به موسكو والادارة الروسية من علاقات قوية بعدد كبير من دول الاقليم كماا تربطه علاقات طيبة بقية دولها .

Tags: اغتيال حسن نصر اللهالاتحاد السوفيتيالدور الروسى فى الشرق الأوسطروسيالبنان

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: اغتيال حسن نصر الله الاتحاد السوفيتي روسيا لبنان المسؤولیة الکاملة عن فى الشرق الأوسط فی الشرق الأوسط الشرق الاوسط حسن نصرالله على لبنان فی بیروت نصر الله حزب الله حسن نصر

إقرأ أيضاً:

خبير فرنسي: نظام عالمي جديد ينطلق من الشرق الأوسط ويقصي أوروبا

في مقاله المنشور بصحيفة لوموند يستعرض المؤرخ والأكاديمي والخبير السياسي الفرنسي جان بيير فيليو تغيرات المشهد الدولي من قلب العاصمة الأوكرانية كييف، وكيف يتقرر مصير أوكرانيا في المملكة العربية السعودية وبغياب الأوروبيين.

ويشير الكاتب -في عموده بالصحيفة- إلى أن السعودية أصبحت مركزا دبلوماسيا في الأزمة الأوكرانية بعد أن اختارت الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب تجديد الحوار على مستوى رفيع مع روسيا بقيادة فلاديمير بوتين دون مشاركة أوكرانيا ولا الاتحاد الأوروبي، وبعد أن أجبرت واشنطن كييف على قبول وقف إطلاق نار مؤقت بشروط ملزمة تجعلها في موقف ضعف واضح أمام روسيا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أربعون يوما في الغابة.. القصة الحقيقية لأطفال كولومبيا الأربعةlist 2 of 2هل يهدد ترامب مستقبل تحالف "العيون الخمس" الاستخباراتي؟end of list

ويرد المؤرخ الفرنسي هذا الدور المركزي الذي تمتعت به المملكة العربية السعودية إلى استثماراتها الضخمة في الولايات المتحدة وشراكتها الإستراتيجية مع بوتين في إدارة سوق النفط العالمية، وذلك ما وصفه الكاتب بـ"المنطق التبادلي" الذي جعل أوكرانيا مجرد ورقة مساومة بين القوى الكبرى.

وفي هذا السياق، يشير الكاتب إلى تصاعد التوتر بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والإدارة الأميركية على خلفية الضغط المتزايد على كييف، مما اضطرها إلى تقديم تنازلات كبيرة، مثل السماح لأميركا باستغلال مواردها المعدنية مقابل استعادة الدعم العسكري والمخابراتي الذي علقته واشنطن.

إعلان

بالمقابل، استخدمت روسيا هذا الموقف للتفاوض على شروط هدنة "مؤقتة" اعتبرها فيليو أقرب إلى استراحة لالتقاط الأنفاس وتجميع القوات الروسية، مقارنا الوضع في أوكرانيا مع تجارب له في غزة، إذ تشير الحالة إلى صعوبة الانتقال من هدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار.

تشكيلة دولية جديدة

ويذكّر الكاتب بالهدنة التي أعلنت بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطر يوم 25 يناير/كانون الثاني الماضي، لكن إسرائيل استمرت في فرض حصار خانق على القطاع بدعم من واشنطن، مما أدى إلى شلل الجهود الإنسانية، في مؤشر يدل على التعامل مع النزاعات الإقليمية باعتبارها مجرد "إدارة أزمات" قصيرة الأمد، على حد تعبيره.

ويرى فيليو أن الاتحاد الأوروبي مستبعد بشكل واضح من هذه الديناميكيات الدولية الجديدة بعد أن أصبحت العلاقات الشرق أوسطية الروسية الأميركية هي المحرك الرئيسي لإعادة تشكيل النظام الدولي.

وفي هذا الصدد، يشير إلى مساعي المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف لبناء قنوات تفاوض تشمل موسكو والرياض، بما يهيئ الأرضية لقمة مرتقبة بين ترامب وبوتين في السعودية.

ويخلص الكاتب إلى أنه يتم الآن إرساء تشكيلة دولية جديدة تنتشر من الشرق الأوسط إلى مختلف أنحاء القارة الأوروبية، ويستبعد منها الاتحاد الأوروبي بالكامل، مما قد يمهد لكارثة إنسانية وسياسية "كبيرة"، إذ حذر الرئيس الأميركي من احتمال وقوع "مجزرة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية".

ويختم فيليو مقاله برؤية سوداوية للواقع العالمي، إذ تحولت النزاعات الكبرى إلى صفقات تديرها القوى الكبرى في الشرق الأوسط، في حين تُترك الدول الصغيرة مثل أوكرانيا لمواجهة مصيرها وحدها، وهو ما يشير إلى نظام عالمي جديد يتجاوز الحدود الجغرافية مقصيا الأطراف الأوروبية، مما يعكس هشاشة الوضع الدولي وتزايد عدم التوازن في العلاقات العالمية، حسب رأيه.

إعلان

مقالات مشابهة

  • توترات الشرق الأوسط تزيد توقعات وصول الذهب لـ 3200 دولار
  • تركيا: نهج إسرائيل "العدائي" يهدد مستقبل الشرق الأوسط
  • النفط يرتفع في ظل توتر وضع الشرق الأوسط
  • النفط يرتفع بدعم من مخاطر الشرق الأوسط
  • أخبار العالم | تصعيد خطير في غزة .. إسرائيل تخرق وقف إطلاق النار .. اغتيال قياديين في حماس
  • خبير فرنسي: نظام عالمي جديد ينطلق من الشرق الأوسط ويقصي أوروبا
  • الاستراتيجية الروسية.. لماذا يرفض بوتين وقف إطلاق النار؟
  • إسرائيل تكشف خططها بـ«الشرق الأوسط».. من أعداءها الجدد؟
  • قيادة الشرق الأوسط بعيدًا عن أمريكا
  • اغتيال.. هذا ما قيل في إسرائيل عن غارة ياطر في الجنوب