عبد الله علي ابراهيم (7 يناير 2013)
(شكر الله سعيكم تعزوني في ود المكي بقربى الجيل والشاغل الوطني والإبداعي. "وانفصل الجمر عن الصندل" برحيل مكي وهي كلمته في رثاء المجذوب الشاعر. وصار الوطن بعده أقلية. وأعيد عليكم هنا كلمة قديمة قلت فيها أن ود المكي شاعر فحل قبل أكتوبرياته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس عن بقية إبداعه.
سمرت ليلة رأس السنة مع كمال سويكت وخالد الفانوق وعثمان مصباح في برنامج عن حب الوطن على تلفزيون السودان عنوانه "سحر الانتماء". واكتشفت خلال إعداد نفسي للبرنامج الشاعر ود المكي من جديد. بدأت بمقطع من قصيدته "واحة" هو:
يا عبير الأضرحة
كيف جاوزت المشاوير إليَّا؟
والمدى ما بيننا منطرح
والعهد طال.
وأعجبت بعطر هذه الضرائح حتى راوحت على معناها في بعض كتاباتي بقولي "عبير الأمكنة" عن سحر الأمكنة على من ألفوها. وعدت قبل البرنامج لقراءة قصيدة الشاعر "واحة" وهي عن واحة البشيري بجهة بارا وموطنه. واستذكر فيها من عمروها من أجداده من الركابية أهل الصَّلاح الذين هاجروا من منحنى النيل إليها. وسماها "واحة الأجداد". وبدا انشغال مكي بهذه الهجرة كبيراً. فقد زار الشمالية في وقت ما في الستينات وكتب سلسلة مقالات عنها في جريدة الرأي العام أعادت "الأحداث" نشرها ربما في عامنا المنصرم أو الذي سبقه.
لقد جاءت ذكرى هؤلاء الأجداد إلى ود المكي في ليلة قمراء بالواحة:
ظل هذا القمر العابث
طول الليل يستغوي الحقولا
ناثراً فضته الزرقاء
ممدوداً على أوراق زهرة
وبإبريق رخام
ظل حتى احتقن السمسم بالحب ونام.
ومن أبواب "عمارهم" لواحة البشيري استصلاحهم أرضها وانتزاعها من براثن الرمل:
وضعوا الساعد في الساعد
فالرمل انسحب
والنخيل انبثقت بين الجراح الصادحة.
فأنظر "أنسنة" الشاعر للرمل حتى صار جيشاً أدركته الهزيمة. وكانت زورة الأجداد له عبئاً تاريخياً مزلزلاً فطلب منهم أن يكفوا عن السهر:
ايها الأجداد عودوا
ولنقل إنَّا تسامرنا طوال البارحة
بينما تنتثر الفضة في السهل
وملء الأضرحة.
حين فرغت من قراءة قصيدة "واحة" وأخريات من قديم الشاعر بدا لي أننا ربما ظلمناه بتركيزنا الفظ على أكتوبرياته وزنزبارياته وبرتقالته أنت. فقد ناسبتنا هذه القصائد في حمى أيدولوجياتنا المختلفة من ثورية وهوية وغابة وصحراء. وحجبنا عن أنفسنا شعره الباكر الذي سحرنا نحن جيله من شباب أدباء الجامعات في الستينات. فقد كان الشاعر يُستزاد متى اجتمعنا من "الشرف القديمة" و"الشرف الجديدة" و"أمان" "وإهانات شخصية لقيس بن الملوح" و"أصيح للخرطوم في أذنها" التي نثر فيها كنانة غضبه على أولئك الذين "اعتذروا بالأيام" عن الفعل، وحلم فيها بوطن آخر: "فلتلدي ثورتك الأولى وبعثك الجديد". ومتى ثار الوطن أخذنا حداء ود المكي له دون بذور الذهب في غيرته عليه.
لا أعرف شاعراً في خفض ود المكي من اللغة والمجاز. فهو "بطران" باللغة يعبث بها عبثاً يكشف عن شهوتها الغريزية للبلاغة والأسر. فأنظر بالله: ""الحدائق واسعة العيون" و"عار الدكاكين الأرائك والمقاهي"و"أجفان الناس مكحلة بالعفة والإغضاء" و"وهذا عصير الشمس فوق جبهتي "و "ويا أخت كيف المعاد ولم أفن ضرع الحياة احتلابا" و"وعلى وسائدنا يفح النجم" و"مبهماً مثل عيون المئذنة" و"أتوكأ ظلي"، و"بهذا الوعي أقبل ما بأيديكم وأنذر أن اعيش مع وضد وداخل الآخر". فلا قدسية عند الشاعر لمواضعات اللغة فهو ينفضها نفضاً فتذروها البلاغة.
يحتاج ود المكي إلى جبهة تحرير من ولعنا الشرير القاصر به.
كان لود المكي والنور عثمان (أدناه) عاماً شريداً في المانيا الغربية عاد منه ود المكي بشعر أشجانا.
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الريادة: تحرير سيناء ملحمة وطنية خالدة
قال إسلام عبدالرحيم أمين إعلام حزب الريادة، إن ذكرى تحرير سيناء ليس مجرد حدث تاريخي نحتفل به كل عام، بل هو ملحمة وطنية تجسد معنى الانتماء، والإرادة، والتضحية، إنه نموذج يُحتذى في كيفية استعادة الحقوق، والتعامل مع التحديات بحكمة وقوة في آنٍ واحد لقد سطّر المصريون في هذه المعركة صفحات مضيئة من تاريخهم، ويجب علينا أن نحافظ على هذا الإرث.
وأضاف أن يوم تحرير سيناء واحدًا من أبرز الأيام الوطنية في التاريخ المصري الحديث، حيث يمثل تتويجا لملحمة نضالية طويلة خاضتها مصر سياسيا وعسكريا لاسترداد حقها المشروع، لم يكن تحرير سيناء مجرد انتصار عسكري، بل كان ملحمة متكاملة شارك فيها الجيش، والدبلوماسية، والشعب، في لوحة وطنية رائعة تستحق أن تروى للأجيال القادمة.
وأشار عبدالرحيم أن يوم 25 أبريل ذكرى عزيزة على قلوبنا فهو اليوم الذي رفرف فيه علم مصر عاليا فوق طابا، معلنا نهاية آخر فصل من فصول الاحتلال، لنحتفل بهذا اليوم سنويا بإقامة الفعاليات الوطنية والثقافية والعروض العسكرية والفنية، لتذكير الأجيال بما بذله الآباء من دماء وجهد وتضحيات، لقد أظهرت حرب أكتوبر بطولة نادرة من الجنود المصريين، وإبداعا في التخطيط العسكري، و تضحيات جساما استحق أصحابها أن يُخلّدوا في ذاكرة الوطن.
وأشار أمين إعلام حزب الريادة، أن مصر لم تكتف بتحرير سيناء، بل سعت إلى تعميرها وتنميتها لتكون امتدادا حقيقيا للدولة المصرية، أطلقت الدولة العديد من المشاريع القومية في سيناء، من أبرزها إنشاء مدن جديدة، وشق الطرق، وتوصيل المرافق والخدمات، وبناء المدارس والمستشفيات، كما تم إطلاق مشروعات استصلاح الأراضي الزراعية، وتنمية الثروة السمكية، وتشجيع الاستثمار، وكل ذلك من أجل تحويل سيناء إلى مجتمع متكامل نابض بالحياة، يساهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني.
وأردف أن سيناء لها مكانة روحية ودينية كبيرة، فهي الأرض التي مر بها الأنبياء، ومنها تجلى الله لنبيه موسى عليه السلام على جبل الطور، كل هذه المعطيات جعلت من سيناء رمزًا وطنيًا يحمل دلالات لا يمكن إغفالها في وجدان المصريين.
واختتم حديثه قائلا: إن ذكرى تحرير سيناء تذكّرنا دوما أن الأوطان تُصان بالدم والعمل، وأن الأرض لا تُحرر إلا إذا اجتمعت كلمة الشعب والجيش والدولة، فسلام على أرواح الشهداء، وتحية لكل من ساهم في هذا النصر العظيم، وعاشت سيناء حرة أبية، وعاش الوطن عزيزا كريما.