عربي21:
2024-10-05@11:21:13 GMT

المعارضة التونسية والخيارات الانتخابيةالصعبة

تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT

لا يوحي المشهد السياسي والاجتماعي في تونس بإقبال البلاد يوم 6 أكتوبر 2024 على انتخابات رئاسية رغم انتهاء الحملة الانتخابية. ضمن مسار شابته ولا تزال عدة شوائب تكاد تفرغه من محتواه كعملية انتخابية حسب ما هو متعارف عليه في التجارب الديمقراطية العريقة ووفق المعايير الدولية .

فمن تأخر دعوة الناخبين إلى آخر لحظة وما سبقها من شك حول إجراء الانتخابات من عدمه إلى انطلاق المسار بنشر  الرزنامة وإعلان هيئة الانتخابات إجراءات شروط الترشح  تحت عنوان ملاءمة القانون الانتخابي لسنة 2014 مع القوانين الأعلى منه رغم أن ذلك من صلاحيات الهيئات التشريعية وقد جعلت تلك الإجراءات عملية الترشح أكثر تعقيدا وأخرجتها عن مقصد المشرع من اعتمادها مثل التزكية التي وردت بخلفية التاكد من وجود حد أدنى من المصداقية الشعبية للمترشح رغم تعارضها في الجوهر مع مبدأ حق الترشح كحق أساسي من حقوق المواطنة فتحولت إلى سيف مسلط على رقاب المترشحين.



وبعد كل ما  حصل من  لغط وجدل حول الإجراءات تم فتح باب الترشح والانطلاق في إعداد الملفات التي هيمنت عليها إشكالية الحصول على بطاقة السوابق العدلية المعروفة بالبطاقة عدد 3 والتي يتم الحصول عليها في الأصل بإجراءات إدارية بسيطة حضوريا أو عن بعد إلا أن ذلك لم يحصل وحصلت تعطيلات غير معقولة وغير مبررة لكل المترشحين الذين واجهوا أيضا إشكالية التزكيات التي لم يكن متاحا لهم منها سوى الشعبية وما صاحبها من تعقيد متعلق بتغير الوحدة الجغرافية للدائرة من الولاية إلى المعتمدية والإبقاء على العدد الأدنى المعتمد في الولاية 500 تزكية دون ملاءمته مع الوحدة الجديدة التي حصرتها الهيئة في المعتمدية، هذا إلى جانب ما تعلق بتوزيع التزكيات على الدوائر ثم ما صاحب تقديم مطالب الترشح من تشدد من الهيئة في علاقة خاصة بالتزكيات تحت عنوان التثبت والتدقيق الذي أسقط نصف ملفات المترشحين تقريبا الذين عجزوا عن جمع التزكيات أما من تمكن من ذلك فقد وجد صعوبات عند التدقيق أدى بملفه إلى الرفض.. ولم تعلن الهيئة سوى عن ثلاثة مطالب مقبولة قبولا أوليا أيدته المحكمة الادارية في الأحكام الابتدائية لدوائرها ثم حصلت المفاجأة في الطور الاستئنافي للنزاع الانتخابي بين الهيئة والمترشحين المرفوضة مطالبهم ابتدائيا بإصدار الجلسة العامة للمحكمة الإدارية التي تضم 27 قاضيا حكمها البات والنهائي بإبطال قرارات هيئة الانتخابات والأحكام الابتدئية لدوائرها  وتمكين ثلاثة مترشحين من حقهم في الترشح ودعوة الهيئة لإدراجهم في القائمة الرسمة النهائية إلا أن الهيئة رفضت ذلك بمبررات غير مقنعة مثل وصول مضمون الحكم متأخرا وغيرها وأصرت على ذلك ورغم تأكيد المحكمة لأحكامها بقرارت توضيحية اعتبرت أن عدم إدراج أسماء المترشحين وفق قرارها من شأنه أن يؤدي إلى بطلان كامل المسار.

فإن هيئة الانتخابات قد أصرت على موقفها بقبول ثلاثة مطالب فقط أحدهم  العياشي زمال ورغم إعلانه مرشحا نهائيا فقد أصبح محل تتبع في عشرات القضايا بلغ عددها 35 قضية حسب محاميه عبد الستار المسعودي بتهم تزوير التزكيات حيث صدرت إلى الآن في شأنه عدة أحكام ابتدائية بلغت أكثر من 12 سنة سجنا ومنع من التصويت.

إرادة التغيير هي الأخرى أمام خيارات انتخابية صعبة ناتجة بالأساس عن حالة التشرذم والتشتت التي انتهى إليها المنتظم السياسي بكل مكوناته من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني عجزت على أن تلتقي فيما بينها على برنامج حد أدنى ديمقراطي بل إن أغلبها لا يزال في غيه الاستئصالي الإقصائي يعمه ولم يستوعب الدرس بعد.ولم يقع الاكتفاء بعرقلة المترشحين بل تم التوجه لتغيير القانون الانتخابي أثناء المرحلة الأخيرة من الحملة الانتخاية بتقديم مشروع تعديل للقانون الانتخابي يتم بموجبه سحب صلاحية النظر في النزاعات الانتخابية من المحكمة الإدارية وإحالتها للقضاء العدلي خوفا من إصدارها لحكم بإبطال المسار الانتخابي.

 ورغم الاعتراضات والنداءات والمطالبات من الشخصيات السياسية والقانونية ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات بالتراجع فقد تمت المصادقة على التعديل وإمضائه وإصداره بالرائد الرسمي فور التصويت عليه.

واضح أن المسار الانتخابي الحالي تتجاذبه إرادتان الأولى مع استمرارية سلطة 25 تموز / يوليو ومنظومته وتستعمل كل الوسائل من أجل ذلك، والثانية مع إحداث تغيير سياسي بالصندوق يتجاوز 25 تموز / يوليو ولكن دون العودة إلى ما قبله خاصة في ظل ما آلت إليه الأوضاع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفي ظل غياب الرؤية.

إلا أن إرادة التغيير هي الأخرى أمام خيارات انتخابية صعبة ناتجة بالأساس عن حالة التشرذم والتشتت التي انتهى إليها المنتظم السياسي بكل مكوناته من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني عجزت على أن تلتقي فيما بينها على برنامج حد أدنى ديمقراطي بل إن أغلبها لا يزال في غيه الاستئصالي الإقصائي يعمه ولم يستوعب الدرس بعد.

وهي ناتجة أيضا عما حصل في المسار من تجاوزات وإخلالات جعلت مصداقية العملية الانتخابية ونتائجها في الميزان الأمر الذي سيزيد أزمة البلاد تفاقما وتعقيدا بدل أن يكون فرصة لتجاوزها.

لقد أصبح المشهد المعارض اليوم منقسما بين خياري المشاركة أو المقاطعة أو البين بين أي حالة اللاموقف .

وكل له حججه واعتباراته حيث يرى دعاة المشاركة بالتصويت بكثافة رغم ما على المسار من تحفظات وذلك  لأحد خياري التغيير وبالأساس للمرشح رقم واحد العياشي زمال الذي قدم رؤية مستقبلية لتونس لاقت ترحيبا من الجميع، وذلك لأن المشاركة في رأيهم هي الأصل وهي ممارسة نضالية إن لم تحقق التغيير بالصندوق فإنها تمهد له بالضغط والإحراج وإقامة الحجة ودليل وجاهة ذلك بالنسبة لهم  ما حصل في كل مراحل المسار الانتخابي، فمن غير المناسب التخلي عنه في ختامه.. وهو سلوك اعتمدته كثير من المعارضات في مثل هذه الحالات في بلدان أخرى وأثبت نجاعته. والقول بأن المشاركة ستعطي شرعية للعملية لا معنى له لأن الشرعية تحصل بقبول المتنافسين بالنتائج واعتراف المنتظم السياسي الوطني والمجتمع الدولي بنزاهتها.

أما دعاة المقاطعة فإنهم يرون أن شروط نزاهة العملية الانتخابية غير متوفرة والمشاركة فيها تعتبر نوعا من التبييض لها والإقرار بنتائجها وشرعنة ما ستفضي إليه.

أما موقف المراوحة بينهما الذي يكتفي بنقد المسار الانتخابي وما حصل فيه من تجاوزات وإخلالات وينبه لمخاطر الاستمرار فيه بنفس السلوك فهو في الحقيقة اللاموقف وربما يتحسب أصحابه إلى ما بعد الانتخابات وهو نوع من العجز والهروب من المسؤولية السياسية.

لذلك فإن الترجيح بين هذه الخيارت يجب أن يضع في اعتباره أولوية المصلحة الوطنية وأن يستند إلى المعايير التالية :

1 ـ قدرة الخيار على تحقيق هدف التغيير أو في الحد الأدني الاقتراب منه .
2 ـ قدرة الخيار على فتح آفاق سياسية وميدانية لما بعد الانتخابات .
3 ـ قدرة الخيار على تحقيق نسبة معقولة من تعبئة الرأي العام وتحفيزه و امكانية بناء أرضية نضالية مشتركة مستقبلا  .

من هذا المنطلق فإن خيار المشاركة على علاته هو الأرجح والأقرب للنجاعة والفاعية في المرحلة القادمة.

* كاتب وناشط سياسي تونسي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تونس انتخابات الرأي تونس انتخابات رأي رئاسيات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المسار الانتخابی

إقرأ أيضاً:

العياشي الزمال أو المترشح الرئاسي المُشكل

قبل أيام معدودات من توجه التونسيين إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم، يبدو أن التنافس في هذا الاستحقاق الانتخابي سينحصر بين مترشحين من المترشحين الثلاثة الذين قبلتهم هيئة الانتخابات منذ البداية، ألا وهما الرئيس المنتهية ولايته السيد قيس سعيد والسيد العياشي الزمال. فبعد أن رفضت هيئة الانتخابات إرجاع ثلاثة مترشحين قضت المحكمة الإدارية بردهم إلى السباق الرئاسي (في مخالفة غير مسبوقة من الهيئة لكل مواقفها السابقة منذ المرحلة التأسيسية)، يبدو أن القاعدة الانتخابية للسيد زهير المغزاوي لن تتعدى القاعدة ذات التوجه القومي، أي لن تتعدى واقعيا جزءا من القاعدة الانتخابية التي كانت موالية للرئيس ولـ"تصحيح المسار" إلى وقت قريب. وهو ما يجعلنا نعتبر السيد المغزاوي مجرد ديكور انتخابي -مثل حزبه تماما- ولا أمل له في تجاوز الدور الأول ولا قدرة له على منافسة المترشحين الآخرين.

بحكم الماضي المعلوم للسيد المغزاوي في التمهيد لـ"تصحيح المسار" وشرعنة خارطة طريقه (مشاركة حزبه في الاستفتاء الدستوري وفي انتخاب البرلمان بغرفتيه.. الخ)، وبحكم موقفه النقدي الثابت لما يسميها بـ"عشرية الخراب"، رغم أنه كان من أكبر الفاعلين فيها والمستفيدين سياسيا منها، وبحكم أنه المترشح الأوحد الذي لم يتعرض لمضايقات أمنية وقضائية تتصل بجمع التزكيات والرشاوى، فإن الرأي العام لا يكاد يميّز بينه وبين الرئيس رغم وعوده الانتخابية. ونحن نستبعد أن تتسع القاعدة الانتخابية للسيد المغزاوي لتشمل فئات غير مساندة لـ"تصحيح المسار"، سواء بصفة كلية أو بصفة نقدية.

هذا المترشح كان مواطنا مستقرا في عهد المخلوع، ولا نعلم له أي نشاط سياسي معارض. أما بعد الثورة فقد التحق بحزب "تحيا تونس" وكان رئيسا لقائمته في ولاية/محافظة سليانة، كما كان عنصرا فاعلا في الحملة الرئاسية للمترشح يوسف الشاهد سنة 2019. وكان السيد الزمال من النواب الذين دعوا إلى سحب الثقة من رئيس مجلس النواب السيد راشد الغنوشي و"فتح قنوات تواصل مع رئيس الجمهورية"، وكان جزءا من الكتل البرلمانية التي سمّمت الحياة النيابية ومهدت للانقلاب
ولعلّ أكبر دليل على نوعية الداعمين الجدد للسيد المغزاوي هو القيادي في حملته السيد محمد عبو. فهذه الشخصية السياسية التي كانت الشخصية الأهم في حزب التيار الديمقراطي (وهو حزب أصدر مكتبه السياسي بيانا يعلن فيه عدم اعترافه بشرعية الانتخابات وبنتائجها)، لم تعد تمثل إلا نفسها ولا تعكس إلا تاريخها في التمهيد لتصحيح المسار ومساندته، إلى حين ظهور الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 أيلول/ سبتمبر 2021 والمتعلق بالتدابير الاستثنائية.

فهذا الأمر الرئاسي كان نقطة الفراق بين الرئيس وبين العديد من مكونات الموالاة النقدية، ولكنه لم يكن مناسبة لتغيير الموقف من شرعية "إجراءات" 25 تموز/ يوليو 2021 ولا سببا في مراجعة الموقف من "العشرية السوداء"، خاصة الموقف المؤدلج الذي يختزل "العشرية" و"الفساد" في حركة النهضة دون غيرها من الفاعلين الكبار في إدارة تلك المرحلة، بمن فيهم أولئك المتحولون إلى دعم الرئيس الحالي أو المحافظين على مسافة نقدية منه.

ونحن نعتبر أن موقف السيدين المغزاوي وعبّو -مواجهة الرئيس في الانتخابات- هو مجرد صراع داخلي في سردية "تصحيح المسار"، أو بالأحرى في كيفية إدارته بصورة "تشاركية"، ولا يعكس الخلاف الحالي أي مراجعات جذرية سواء من جهة "شرعية الإجراءات" أو من جهة "لا شرعية العشرية السوداء". وهو موقف لا يسمح بتوسيع القاعدة الانتخابية للمترشح المغزاوي لتشمل خصوم الرئيس في المعارضة الراديكالية، مما يجعل من سقوطه في الدور الأول أمرا مفروغا منه.

عندما استعملنا كلمة "المترشح المُشكل" في العنوان للحديث عن السيد العياشي الزمال، فإننا نعني بـ"المُشكل" الإشكال والالتباس وعدم القدرة على رفع التنازع بين المختلفين بصورة يقينية، ونعني كذلك "الخطر الافتراضي" على حظوظ الرئيس، أي المشكل الحقيقي الذي يواجهه النظام الحالي بقبول هيئة الانتخابات ملف هذا المترشح بصورة نهائية. فهذا المترشح كان مواطنا مستقرا في عهد المخلوع، ولا نعلم له أي نشاط سياسي معارض. أما بعد الثورة فقد التحق بحزب "تحيا تونس" وكان رئيسا لقائمته في ولاية/محافظة سليانة، كما كان عنصرا فاعلا في الحملة الرئاسية للمترشح يوسف الشاهد سنة 2019.

وكان السيد الزمال من النواب الذين دعوا إلى سحب الثقة من رئيس مجلس النواب السيد راشد الغنوشي و"فتح قنوات تواصل مع رئيس الجمهورية"، وكان جزءا من الكتل البرلمانية التي سمّمت الحياة النيابية ومهدت للانقلاب على الديمقراطية التمثيلية. ولذلك كان من الطبيعي أن يساند إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021 ويؤسّس حركة لدعمه باسم "عازمون". وإذا ما اعتمدنا على ما تقدم فإننا لا نجد أية فروق جوهرية بين مسار هذا المترشح وبين مسار السيد المغزاوي، فما الذي يجعل منه مترشحا "مُشكلا" بالمعنيين الواردين أعلاه؟

يرتبط "الإشكال" الأول بالسيرة الذاتية لهذا المترشح، فهو "رجل أعمال" يعارض بسلوكه الحالي قاعدة أن "رأس المال جبان". وهو أيضا "إنسان مستقر" لا علاقة له بـ"النضال" إلا داخل أجهزة الحكم في تحيا تونس وفي البرلمان، فما الذي يدفعه إلى الانقلاب على ذاته وعلى التحول إلى رمز من رموز الثبات وعدم التراجع رغم كل القضايا الانتخابية المنشورة ضده، بل رغم صدور بعض الأحكام الابتدائية القاسية ضده؟

نحن أمام معطى سياسي مهم يجعلنا لا نطمئن لأي تفسير "شعاراتي" يسعى إلى التأثير في الناخب نفسيا أو وجدانيا، ذلك أن رموز الحملة الانتخابية للسيد الزمال ينتمون إلى سرديات سياسية لا علاقة لها بالديمقراطية أو بالمصالحة الوطنية والاعتراف المبدئي بـ"المختلف الجذري"، خاصة حركة النهضة وائتلاف الكرامة
أما الإشكال الثاني فيتعلق بموقف مراكز القوى في المنظومة من هذا المترشح، ذلك أن قبول هيئة الانتخابات بترشحه وإبقائه رغم كل القضايا المتعلقة به، هو أمر ملتبس إذا ما استحضرنا موقف السلطة التنفيذية منه، أي موقف المركز السلطوي الداعم لبقاء الرئيس الحالي وحرصه على منع السيد الزمال من القيام بحملته الانتخابية. ورغم ميل العديد من التونسيين إلى تفسير هذا السلوك "النضالي" الجديد بوطنية السيد الزمال أو بمفهوم أخلاقي يتعلق بـ"الرجولة"، فإننا نعتبر أن الاكتفاء بهاتين العلتين لا يُفسّر شيئا.

فنحن أمام معطى سياسي مهم يجعلنا لا نطمئن لأي تفسير "شعاراتي" يسعى إلى التأثير في الناخب نفسيا أو وجدانيا، ذلك أن رموز الحملة الانتخابية للسيد الزمال ينتمون إلى سرديات سياسية لا علاقة لها بالديمقراطية أو بالمصالحة الوطنية والاعتراف المبدئي بـ"المختلف الجذري"، خاصة حركة النهضة وائتلاف الكرامة. كما أن أولئك الرموز معروفون بـ"براغماتيتهم"، وبعلاقاتهم المشبوهة بالمنظومة القديمة، وهو ما يجعل من مقاربة الإصرار على الترشح بمفاهيم "أخلاقية" أمرا غير موفّق.

بحكم غياب أي مصدر موثوق لمعرفة نوايا التصويت، فإنه لا مهرب من الاعتماد على إحصائيات "عفوية" تقوم على استقراء مواقف الناخبين داخل الفضاءات العمومية وفي مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم وعينا بالقيمة العلمية المحدودة لمثل هذه القراءة، فإننا نلاحظ أن جزءا معتبرا من قواعد المعارضة الجذرية يعتبر أن السيد الزمال هو الفرصة الأخيرة لغلق قوسي "تصحيح المسار". ولن ينفع هنا تذكير هؤلاء بـ"تمرّد" هيئة الانتخابات على أحكام القضاء الإداري، ولن ينفع أيضا تذكيرهم بتحويل التنازع الانتخابي إلى القضاء العدلي (محكمة الاستئناف بتونس) بدل المحكمة الإدارية، ولن ينفع أخيرا تذكيرهم بماضي هذا المترشح وعلاقته بـ"تصحيح المسار" ولا تذكيرهم بمسارات العديد من قيادات حملته الانتخابية (خاصة علاقتهم بـ"الوطد" باعتباره الذراع الإيديولوجية الأهم للدولة العميقة).

نعتبر دعم الزمال أو غيره ضربا من التعويض على ذلك العجز، بل ضربا من التغطية عليه. وإذا ما واصل العقل السياسي للمعارضة بمختلف تشكيلاتها إدارة الأزمة -وإدارة خلافاتها البينية- بالمنطق ذاته، فإننا لا نستبعد نجاح الرئيس الحالي في البقاء في السلطة حتى بعد عهدته الرئاسية القادمة (باعتبار "تصحيح المسار" بديلا شاملا لا يقبل التشاركية، وباعتبار الدستور مجرد نص فوقي تحكمه موازين القوى
فالرغبة في إنهاء "تصحيح المسار" أصبحت خيارا أقرب إلى "الخيار الإيماني" في الحد الأدنى أو "الخيار الاستراتيجي" في الحد الأقصى (تهرئة شرعية السلطة وتحسين صورة المعارضة أمام الرأي العام الداخلي وأمام القوى الخارجية)؛ منها إلى "الخيار العقلاني" القائم على وجود إمكانية للفوز في هذه الانتخابات.

ختاما، فإن توسع القاعدة الانتخابية للسيد الزمال (وهي في الأساس قاعدة تنتمي إلى المنظومة القديمة) لا يمكن أن يغير من نتائج الانتخابات شيئا. فالسلطة تمتلك كل مفاتيح العملية الانتخابية (هيئة الانتخابات، الإعلام العمومي وأغلب منابر الإعلام الخاص، الهيئة التحكيمية في القضاء العدلي)، وهو ما يجعل من إمكانية حصول مفاجأة أمرا مستبعدا. ولذلك فإننا نعتبر أن محاولة إنهاء "تصحيح المسار" من داخل قوانين اللعبة التي وضعها على مقاسه هو خيار "لا عقلاني" من الناحية السياسية. إنه خيار يعكس العجز البنيوي من مكونات المعارضة وأجسامها الوسيطة على التوحد ضمن مشروع جامع، يتجاوز جدليا عشرية الانتقال الديمقراطي وتصحيح المسار على حد سواء.

ولذلك، فإننا نعتبر دعم الزمال أو غيره ضربا من التعويض على ذلك العجز، بل ضربا من التغطية عليه. وإذا ما واصل العقل السياسي للمعارضة بمختلف تشكيلاتها إدارة الأزمة -وإدارة خلافاتها البينية- بالمنطق ذاته، فإننا لا نستبعد نجاح الرئيس الحالي في البقاء في السلطة حتى بعد عهدته الرئاسية القادمة (باعتبار "تصحيح المسار" بديلا شاملا لا يقبل التشاركية، وباعتبار الدستور مجرد نص فوقي تحكمه موازين القوى دون غيرها من التعهدات أو التوافقات، وباعتبار القوانين الانتخابية أيضا مجرد ترسانة تشريعية يمكن تغييرها في أي وقت تبعا للمصلحة "الوطنية"، أي تبعا لمصلحة النظام كما حصل مؤخرا). وهو طرح نعلم جيدا أنه لن يعجب الكثير من "الحالمين"، أي لن يعجب أولئك "الفاعلين الاجتماعيين" الذين ما زالوا يُصرّون -رغم كل الخيبات- على التفكير بمنطق الرغبة لا بمنطق الواقع.

x.com/adel_arabi21

مقالات مشابهة

  • التفاصيل الكاملة حول الانتخابات الرئاسية التونسية
  • المعارضة التونسية والخيارات الانتخابية الصعبة
  • تونس تبدأ اليوم مرحلة الصمت الانتخابي عشية انطلاق الانتخابات الرئاسية بالداخل
  • شلقم: يوم الأحد القادم تجري الانتخابات التونسية وتهانينا للرئيس قيس سعيد
  • العياشي الزمال أو المترشح الرئاسي المُشكل
  • فتح باب الترشح لانتخابات التجديد النصفي بنقابة الصحفيين بالإسكندرية 7 أكتوبر
  • ورشة تدريبية لتعزيز حماية المسار الانتخابي من المخاطر الرقمية
  • “مفوضية الانتخابات” تطلق ورشة تدريبية لتعزيز حماية المسار الانتخابي من المخاطر الرقمية
  • النهضة التونسية: موقفنا من المشاركة في الرئاسيات مرتبط بمقاومة الانقلاب