تراجع الأحزاب المركزية لصالح الاستقطاب الجغرافي
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
التحديات التي تواجه قادة وقواعد الأحزاب المركزية الآن عظيمة، وفيها المتصل بالجانب المحلي، والجيوبوليتيكي، والعالمي. فالحرب قادت الكثير من الناس إلى الرجوع إلى المناطقية في ظل انحسار دور الأحزاب المركزية، وتنامي التيارات الجهوية. وقد اكتملت دائرتا المطلبين الشمالي والوسط، والمتمثلتين في بروز خطابات سياسية جديدة تحاول استقطاب المنتمين لهذه المناطق بهدف التخلص من عبء دارفور، والنيل الأزرق، وأجزاء من كردفان.
وهناك ضمن تلك التحديات زيادة في قراءة الناس لأحداث البلاد وفقاً لمعارف ثقافية برزت في زمن العولمة الفكرية، وهي متجاوزة للصمديات الحزبية، وتهدف إلى توسيع المدارك الفكرية بعيداً عن الخلفيات الأيديولوجية.
أما على مستوى التحدي الجيوبوليتيكي فقد لاحظنا التصاعد في استمساك الرباطات الإقليمية بالقرار الوطني للصفوة النشطة. وليست هي الإمارات فقط كما يشكو مثقفون داعمون للجيش، ويغضون الطرف بكل جرأة لدور مصر التاريخي في عرقلة نهضة السودان، وراهناً دورها في تقييد حركة الجيش دون دعم تغيير ثورة ديسمبر.
وعالمياً أفرزت تجارب ثورة الاتصال معارف إبستيمية لا غنى عنها في تفسير الظاهرات المجتمعية. وما يزال الحقل الأكاديمي منفتحاً أمام منهج تعدد المناهج بوصفه الأكثر قدرة على تلاقح الرؤية السياسية مع الاقتصادية، إلى التاريخية، إلى الأنثروبولوجية، والفلسفية، وهكذا. ذلك يفضي إلى القول إن منهج الاقتصاد وحده لا يحل القضية الاقتصادية، وأن دراسة الأزمة ذات الملمح التاريخي تقتضي مزج المنهج التاريخي ذاته بالانثربولوجي، بالاقتصادي، والسيوسيولجي، للتوصل إلى قراءة أعمق. علاوة على ذلك فإن تعدد المعارف أفضل مما يفعله المنهج الواحد المظنون فيه التحليل للظاهرة محل الدرس، والتوصل للحلول المطلوبة.
تقريباً هذه التحديات البارزة تتزامن مع حربنا الأهلية المفتوحة على كل آفاق النهايات المحتملة. فالسيناريوهات التي ربما تنتهي إليها الحرب متعددة. تبدأ بإمكانية التسوية تحت الضغط الإقليمي والدولي، مروراً بانتصار أحد الطرفين، وأي منهما لن يتنازل كليةً عن سلطته للمدنيين تواً، وانتهاء ً باحتمال تجزء البلاد إلى دول متعددة.
مهما تعمقت - ثم تنبأت - قراءة المحللين السودانيين، وغيرهم، فإن خاتمة المطاف لجولات الحرب تظل عصية على التنجيم السياسي. ومن هنا فإن التحديات التي تواجه أحزابنا المركزية، والتي لها الخبرة في الحراك السياسي، ستعوق حركة المدنيين، وهي لما تحلل واقع الحرب بعيداً عن النظر لثقل التدخل المحلي المناطقي، والإقليمي، والدولي.
كنا منذ فترة قد بح صوتنا في المطالبة بتقديم بعض أحزابنا المركزية تنازلات تتعلق بتخليها عن ثأرات ضد بعضها بعضاً نتيجة لما جرى في الفترة ما بين سقوط نظام الحركة الإسلامية ونشوب الحرب في أبريل 2023. وكان المطلوب هو التوافق على أسس جديدة لتفعيل دور القوى السياسية التي شاركت في الثورة، ومن ثم بناء تحالف موثر على الرأي العام، لإيقاف القتال بين طرفيه، وتحييد الجانبين الجيوبوليتيكي الإقليمي، والعالمي، حتى لا يوثر في ما تنتهي عليه الحرب من نتيجة قد تُفرض غصباً على السودانيين جميعهم.
ولكن يبدو أن التجاذبات السياسية الصبيانية داخل الحزب الواحد، والثأرات بين الأحزاب بعضها بعضاً، والتي تتم عقلنتها بالتلاعب باللغة - لتغدو موقفاً سياسياً موضوعياً - لا ينتج إلا التعميق لتلك التحديات الثلاثة المذكورة. ففي وقت تكسب الانحيازات المناطقية في الحرب جمهوراً جديداً كل يوم تتراجع إمكانية الأحزاب في تأكيد فاعليتها وسط دوي المدافع، وضجيج الميديا الحديثة. وكلما تمنينا أن تنتهي الأزمة بالتفاوض وجدنا حربنا في صيرورة إلى أن تصبح حرب وكالة بفعل لاعبي الإقليم القريبين، والبعيدين. ومهما توقعنا حضور الاهتمام بترميم الموقف الوطني باتحاد القوى الحزبية الثورية، تبدو لنا بين كل جولة وأخرى للتفاوض سعي المجتمع الدولي لفرض حلول على الطرفين تتوافق مع مصالحه. وكيفما حاولنا حصر الفهم للقتال في حدود أنه بين مكونين عسكريين، تصاعد قبول خطاب الكراهية لدى مؤيدي الطرفين، خصوصا لدى الجمهور البسيط في نظرته.
لو أنه لا توجد الآن ضرورة حتمية لاستئناف التحالف المدني العريض وسط الحرب المستعرة، وذلك حتى يضم كل القوى التي شاركت في الثورة، إذن فإن بقاء قوانا السياسية في لجاجها السياسي سيمهد المجال حتماً للقواعد السودانية لاستقطاب قبائلها، وقوفاً مع هذا الطرف المقاتل، أو ذاك.
في مقابل هذا التشظي المدني الكئيب تنشط الحركة الإسلامية بكل قواعدها العسكرية، والجهادية، والإعلامية، والمدنية، والاقتصادية، لملأ الفراغ الملحوظ في العمل الحزبي المركزي. بل إنها على الجانب الآخر تستثمر في إذكاء نار القبلية هذي، وتحويل الصراع من كونه سياسياً إلى صراع عرقي مفتوح يضرب في النسيج القبلي داخل الإقليم، وبين جغرافيا وأخرى.
ما يزال السودان في فسحة من وحدته ما لم يصب في مقتل بمكايدات السياسيين المركزيين بعضهم بعضا.
suanajok@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مرصد الأزهر: هدم الأسوار أحد استراتيجيات تنظيم داعش لاستعادة النفوذ والتوسع الجغرافي
قال مرصد الأزهر أنه رغم حالة الضعف التي يمر بها تنظيم داعش الإرهابي في وقتنا الحالي بسبب الهزائم التي تعرض لها وفقدانه كثيرًا من قادته بفاصل زمني قصير والملاحقات الأمنية لأفراده، فإن عملية تهريب نزلاء ينتمون للتنظيم من سجن "كوتوكالي" الذي يبعد 40 كيلومترًا من العاصمة "نيامي" بالنيجر، في يوليو المنصرم وما تلاها من عمليات مشابهة، يدل على قدرة التنظيم على القيام بعمليات نوعية ضمن إستراتيجية "هدم الأسوار"، والتي تعني "اقتحام السجون وتهريب عناصر التنظيم المحتجزة فيها" وهي واحدة من الأمور المهمة التي يعوّل عليها التنظيم.
وجاء هذا في إطار سلسة مقالات وحدة رصد اللغة التركية والتي تنشرها بعنوان "ما يعول عليه داعش مستقبلاً".
وتابع المرصد أنه بنظرة تاريخية فإن اقتحام داعش للسجون وتحرير عناصره الإرهابية ليست إستراتيجية جديدة عليه، بل قديمة أطلق عليها في خطابه الإعلامي اسم "هدم الأسوار". وقد ورث داعش هذه الإستراتيجية عن سلفه تنظيم القاعدة في العراق، إذ كان "الزرقاوي" يولي اهتمامًا كبيرًا لتحرير السجناء. وقد استمر هذا الاهتمام متصاعدًا عبر مراحل تطور مختلفة، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من خطط التنظيم. ولا تكاد تخلو كلمة من كلمات متحدثيه الإعلاميين من الإشارة إلى أهمية اقتحام السجون. ويعود أول تطبيق عملي لإستراتيجية "هدم الأسوار" إلى عام 2004 بمحاولة "أبو أنس الشامي" استهداف سجن أبو غريب. ورغم أن هذه المحاولة لم تكلل بالنجاح المرجو للتنظيم، إلا أنها شكلت نقطة تحول في توجهاته.
وبالنظر إلى دوافع هدم الأسوار عند داعش فتتلخص في استعادة النفوذ وتعزيز المكانة، وذلك من خلال التعويل على الاقتحامات السابقة استلهام التنظيم من قدرته على تحرير أعداد كبيرة من عناصره القابعة في السجون، حيث يسعى التنظيم إلى تعويض الخسائر البشرية التي لحقت به في المعارك عن طريق تحرير العناصر المسجونة وضمها مرة أخرى. بناء القوة القتالية وإعادة الهيكلة.
كما يسعى التنظيم إلى تعزيز الصورة القتالية كقوة قادرة على حماية عناصره وتحرير المعتقل منهم، كما يهدف التنظيم بعلميات الاقتحام إلى إحراج التنظيمات المتطرفة الأخرى التي تتبع أساليب تفاوضية، وإظهار تفوقه عليها وتجنيد المزيد من الأنصارحيث يستخدم التنظيم قدرته على تحرير أتباعه من السجون والمعتقلات كأداة للترويج لأفكاره وجذب المزيد من الأنصار، لا سيما من عناصر التنظيمات الأخرى التي لا تسعى إلى تهريب عناصرها المسجونة.
ويستند داعش في إستراتيجية هدم الأسوار على جملة من الآليات، أهمها التنقيب عن نقاط الضعف وتكوين خلايا نائمة داخل السجون واستغلال التكنولوجيا الحديثة والتحريض وخطابات الكراهية حيث يستخدم داعش وسائل الإعلام غير التقليدي لنشر الدعاية وتوجيه رسائل تحريضية لعناصره داخل السجون، بهدف تشجيعهم على الهروب.
وتأسيسًا على ما سبق، تطرح هذه الإستراتيجية الداعشية كثيرًا من التحديات أمام الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب منها تعقيد المشهد الأمني، حيث تزيد عمليات اقتحام السجون من تعقيد المشهد الأمني، وتصعّب تتبع تحركات عناصر التنظيم وتوقيفهم. وزيادة خطر الهجمات الإرهابية حيث يزيد نجاح عمليات تهريب المسجونين من خطر تعرض الدول والمجتمعات لهجمات إرهابية جديدة وصعوبة إعادة تأهيل السجناء المحررين
وختامًا يؤكد المرصد أن اقتحام السجون بالنسبة لداعش ليس مجرد عملية إنقاذ أو تحرير لبعض عناصره، بل هو جزء من إستراتيجية تهدف لاستعادة النفوذ والتوسع الجغرافي وتعزيز مكانة التنظيم على الخريطة الأمنية في العالم. وتتسم هذه الإستراتيجية بارتفاع درجة خطورتها، نظرًا لارتباطها بعناصر إرهابية مدربة، وتخطيط مسبق، ووجود دوافع انتقامية، ما قد يشكل تهديدًا مستقبليًّا للأمن والاستقرار.