"فورين بوليسي": حرب غزة أبرزت حجم ومحدودية تأثير واشنطن على "إسرائيل"
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
مع قرب حلول الذكرى الأولى لاندلاع الحرب بين "إسرائيل" وحركة "حماس"، وتصاعد الأزمة على جبهة أخرى بين "إسرائيل" وحزب الله، لا يوجد مكان آخر في العالم تظهر فيه مشكلة "حجم ومدى التأثير" التي تواجهها الولايات المتحدة بشكل أكثر وضوحا ومأساوية من منطقة الشرق الأوسط.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" أنه رغم جهودها الدؤوبة، لم تتمكن واشنطن من التفاوض على وقف إطلاق النار لتهدئة الحرب بين "إسرائيل" وحماس، ناهيك عن إنهائها.
ففي حين حاولت واشنطن وأصحاب المصلحة الآخرون المتحالفون الضغط والإقناع، إلا أنهم لم ينجحوا بعد في إعادة تشكيل قناعات صانعي القرار، والمتمثلة في أن استمرار الصراع يحمل فوائد أكبر من التهدئة. (وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن العملية البرية الإسرائيلية في لبنان والضربات الصاروخية الإيرانية على "إسرائيل" تبرز بوضوح عجز الإدارة الأمريكية عن السيطرة على الأحداث في المنطقة).
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن بعض المراقبين ينظرون إلى فشل الولايات المتحدة بغضب أخلاقي في ضوء مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والكارثة الإنسانية التي فرضت على شعب غزة، والبعض الآخر يتساءلون لماذا لم تتمكن أقوى دولة في العالم من بذل المزيد من الجهود لإنهاء الصراع؟.
وترى "فورين بوليسي" أن عجز الولايات المتحدة عن التعاطي مع الأزمة الأكثر تعقيدا في الشرق الأوسط منذ عقود، سواء من خلال القوة أو الدبلوماسية، ليس مفاجئا. فقد لخص مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، وهو واحد من أكثر المحللين ذكاء وعلى دراية واسعة بمنطقة الشرق الأوسط لانخراطه فيها لأربعة عقود، الوضع الحالي في تصريح له خلال شهر يناير الماضي، حينما أكد أنه "لم ير الشرق الأوسط بهذا القدر من التشابك أو الانفجار إلا نادرا".
فالهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر 2023 كان أزمة غير مسبوقة، حيث ترك الولايات المتحدة في دور المتجول في المنطقة، والمقيد بمصالح القوى الأصغر، والمدفوع بمحاولات الدبلوماسية حسنة النية التي لم يكن لديها سوى فرصة ضئيلة للنجاح.
وأوضحت المجلة أن السابع من أكتوبر قدم لإدارة بايدن مهمة مستحيلة حقيقية. فقد أعقبت هجمات "حماس" واحتجاز الرهائن، غارات جوية إسرائيلية عقابية، بدا أنها ركزت على الضرر بدلا من الدقة. وتسبب الغزو الذي أعقب ذلك في مقتل الآلاف من المدنيين.
وترى "فورين بوليسي" أنه خلال معظم فترات العام الماضي، كان نتنياهو والسنوار هما من يسيطرا على مسار الصراع، حيث كانت أهداف "إسرائيل" متطرفة، وهي: تدمير حماس كمنظمة عسكرية وإنهاء سيطرتها على غزة. كما كانت سياسات نتنياهو وقراراته الأمنية محكومة بفكرة ضمان عدم فرار وزرائه المتطرفين من الإئتلاف الحاكم؛ الأمر الذي جعل من المستحيل القيام بأي تخطيط لما بعد الحرب أو تسهيل تدفق مستمر من المساعدات التي تشتد الحاجة إليها في غزة.
بدوره، ركزت أهداف السنوار على استعادة مركزية الحقوق الفلسطينية على الأجندة الدولية والإقليمية؛ وإثبات أن حماس، وليس رئيس السلطة الفلسطينية، هي المسئول عن إنقاذ فلسطين، علاوة على أنه كان يأمل في التحريض على حرب أوسع نطاقا، على حد قول المجلة الأمريكية. لذا، كان التوفيق بين ما يسعى إليه السنوار وما يريده نتنياهو مستحيلا. وبالتالي، فإن مثل هذه الظروف والأوضاع لا تصلح للمفاوضات التي قد تتوسط فيها الولايات المتحدة.
ولفتت المجلة إلى أن أحد أسباب تقلص نفوذ إدارة بايدن في هذا الملف بشكل أكبر هو طبيعة الصراع بين حليف وثيق للولايات المتحدة ومجموعة تعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية بموجب القانون. لذلك، فقد عكس التصريح العاطفي الذي أدلى به بايدن في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر وزيارته المبكرة لإسرائيل، دعمه العميق والراسخ لإسرائيل؛ الأمر الذي لم يترك سوى القليل للضغط على "إسرائيل"، خاصة في ظل تفسير البعض أي صرامة لواشنطن مع "إسرائيل" على أنها ضعف في التعامل مع "حماس".
وانتقلت "فورين بوليسي" للإشارة إلى جانب آخر يحول دون قيام واشنطن بالدور المأمول منها، وهو استغلال نتنياهو، أطول رئيس وزراء في الحكم في تاريخ "إسرائيل" والذي كان لا يثق في الولايات المتحدة لفترة طويلة، سخاء حليفته بصورة أبرزت –وفقا للمجلة- استغلال القوة الصغيرة للقوة الكبيرة، وإظهارها في موقف الضعف والتردد.
وأشارت المجلة إلى أن الرؤساء السابقين لأمريكا كانوا على استعداد لاستخدام الضغط في بعض الأحيان، وهو ما تمثل، على سبيل المثال، في تعليق الرئيس السابق رونالد ريجان تسليم الطائرات المقاتلة المتقدمة بسبب السياسات الإسرائيلية في لبنان، ورفض إدارة جورج بوش الأب ضمانات قروض الإسكان بسبب بناء المستوطنات الإسرائيلية أثناء محاولة واشنطن عقد مؤتمر مدريد للسلام.
وأوضحت المجلة الأمريكية أن ذلك لا يعني أن إدارة بايدن تفتقر إلى النفوذ على "إسرائيل". فالرئيس لديه العديد من الأدوات، مثل تقييد المساعدات العسكرية الأمريكية؛ وتقديم أو دعم قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ينتقد سياساتها في غزة؛ وإظهار استيائه من خلال الانضمام إلى أكثر من 140 دولة - أحدثها أيرلندا وإسبانيا والنرويج - في الاعتراف بدولة فلسطينية، أو الانضمام إلى إجماع دولي تقريبا في الدعوة إلى وقف فوري للأعمال العدائية، والتهديد بالعواقب إذا لم يمتثل أي من الجانبين.
إلا أن بايدن لم يختر حتى الآن أيا من هذه الإجراءات بسبب عدة عوامل، من بينها: الالتزام العاطفي العميق بفكرة أمن "إسرائيل" وشعبها؛ والمشهد السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، حيث برز الحزب الجمهوري باعتباره حزب "إسرائيل التي لا تخطئ". وحتى وإن كان غضب بايدن يظهر ويختفي من وقت لآخر. فإنه باستثناء التأخير في شحن بعض القنابل الثقيلة، لم يترجم هذا الغضب أبدا إلى تغييرات ملموسة أو مستدامة في السياسة، وفقا لما ذكرت المجلة الأمريكية.
ونوهت "فورين بوليسي" إلى أن أي إدارة أمريكية لم تواجه مطلقا موقفا مع حليفها الإسرائيلي مثل ذلك المرتبط بالسابع من أكتوبر، حيث تم النظر إلى طبيعة الصراعات مع حماس وحزب الله من منظور وجودي تقريبا؛ وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي عازما على فعل أي شيء تقريبا للبقاء في السلطة؛ كما أن غياب المسار الدبلوماسي الواقعي إلى جانب وجود رئيس مؤيد لإسرائيل بشكل مطلق، وتزامن ذلك مع عام انتخابي (انتخابات الرئاسة الأمريكية)، كل هذا حد من خيارات الولايات المتحدة ونفوذها (على إسرائيل).
وترى "فورين بوليسي" أنه رغم قوتها العسكرية والسياسية، فإن القوى العظمى ليست دائما عظيمة عندما تتورط في شؤون القوى الأصغر في منطقة تملكها الأخيرة. وعليه، فإن الشرق الأوسط مليء ببقايا القوى العظمى التي اعتقدت خطأ أنها تستطيع فرض إرادتها ومخططاتها وطموحاتها وأحلامها وخطط السلام على القوى الأصغر. ولكن الواقع هو أن هذه المنطقة هي في أغلب الأحيان مكان تذهب إليه الأفكار الأمريكية لتذبل أو تموت. وهذا هو الحال بشكل خاص في الصراعات التي لها تاريخ طويل، حيث تلعب الهوية والصدمة والذاكرة والدين أدوارا مهيمنة.
ومع إحياء ذكرى مرور عام على هجمات السابع من أكتوبر، يتعين على الولايات المتحدة –وفقا للمجلة- أن تتذكر أن تجاهل المنطقة، ناهيك عن تركها، ليس خيارا. فلدى الولايات المتحدة حلفاء وخصوم ومصالح حيوية هناك. كما أن الزعامة الأمريكية مهمة، ولكنها ليست المفتاح. وإن ما يهم أكثر هو وجود زعماء إسرائيليين وفلسطينيين متمكنين من سياستهم، وليسوا أسرى لأيديولوجياتهم، بل ويهتمون بمستقبل شعوبهم وعلى استعداد للتواصل مع بعضهم البعض برؤية لمستقبل مشترك؛ ما سيتيح على الأقل فرصة لخلق مسار أفضل للمضي قدما بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الولايات المتحدة نتنياهو حماس حزب الله إسرائيل المجلة الأمریکیة الولایات المتحدة السابع من أکتوبر الشرق الأوسط فورین بولیسی إلى أن
إقرأ أيضاً:
لغة الضاد.. انتشار عالمي ومحدودية على الإنترنت
“يبلغ عدد الناطقين بها نحو 450 مليون شخص، كما يستخدمها حوالي ملياري مسلم لأداء صلاتهم وشعائرهم” وباعتبارها أحدى أقدم وأهم اللغات في العالم، خصصت الأمم المتحدة 18 ديسمبر من كل عام للاحتفاء باللغة العربية وتاريخها العريق، وهو اليوم الذي اُعتمدت فيه العربية لغة رسمية للأمم المتحدة بموجب قرار تبنته الجمعية العامة عام 1973.
وبمناسبة هذا اليوم، ذكرت الأمم المتحدة على موقعها أنه “رغم انتشار اللغة العربية، وتمتعها بصفة لغة رسمية في حوالي 25 دولة، فمع ذلك، لا يتجاوز المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت باللغة العربية نسبة 3%، ما يحدّ من إمكانية انتفاع ملايين الأشخاص به”.
وأوضحت الأمم المتحدة أن “متحدثي العربية يتوزعون بين المنطقة العربية والعديد المناطق الأخرى المجاورة، مثل تركيا وتشاد ومالي السنغال وإرتيريا”.
وأشارت إلى أن “للعربية أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها. كما أن العربية هي كذلك لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية حيث كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى”.
ولذلك، ذكرت الأمم المتحدة أنها الهدف من تخصيص هذا اليوم هو إذكاء الوعي بتاريخ اللغة العربية وثقافاتها وتطورها على مدار القرون الماضية.
ولذلك تجمع فعالية تُقيمها يونسكو بهذه المناسبة صفوة العلماء والخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي ورواد الثقافة بغرض استكشاف سُبل سد هذه الفجوة الرقمية عن طريق الذكاء الاصطناعي، وتعزيز حضور اللغة العربية على شبكة الإنترنت، ودعم الابتكار وتشجيع الحفاظ على التراث.
تطور عبر القرون
ويرجع اهتمام اليونسكو بالعربية إلى تاريخها العريق وتطورها على مدار قرون عديدة، موضحة أنها انتشرت في المناطق الغربية من طرق الحرير، حيث ساعد التجار والعلماء العرب الذين سافروا على طول طرق الحرير في تعزيز انتشار لغتهم إلى مناطق مختلفة.
وذكرت أن اللغة العربية، التي ظهرت لأول مرة في شمال غرب شبه الجزيرة العربية، هي عضو في عائلة اللغات السامية التي تضم أيضًا العبرية والآرامية. وفي حين أن المظاهر المبكرة والأولية للغة العربية ترجع إلى القرن الثامن قبل الميلاد، فقد تم تعريف اللغة وصقلها على مدى فترة طويلة من الزمن. وحدث قدر كبير من هذا التطور بين القرنين الثالث والسادس الميلاديين، مع إضافات أخرى إلى النص في القرن السابع الميلادي عندما تمت إضافة علامات مساعدة إلى الحروف لتجنب الغموض حول كيفية قراءة النص.
وشهد القرن العاشر على وجه الخصوص اهتمامًا شديدًا بين اللغويين العرب، وخلال هذا الوقت تم تجميع ما لا يقل عن ستة قواميس عربية إلى جانب أعمال أكثر تخصصًا تهدف إلى تقديم أنواع معينة من المفردات مثل المرادفات والمتجانسات، بحسب اليونسكو.
ووفقا لليونسكو، كان البدو والتجار في وسط وشمال شبه الجزيرة العربية يتحدثون لهجات مختلفة. ومن المفترض عمومًا أن أصول اللهجات الحديثة توجد في هذه اللغات القديمة في وسط وشمال شبه الجزيرة العربية. وساهم هجرة هذه المجموعات في انتشار اللهجات العربية المختلفة إلى جنوب شبه الجزيرة وكذلك إلى مناطق بلاد ما بين النهرين.
وعلى هذا النحو، انتشرت لغة الضاد، جنبًا إلى جنب مع الإسلام، إلى أقصى أركان الأرض. وأخذ البدو لغتهم معهم غربًا إلى شمال إفريقيا، وشمالًا إلى حواف جبال طوروس. وفي شمال إفريقيا، أدى اختلاط القبائل المختلفة جنبًا إلى جنب مع اللغات المحلية المختلفة في هذه المناطق المتنوعة إلى ظهور أشكال اللهجات المحلية تدريجيًا. وبالتواصل مع أشكال الكلام الأساسية الموجودة في هذه المناطق المتنوعة، تطورت اللهجات العربية إلى اللهجات العامية المختلفة اليوم، والتي تأثرت ليس فقط باللهجات المحلية القديمة لكن أيضًا، في العصور الحديثة، باللغات الأوروبية مثل الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية، بحسب الموقع.
وعلاوة على ذلك، أوضح الموقع أنه في تطورها المبكر، تركت الاتصالات مع لغات المجتمعات ذات الحياة الثقافية المزدهرة، مثل الفارسية أو اليونانية، آثارًا في اللغة العربية. وعلى سبيل المثال، استعارت اللغة العربية بشكل ملحوظ مصطلحات من الفارسية تتعلق بالحرف والفنون الجميلة والإدارة. وفي الوقت نفسه، استعارت بعض الترجمات من اليونانية إلى العربية كلمات يونانية ببساطة. وبالمثل، خضعت بنية الجملة لتأثيرات مماثلة من الثقافات المختلفة التي اتصلت بها اللغة العربية بمرور الوقت.
كما لعبت اللغة العربية دورًا رئيسيًا في التبادلات المختلفة على طرق الحرير، خاصة فيما يتعلق بالتفاعلات بين علماء العالم الإسلامي. ومنذ القرن الثامن فصاعدًا، نظرًا لأن بغداد كانت أحد المراكز الرئيسية للعلوم وعلم الفلك، أصبحت اللغة العربية اللغة الرئيسية للدراسة في مجالات العلوم.
ولذلك، وبما أن اللغة العربية كانت في قلب التبادلات العلمية والثقافية، فإن هذه التفاعلات والتعاون المتنوعة في مجالات متنوعة أسهمت في نشرها على طول طرق الحرير، وبالتالي تعزيزها.
الحرة
إنضم لقناة النيلين على واتساب