سودانايل:
2025-02-02@02:57:49 GMT

تراجع الأحزاب المركزية لصالح الاستقطاب الجغرافي

تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT

التحديات التي تواجه قادة وقواعد الأحزاب المركزية الآن عظيمة، وفيها المتصل بالجانب المحلي، والجيوبوليتيكي، والعالمي. فالحرب قادت الكثير من الناس إلى الرجوع إلى المناطقية في ظل انحسار دور الأحزاب المركزية، وتنامي التيارات الجهوية. وقد اكتملت دائرتا المطلبين الشمالي والوسط، والمتمثلتين في بروز خطابات سياسية جديدة تحاول استقطاب المنتمين لهذه المناطق بهدف التخلص من عبء دارفور، والنيل الأزرق، وأجزاء من كردفان.


وهناك ضمن تلك التحديات زيادة في قراءة الناس لأحداث البلاد وفقاً لمعارف ثقافية برزت في زمن العولمة الفكرية، وهي متجاوزة للصمديات الحزبية، وتهدف إلى توسيع المدارك الفكرية بعيداً عن الخلفيات الأيديولوجية.
أما على مستوى التحدي الجيوبوليتيكي فقد لاحظنا التصاعد في استمساك الرباطات الإقليمية بالقرار الوطني للصفوة النشطة. وليست هي الإمارات فقط كما يشكو مثقفون داعمون للجيش، ويغضون الطرف بكل جرأة لدور مصر التاريخي في عرقلة نهضة السودان، وراهناً دورها في تقييد حركة الجيش دون دعم تغيير ثورة ديسمبر.
وعالمياً أفرزت تجارب ثورة الاتصال معارف إبستيمية لا غنى عنها في تفسير الظاهرات المجتمعية. وما يزال الحقل الأكاديمي منفتحاً أمام منهج تعدد المناهج بوصفه الأكثر قدرة على تلاقح الرؤية السياسية مع الاقتصادية، إلى التاريخية، إلى الأنثروبولوجية، والفلسفية، وهكذا. ذلك يفضي إلى القول إن منهج الاقتصاد وحده لا يحل القضية الاقتصادية، وأن دراسة الأزمة ذات الملمح التاريخي تقتضي مزج المنهج التاريخي ذاته بالانثربولوجي، بالاقتصادي، والسيوسيولجي، للتوصل إلى قراءة أعمق. علاوة على ذلك فإن تعدد المعارف أفضل مما يفعله المنهج الواحد المظنون فيه التحليل للظاهرة محل الدرس، والتوصل للحلول المطلوبة.
تقريباً هذه التحديات البارزة تتزامن مع حربنا الأهلية المفتوحة على كل آفاق النهايات المحتملة. فالسيناريوهات التي ربما تنتهي إليها الحرب متعددة. تبدأ بإمكانية التسوية تحت الضغط الإقليمي والدولي، مروراً بانتصار أحد الطرفين، وأي منهما لن يتنازل كليةً عن سلطته للمدنيين تواً، وانتهاء ً باحتمال تجزء البلاد إلى دول متعددة.
مهما تعمقت - ثم تنبأت - قراءة المحللين السودانيين، وغيرهم، فإن خاتمة المطاف لجولات الحرب تظل عصية على التنجيم السياسي. ومن هنا فإن التحديات التي تواجه أحزابنا المركزية، والتي لها الخبرة في الحراك السياسي، ستعوق حركة المدنيين، وهي لما تحلل واقع الحرب بعيداً عن النظر لثقل التدخل المحلي المناطقي، والإقليمي، والدولي.
كنا منذ فترة قد بح صوتنا في المطالبة بتقديم بعض أحزابنا المركزية تنازلات تتعلق بتخليها عن ثأرات ضد بعضها بعضاً نتيجة لما جرى في الفترة ما بين سقوط نظام الحركة الإسلامية ونشوب الحرب في أبريل 2023. وكان المطلوب هو التوافق على أسس جديدة لتفعيل دور القوى السياسية التي شاركت في الثورة، ومن ثم بناء تحالف موثر على الرأي العام، لإيقاف القتال بين طرفيه، وتحييد الجانبين الجيوبوليتيكي الإقليمي، والعالمي، حتى لا يوثر في ما تنتهي عليه الحرب من نتيجة قد تُفرض غصباً على السودانيين جميعهم.
ولكن يبدو أن التجاذبات السياسية الصبيانية داخل الحزب الواحد، والثأرات بين الأحزاب بعضها بعضاً، والتي تتم عقلنتها بالتلاعب باللغة - لتغدو موقفاً سياسياً موضوعياً - لا ينتج إلا التعميق لتلك التحديات الثلاثة المذكورة. ففي وقت تكسب الانحيازات المناطقية في الحرب جمهوراً جديداً كل يوم تتراجع إمكانية الأحزاب في تأكيد فاعليتها وسط دوي المدافع، وضجيج الميديا الحديثة. وكلما تمنينا أن تنتهي الأزمة بالتفاوض وجدنا حربنا في صيرورة إلى أن تصبح حرب وكالة بفعل لاعبي الإقليم القريبين، والبعيدين. ومهما توقعنا حضور الاهتمام بترميم الموقف الوطني باتحاد القوى الحزبية الثورية، تبدو لنا بين كل جولة وأخرى للتفاوض سعي المجتمع الدولي لفرض حلول على الطرفين تتوافق مع مصالحه. وكيفما حاولنا حصر الفهم للقتال في حدود أنه بين مكونين عسكريين، تصاعد قبول خطاب الكراهية لدى مؤيدي الطرفين، خصوصا لدى الجمهور البسيط في نظرته.
لو أنه لا توجد الآن ضرورة حتمية لاستئناف التحالف المدني العريض وسط الحرب المستعرة، وذلك حتى يضم كل القوى التي شاركت في الثورة، إذن فإن بقاء قوانا السياسية في لجاجها السياسي سيمهد المجال حتماً للقواعد السودانية لاستقطاب قبائلها، وقوفاً مع هذا الطرف المقاتل، أو ذاك.
في مقابل هذا التشظي المدني الكئيب تنشط الحركة الإسلامية بكل قواعدها العسكرية، والجهادية، والإعلامية، والمدنية، والاقتصادية، لملأ الفراغ الملحوظ في العمل الحزبي المركزي. بل إنها على الجانب الآخر تستثمر في إذكاء نار القبلية هذي، وتحويل الصراع من كونه سياسياً إلى صراع عرقي مفتوح يضرب في النسيج القبلي داخل الإقليم، وبين جغرافيا وأخرى.
ما يزال السودان في فسحة من وحدته ما لم يصب في مقتل بمكايدات السياسيين المركزيين بعضهم بعضا.

 

suanajok@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

جرينلاند ليست الأولى.. صفقات عقارية أمريكية لتوسيع حجمها الجغرافي

علقت الإدارة الأمريكية على رغبة الرئيس 47 للولايات المتحدة في السيطرة على جرينلاند أكبر جزيرة في العالم، فقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، إن سبب رغبة «واشنطن»، السيطرة على جرينلاند، لأنها تخشى أن تحاول الصين الاستيلاء على المنطقة، في مساعيها لتصبح قوة في القطب الشمالي، وفق لما ذكرته وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية.

روبيو، أوضح عبر برنامج «ميجين كيلي»، فإنه في حال نشوب نزاع يمكن للصين أن ترسل سفنها الحربية إلى جزيرة جرينلاند، وتتصرف من هناك. 

وبالعودة إلى الوراء، نجد أن عمليات شراء الأراضي، شكلت جزءا من استراتيجية الولايات المتحدة لتوسيع نفوذها الجغرافي والاقتصادي، إذ أشارت وسائل إعلام أمريكية في تقرير إلى أنه منذ أوائل القرن التاسع عشر شهدت الولايات المتحدة توسعا هائلا بفضل صفقات شراء، وتسويات دبلوماسية، وأحيانا نزاعات مسلحة.

بداية الصفقات الأمريكية للسيطرة على الأراضي كانت مع إسبانيا في 1803، عندما اشترت «واشنطن» إقليم لويزيانا من نابليون بونابرت التي كانت تسيطر عليه منذ 1762 بـ 15 مليون دولار، وحصلت حينها على أكثر من مليوني كيلومتر من الأراضي، في صفقة اكتسبت سمعة «أعظم الصفقات العقارية في التاريخ».

صفقة فلوريدا

صفقة أخرى، أبرمتها الولايات المتحدة مع إسبانيا، عقب إبرام معاهدة آدمز أونيس التي كانت تعرف بـ «المعاهدة عبر القارات»، التي توصل إليها وزير الخارجية الأمريكي الراحل، جون كوينسي آدمز تحت رئاسة جيمس مونرو، ووزير خارجية إسبانيا لويس دي أونيس التي نصت على تنازل «مدريد» على ما تبقى من إقليم لوزيانا، وبيع كامل فلوريدا للولايات المتحدة.

وخرجت الولايات المتحدة من هذه المعاهدة متحملة مسؤولية دفع 5 ملايين دولار بدل أضرار تسبب بها مواطنون أمريكيون ضد إسبانيا، فيما لم تتلق «مدريد» أي مقابل بدلا لفلوريدا.

صفقة ثالثة، أبرمتها الولايات المتحدة لتوسيع حجمها الجغرافي مع جارتها المكسيك، واتفقت «واشنطن» مع المكسيك في عام «1853-1854» في معادة عُرفت باسم « معاهدة جادسدن» التي وقعها، السفير الأمريكي لدى المكسيك في ذلك الوقت جيمس جادسدن، وبمقتضاها وافقت الولايات المتحدة على دفع 10 ملايين دولار للمكسيك مقابل أجزاء تابعة لها والتي تعرف حاليا بمناطق جنوب أريزونا وجنوب غرب نيو مكسيكو.

شراء الولايات المتحدة لولاية ألاسكا من الإمبراطورية الروسية

الصفقة الرابعة والأهم التي أبرمته الولايات المتحدة، كانت مع الإمبراطورية الروسية في عام 1867، واشترت «واشنطن»، ولاية ألاسكا بـ 7.2 مليون دولار، بموجب معاهدة وقعها الرئيس الأمريكي الراحل أندرو جونسون، الرئيس السابع عشر للولايات المتحدة «1865- 1869».

صفقات أخرى، أبرمتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة لتوسع حجم الولايات المتحدة، كان من بينها دفع «واشنطن» لـ«مدريد»، 20 مليون دولار مقابل تنازلها على جزر الفلبين عام 1898، إذ استمرت تبعيتها  حتى عام 1946، كما اشترت الولايات المتحدة، جزر العذراء في عام 1917 من الدنمارك بمبلغ 25 مليون دولار.

مقالات مشابهة

  • لصالح الديمقراطية.. ترامب يريد انتخابات رئاسية في أوكرانيا بنهاية العام
  • عبدالمنعم سعيد يكشف أبرز التحديات التي تواجه الحكومة.. وهذه حقيقة مشروع التوريث - (حوار)
  • ندوة في ببروكسل: تشرذم القوى السياسية اليمنية يطيل الحرب ويعزز هيمنة الحوثيين
  • زي النهارده.. توقيع معاهدة سلام تورون التي أنهت الحرب البولندية الليتوانية التوتونية
  • الأحزاب والمجتمع المدني والنقابات تعلن الاصطفاف الوطني خلف القيادة السياسية
  • الأحزاب السياسية تناقش مع الاتحاد الأوروبي مستجدات الحرب والسلام ومطالب بتطوير العلاقات إلى المستوى الجيوسياسي التنموي
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • جرينلاند ليست الأولى.. صفقات عقارية أمريكية لتوسيع حجمها الجغرافي
  • الورشة التحضيرية للعملية السياسية بعد الحرب: الفرص والتحديات أمام القوى المدنية
  • الصحفيين والإعلاميين: خلال لقاء محافظ الدقهلية كلنا خلف الرئيس في جميع القرارات السياسية التي تحافظ على الأمن القومي