Two reviews of the book “Egypt and the Struggle for Power from World War two to Nasserism"

ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

تقديم: هذه ترجمة استعراضين لكتاب عنوانه "مصر والصراع على السلطة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الناصرية" من تأليف رامي قينت، الذي يعمل أستاذاً في قسم الدراسات السياسية في جامعة بار إيلان Bar- Ilan.

والمؤلف متخصص في التاريخ المصري وسياسات الحرب الباردة في الشرق الأوسط، بعد أن نال درجة الدكتوراه من مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة لندن عام 1991م. وسبق أن نشر الرجل في عام 2011م كتاباً بعنوان "تاريخ الشيوعية المصرية".
أما الاستعراض الأول لهذا الكتاب فهو بقلم الأمريكي براين بيترسون Brian Peterson، الأستاذ المشارك بقسم التاريخ في كلية يونين (Union College) التي أُنْشِئَتْ عام 1795م. وتتركز أبحاث الكاتب كما ورد بصفحته في موقع كليته على "الكلولونيالية وفترات الحرب الباردة، مع اهتمامات خاصة بالسياسة، والثورات، والتغيير الديني، والإسلام، والتاريخ البيئي، وتاريخ النوع الاجتماعي، والهجرة". https://shorturl.at/TZOpw .نًشر الاستعراض عام 2019م في العدد الرابع من المجلد رقم 124 لمجلة The American Historical Review في صفحتي 1557 – 1558.
وكاتب الاستعراض الثاني هو بروفيسور بيتر وودوارد (Peter Woodward)، وقد نشره عام 2018م في العدد الأول من المجلد رقم 72 من مجلة الشرق الأوسط The Middle East Journal، صفحتي 153 - 154. ويعمل بروفسيور وودوارد أستاذا للعلوم السياسية بجامعة ريدنق البريطانية، وله اهتمام بحثي بالشأن السوداني والإفريقي والعربي، ونشر الكثير من المقالات والكتب عن السودان من أهمها "الحكم الثنائي والوطنية السودانية" و"السودان 1898 – 1989م". وسبق للرجل العمل في السودان بين عامي 1966 – 1967م مدرساً للغة الإنجليزية بمدرسة كوستي الثانوية (حيث كان مشجعا ولاعبا بمريخ كوستى!)، ثم محاضرا بقسم العلوم السياسية في جامعة الخرطوم حتى عام 1971م، حين غادرها للتحضير لدرجة الدكتوراه في جامعة ردينق، التي عمل بها لسنوات طويلة، خلا فترات قليلة في جامعات ديربان وناتال والجامعة الأمريكية بالقاهرة. وعمل أيضا في السنوات الأخيرة مستشارا لعدد من الحكومات (ومنها الحكومة البريطانية) في الشأن السوداني.
المترجم
********** ******** *************
الاستعراض الأول بقلم دكتور براين بيترسون
في بداية دراسته المعنونة:"مصر والصراع على السلطة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الناصرية" يطرح رامي جنات سؤالاً هو: لماذا كانت مصر مصممة على التمسك بالسيطرة على جارها السودان؟ يقدم قينت في كتابه الرائع إجابة دقيقة ومقنعة لهذا السؤال وغيره، ويتناول تيارين متناقضين: "نضال مصر من أجل الدفع بشعار وحدة وادي النيل، وزوال ذلك الشعار نفسه، وتحطم ذلك الحلم الوطني الذي وجد إجماعاً عاماً من الشعب المصري فيما بعد". ويظهر قينت بشكل موثوق أن ذلك الشعار كان قد جمع بين كل المصريين من ذوي التوجهات السياسية المختلفة، الذين يعتبرون السودان جزءًا أساسياً من وطنهم، وهو جزء له قيمة كبيرة نسبةً لموارده الطبيعية ورمزيته. وحتى عندما كان المصريون يناضلون من أجل طرد الإمبريالية البريطانية من المنطقة، كانوا يأملون في أن يفعلوا ذلك وهم يطالبون – في ذات الوقت - بأن يكون سكان السودان تحت سلطة التاج المصري (للملك فاروق)، ويؤكدون بذلك هيمنتهم على السودان. لقد تناولت هذه الدراسة الواضحة البيان والسهلة الفهم الوضع المتفرد للسودان في تاريخ الإمبريالية، "بحسبانه بلداً وقع – في وقت واحد - في إِسار قوتين إمبرياليتين (مصر وبريطانيا)، الأولى قوة إقليمية، والثانية قوة عالمية، وذلك من عام 1899 إلى 1956م، وكونه قطر مقسم داخليا إلى شمال وجنوب".
وأنصب التركيز الأساسي في الكتاب على الفترة بين عامي 1943 و1953م، إلا أن المؤلف وضع دراسته هذه في السياق التاريخي الأطول والأوسع للإمبريالية، موضحاً كيف أن الإمبريالية البريطانية كانت قد زُرعت / طُعمت (grafted) على إمبراطورية داخلية مصرية كانت موجدة أصلاً. وكان ما سُمِّيَ بـ "الحكم الثنائي" قد أُسِّسَ على نفس النظام التوسعي لمحمد علي الذي غزا السودان في عامي 1820 و1821م، وبدأ بذلك الإمبريالية المصرية في السودان. وبعد سقوط حكم المهدية في السودان (1885 – 1898م)، أعادت القوات المصرية والبريطانية حكمه باتفاقية "الحكم الثنائي" الموقعة في 1899م، وظل ذلك الترتيب قائماً حتى يناير 1956م. ومن المهم أن نذكر أن مصر قامت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بمحاولة جديدة لإحياء دعوتها القديمة للسيطرة على السودان، بل تقدمت بها لمجلس الأمن في عام 1947، ولم تفلح في دعواها. وفي ذات الوقت، عملت بريطانيا على تقويض تلك الدعاوى المصرية عن طريق تشجيع قيام حركة وطنية وحكم ذاتي للسودان. وعقب انقلاب عبد الناصر عام 1952م، هدف الضباط الأحرار إلى "إزالة رموز العهد الملكي وآثاره – التي كان من بينها شعار "وحدة وادي النيل"، وتبنوا في نهاية المطاف حق السودانيين في تقرير مستقبلهم.
لقد نُشِرَتْ من قبل الكثير من الدراسات حول العلاقات البريطانية – المصرية في تلك الفترة، غير أن كتاب رامي قينت أضاف الكثير من العمق والتفاصيل الدقيقة المعقدة إلى تلك الأدبيات المنشورة سلفاً. فالمؤلف يروي قصة جذابة ومقنعة ومتعددة الطبقات، ويلفت النظر إلى "الطرق والتكتيكات والحجج التي استخدمها الساسة والمثقفون المصريون على المستويات الدبلوماسية والدعائية لتسويغ دعوتهم لوحدة وادي النيل، ولإقناع المجتمع الدولي لمؤازرته وتحقيق مطلبهم". وأعتمد المؤلف في هذا الكتاب - بصورة رائعة وغَيْر مَألُوفة - على ثروة هائلة من المصادر الأولية من المحفوظات (الأرشيفات) الموجودة في مصر وبريطانيا وهولندا والهند والولايات المتحدة وروسيا. وبالإضافة لكل تلك الوثائق، أَطْلَعَ المؤلف على عدد ضخم من الصحف والمجلات والمطبوعات العربية. وستمكن تلك المصادر العربية الغنية القارئ (الذي ليس له عادةً إمكانية الاطِّلاع على مثل هذه المصادر) من الدخول إلى عالم الساسة والمثقفين المصريين"، ذلك العالم الذي يتسم بالتعقيد وسرعة التحول عبر الأطياف السياسية.
وفي الواقع، فإن ما تتميز به دراسة رامي قينت هذه هو تحليلها المتقن للمشهد الأوسع الثقافي المصري بكل أطيافه (من الشيوعين المصريين الى الوطنيين اليمينيين والمجموعات الإسلامية مثل جماعة "مصر الفتاة" (https://shorturl.at/W2nVA) وحركة الإخوان المسلمين، والدستوريين الأحرار، والمثقفين المحايدين) في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وتحليلها الشامل للعلاقات المتغيرة بين الانتلجنسيا والدولة. ويغطي تحليل الكاتب للوحدات الخطابية (discursive unities) في مجموعة من الممارسات المعرفية، بدءًا من الدراسات الاقتصادية والجغرافية وحتى الحسابات التاريخية والإثنوغرافية. وقد شكلت تلك الأعمال الأساس النظري للمصريين الذين ظلوا ينادون بـ "وحدة وادي النيل". وعلى الرغم من أن المؤلف يؤكد على الاستمرارية (continuities)، إلا أنه يستكشف أيضاً الاختلافات الأيديولوجية العميقة والمناقشات داخل تلك المجموعات المختلفة، وكيف تغير الفكر السياسي فيها مع مرور الوقت. فعلى سبيل المثال قبل الشيوعيون المصريون في البدء (بحكم علاقتهم بالأممية الشيوعية "الكومنترن"، والمعروفة أيضاً باسم الأممية الثالثة) بنموذج paradigm مصر الجغرافي السائد لـ "وحدة وادي النيل"، باعتباره نموذجاً مناوئاً للإمبريالية البريطانية. غير أنهم غيروا موقفهم في سنوات الأربعينيات وساندوا السودانيين في مطلبهم لنيل حق تقرير المصير، وكان ذلك موقفاً يخالف "الموقف المصري الوطني العام". وتناول المؤلف أيضاً آراء السودانيين الذين تخيلوا "قيام أمة سودان مستقلة ..."، مستشهدا بعبارات إبراهيم أحمد رئيس مؤتمر الخريجيين العام. وكانت مجهودات السودانيين تلك قد لقيت عوناً سياسياً كبيراً من البريطانيين، خاصة في مشروعهم المتعلق بسودنة الوظائف والبيروقراطية والنظام التعليمي. وأفضت تلك السياسات البريطانية لنشوء الحركة الوطنية بالسودان (صفحات 129 – 133 في الكتاب). وفي النهاية، وعقب انقلاب الضباط الأحرار في مصر، وما صاحب ذلك من حركات اجتماعية عند التنظيمات اليمينية واليسارية المصرية، تبنى عبد الناصر ورفاقه ما كان يُعد "رأي الأقلية عند العناصر المعتدلة في التنظيم الشيوعي المصري لحل مسألة وادي النيل". وصار الشعار العام هو "دعوة السودانيين والمصريين للقيام معاً بالنضال ضد الامبريالية البريطانية في وادي النيل" (ص 244). وفي تلك الأيام فقد شعار "وحدة وادي النيل" شعبيته، وتضاعف التأييد لعمليات إنهاء الكلولونيالية في أجزاء كثيرة من القارة الإفريقية.
ولعله كان من المفيد لو أن المؤلف تناول الحالة السودانية – المصرية بمنظور مقارن، خاصة وقد ظهرت حديثاً كتابات كثيرة عن إنهاء الكلولونيالية الفرنسية في غرب أفريقيا والمغرب العربي، وكذلك المستعمرات البريطانية في شرق أفريقيا. غير أن نقدي الوحيد للكتاب هو أن المؤلف لم يتطرق فيه بعمق للتأريخ historiography الأوسع لإنهاء الكلولونيالية. غير أنه من الممكن القول باختصار، أن هذا الكتاب الذي تم بحثه بعمق، وطرحه ببراعة، يساهم في دراسة مهمة للتفكير السياسي والمناورات التي كانت وراء الجهود المصرية المستمرة لتأكيد الهيمنة على السودان خلال النصف الأول من القرن العشرين. إنه كتاب يغطي تاريخ فترة محورية ومضطربة انتهت بإلغاء اتفاقية الحكم الثنائي، وأخيراً استقلال السودان في عام 1956م. ويقدم هذا الكتاب للمؤرخين، عبر التنقل بين مستويات التحليل الإقليمية والدولية، دعوةً لإعادة التفكير في بعض الافتراضات حول العلاقات المعقدة والمتناقضة بين الإمبريالية والحركات الوطنية، ويقدم تاريخاً سياسياً وفكرياً محدداً لنضال مصر بعد الحرب من أجل السيطرة على السودان.
******* ******** **********
الاستعراض الثاني بقلم بروفيسور بيتر وودوارد
هذا كتاب متعمق عن فترة قصيرة نسبياً من التاريخ شهدت تفكك وضع إمبريالي معقد. ومن الناحية النظرية، كان "الصراع" يدور بين الشريكين المفترضين - مصر وبريطانيا- اللذين حكما السودان معاً بطريقة ثنائية منذ عام 1898م. غير أن هيمنة بريطانيا على مصر في أواخر القرن التاسع عشر مكنتها من خلق "حكم ثنائي" كانت في الواقع خدعة متعمدة تم تنفيذها بدهاء. وكانت مصر هي القوة الاستعمارية في السودان منذ السنوات الأولى من القرن التاسع عشر؛ وعقب نجاح الغزو الإنجليزي – المصري للسودان في الإطاحة بالدولة المهدية (1885 – 1898) سعت مصر لاستعادة سيطرة فعالة على ما كانت تعده أراضيها الجنوبية. غير أن بريطانيا كانت ترى عكس ذلك، وبذلت أقصى جهد لديها لتقليل اشتراك مصر في إدارة شؤون السودان، وبذا حافظت على وضع قوي بالنسبة لمصر ولكل مناطق وادي النيل.
لقد رُوِيَتْ من قبل قصة نهاية عهد الحكم الثنائي عديد المرات، إلا أن هذا الكتاب يقدم ما يمكن أن أصفه بأنه أشمل دراسة لرواية الجانب المصري من هذه المسألة. وقد قسم المؤلف كتابه إلى جزئين، وخصص الجزء الأول منه لدراسة الأساس النظري لدعوة مصر إلى ما يُعْرَفُ من قبل على نطاق واسع بـ "وحدة وادي النيل". وجاء في أول فصل من الجزء الأول السرديات التاريخية التي تشكلت في مصر بحسبانها أساس تلك الوحدة، وشملت القصة المتداخلة منذ أيام الفراعنة وما بعدها. وأعقب المؤلف ذلك بمناقشة مفصلة للصلات التاريخية والجغرافية والاقتصادية والإثنوغرافية. إنها حالة مهمة فيما يتعلق بشمال ووسط ما سيصبح "السودان"، غير أن مناطق الجنوب والغرب الأبعد بَدَتْ أضعف، كما أكدت بريطانيا ذلك مراراً وتكراراً.
أما الجزء الثاني من الكتاب فيحتوي على أربعة فصول رئيسية، تناولت بتفصيل شديد التطورات التي حدثت في الفترة التي تغطيها هذه الدراسة. وكانت مصر قد خرجت من الحرب العالمية الثانية وهي مصممة على المضي للأمام في ادعائها أن السودان يجب أن يخضع للتاج المصري. ويناقش الفصل الثالث الأسباب والطرق والوسائل التي تمكنت بها مصر من نقل صراعها (مع بريطانيا) إلى مجلس الأمن عام 1947م بالأمم المتحدة، التي كانت قد تكونت حديثاً. وأحدثت تلك الشكوى بعد عرضها على المجلس بعض الارتباك نسبة لشدة تعقيد المسألة، وعدم تعاطف الكثير من الدول، التي لم تر في تلك الشكوى إلا إعادة تأكيد لادعاء إمبريالي عفا عليه الزمن من ملك سيء السمعة. أما الفصل الرابع فقد تناول محاولة بريطانيا الدفع بفكرة "حكم ذاتي" للسودان، يقود إلى طريق طويل ينتهي – كما كان مأمولاً – باستقلال تام للبلاد. وكان التعليم بمصر قد أدى دوراً مهماً في معارضة مصر لمثل ذلك التوجه، وقد توسع مؤلف هذا الكتاب في ذكر المجهودات التي بذلتها مصر في هذا الجانب. وعقب فشل الأمم المتحدة في حل ذلك النزاع، بدأ المؤلف في فصل جديد ظهرت فيه حكومة حزب الوفد المصري وهي تحاول منهجاً مختلفاً، قاد في نهاية المطاف إلى إلغاء الحكم الثنائي من جانب واحد، وإعادة التأكيد على ما ظلت مصر تدعيه من سيادة التاج المصري على السودان. ودخلت مصر وبريطانيا في مفاوضات اتسمت بالطول والارتباك، أوقفت إلغاء الحكم الثنائي، وبقي البريطانيون وحلفاؤهم السودانيون يصرون على تأكيد حق الشعب السوداني في أن يستشاروا في ما تدعيه مصر، وخاصة فيما سيحدث إذا تم رفض تلك الدعوى. وانتهي الفصل الخامس بانقلاب جمال عبد الناصر في عام 1952م، الذي كسر جمود تلك الأزمة بإسقاطه للملكية في مصر، وقبوله بحق السودانيين في تقرير مستقبلهم. وكان عبد الناصر يأمل في أن قراره سوق يجعل مصر شريكا جاذباً في شراكة وحدوية جديدة. غير أن السودانيين آثروا في النهاية الاستقلال التام في بداية عام 1956م، ولكن تلك قصة أخرى.
أما الفصل الأخير في الكتاب فهو يتناول الآراء المختلفة لليمنيين واليساريين في مصر. فقد وقف الإخوان المسلمون موقفاً بالغ التطرف يساند دعوة الملك فاروق (في السيادة على السودان). وكان ذلك الموقف الداعي للوحدة مع السودان قد نال إجماعا عاماً في أوساط الشعب المصري. غير أن الشيوعيين المصريين كانوا يخالفون ذلك الإجماع ... (للعرض بقية لم أعثر عليها. المترجم)

alibadreldin@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرب العالمیة الثانیة مصر وبریطانیا على السودان عبد الناصر هذا الکتاب فی السودان أن السودان الکثیر من فی عام ما کان فی مصر غیر أن

إقرأ أيضاً:

“بيعت في مناطق حدودية وجنوب السودان”.. اتهامات لسلطات جوبا بإهمال مناشدات ضبط الآثار السودانية المسروقة

شف مسؤولون ومصادر حكومية سودانية عن متابعة وملاحقة الآثار السودانية المسروقة من عدد من المتاحف، خاصة تلك التي مرت عبر جنوب السودان أو عبر الحدود، ولم يتسن بعد تحديد حجم أو قيمة المسروقات بسبب صعوبة وصول المسؤولين إلى المتحف القومي بالخرطوم والمتاحف الأخرى في أنحاء

منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة

اعداد وتحرير: سودان تربيون

الخرطوم :20 يناير 2025 - كشف مسؤولون ومصادر حكومية سودانية عن متابعة وملاحقة الآثار السودانية المسروقة من عدد من المتاحف، خاصة تلك التي مرت عبر جنوب السودان أو عبر الحدود.

ولم يتسن بعد تحديد حجم أو قيمة المسروقات بسبب صعوبة وصول المسؤولين إلى المتحف القومي بالخرطوم والمتاحف الأخرى في أنحاء مختلفة من البلاد، والتي تقع جميعها في مناطق اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وخسر السودان تاريخاً كاملاً، معززا بآثاره الثقافية، بعد سرقة مخزن رئيسي لآثاره في المتحف القومي بالخرطوم. وتعرض المتحف للنهب، ولم يتم التأكد بعد من حجم الآثار المسروقة، حيث لم يتمكن المسؤولون من الوصول إليها.

آثار ضائعة

وأكدت مديرة المتاحف بالهيئة القومية للآثار السودانية ورئيسة لجنة استرداد الآثار السودانية الدكتورة إخلاص عبد اللطيف، في حديث لـ«سودان تربيون» أن المتحف القومي بالسودان تعرض لعملية نهب كبيرة من قبل قوات الدعم السريع.

وتم افتتاح المتحف القومي عام 1971، وهو يقع في العاصمة ويطل مدخله على ضفة النيل الأزرق، ويضم مقتنيات وقطعا تؤرّخ لجميع فترات الحضارة السودانية بدءا من العصور الحجرية وحتى الفترة الإسلامية مرورا بالآثار النوبية والمسيحية.

وفي ذات السياق أكدت إخلاص، أن الآثار الموجودة في المتحف تم نقلها بشاحنات كبيرة عبر أم درمان إلى غرب السودان ومن هناك إلى الحدود خاصة إلى دولة جنوب السودان.

يأتي ذلك في الوقت الذي أكدت فيه مصادر خاصة في جوبا لـ«سودان تربيون» قيام مجموعة من تجار الآثار من بعض الدول الأوروبية والأفريقية بشراء هذه الآثار ونقلها خارج البلاد.

وفي مقابل ذلك، اتهم مسؤول حكومي في حديث لـ«سودان تربيون» السلطات في جوبا بإهمال التواصل مع السودان بشأن آثاره المسروقة وتورط مسؤولين جنوبيين في تهريب آثار سودانية مسروقة إلى الخارج بعد بيعها بجوبا.

وأوضح المسؤول أن السودان خاطب دولة جنوب السودان رسمياً لتعقب هذه الآثار ومنع نقلها وبيعها وخروجها ومصادرتها، إلا أن السلطات في جوبا لم تستجب له.

وقال إن السلطات في جوبا لم تهتم بالأمر، مؤكدا أن هناك آثاراً تم بيعها بتسهيلات من مسؤولين في حكومة جوبا- لكنه لم يقدم أدلة على ذلك خلال حديثه-.

في هذه الأثناء أكدت مديرة المتاحف بالهيئة القومية للآثار السودانية الدكتورة إخلاص عبد اللطيف، تعرض متاحف أخرى للنهب والتدمير، مؤكدة أن متحف نيالا بدارفور تعرض لنهب كل ممتلكاته ومقتنياته بالإضافة إلى الأثاث وخزائن العرض.

كما تعرض متحف الخليفة عبد الله التعايشي بأم درمان للسرقة وتدمير أجزاء من المبنى وفقا لحديث إخلاص.

وأوضحت في الوقت نفسه، أنّ المجاميع المتحفية ترجع إلى جميع العصور التاريخية القديمة منذ العصر الحجري وحضارة كرمة ونبتا ومروي وما قبل المسيحية والمسيحية والإسلامية، حيث أن مخازن متحف السودان القومي تُعتبر المستودع الرئيس لكل آثار السودان.

ويعدّ متحف السودان القومي، أكبر المتاحف في البلاد، ويحتضن تطور الحياة السودانية وحضارتها منذ الفترة النوبية بآثارها والمسيحية والعصور الحجرية حتى الفترة الاسلامية.

مطاردة بالانتربول

وأكد المسؤول الحكومي أن السلطات السودانية، عبر أجهزة الأمن والمخابرات، رصدت آثاراً سودانية معروضة في مدينة جوبا، خاصة مجموعة نادرة من الكنوز (القطع الأثرية) في أحد الفنادق.

وتحدث عن عرض مجموعة من القطع الخاصة بالعصر الحجري ومعها قطع أخرى تخص الحضارة النوبية، وكشف أن عمليات المتابعة تجري حاليا مع الإنتربول لتعقب هذه القطع وغيرها بالتنسيق مع اليونسكو، وأن كل الآثار تُعتبر سُرّقت رغم عدم التأكد من ذلك.

وقال المسؤول، "إن رصد وتتبع كل الآثار الموجودة في المتحف يعزز فرص حمايتها، ولا يوجد يقين بأنها كلها مسروقة، لكن لضمان حمايتها فضلت السلطات الإبلاغ عن سرقة محتويات المتحف بالكامل".

وذكر أن الآثار المتتعبة حاليًا تشمل منحوتات وتماثيل وأسلحة وآنيات أثرية ذات قيمة تاريخية ومادية عالية جداً.

وتعرضت آلاف القطع الآثرية السودانية للسرقة خلال الحرب من المتحف القومي، وعرضت قطع منها على موقع (إي باي) مقابل 200 دولار وكانت عبارة عن 3 تماثيل على قاعدة واحدة تضم رجل وامرأة وطفل لكن الموقع قام لاحقاً بحذف تلك المعروضات.

وفي نوفمبر الماضي، ألقت المباحث الجنائية في ولاية نهر النيل شمال السودان، القبض على مجموعة مكونة من عشرة أشخاص أجانب كانوا في طريقهم لتهريب قطع أثرية نادرة مسروقة من متحف السودان القومي.

وأعلنت المباحث حينها عن ضبط قطع أثرية أخرى مسروقة من متحف نيالا بجنوب دارفور، حيث تم إخفاء القطع الأثرية لفترة في أحد المصانع بمدينة عطبرة، وبعضها تم إخفاءه في أحد المنازل.

وشملت الآثار المضبوطة تمثالين أثريين نادرين مزخرفين بنقوش قديمة، 7 أباريق نحاسية تاريخية، بالإضافة إلى خنجر ومدق أثريين يعودان لعهود قديمة.

وقبل فترة قصيرة تعرضت المعالم التاريخية في متحف وقصر السلطان علي دينار بالفاشر للقصف من قبل قوات الدعم السريع ما أدى إلى حرق أجزاء كبيرة من القصر وتدمير محتويات القصر وأثاثه.

وقالت مصادر في المدينة لـ«سودان تربيون»، إن المتحف تعرض لأضرار بالغة، حيث أتت النيران على متعلقات السلطان الشخصية، بالإضافة إلى تدمير واسع للمبنى.

ودعت اليونسكو في بيان قبل شهرين، الجمهور والأفراد العاملين في تجارة السلع الثقافية في المنطقة وفي كل أنحاء العالم إلى الامتناع عن حيازة ممتلكات ثقافية من السودان أو المشاركة في استيرادها أو تصديرها أو نقلها.

وأكدت أن مجموعات رئيسية عديدة أخرى تشهد على تاريخ السودان الغني، أُبلغ عن سرقتها من متحف بيت الخليفة ومتحف نيالا.

ومع ذلك، أبدى خبراء في الآثار مخاوفهم من تعرض التماثيل الكبيرة بالمتحف القومي للتدمير بسبب المواجهات العسكرية المحتدمة بين الجانبين بالقرب منه.

كما يخاف الخبراء من العبث وتدمير النصب التذكارية والتماثيل الكبيرة للدمار بسبب محاولة تحريكها ونقلها أو إقتطاعها لتسويقها، فيما تؤكد اليونسكو تعرض 10 متاحف ومراكز ثقافية للنهب والسرقة والتخريب في السودان منذ ظهور الحرب.


ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#SilenceKills #الصمت_يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع_في_السودان_لا_يحتمل_التأجيل #StandWithSudan #ساندوا_السودان #SudanMediaForum

   

مقالات مشابهة

  • جناح الإمارات في “دافوس 2025” يستضيف جلسة حول التنافسية العالمية
  • محكمة في شبوة تدين صحفي على خلفية منشور في “فيسبوك”
  • السودان (الجحيم الذي يسمي وطن)!!
  • “خطورة الميليشيات الإسلامية المسلحة: بين إرث الماضي وتحديات المستقبل”
  • “بيعت في مناطق حدودية وجنوب السودان”.. اتهامات لسلطات جوبا بإهمال مناشدات ضبط الآثار السودانية المسروقة
  • غارات بريطانيا .. 2300 طن من القنابل تضرب ألمانيا في قلب أحداث الحرب العالمية الثانية
  • “الصحة العالمية”: إعادة بناء النظام الصحي في غزة ستكون مهمة معقدة
  • مؤتمر فرساي .. قصة معاهدة سلام أشعلت الحرب العالمية الثانية
  • تحسين الخدمات أولوية.. لجنة بالشيوخ توصي بسرعة استكمال كورنيش النيل بقنا
  • لجنة مشتركة بالشيوخ توصي بسرعة استكمال كورنيش النيل بقنا.. والجبلي: تحسين الخدمات أولوية لدى الدولة