عربي21:
2025-03-26@02:46:13 GMT

هل أخطأ كلاوزفيتز في أن الحرب امتداد للسياسة؟

تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT

كتب كارل فون كلاوزفيتز: إن غاية تجريد العدو من سلاحه أمرا لا نجابهه دائما في الواقع، لذا لا يجوز اعتبار الإنجاز الكلي له شرطا للسلام، فقد تم التوصل إلى العديد من معاهدات السلام قبل إمكانية اعتبار أحد الخصوم قد بات بلا قوة، والسبب أن هدف الحرب قد لا يكون مناسبا في صراع واقعي.

ويستطرد كلاوزفيتز بالقول: إن التباين المادي، أو تباين القوة العسكرية بين الطرفين المتحاربين، لن يذهب إلى أبعد مما يمكن أن تعوضه العوامل المعنوية، فليس بوسع العوامل المعنوية أن تفعل الكثير، إلا أن حروبا كثيرة قامت بين دول متباينة القوة كثيرا، لأن الحرب غالبا ما تبتعد عن المفهوم الصرف الذي تفترضه النظرية.



لن تقبل إسرائيل بتسويات سياسية كما حدث عام 2006، فهذا زمن ولى، المطلوب اليوم إزالة التهديد العسكري والأمني تماما، وما جرى من سياسة الأرض المحروقة في غزة تجسيدا لهذا الهدف.يرتبط النصر في إيجاد وتحييد مركز ثقل الخصم، أي هزيمة الجيش المنافس، لكن تلك الطريقة ليست الأكثر فعالية دوما، حيث إن العناصر الأخلاقية هي من أكثر العناصر أهمية في الحرب، فهي تُشكل الروح التي تتخلل الحرب ككل، وتؤمن ارتباطا وثيقا بالإرادة التي تُحرك وتقود كتلة تامة من القوة.

إذا ما طبقنا هذا التحليل على الحرب القائمة اليوم بين إسرائيل و"حزب الله" وإيران، سنجد أن الاستثناء الذي ألمح إليه كلاوزفيتز هو ما يحدث اليوم، أي أن "غاية تجريد العدو من سلاحه أمرا لا نجابه دائما في الواقع" ليست قاعدة ثابتة كما قال هو، بل لها استثناءات، هو ما نراه اليوم، حيث تقف إسرائيل أمام لحظة استثنائية لأسباب عدة:

ـ حصول إسرائيل على دعم دولي مفتوح منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر العام الماضي للمضي قدما في تغيير جذري لمعادلة الصراع القائمة منذ عقود.

ـ تخاذل عربي وصل حد التعاون مع إسرائيل علنا ومضمرا في القضاء على المقاومة العربية في شقيها الفلسطيني واللبناني.

ـ غياب عمق استراتيجي لحزب الله كان متوفرا قبل عام 2011، والمقصود سورية التي كانت تقدم الدعم اللوجستي الهام للحزب في حروب السابقة مع إسرائيل.

ـ تغير حسابات إيران بعد إعادة الولايات المتحدة التفاوض معها حول مقاربة استراتيجية شاملة (البرنامج النووي الإيراني، الصواريخ عابرة القارات، السياسة الإيرانية في المنطقة).

بناء على هذه المتغيرات، لن تفوت إسرائيل الفرصة لتغيير مقاربة الصراع جذريا، فالمطلوب اليوم القضاء نهائيا على المقاومة وتحويل الجغرافيا المحيطة بإسرائيل من جغرافيا عسكرية إلى جغرافيا سياسية، مع الإبقاء على قواعد الاشتباك السابقة قائمة فقط مع إيران بشكل مباشر حتى الآن.

لن تقبل إسرائيل بتسويات سياسية كما حدث عام 2006، فهذا زمن ولى، المطلوب اليوم إزالة التهديد العسكري والأمني تماما، وما جرى من سياسة الأرض المحروقة في غزة تجسيدا لهذا الهدف.

وليس معلوما ما إذا كانت المقاربة الاستراتيجية الإسرائيلية تشمل إيران، بتوجيه ضربة عسكرية قاسية لها، ولا نعلم حقيقة ما إذا كانت إيران قادرة على رد عسكري رادع لإسرائيل.

ثمة أسئلة لا أحد يستطيع الإجابة عليها، فالمتغيرات سريعة ومستوى اختراق إسرائيل للخطوط الحمر متسارع.

أما البعد الأخلاقي الذي تحدث عنه كلاوزفيتز "العناصر الأخلاقية هي من أكثر العناصر أهمية في الحرب، فهي تُشكل الروح التي تتخلل الحرب ككل، وتؤمن ارتباطا وثيقا بالإرادة التي تُحرك وتقود كتلة تامة من القوة"، فهذا هدف إسرائيلي آخر لم يكن موجودا في حروبها السابقة، سواء في غزة أو لبنان، فإلى جانب عملها على تدمير كامل القوة المادية للمقاومة في فلسطين ولبنان، تعمل إسرائيل على قلب البعد الأخلاقي رأسا على عقب، بمعنى تحويله إلى عبء على المقاومة وجمهورها الشعبي.

وما تدمير المدن والقرى والمنشآت المدنية والمنازل المدنية في غزة وجنوبي لبنان، إلا محاولة لدفع جمهور المقاومة لطرح السؤال الرئيس، ما الجدوى من هذه المقتلة التي نخسر فيها أكثر مما نربح؟

ولم يكن إقدام إسرائيل على اغتيال الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر لله إلا لتحقيق هدفين رئيسيين:

الأول، إحداث بلبلة في بنية الحزب، فشخصية نصر لله لا يمكن لأحد أن يعوضها لا على صعيد هيكلية الحزب، ولا على صعيد الجمهور، ومن شأن غيابه أن يحدث ضعفا في بنية الحزب.

الثاني، إحداث صدمة نفسية عميقة في جمهور المقاومة اللبنانية، تدفعه إلى الارتداد للخلف بدلا من الاستمرار في تقديم الدعم المطلق للحزب وسلوكه.

لن تفوت إسرائيل الفرصة لتغيير مقاربة الصراع جذريا، فالمطلوب اليوم القضاء نهائيا على المقاومة وتحويل الجغرافيا المحيطة بإسرائيل من جغرافيا عسكرية إلى جغرافيا سياسية، مع الإبقاء على قواعد الاشتباك السابقة قائمة فقط مع إيران بشكل مباشر حتى الآن.إذا، نحن أمام هدفين لإسرائيل: تدمير القوة المادية بالكامل للمقاومة، وتحييد البعد الأخلاقي الذي كان عاملا مساندا للمقاومة خلال الحروب السابقة.

وأمام هول الضربات التي تلقاها "حزب الله"، وجب على إيران إعادة تغيير استراتيجيتها، إما بتصعيد عسكري مرعب، وهذا ما لا تقدر عليه، أو ترك الساحة اللبنانية وتحويل الحزب إلى قوة سياسية فقط.

لم تدرك إيران أن استراتيجية إسرائيل العسكرية والأمنية اختلفت تماما بعد عملية "طوفان الأقصى"، وما كان يصلح في المراحل السابقة لم يعد يصلح الآن، وهذه القراءة القاصرة لإيران كلفت "حزب الله" الكثير.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني لبنان لبنان احتلال فلسطين عدوان رأي مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على المقاومة حزب الله فی غزة التی ت

إقرأ أيضاً:

لبنان بين فكَّي كماشة.. “إسرائيل” والجماعات التكفيرية ينطلقان لنفس المشروع

عبدالحكيم عامر

في جنوب لبنان، جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثّـف عدوانه على لبنان، وفي شرق لبنان، تتصاعد اعتداءات الجماعات التكفيرية المتمركزة في سوريا.

للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر وكأنه مُجَـرّد مصادفة، لكن الحقيقة والواقع يكشف أن الرصاصتين –واحدة بلسان عبري والأُخرى بلسان عربي– تنطلقان من نفس المشروع، وتخدمان ذات الهدف، بل وربما تحظيان بتمويل مشترك وإدارة غير مباشرة من نفس الجهة.

لماذا تتحَرّك الجماعات التكفيرية في هذا التوقيت؟

لم يكن غريبًا أن نرى الجماعات التكفيرية في سوريا تتجنب أية مواجهة مع العدوّ الإسرائيلي، رغم احتلالها ثلاث محافظات سورية وتاريخها الدموي ضد العرب والمسلمين، هذه الجماعات التي ترفع شعارات “الجهاد”، لم تطلق رصاصة واحدة على المحتلّ، لكنها في المقابل، تجرأت على استهداف لبنان بمحاولات تسلل واعتداءات على الحدود الشرقية، وكأنها تُكمل الدور الإسرائيلي في الجنوب.

العلاقة الخفية بين العدوّ الإسرائيلي والجماعات التكفيرية:

خلال الحرب في سوريا، كان العدوّ الإسرائيلي يقدم دعمًا غير مباشر للجماعات التكفيرية عبر فتح مستشفياته لمقاتليها المصابين، وتسهيل تحَرّكاتهم في الجولان المحتلّ.

تقارير استخباراتية عديدة أكّـدت وجود تنسيق بين بعض قيادات هذه الجماعات والاستخبارات الإسرائيلية، بما في ذلك تسليم مواقع الجيش السوري لحساب العدوّ الإسرائيلي.

هذا التحالف غير المعلن يخدم مصلحة الطرفين فالعدوّ الإسرائيلي تحصل على ورقة ضغط إضافية ضد حزب الله، بينما تحصل هذه الجماعات على دعم لوجستي وتسهيلات تجعلها قادرة على تنفيذ مخطّطاتها العدوانية.

تشتيت حزب الله واستنزافه:

يدرك الكيان الصهيوني أن حزب الله يتمتع بجاهزية قتالية عالية، مما يجعله عقبة كبرى أمام أي مشروع إسرائيلي في لبنان والمنطقة؛ لذا، فَــإنَّ استراتيجية “تعدد الجبهات” تهدف إلى إنهاكه.

عندما تقصف “إسرائيل” الجنوب اللبناني، فهي لا تستهدف فقط أهدافاً عسكرية، بل تعمل على خلق بيئة أمنية غير مستقرة تُجبر المقاومة على الانتشار في أكثر من محور.

بالتوازي، تتحَرّك الجماعات التكفيرية على الحدود السورية اللبنانية، مما يُجبر حزب الله على توزيع قواته بين الجنوب والشرق؛ ما يشكل ضغطًا استراتيجيًّا عليه.

فهل المطلوب حصار المقاومة بين فكي كماشة؟

الهجمات المتزامنة، سواء من الجنوب العدوّ الإسرائيلي، أَو من الحدود الشرقية، حَيثُ الجماعات التكفيرية، ما تتعرض له المقاومة من ضغوط متزايدة، ليس من قبيل الصدفة أن تتزامن هذه التهديدات، فالمشروع واضح: استنزاف المقاومة وتطويقها بين فكي كماشة، بحيث تجد نفسها مضطرة لخوض معارك متعددة تُضعف قدراتها العسكرية، وتخلق بيئة مضطربة تخدم مشاريع التفكيك وإعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

وحيثُ يعكس استراتيجية واضحة تهدف إلى تطويق حزب الله وإرهاقه في أكثر من جبهة، لكن التجربة أثبتت أن المقاومة لديها القدرة على مواجهة هذه الضغوط والتعامل معها بمرونة تكتيكية عالية.

المعركة اليوم كما هي عسكرية، هي معركة وعي أَيْـضًا، فالإعلام الذي يروج للجماعات التكفيرية هو نفسه الذي يهاجم حزب الله ويبرّر العدوان الإسرائيلي، والأموال التي تُدفع لتسليح هذه الجماعات، هي نفسها التي تدعم مشاريع التطبيع والتآمر على محور المقاومة.

لبنان اليوم أمام تحدٍّ كبير، لكن المقاومة الإسلامية “حزب الله” التي صمدت في وجه العدوان الإسرائيلي وصنعت معادلات الردع، لن تسمح بسقوطه بين فكي كماشة العدوّ الصهيوني وأدواته التكفيرية.

فالتجربة أثبتت أن المقاومة الإسلامية تمتلك المرونة التكتيكية اللازمة للتعامل مع الضغوط المتعددة، سواء عسكريًّا أَو أمنيًّا أَو إعلاميًّا.

قد يكون الرهان على إسقاط حزب الله، لكن كُـلّ محاولات الحصار والتطويق باءت بالفشل، والتاريخ شاهد على ذلك؛ فكما سقطت مشاريع تفكيك اليمن، ستسقط أَيْـضًا أية محاولة لحصار المقاومة الإسلامية في لبنان؛ لأَنَّ من يعتمد على مشروع تحرّري مستند إلى إرادَة شعبه، لا يمكن أن يُهزم.

الرهان على إسقاط المقاومة رهان خاسر.. والتاريخ شاهد على ذلك.

مقالات مشابهة

  • إيران.. إزاحة الستار عن مدينة صاروخية تحت الأرض
  • عودة دوائر النفوذ.. صراع القوى الكبرى
  • القتال أم الأسرى…ما هو الخيار المفضل لنتنياهو؟
  • لبنان بين فكَّي كماشة.. “إسرائيل” والجماعات التكفيرية ينطلقان لنفس المشروع
  • أنصار الله وحصار البحر الأحمر: معادلة القوة في مواجهة الغطرسة الأمريكية والصهيونية
  • كيف حوّلت الحيوانات الصراع مع إسرائيل إلى حرب رمزية على السوشيال ميديا؟
  • حدود القوة بين الغاشمين والمستسلمين.. هم ونحن
  • إشارات مزدوجة من واشنطن: تفاوض مع إيران.. وتهديد باستخدام القوة
  • الرئيس الفلسطيني: استخدام إسرائيل للمياه كسلاح للتعذيب والتهجير امتداد لسياسة ممنهجة منذ عقود
  • عدد شهداء الحرب الإسرائيلية على غزة يتجاوز 50 ألفا