في سياق الصراع السياسي والاجتماعي المعقد في السودان، نجد أن العديد من الوطنيين لا يزالون يدعمون الجيش، على الرغم من اختطافه الواضح من قِبل مليشيا الحركة الإسلامية. هذه المفارقة السياسية تثير تساؤلات عميقة حول دوافع هذا الدعم ومدى مصداقيته في ظل الواقع الحالي. لفهم هذه الظاهرة، من الضروري أن نلقي نظرة متأنية على الحجج التي يسوقها هؤلاء الوطنيون لتبرير موقفهم، وتحليلها من منظور نقدي لتقييم مدى صمودها أمام التحديات السياسية والاجتماعية في البلاد.



الحجج الرئيسية لدعم الجيش المختطف:

1. رؤية الجيش كمؤسسة وطنية: يعتقد البعض أن الجيش، رغم اختطافه من قبل الحركة الإسلامية، لا يزال يمثل مؤسسة وطنية يمكن الحفاظ عليها وتحريرها من الداخل. يدافع هؤلاء عن فكرة أن الجيش السوداني كان، عبر التاريخ، مؤسسة وطنية ذات دور أساسي في حماية البلاد ووحدتها. هذا الدعم ينبع من الرغبة في الحفاظ على هذه المؤسسة كإرث وطني يمكن إعادة تأهيله وتوجيهه نحو مسار يخدم المصلحة الوطنية.

2. الخوف من انهيار الدولة: يرى بعض الوطنيين أن الجيش، برغم كل عيوبه الحالية، هو آخر خط دفاع أمام انهيار الدولة السودانية بالكامل. تطرح هذه الحجة أن أي تفكك أو إضعاف للجيش قد يؤدي إلى انهيار كامل للدولة، على غرار ما حدث في دول أخرى كليبيا واليمن. بالتالي، يُفضل هؤلاء دعم الجيش على أمل الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار ومنع الفوضى أو تقسيم البلاد.

3. العداء للقوى المعارضة الأخرى: بعض الوطنيين لديهم عداء تاريخي مع القوى السياسية الأخرى المعارضة، مثل قوى الحرية والتغيير أو الحركات المسلحة. بالنسبة لهم، هذه القوى لا تقدم بديلاً وطنياً حقيقياً، بل يسعى بعضها إلى مكاسب سياسية أو شخصية على حساب الدولة. لذا، يتمسك هؤلاء بالجيش، حتى وهو مختطف، باعتباره المؤسسة التي يمكن أن تضمن توازناً في مواجهة هذه القوى.

4. الاعتقاد بإمكانية استعادة الجيش: يرى البعض أن الجيش السوداني، رغم سيطرة الإسلاميين عليه، يمكن تحريره واستعادته كمؤسسة وطنية إذا تلقى الدعم الكافي من الوطنيين. يُبنى هذا الاعتقاد على أمثلة تاريخية تشير إلى أن بعض الجيوش، التي اختُطفت في سياقات سياسية معينة، تمكنت لاحقاً من التخلص من هذا الاختطاف واستعادة دورها الوطني.

5. الحفاظ على وحدة البلاد: في نظر العديد من الوطنيين، يظل الجيش هو القوة الأساسية التي يمكنها ضمان وحدة البلاد. يعتقدون أن الجيش، حتى تحت السيطرة الحالية، يمثل عامل توازن يمنع تفكك السودان إلى كيانات صغيرة، وهو سيناريو يُخشى تكراره بعد تجربة انفصال جنوب السودان.

6. الضغط الإقليمي والدولي: يرتبط الجيش السوداني بقوى إقليمية ودولية توفر له الدعم المادي والسياسي. بعض الوطنيين يرون أن الحفاظ على علاقات جيدة مع هذه القوى من خلال دعم الجيش هو ضرورة استراتيجية، خصوصاً في ظل توازنات إقليمية معقدة يمكن أن تضع السودان في موقف ضعيف إذا ما سقط الجيش.

تحليل مدى مصداقية هذه الحجج في الواقع:

عند النظر في هذه الحجج من منظور نقدي، نجد أن مصداقيتها تتفاوت بشكل كبير في ظل الواقع السوداني المعقد:

1. رؤية الجيش كمؤسسة وطنية: هذه الحجة، رغم قوتها التاريخية، أصبحت تفتقر إلى المصداقية في السياق الحالي. اختطاف الجيش بواسطة الحركة الإسلامية منذ انقلاب 1989 حوّله من مؤسسة وطنية إلى أداة سياسية تعمل وفق أجندات ضيقة. الأدوار التي لعبها الجيش خلال العقود الماضية، سواء في قمع الانتفاضات الشعبية أو في التواطؤ مع الأنظمة الشمولية، جعلته بعيداً عن طموحات الشعب السوداني، مما يضعف من حجية هذه الرؤية بشكل كبير.

2. الخوف من انهيار الدولة: الخوف من انهيار الدولة قد يكون مبرراً، لكن الجيش في شكله الحالي لم يمنع حدوث الفوضى، بل في كثير من الأحيان كان جزءاً من المشكلة. دوره في تأجيج الصراعات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان يُظهر أن وجود الجيش في هذا الشكل لم يكن ضمانة للاستقرار، بل على العكس، كان عاملاً مساهماً في عدم الاستقرار.

3. العداء للقوى المعارضة الأخرى: دعم الجيش بسبب العداء للقوى المعارضة الأخرى يعكس استقطاباً سياسياً حاداً، لكن هذا الدعم غالباً ما يكون قصير الأمد ويؤدي إلى تعميق الأزمة. الجيش، في حالته الراهنة، لا يمكن أن يكون بديلاً لأي قوى سياسية ديمقراطية، وأي دعم له على هذا الأساس يُعتبر هروباً من مواجهة التحديات الحقيقية التي تتطلب حواراً وطنياً شاملاً.

4. الاعتقاد بإمكانية استعادة الجيش: استعادة الجيش كمؤسسة وطنية يُعد من الناحية النظرية خياراً محتملاً، لكنه بعيد عن الواقع. تجربة العقود الثلاثة الماضية أظهرت أن الجيش السوداني لم يتمكن من التخلص من قبضة الإسلاميين، بل أصبح أكثر ارتباطاً بهم مع مرور الوقت. أي محاولة لتحرير الجيش دون تغييرات جذرية في هيكلته ستكون محكومة بالفشل، مما يجعل هذه الحجة ضعيفة من الناحية العملية.

5. الحفاظ على وحدة البلاد: الجيش، في حالته الحالية، لم ينجح في الحفاظ على وحدة البلاد، بل كان جزءاً من عوامل تأجيج الصراعات والانقسامات الداخلية. انفصال جنوب السودان مثال حي على أن الجيش السوداني، حتى وهو في أوج قوته، لم يتمكن من منع تقسيم البلاد، مما يشكك في قدرة الجيش الراهن على الحفاظ على وحدة ما تبقى من السودان.

6. الضغط الإقليمي والدولي: دعم الجيش من قِبل قوى إقليمية ودولية يُبنى على مصالح تلك القوى وليس على مصلحة السودان. أي اعتماد على هذا الدعم يجعل الجيش أداة لتحقيق أهداف خارجية وليس لتحقيق الاستقرار الداخلي، مما يُضعف من مصداقية هذا المبرر ويجعله رهيناً للتوازنات الإقليمية التي قد تتغير في أي لحظة.

يمكن القول إن دعم بعض الوطنيين للجيش، رغم اختطافه من قبل الحركة الإسلامية، يعكس حالة من التخبط السياسي والاستقطاب الحاد في السودان. الحجج التي يسوقها هؤلاء لدعم الجيش تفتقر في مجملها إلى المصداقية والواقعية، حيث أن الجيش لم يعد مؤسسة وطنية تمثل الشعب السوداني، بل تحول إلى أداة بيد قوى سياسية ضيقة. استمرار هذا الدعم سيعزز من حالة الجمود السياسي ويزيد من تعقيد الأزمة، مما يتطلب مراجعة شاملة للمواقف الوطنية تجاه الجيش في سياقه الراهن، والتركيز على إيجاد حل شامل ينهي حالة اختطاف الدولة بواسطة قوى سياسية وعسكرية تعمل ضد تطلعات الشعب السوداني.

hishamosman315@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أن الجیش السودانی الحرکة الإسلامیة الحفاظ على وحدة انهیار الدولة مؤسسة وطنیة وحدة البلاد دعم الجیش هذا الدعم

إقرأ أيضاً:

قيادي في حماس: إبعاد الحركة عن غزة وهم لن يتحقق

سرايا - أكد القيادي في حماس عزت الرشق، الخميس، أن إبعاد الحركة أو قادتها من قطاع غزة "وهم إسرائيلي" لن يتحقق.

جاء ذلك تعقيبا على تقارير بشأن إمكانية مغادرة قادة حماس غزة ضمن صفقة وقف لإطلاق النار في القطاع وتبادل الأسرى مع إسرائيل.

وقال الرشق عبر حسابه على منصة تلغرام: "لا أعلق عادة على الشائعات السخيفة التي تنشرها بعض وسائل الإعلام".

وأضاف: "حماس موجودة في فلسطين، تقاتل العدو الذي يحتل فلسطين".

وشدد على أن "إبعاد حماس أو قادتها من غزة هو حلم ووهم إسرائيلي لن يتحقق"، مشيرا إلى أن "المنطق يقتضي أن يرحل المحتل ويبقى أهل الأرض وسكانها الأصليون".

وفي وقت سابق الخميس، نقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية عن مصدر وصفته بالمطلع دون تحديد هويته، قوله: "هناك أفكار جديدة متداولة لوقف إطلاق النار، تقضي بخروج قادة حركة حماس وجميع مقاتليها بشكل آمن من غزة إلى السودان".

وأضاف المصدر أن "إحدى الأفكار تقترح انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، وإتمام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، على أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، مقابل خروج حماس عبر معبر رفح إلى مصر، وبعدها إلى السودان حيث ستحصل على مكاسب مالية وسياسية".

وأشار إلى أن "هذا المقترح لاقى استحسانا لدى الأطراف المعنية بوقف الحرب، التي تقترب من نهاية عامها الأول، في مساع لإنجاز صفقة التبادل بين الطرفين"، مبيناً أن "إسرائيل وافقت على المقترح وتم نقله إلى الحركة على يد وسيط خليجي بدعم دولة عربية (لم يحددهما)".


مقالات مشابهة

  • شاهد بالصور.. لماذا تحولت جسور الخرطوم إلى مفتاح للحسم العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؟
  • القيادة المركزية الأمريكية: نفذنا ضربات ضد 15 هدفا في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن
  • ما الذي يدفع مثقفين تقدميين لدعم جيش الحركة الإسلامية ..!!؟؟ محاولات للفهم ..
  • الحركة الاسلامية السودانية وتفكيك الجيش القومي السابق والمؤسسة العسكرية السودانية
  • بعد سيطرة الجيش السوداني عليه.. ماذا تعرف عن جبل مويه بولاية سنار؟
  • الجيش السوداني يتقدم وسط الخرطوم وقوات متحالفة معه تحقق انتصارات بدارفور
  • حماس: إبعاد الحركة عن غزة وهم إسرائيلي لن يتحقق
  • قيادي في حماس: إبعاد الحركة عن غزة وهم لن يتحقق
  • إنهيار مليشيا الدعم السريع في الخرطوم ودارفور