أفكار عامة حول دعوات جلب قوات لفرض سلام في السودان
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
في تقديري، يجب التعامل مع دعوات إدخال قوات فرض سلام للسودان برفض جاد وحاسم!
أولاً لا يوجد سلام في السودان بعد، لتتدخل قوات لحفظه، بل هناك حرب لم تنهض إرادة حقيقية لوقفها أو إنهائها، وبالتالي دعوات إدخال قوات ستكون لفرض سلام وليس لحفظ السلام ( المصطلح المستخدم في الأمم المتحدة هو قوات حفظ السلام)، وسأتعامل فيما يلي مجازاً مع المصطلح المعتمد، مع التنبيه إلى أنه ليس المتوقع حصوله حتى اللحظة!
وبعيداً عن الصعوبات القانونية والاشتراطات الموضوعية غير المتوفرة حالياً لإدخال قوات حفظ سلام للسودان، فإن مبدأ مناقشة هذا الأمر إن كان تحت الطاولات أو فوقها، يجب أن يثير قلق العالمين بمآلاته، والوطنيين المشفقين على بلادهم!
كما والأوجب قلق جميع الأطراف المتحاربة وقيادتها من مثل هذه الدعوات.
هناك من سيقول لك: وصلنا الحد ياخ! وهؤلاء يعتقدون أن دخول مثل هذه القوات قد يحلّ مشكلتهم! هذا غير صحيح، فإدخال قوات أجنبية هو مشكلة جديدة في الوضع الحالي لبلادنا، وهو حلّ البصيرة أم حمد، فلا ثوراً سيبقى ولا جرّة ستُصان.
هناك عدة طرق لحدوث مثل هذا النوع من التدخل، وكلها لن تؤدي لسلام أو استقرار حقيقي، وفق تجربتنا الوطنية أو بعض التجارب من حولنا، وإحدى هذه الطرق- وهي الراجحة راهناً- هي محاولة إنفاذه بشكل أحادي أو عبر تحالف دولي محدود! أي خارج نطاق الأمم المتحدة، وهذه هي أسوأ وسائل إنفاذه!
أكثر الجهات التي تعلم مدى فشل هذه التجربة في بلادنا هي الحركات المسلحة التي حاربت الإنقاذ، بالإضافة إلى حكومة المؤتمر الوطني البائدة( طبعاً هؤلاء استفادوا منها برغم علمهم مسبقاً بعدم جدواها) وبعض السياسيين المخضرمين. وأكثر من لا علم لهم بخطرها، أو لديهم علم قشري بهذا الخطر من الوطنيين، هم من ينادون باستخدام هذه الآلية مجدداً الآن.
* قوات حفظ السلام وفق القوانين الدولية تستجلب في حال وجود اتفاق سلام دائم أو اتفاق سلام مؤقت، وكجزء من مطلوبات إنفاذ هذا الاتفاق، وهذا ما لم يحدث بعد في الحالة السودانية، وبالتالي فالحديث في حقيقته هو عن قوات فرض سلام.
- قوات حفظ السلام ذاتها، تحافظ على سلامها هي أولاً، وبذلك هي غير أمينة على سلام الشعوب الأخرى (الأجنبية) بأكثر من سلامها هي، ولن تسمح دولة تحترم جيشها وشعبها، بأن تغامر بجنودها فتدخلهم في أتون حربٍ لم ينجّلِ غبارها بعد.
* الميزانيات التي تصرف على قوات حفظ السلام أولى بها من تشرّدوا ونزحوا ولجأوا وفقدوا ذويهم وممتلكاتهم، كجزء من التعويض الخاص أو التعويض العام، بعد وقف الحرب أو إنهاءها تفاوضياً.
* القوى المدنية بتشرذمها الحاصل الآن، وفي حال استمرار الحرب، لن تكون قادرة على أي فعل جدي مؤثر في هذا الشأن، لا دعماً ولا منعاً، وحين تقع الواقعة، لن تنفع بيانات الشجب والاستنكار، أو هرجلة الدعم والاستنفار!
* القوات المتحاربة لو قبلت بهذه الدعوات أو أذعنت لها تكون قد أثبتت ليس فشلها في الحسم العسكري، بل عجزها عن هذا الحسم، والفرق كبير بين الفشل والعجز؛ الفشل في الحسم العسكري قد يؤدي إلى طاولات التفاوض، فالنجاح لا تُعرف قيمته الحقيقية في الأغلب الأعم، إلا بالمرور عبر تجربة فشل والتعلم منها، وهذا في الغالب لن يلحق وصمة وطنية تاريخية دائمة بهذه القوى وقادتها وأفرادها؛ أما العجز عن هذا الحسم العسكري فيعني هزيمة جميع الأطراف وإذعانهم لخيارات ليست خياراتهم، ويعني رسوخ وصمة أن عجزهم هذا أدّى للاستعانة بآخرين، ليس عسكرياً فحسب، بل سياسياً وإدارياً، فهذه كلها حزمة واحدة، وبذلك وبالطبع فإن العجز، وليس الفشل، هو آخر محاولات الوصول للنجاح( استطالة أمد الحرب هو أحد العوامل الحاسمة هنا). وما يمكن اللحاق به اليوم قد لا يتيسّر غداً!
* المطلوب في وضعنا الراهن هو إنفاذ إرادة سياسية وليس إرادة عسكرية، فإنفاذ الإرادة السياسية يحافظ على درجة من القدرة العسكرية لمواجهة أخطار أكبر وآلام أوجع لم تأتِ بعد، ولكنها في الطريق، كما ويحافظ على وحدة البلاد أو حتى تقسيمها بإرادة أهلها( أبغض الحلول)؛ أما محاولة إنفاذ إرادة عسكرية فهو نقيض للاستقرار، ولن يحقق سيطرة كاملة، ولن يحسم أمر احتمال العودة لحرب مجدداً حتى بين المتحالفين عسكرياً حالياً أو من سيتحالفون عسكرياً مستقبلاً، وهو أيضاً بداية الطريق لتقسيم البلاد بغير رغبة أو مصلحة أهلها!
* لازال أفضل الحلول متاحاً، وهو الحل المتفاوض عليه والذي يحافظ على "الدولة" من الانهيار التام- ليس بالمفهوم السطحي التحشيدي الرائج حالياً- ويحفظ سيادتها وما تبقّى من قوتها البشرية والعسكرية، ويحافظ على مقدراتها ومواردها من التفرّق بين جيوب أصحاب المصالح الإقليمية والدولية، والشعب السوداني هو أول الخاسرين حينها.
* الحل المتفاوض عليه يفسح الطريق أمام عدم الإفلات من العقاب وأمام المحاسبات التاريخية السياسية والجنائية لكل من أجرم في حق الشعوب السودانية، وأمام الحقيقة والمصالحة، وأمام تحقق العدالة والسلام المستدام، وليس سلام الخناجر المخفية بين الجُنُوب.
* دعوتي- ضمن دعوات أخريات وآخرين- لحملة واسعة يقودها وينخرط فيها وطنيون حادبون لمواجهة هذا الخطر، كبداية لتشكيل جبهة عريضة حقيقية وراسخة وذات أسس واضحة، لإيقاف أو إنهاء الحرب، عبر حوار السودانيين وتوافقهم، وفق ما يحقق المصالح العليا للشعوب السودانية، ووفق وضوح ومكاشفات تستصحب التجربة السابقة ومآلاتها كافة.
* ما كتبته أعلاه هو محاولة متواضعة لطرح فكرة عامة أوّلية، لا ادّعي فيها التمحيص الكامل أو إعمال أدوات بحث علمي محقق، أو الدقة أو العمق الكافي، أو غياب الشوائب والهنّات بين ثناياه، بل هو محاولة فقط لفتح مناقشات أوسع، ومع الجميع وبالأخص مع من هم أكثر دربة ودراية ومعرفة وخبرة حول هذا الأمر.
وهذا موقفي حتى الآن
#ضد_التدخل_الدولي
#حرب_السودان
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات حفظ السلام
إقرأ أيضاً:
للسياسيين فى (قراند بورتسودان).. السودان لم يعد كما كان
لا ادري هل تدرك قوانا السياسية فى الحكومة والمعارضة ان هنالك ثمة واقع جديد شكلته الحرب ام لا، ولكن عليهم ان يدركوا ان السودان بعد الحرب لن يحكم بالطرق القديمة وان هنالك (ماكيت جديد لنج)، انتجته ديناميكية المعركة سيكون ناظما للحراك المستقبلي فى اي مسعى لترتيب مشهد الحكم فى البلاد.
صعدت اثناء هذه الحرب قوى سياسية ومجتمعية، لم تدخل ميدان المعركة عبر اللافتات السياسية ولا المنصات الحزبية، باتت جزءا من تشكيل النسيج المؤثر فى تحريك خيوط الترتيب للمشهد القادم، وفي المقابل سقطت قوى اخرى من وجدان الشارع والناس لانها ابدت تماهيا مع انتهاكات المليشيا وفشلت فى امتحان الوطنية المكشوف وسقطت وسقطت وخسرت قلب المواطن الذى بحث عنها فى عز محنته فلم يجدها..
لا اعتقد ان بيئة مابعد الحرب ستكون مناسبة لحكم الأحزاب ووجودها على سدة الحكم، الاجدي ان تكون هنالك فترة انتقالية طويلة تعتمد التكنوقراط بوجود الجيش بعيدة عن عبث الممارسات القديمة، مرحلة يتعافى فيها الوطن من جراح الحرب، تعده الى مرحلة الانتخابات بعد تعقيمه وعلاجه من امراض الفساد السياسي والتسلط على رقاب الناس.
والافضل للاحزاب خلال هذه المرحلة ان تعود الى دورها وتنظم قواعدها – ان وجدت- وتقدم برامج حقيقية بعيدا عن الاكلشيهات المرحلية والهتافات والشعارات الزائفة، واستدعاء البطولات من كتب التاريخ.
الواقع السياسي القادم لن يتجاوز باي حال من الاحوال القوى الجديدة وتيار الشباب الثائر المرابط فى الخنادق والممسك بالبنادق، فهم يمثلون سلطة الشعب ، لم يستاذنوه ولم يقدمهم ولكنه علم باخلاصهم ووطنيتهم واعتمدهم زادا لمقبل الايام فى سودان ما بعد الحرب.
غير الممسكين بالزناد- الذين تدافعوا لتحرير السودان شبرا شبرا – هنالك ايقونات مدنية وتنظيمات شبابية صعدت مع الحرب عبر رافعة الافعال لا الاقوال ، وصارت معتمدة لدى الشارع وسيكون لها دور تاريخي مؤثر بعد الحرب ، فقد وجدهم الناس فى تنظيم التكايا وتقديم العلاج وتبني المبادرات الخيرة يهشون عنه الجوع والمسغبة ويطردون المرض عن جسده المنكوب ويحفظون حقه فى العيش بعزة وكرامة.
على قوانا السياسبة التى تجتمع فى بورتسودان الان ضمن مبادرة الحوار السوداني لتشكيل مرحلة مابعد الحرب بالتزامن مع اعلان تعديلات الوثيقة الدستورية، وتشكيل الحكومة الجديدة عليهم ادراك ان السودان الجديد فى مرحلة ما بعد الحرب لن يحكم بذات الادوات القديمة التى اورثتنا ما نحن عليه من دمار وحرب هددت وجود الدولة السودانية ووضعتها امام اصعب امتحانات البقاء على قيد الحياة..
الذين يحاولون اختطاف سلطة ما بعد الحرب ليتهم سجلوا زيارات الى المناطق المحررة ، واستمعوا لحماس الشباب الثأئر فى الخطوط الامامية ووقفوا على فيوض الوطنية التى تتدفق من الحناجر والخنادق، وعايشوا رهق اللحظات العصيبة للمشاركين من المجاهدين والمستنفرين وبراؤون وحتى منسوبي ثورة التغيير السودانية، هذا الامر عبر عنه الفريق اول ياسر العطا عضو مجلس السيادة ، مساعد القائد العام للجيش بقوله (كيزان يقاتلوا معانا فوق راسنا شباب غاضبون يقاتلوا معانا فوق راسنا شباب المقاومة يقاتلوا معانا وفوق راسنا)، وربما التقطه الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، القائد العام للحيش في تاكيده خلال لقائه بالرموز المجتمعية فى ام درمان مؤخرا بوجود تشكيلات شبابية صاعدة.
لو كنت مكان القائمين على امر الدولة لاستصحبت السياسيين المرابطين فى (فندق القراند) ببورتسودان الي مناطق العمليات والمواقع المحررة ليروا بام اعينهم ويدركوا ان امر السلطة فى السودان لن يعود مثلما كان ، وان زمن المحاصصات وعهد الانقياد الاعمى للولاءات القديمة قد انقضى وان زمان ( حيكورة) السلطة لفلان او علان قد مضى الى غير رجعة..
رأينا شباب القوى الجديدة فى الخطوط الامامية وفي المواقع المحررة ، يتدفقون كما السيول الجارفة يجمعهم حب الوطن ويؤلف بينهم الكاكي، شرف الجيش والوطن، يقبلون على حب البلد بافئدة خالية من ( كلسترول السياسة)، همهم بقاء السودان واحد موحدا وعزيزا كريما.. رايناهم فادركنا ان قوى حديثة تنهض متجاوزة الاحزاب المتكلسة وفشلها التاريخي..
لن نقول ان من يوجدون فى الخنادق الان ويمسكون بالبنادق يريدون السلطة، ولن ندعو كذلك لمحاصصة تاتي حسب مستوى المشاركة فى الحرب ولو قلنا ذلك سنكون محقين ، ولكن نوصي قوانا السياسية بان تستصحب الواقع الجديد فى سعيها للحفاظ على نفوذها السلطوي وحصتها فى كعكة الامتيازات.. فالسودان لم يعد كما كان… والشعب كذلك..
*محمد عبدالقادر*
صحيفة الكرامة
إنضم لقناة النيلين على واتساب