لماذا يدعم بعض الوطنيين الجيش المختطف بواسطة مليشيا الحركة الإسلامية؟ وما مدى مصداقية هذه الحجج في الواقع؟
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
في سياق الصراع السياسي والاجتماعي المعقد في السودان، نجد أن العديد من الوطنيين لا يزالون يدعمون الجيش، على الرغم من اختطافه الواضح من قِبل مليشيا الحركة الإسلامية. هذه المفارقة السياسية تثير تساؤلات عميقة حول دوافع هذا الدعم ومدى مصداقيته في ظل الواقع الحالي. لفهم هذه الظاهرة، من الضروري أن نلقي نظرة متأنية على الحجج التي يسوقها هؤلاء الوطنيون لتبرير موقفهم، وتحليلها من منظور نقدي لتقييم مدى صمودها أمام التحديات السياسية والاجتماعية في البلاد.
الحجج الرئيسية لدعم الجيش المختطف:
1. رؤية الجيش كمؤسسة وطنية: يعتقد البعض أن الجيش، رغم اختطافه من قبل الحركة الإسلامية، لا يزال يمثل مؤسسة وطنية يمكن الحفاظ عليها وتحريرها من الداخل. يدافع هؤلاء عن فكرة أن الجيش السوداني كان، عبر التاريخ، مؤسسة وطنية ذات دور أساسي في حماية البلاد ووحدتها. هذا الدعم ينبع من الرغبة في الحفاظ على هذه المؤسسة كإرث وطني يمكن إعادة تأهيله وتوجيهه نحو مسار يخدم المصلحة الوطنية.
2. الخوف من انهيار الدولة: يرى بعض الوطنيين أن الجيش، برغم كل عيوبه الحالية، هو آخر خط دفاع أمام انهيار الدولة السودانية بالكامل. تطرح هذه الحجة أن أي تفكك أو إضعاف للجيش قد يؤدي إلى انهيار كامل للدولة، على غرار ما حدث في دول أخرى كليبيا واليمن. بالتالي، يُفضل هؤلاء دعم الجيش على أمل الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار ومنع الفوضى أو تقسيم البلاد.
3. العداء للقوى المعارضة الأخرى: بعض الوطنيين لديهم عداء تاريخي مع القوى السياسية الأخرى المعارضة، مثل قوى الحرية والتغيير أو الحركات المسلحة. بالنسبة لهم، هذه القوى لا تقدم بديلاً وطنياً حقيقياً، بل يسعى بعضها إلى مكاسب سياسية أو شخصية على حساب الدولة. لذا، يتمسك هؤلاء بالجيش، حتى وهو مختطف، باعتباره المؤسسة التي يمكن أن تضمن توازناً في مواجهة هذه القوى.
4. الاعتقاد بإمكانية استعادة الجيش: يرى البعض أن الجيش السوداني، رغم سيطرة الإسلاميين عليه، يمكن تحريره واستعادته كمؤسسة وطنية إذا تلقى الدعم الكافي من الوطنيين. يُبنى هذا الاعتقاد على أمثلة تاريخية تشير إلى أن بعض الجيوش، التي اختُطفت في سياقات سياسية معينة، تمكنت لاحقاً من التخلص من هذا الاختطاف واستعادة دورها الوطني.
5. الحفاظ على وحدة البلاد: في نظر العديد من الوطنيين، يظل الجيش هو القوة الأساسية التي يمكنها ضمان وحدة البلاد. يعتقدون أن الجيش، حتى تحت السيطرة الحالية، يمثل عامل توازن يمنع تفكك السودان إلى كيانات صغيرة، وهو سيناريو يُخشى تكراره بعد تجربة انفصال جنوب السودان.
6. الضغط الإقليمي والدولي: يرتبط الجيش السوداني بقوى إقليمية ودولية توفر له الدعم المادي والسياسي. بعض الوطنيين يرون أن الحفاظ على علاقات جيدة مع هذه القوى من خلال دعم الجيش هو ضرورة استراتيجية، خصوصاً في ظل توازنات إقليمية معقدة يمكن أن تضع السودان في موقف ضعيف إذا ما سقط الجيش.
تحليل مدى مصداقية هذه الحجج في الواقع:
عند النظر في هذه الحجج من منظور نقدي، نجد أن مصداقيتها تتفاوت بشكل كبير في ظل الواقع السوداني المعقد:
1. رؤية الجيش كمؤسسة وطنية: هذه الحجة، رغم قوتها التاريخية، أصبحت تفتقر إلى المصداقية في السياق الحالي. اختطاف الجيش بواسطة الحركة الإسلامية منذ انقلاب 1989 حوّله من مؤسسة وطنية إلى أداة سياسية تعمل وفق أجندات ضيقة. الأدوار التي لعبها الجيش خلال العقود الماضية، سواء في قمع الانتفاضات الشعبية أو في التواطؤ مع الأنظمة الشمولية، جعلته بعيداً عن طموحات الشعب السوداني، مما يضعف من حجية هذه الرؤية بشكل كبير.
2. الخوف من انهيار الدولة: الخوف من انهيار الدولة قد يكون مبرراً، لكن الجيش في شكله الحالي لم يمنع حدوث الفوضى، بل في كثير من الأحيان كان جزءاً من المشكلة. دوره في تأجيج الصراعات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان يُظهر أن وجود الجيش في هذا الشكل لم يكن ضمانة للاستقرار، بل على العكس، كان عاملاً مساهماً في عدم الاستقرار.
3. العداء للقوى المعارضة الأخرى: دعم الجيش بسبب العداء للقوى المعارضة الأخرى يعكس استقطاباً سياسياً حاداً، لكن هذا الدعم غالباً ما يكون قصير الأمد ويؤدي إلى تعميق الأزمة. الجيش، في حالته الراهنة، لا يمكن أن يكون بديلاً لأي قوى سياسية ديمقراطية، وأي دعم له على هذا الأساس يُعتبر هروباً من مواجهة التحديات الحقيقية التي تتطلب حواراً وطنياً شاملاً.
4. الاعتقاد بإمكانية استعادة الجيش: استعادة الجيش كمؤسسة وطنية يُعد من الناحية النظرية خياراً محتملاً، لكنه بعيد عن الواقع. تجربة العقود الثلاثة الماضية أظهرت أن الجيش السوداني لم يتمكن من التخلص من قبضة الإسلاميين، بل أصبح أكثر ارتباطاً بهم مع مرور الوقت. أي محاولة لتحرير الجيش دون تغييرات جذرية في هيكلته ستكون محكومة بالفشل، مما يجعل هذه الحجة ضعيفة من الناحية العملية.
5. الحفاظ على وحدة البلاد: الجيش، في حالته الحالية، لم ينجح في الحفاظ على وحدة البلاد، بل كان جزءاً من عوامل تأجيج الصراعات والانقسامات الداخلية. انفصال جنوب السودان مثال حي على أن الجيش السوداني، حتى وهو في أوج قوته، لم يتمكن من منع تقسيم البلاد، مما يشكك في قدرة الجيش الراهن على الحفاظ على وحدة ما تبقى من السودان.
6. الضغط الإقليمي والدولي: دعم الجيش من قِبل قوى إقليمية ودولية يُبنى على مصالح تلك القوى وليس على مصلحة السودان. أي اعتماد على هذا الدعم يجعل الجيش أداة لتحقيق أهداف خارجية وليس لتحقيق الاستقرار الداخلي، مما يُضعف من مصداقية هذا المبرر ويجعله رهيناً للتوازنات الإقليمية التي قد تتغير في أي لحظة.
يمكن القول إن دعم بعض الوطنيين للجيش، رغم اختطافه من قبل الحركة الإسلامية، يعكس حالة من التخبط السياسي والاستقطاب الحاد في السودان. الحجج التي يسوقها هؤلاء لدعم الجيش تفتقر في مجملها إلى المصداقية والواقعية، حيث أن الجيش لم يعد مؤسسة وطنية تمثل الشعب السوداني، بل تحول إلى أداة بيد قوى سياسية ضيقة. استمرار هذا الدعم سيعزز من حالة الجمود السياسي ويزيد من تعقيد الأزمة، مما يتطلب مراجعة شاملة للمواقف الوطنية تجاه الجيش في سياقه الراهن، والتركيز على إيجاد حل شامل ينهي حالة اختطاف الدولة بواسطة قوى سياسية وعسكرية تعمل ضد تطلعات الشعب السوداني.
hishamosman315@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أن الجیش السودانی الحرکة الإسلامیة الحفاظ على وحدة انهیار الدولة مؤسسة وطنیة وحدة البلاد دعم الجیش هذا الدعم
إقرأ أيضاً:
قائد الجيش: لبنان يحمي الطوائف وليست الطوائف هي التي تحميه
التقى قائد الجيش العماد جوزاف عون تلامذة ضباط السنة الأولى في الكلية الحربية بحضور قائد الكلية والمدربين، وتوجّه إليهم بكلمة هنّأهم فيها على نجاحهم في مباراة الدخول إلى الكلية نتيجة جهدهم وتصميمهم، وانضمامهم إلى مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء. وقال العماد عون في كلمته: "اتخذتم قرار الدخول إلى الكلية الحربية عن إيمان واقتناع، ما يحمّلكم مسؤولية كبيرة بخاصة في هذه الظروف الصعبة. ستبقى المؤسسة إلى جانبكم لمساندتكم بجميع إمكاناتها". وأضاف: "لا تعبؤوا بالشائعات الهادفة إلى النيل من الجيش، فهو من المؤسسات القليلة التي لا تزال صامدة، وهو صخرة لبنان وأحد أهم عوامل استمراره. ابذلوا قصارى جهدكم لأن مساركم في الكلية الحربية صعب، لكنه ليس مستحيلًا، وهو ضروري لبناء مستقبلكم". وتابع: "نفتخر بكم لأنكم تمثلون مستقبل الجيش والوطن، وتذكّروا أن الجيوش تبنى لأوقات الشدائد، وأن التضحية قدرُنا حتى الشهادة إذا دعانا الواجب. ليَكن حزبكم لبنان وطائفتكم البزة العسكرية. لبنان يحمي الطوائف وليست الطوائف هي التي تحمي لبنان. بعد ثلاث سنوات ستُقْسمون يمين القيام بالواجب حفاظًا على علم البلاد وذودًا عن الوطن، فابقوا أوفياء للقسم". ولفت إلى أن هناك ثلاثة يقسمون اليمين في الدولة اللبنانية، رئيس الجمهورية والقاضي والعسكري، لأن مهمتهم مقدسة". واعتبر العماد عون أن" التلامذة سيشكلون عند تخرجهم عامل قوة للوحدات العسكرية المنتشرة على مساحة لبنان، وسيساهمون في تعزيز أدائها الاحترافي الذي نال ثقة اللبنانيين والدول الصديقة". وختم مهنئًا التلامذة بمناسبة الأعياد المجيدة ومتمنيًا لهم "التوفيق وصولًا إلى التخرج".