تحليل الذهنية الحالية لبعض المثقفين التقدميين الذين يدعمون الجيش على الرغم من ارتباطه بالحركة الإسلامية يعتمد على فهمي لمجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية التي تؤثر على مواقفهم. هناك تباينات عميقة في مواقف هؤلاء المثقفين، وتوجهاتهم الفكرية تُظهر تناقضات في رؤيتهم لدور الجيش في الأزمات السياسية. سأبدأ بتفكيك النقاط المحورية في هذه الذهنية.


الخوف على الدولة الوطنية ووحدتها
أرى أن المثقفين الذين يدعمون الجيش يرون أن الدولة الوطنية، بمؤسساتها ووحدتها، تواجه خطر التفكك والانهيار نتيجة الصراعات المسلحة والمليشيات المتعددة التي تتنافس على السلطة والنفوذ. وبالتالي، ينظرون إلى الجيش كمؤسسة مركزية ضرورية لحماية الدولة الوطنية من الانهيار. من وجهة نظري، دعم الجيش حتى مع اختطافه من قبل الحركة الإسلامية يمثل خطوة استراتيجية للحفاظ على الحد الأدنى من النظام والاستقرار الوطني.
الوهم بأن الجيش قد يعود إلى صف الوطن
الحجة التي يطرحها هؤلاء المثقفون هي أن دعم الجيش يمكن أن يكون وسيلة لإعادته إلى الصف الوطني وتفكيك ارتباطه بالحركة الإسلامية. وهنا أبرزت نقطة حساسة عندما وصفت هذه الفكرة بـ"تسويق للوهم". يعود السبب في هذا التوصيف إلى اعتقادي بأن الجيش لم يُظهر أي علامات جادة للانفصال عن الحركة الإسلامية خلال مراحل هامة، مثل ثورة ديسمبر، بل ظل مرتبطًا بمصالح نخبة معينة تعزز سلطتها.
فشل الحركة الجماهيرية في استعادة الجيش الوطني خلال لحظات الثورة الأكثر تقدمًا يشير إلى أن هذا الجيش أصبح جزءًا من المنظومة التي يقاومها الشعب. من هذا المنطلق، أرى أن دعم الجيش في مواجهة المليشيات لن يقود إلى عودة الجيش إلى صف الوطن، بل ربما يعزز من سيطرة الحركة الإسلامية على الجيش.
مفارقة دعم جيش أشعل حرباً لحماية تمكينه
السؤال الذي طرحته بخصوص دعم جيش مختطف أشعل حربًا لحماية سيطرة الحركة الإسلامية يُعتبر نقطة جوهرية. الحرب التي أشعلها الجيش تمثل جزءًا من الصراع الداخلي على السلطة والسيطرة. دعم هذا الجيش يعني، من وجهة نظري، الانخراط في نفس المنظومة التي تسعى إلى تدمير الحركة الجماهيرية وتقويض مطالبها.
هذا يفتح المجال للنقاش حول مدى قدرة المثقفين التقدميين على إدراك هذه المفارقة؛ إذ إنهم، من خلال دعمهم للجيش، قد يسهمون بشكل غير مباشر في تعزيز التمكين الإسلامي واستمرار الحرب الأهلية التي تستهلك الدولة والشعب.
انحسار الحركة الجماهيرية وتفتتها
أسلط الضوء هنا على تراجع دور الحركة الجماهيرية وتفككها، مما يجعل من الصعب على هذه الحركة استعادة الجيش لصالح المشروع الوطني. من دون حركة جماهيرية قوية وموحدة، أي محاولة للتأثير على الجيش أو إعادته إلى دوره الوطني تصبح غير واقعية. فكيف يمكن لجيش انخرط بعمق في الصراع المسلح لحماية نظام إسلامي أن يتحول فجأة إلى أداة لبناء الدولة الوطنية؟ هذه المفارقة تكشف عن فجوة بين تطلعات المثقفين وحقيقة الوقائع الميدانية.
الإدراك المتأخر
يبدو أن دعم الجيش ينبع من شعور بالعجز عن خلق بدائل ملموسة للنظام العسكري الذي ترسخ في السلطة منذ عقود. وأعتقد أن بعض المثقفين يرون أن الجيش، رغم كل عيوبه وارتباطاته بالحركة الإسلامية، هو المؤسسة الوحيدة القادرة على ضبط الأمور في ظل انهيار الأمن. لكن هذه الفكرة تصطدم بإدراك متأخر بأن الجيش ليس وسيطًا محايدًا بل طرفًا أساسيًا في الأزمة.
غياب الأطروحة الفكرية والسياسية
هنا أضيف أنني أرى أن دعم الجيش في ظل هذه الظروف ليس مستندًا إلى أي أطروحة فكرية أو سياسية راسخة يمكن أن تدعم هذا الخط من التفكير. ما يتم تقديمه في هذا السياق غالبًا ما يقتصر على الحديث العاطفي المرسل، الذي يفتقر إلى أسانيد منطقية أو تحليلات سياسية عميقة. هذه الأفكار لا تستند إلى رؤية إستراتيجية تتجاوز البعد الإنساني السطحي، مما يضعف من جدواها كأداة لتحقيق التغيير.
الذهنية التي تدفع بعض المثقفين التقدميين لدعم الجيش، على الرغم من إدراكهم لاختطافه من قبل الحركة الإسلامية، تعتمد على رؤية مثالية مضللة حول إمكانية استعادة الجيش لصالح الوطن. وصفت هذه الرؤية بأنها "تسويق للوهم"، معتبرًا أن التاريخ والتجارب السابقة، مثل ثورة ديسمبر، أظهرت أن الجيش قد انحاز بشكل واضح لمشروع إسلامي سلطوي، وبالتالي فإن أي محاولة لإعادته إلى "الصف الوطني" في ظل هذه الظروف قد تكون غير واقعية ومحفوفة بالمخاطر.

المفارقة الكبرى في هذه الذهنية هي أنها قد تؤدي في النهاية إلى تعزيز النظام الذي يسعى هؤلاء المثقفون إلى تغييره، مما يضعهم في موقف متناقض بين الطموحات الوطنية والواقع السياسي المتعقد.

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة الدولة الوطنیة أن الجیش

إقرأ أيضاً:

“الإخوان المسلمين” في الأردن تنفي علاقتها بالخلية التي اتهمت بالتآمر على البلاد

#سواليف

أكدت جماعة ” #الإخوان_المسلمين ” في #الأردن، أن الخلية التي تم الإعلان عنها اليوم الثلاثاء، واتهمت بالتآمر على البلاد كان نشطائها يعملون على “خلفية دعم المقاومة، بصورة فردية، ولا علم لجماعة الإخوان المسلمين بها ولا تمت لها بصلة”.

وشددت الجماعة في بيان لها على أنها “التزمت منذ نشأتها قبل ثمانية عقود بالخط الوطني، وظلت متمسكة بنهجها السلمي، ولم تخرج يوماً عن وحدة الصف وثوابت #الموقف_الوطني، بل انحازت على الدوام لأمن الأردن واستقراره”.

وقال البيان “لقد أثبت #الأردنيون على الدوام أنهم قادرون على تجاوز التحديات بالحكمة والرشد والمسؤولية والحوار الوطني، وأن الدولة الأردنية بتماسكها وتعدديتها وانفتاحها، قادرة على احتضان كل رأي حر، والتفاعل مع كل صوت مخلص في إطار من الاحترام المتبادل والشراكة الوطنية الصادقة”.

مقالات ذات صلة مشوقة يسأل عن فرق رسوم الصرف الصحي التي فرضتها مياهنا على المواطن / وثيقة 2025/04/15

وأعاد البيان التأكيد على أن “كل ما تم التطرق إليه خلال المؤتمر الصحفي وما تلاه إعلامياً من مجريات وأحداث وأفعال، هي أعمال فردية، على خلفية #دعم_المقاومة ، لا علم لجماعة الإخوان المسلمين بها ولا تمت لها بصلة”.

وقال وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردني، محمد المومني، الثلاثاء، إن ما جرى على الأرض الأردنية والمرتبط بالمخططات المستهدفة للأمن الوطني التي أحبطتها دائرة المخابرات العامة يعتبر تهديدا مباشرا للأمن الوطني الأردني ولسيادة الدولة الأردنية.

كشفت الحكومة، الثلاثاء، خلال إيجاز صحفي تفاصيل المخططات المستهدفة للأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل الأردن، التي أعلنت دائرة المخابرات العامة إحباطها اليوم.

وقال المومني برده على أسئلة الصحفيين أثناء إيجاز صحفي في رئاسة الوزراء بخصوص ارتباط المخططات بحادث إقليمي بعينه: “مجرد أن هذه الأحداث حدثت على مدى 4 سنوات فهذا يجعل من الصعب تصديق أنها مرتبطة بحادث إقليمي بعينه”.

وأوضح المومني بأنها مرتبطة بمخطط تنظيمي ظلامي لا يرتبط في أحداث بعينها.

وتابع أن الأمر الآخر أن مدى الصواريخ التي من 3-5 كم ويشير بوضوح لاستهداف هذا الظلام للدولة الأردنية والأراضي الأردنية ولسيادة الدولة الأردنية.

“لا نقبل بأي حالة من الأحول أن يكون هناك أي محاولات للمساس بالأمن الوطني الأردني” وفق المومني.

ولدى سؤاله عن الانتماءات السياسية للضالعين بالمخططات أوضح المومني أن هناك انتماءات سياسية للمتهمين، مشيرا إلى أنهم منتسبون لجماعة غير مرخصة ومنحلة بموجب أحكام القانون.

مقالات مشابهة

  • “أمين عام مجلس التعاون” يدين المخططات التي استهدفت أمن واستقرار الأردن
  • بهدف زيادة الحركة التجارية بالسواحل السورية.. تخفيض سعر طن الوقود للسفن التي تؤمها
  • صندوق الوطن يختتم فعاليات “الخلوة الشبابية لرواد الهوية الوطنية”
  • “الإخوان المسلمين” في الأردن تنفي علاقتها بالخلية التي اتهمت بالتآمر على البلاد
  • “إسرائيل” تغرق برسائل الجيش لإيقاف حرب غزة
  • بعد إقرار قانون العمل الجديد.. جبالي: عليكم الفخر بما أُنجزتم لصالح الوطن والمواطن
  • هل يمكن “نزع سلاح المقاومة” بغزة؟.. محللون يجيبون
  • منظمات صحفية فرنسية: الجيش “الإسرائيلي” يفرض تعتيما إعلاميا على غزة
  • ما هي قاعدة “سدوت ميخا” الصهيونية التي استهدفها الصاروخُ “فلسطين2” الفرط صوتي؟
  • توتر ومشاحنات تحت القبة بعد رفض تضمين عبارة “مع مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية”