المسلة:
2024-10-05@08:29:31 GMT

هل بدأ العد التنازلي لحرب واسعة في الشرق الأوسط؟

تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT

هل بدأ العد التنازلي لحرب واسعة في الشرق الأوسط؟

5 أكتوبر، 2024

بغداد/المسلة: مع استعداد إسرائيل لشن هجوم على إيران بعد أن فاجأت الأصدقاء والأعداء على حد سواء بهجومها الخاطف على جماعة حزب الله في لبنان الشهر الماضي، يدور الآن حديث عن انزلاق لا مفر منه نحو حرب جديدة في الشرق الأوسط.

وقال عدد من الخبراء في مجال صنع القرار على المستويين الاستخباراتي والعسكري إنه لا تزال هناك عوامل تمنع انجرار المنطقة إلى حريق كبير يمكن أن يدفع إسرائيل وطهران إلى صراع متصاعد تُستَدرج إليه دول أخرى.

وأضاف الخبراء أن إسرائيل لن تتراجع على الأرجح عن شن هجوم جوي على إيران في الأيام القليلة المقبلة ردا على إطلاق طهران نحو 180 صاروخا باليستيا على إسرائيل يوم الثلاثاء.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأمني المصغر مساء يوم الثلاثاء “من يهاجمنا سنهاجمه”.

ومع ذلك، أبلغ مسؤولون إسرائيليون نظراءهم الأمريكيين بأن ردهم على الهجوم الإيراني سيكون “مدروسا” لكنهم لم يقدموا حتى الآن قائمة نهائية بالأهداف المحتملة، وفقا لمصدر في واشنطن مطلع على المباحثات طلب عدم الكشف عن هويته.

وقال آفي ميلاميد، المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية والمفاوض في الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية في ثمانينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي “أعتقد أن الأهداف التي سيقع الاختيار عليها سيتم اختيارها بعناية وحرص شديد”.

وأضاف أن الأهداف المحتملة تشمل المواقع التي لها أهمية عسكرية لدى إيران مثل البنية التحتية للصواريخ ومراكز الاتصالات ومحطات الطاقة.

وقال أكثر من ستة مسؤولين سابقين من الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط ممن عملوا في المجال العسكري والاستخباراتي والدبلوماسي خلال مقابلات إن إسرائيل لن تستهدف على الأرجح المنشآت النفطية التي تدعم اقتصاد إيران أو المواقع النووية.

وتوقع الخبراء أن يؤدي قصف هذه الأهداف شديدة الحساسية إلى رد فعل إيراني قوى، بما في ذلك احتمال شن طهران هجمات على مواقع إنتاج النفط لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ومنها دول الخليج العربية.

وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس إنه لن يكشف عن سير المفاوضات التي يجريها على الملأ عندما سُئِل عما إذا كان حث إسرائيل على عدم مهاجمة منشآت النفط الإيرانية.

وجاءت تصريحات بايدن بعد ساعات من تصريحه بأن واشنطن تناقش مثل هذه الضربات الإسرائيلية، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط.

وفاجأت إسرائيل معظم دول العالم بهجومها على حزب الله المدعوم من إيران الشهر الماضي، والذي بدأ بتفجير آلاف من أجهزة الاتصال المعروفة باسم (البيجر) وأجهزة اللاسلكي (ووكي توكي) التي يستخدمها أعضاء الجماعة، واستمر الهجوم باغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله في غارة جوية على بيروت، ووصل الأمر إلى حد التوغل البري في جنوب لبنان.

وقال نورمان رول، المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) والذي كان مسؤولا عن الملف الإيراني في المخابرات الوطنية من عام 2008 إلى 2017 “ليس من الحكمة أن يحاول مراقبون من الخارج التكهن بخطة الهجوم الإسرائيلية”.

وأضاف “لكن إذا قررت إسرائيل توجيه ضربة متناسبة وجوهرية في الوقت ذاته، فقد تختار أن تقتصر هجماتها على الصواريخ الإيرانية وبنية فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي دعم الهجمات التي شنتها طهران ووكلاؤها على إسرائيل”.

وقال رول، وهو كبير مستشارين لدى مجموعة متحدون ضد إيران النووية، إن إسرائيل يمكن أن تقصف المنشآت الإيرانية العاملة في تكرير البنزين والديزل للاستهلاك المحلي مع تجنب المنشآت التي تُستخدم في تصدير النفط، وهو ما سيحرم طهران من أي مبرر قد تلجأ إليه لقصف منشآت النفط في دول الخليج ويحد من ارتفاع أسعار النفط الخام.

إيران: خصم حذر

في حالة نشوب صراع أوسع في الشرق الأوسط، فإنه لن يشبه على الأرجح الحروب البرية الطاحنة التي وقعت في العقود الماضية بين الجيوش المتحاربة.

فعلى مدى العام المنصرم، لم تقع أي مواجهات عسكرية بين دول ذات سيادة إلا بين إيران وإسرائيل اللتين تفصل بينهما دولتان أخريان ومساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية.

وبسبب المسافة الشاسعة بينهما، اقتصرت العمليات بين إسرائيل وإيران على تبادل الضربات الجوية والعمليات السرية واستخدام فصائل مسلحة مثل حزب الله.

وتتوعد إيران منذ فترة طويلة بأنها ستدمر إسرائيل، إلا أنها اتخذت موقفا حذرا في هذه الأزمة إذ درست بعناية هجومين جويين أطلقتهما على إسرائيل، الأول في أبريل نيسان بعد أن قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في سوريا مما أسفر عن مقتل العديد من القادة، والثاني هذا الأسبوع بعد مقتل نصر الله.

ويُعتقد على نطاق واسع أن مصر، التي خاضت حروبا مع إسرائيل في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973 ووقعت معاهدة سلام معها في 1979، ليس لديها اهتمام يذكر بالدخول في هذا الصراع.

أما سوريا، حليفة إيران والتي خاضت أيضا معارك مع إسرائيل في الماضي، فهي غارقة في انهيار اقتصادي بعد عقد من الحرب الأهلية.

وتريد دول الخليج، التي ترتبط بشراكات قوية مع الولايات المتحدة على الصعيد الأمني، أن تنأى بنفسها عن هذا الصراع.

وقال مصدران مطلعان لرويترز إن وزراء من دول الخليج أجروا محادثات مع إيران على هامش مؤتمر استضافته قطر يوم الخميس، سعيا لطمأنة طهران بأن بلادهم ستتخذ موقفا محايدا في أي تصعيد.

وتقول الولايات المتحدة إنها ستبذل قصارى جهدها للدفاع عن إسرائيل ضد إيران والجماعات المتحالفة معها، لكن لا أحد يعتقد أنها ستنشر قوات على الأرض مثلما فعلت في حربي الخليج في عامي 1990 و2003 ضد العراق.

هل من المحتمل ضرب مواقع نووية؟

الحرب بالفعل حقيقة قاتمة بالنسبة للكثيرين في المنطقة.

وقد ثبت أن نفوذ واشنطن على إسرائيل محدود ولا يزال نتنياهو مصرا على استهداف أعداء إسرائيل منذ هجوم حماس.

وقال ريتشارد هوكر، ضابط الجيش الأمريكي المتقاعد الذي خدم في مجلس الأمن القومي في عهود رؤساء جمهوريين وديمقراطيين، “تجاوز الإسرائيليون بالفعل كل الخطوط الحمراء التي حددناها لهم”.

ويعني اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر تشرين الثاني أيضا أن قدرة بايدن على الإقناع صارت محدودة خلال الشهور الأخيرة التي يمضيها في البيت الأبيض.

وقال بايدن للصحفيين يوم الأربعاء إن لإسرائيل الحق في الرد “بشكل متناسب”. وأوضح أنه لا يؤيد توجيه ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية. وتقول إسرائيل ودول غربية إن لدى الإيرانيين برنامجا يهدف إلى صنع أسلحة نووية، وهو ما تنفيه طهران.

وقال هوكر إن استهداف مثل هذه المواقع ممكن ولكنه غير محتمل “لأنه عندما تفعل شيئا كهذا فإنك تضع القيادة الإيرانية في وضع يمكنها من القيام بأمر مأساوي جدا ردا على ذلك”.

وتعتبر إسرائيل البرنامج النووي لطهران تهديدا وجوديا لها. ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المسلحة نوويا في الشرق الأوسط رغم أنها لم تؤكد أو تنف امتلاكها مثل هذه الأسلحة.

وتنتشر المواقع النووية الإيرانية في أماكن كثيرة، ويوجد بعضها على عمق كبير تحت الأرض.

سناتور أمريكي: اضربوا مصافي النفط الإيرانية

ارتفعت أصوات في واشنطن تدعو لضرب مصافي التكرير ومنشآت الطاقة الأخرى في إيران. ولم تنجح العقوبات الأمريكية على طهران حتى الآن في وقف نشاط قطاع النفط.

وقال السناتور الجمهوري لينزي جراهام في بيان “يجب توجيه ضربات قوية لمصافي النفط (الإيرانية) لأنها مصدر المال لذلك النظام”.

وتخشى دول الخليج العربية من رد إيران إذا ما جرى استهداف منشآتها النفطية.

وتعرضت مواقع نفطية سعودية في عام 2019 لهجوم من جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن حيث انخرطت السعودية في صراع على مدى سنوات. وكانت المملكة قبل اندلاع الحرب على غزة تجري محادثات حول اتفاق للدفاع مع الولايات المتحدة وتطبيع محتمل مع إسرائيل.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط على إسرائیل دول الخلیج

إقرأ أيضاً:

ديفيد هيرست: الفوضى التي تبثها إسرائيل في الشرق الأوسط ستعود لتلاحقها

قال الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، إن الفوضى التي تبثها "إسرائيل" في شتى أرجاء الشرق الأوسط ستعود لتحلاقها، معتبرا أنه لا يوجد أفضل من عدوانها الجامح لدرء الانقسامات التي أحدثتها الثورات المضادة للربيع العربي.

وأضاف هيرست وهو رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" في مقال له، إنه "لا شيء يمكن أن يقنع جيران إسرائيل العرب بأنها لا قبل لها بالعيش في سلام معهم أكثر من المسار الذي ينتهجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حالياً".

ولفت إلى أن "إسرائيل" بإعادة هندسة الشرق الأوسط بأسره حتى يصبح كارهاً لها، بينما تظل القضية الفلسطينية بلا حل، وهي هندسة معاكسة لكل ما تم إنجازه على مدى ثلاثة عقود، منذ اتفاقيات أوسلو، حينما فقد الصراع الفلسطيني أولويته ومركزيته في العالم العربي. 


تاليا نص تقرير ديفيد هيرست كاملا:
إنها شعيرة تؤدى في كل مرة تبدأ إسرائيل حرباً أخرى، قبل أن ينهمر الفوسفور الأبيض، وقبل الخوف والهلع الذي يتملك الناس وهم يهربون من بيوتهم، وقبل انتشار المقاطع المصورة للناجين المصدومين وهم يبحثون عن البقايا بين أنقاض مجمعاتهم السكنية المنهارة. 

يطلق عليها شعيرة وقف إطلاق النار – استعراض على الملأ لعملية غسل اليدين. إنها تمثيلية التظاهر بأن ثمة دبلوماسيين نزهاء يحاولون البحث عن كل سبيل، ويبذلون قصارى جهدهم، من أجل الحيلولة دون انطلاق هذه الدورة من الجنون. 

وجل ذلك مصمم ومرسوم بعناية، وإن كانت بعض أجزائه مرتجلة. ولكن، كن على يقين من شيء واحد: إنها تمثيلية إيمائية، لا تمت بصلة إلى الواقع. 

قبل ساعات من إعلان إسرائيل عن أن هجومها البري على لبنان قد بدأ، كان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو يصر عبثاً في مؤتمر صحفي عقده في بيروت على أن مقترحه لوقف إطلاق نار يستمر واحداً وعشرين يوماً "مازال على الطاولة". 

وبينما كان منهمكاً في مؤتمره الصحفي، كانت الولايات المتحدة، المشاركة في تبني المقترح مع فرنسا، تقول للصحفيين إن محادثات وقف إطلاق النار قد توقفت. تكرر هذا الموقف مرات عديدة طوال ساعات ما بعد الظهيرة. وتراكمت التناقضات. 

كانت الولايات المتحدة تسعى للوصول إلى حل دبلوماسي في نفس الوقت الذي وصفت فيه اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله بأنه "خير محض". ثم زعمت أنها قيدت إسرائيل بعملية محدودة على الحدود، في نفس الوقت الذي راحت فيه تعبر عن قلقها إزاء الجانب الإنساني من العملية. وبينما تعهدت بالاستمرار في العمل من أجل تخفيف التوترات، أقرت في نفس الوقت بأن إسرائيل بلد ذو سيادة يصنع قراراته بنفسه. 

إذا ما بدت هذه الأحجية مألوفة إلى حد رهيب، فما ذلك إلا لأنها بالفعل كذلك. 

دعك من الإطناب، الخلاصة – وكما أكدت ذلك وزارة الدفاع الأمريكية – هي أن الولايات المتحدة تدعم الغزو البري للبنان، ولتشنق مخططات وقف إطلاق النار نفسها. 


الرغبة في الانتقام
نفس الشيء حصل في غزة قبل عام، حيث كانت عبارة "لدى إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها" تعنى أن تخضع للتسوية بالأرض كل الأحياء السكنية التي كان من سوء حظها التواجد بجوارها. 

تحقق هذه الرقصة البشعة غاية واحدة: كل منصات الإعلام في العالم الغربي تقريباً خرجت يوم الثلاثاء لتصف العملية الجارية في لبنان بأنها "مستهدفة" أو "محدودة" – هجمات دقيقة تنفذها مجموعات من المغاوير، تدخل ثم تخرج – تماماً كما حصل في المرحلة الأولى من الحرب على غزة. 

ففي تصريح لصحيفة واشنطن بوست، قال أحد المسؤولين الأمريكيين: "لا نتوقع أن تكون شبيهة بما حصل في عام 2006." 

أما الدبلوماسيون والجنرالات الإسرائيليون، فلم يتمكنوا من ضبط ألسنتهم والامتناع عن التلفظ بالحقيقة. ومن هؤلاء سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، مايك هيرزوغ، الذي قال: "لم تقيدنا الإدارة الأمريكية زمنياً، فهم أيضاً يدركون أنه بعد اغتيال نصر الله، ثمة وضع جديد في لبنان، وثمة فرصة لإعادة التشكيل." 

"إعادة تشكيل" لبنان لا تعني عملية مستهدفة محدودة تقتصر على التخوم. كما أن المحدودية لم تخطر ببال أحد قادة الجيش الإسرائيلي الذي قال: "نحظى بشرف عظيم أننا، وكما فعلنا في غزة، سنكتب التاريخ هنا في الشمال." 

بلغ السخط وخطاب الكراهية مستويات جنونية في إسرائيل، وسرعان ما وجدت الرغبة في الانتقام، التي وُجهت ضد أهل غزة، هدفاً جديداً: إنهم أهل لبنان. 

تباهى نير دفوري، من القناة الإخبارية 12، بالقول إن "نصر الله مات معذباً"، وذلك في خضم تقارير تفيد بأن زعيم حزب الله قضى نحبه اختناقاً. أما رئيس مجلس بلدة شلومي فرحب بالغزو البري قائلاً: "إنه ضروري من أجل تطهير المنطقة." 

أعرب المعلق السياسي بن كاسبيت عن حلمه في رؤية "اليوم التالي" الذي يأتي بعد مثل تلك العملية من التطهير، مقترحاً أنه حتى جدات أي مقاتل في قوة الرضوان، قوة النخبة التابعة لحزب الله، ممن عادوا وجاوزوا نهر الليطاني، يجب أن "تموت في تلك الحظة." 

من المضحك أن يأتي على ذكر نهر الليطاني، الذي ورد اسمه مراراً وتكراراً باعتباره الحد الأقصى في جنوب لبنان الذي ترغب إسرائيل في تكريسه من أجل التخلص من صواريخ حزب الله – لأن ذلك أيضاً تحول إلى خرافة، وذلك أن الطموحات العسكرية لهذه العملية باتت تتجاوز ذلك إلى العمق اللبناني نفسه. 

لم تكد تمر اثنتا عشرة ساعة على إعلان وزارة الخارجية الأمريكية أنها فرضت قيوداً على العملية الإسرائيلية، حتى أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر بالإخلاء لسكان ما يزيد عن عشرين بلدة وقرية في جنوب لبنان. هذا ما غرد به عبر منصة إكس (تويتر سابقاً) المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، الذي قال: "عليكم التوجه حالاً إلى شمال نهر الوالي"، بالقرب من صيدا. 


إعادة تصميم الشرق الأوسط
وهذا يشير إلى أن إسرائيل تعتبر الجنوب اللبناني بأسره مسرحاً لعملياتها العسكرية، أي ما يعادل ثلث مساحة البلد. وهكذا تكون إسرائيل، وبخطة قلم، قد ضاعفت مساحة مسرح عملياتها. 

وهذا يتفق تماماً مع ما تعهد به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الساعات الأولى التي تلت هجوم حماس قبل سنة. 

ففي لقائه مع المسؤولين الإسرائيليين الذين كانوا يزورون القدس من جنوب البلاد، الذي شنت عليه حماس هجومها في السابع من أكتوبر 2023، قال نتنياهو: "لسوف نقوم بتغيير الشرق الأوسط." 

أما جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والمستثمر في قطاع العقارات، والذي قضى فيما يبدو ساعات في دراسة حزب الله وبات يعتبر نفسه خبيراً في الموضوع، فكتب عبر منصة إكس يقول: "إن السابع والعشرين من سبتمبر [اليوم الذي قتل فيه نصر الله] هو أهم يوم في الشرق الأوسط منذ النجاح الباهر لاتفاقيات أبراهام. كل من يدعو إلى وقف لإطلاق النار في الشمال فهو خاطئ."

ومضى يقول: "لا يمكن لإسرائيل أن تتراجع الآن. لا يملكون الآن التوقف دون إنهاء المهمة والقيام بشكل تام بتفكيك الترسانة التي لم تزل موجهة ضدهم. لن يحظوا أبداً بفرصة أخرى." 

سوف يغير نتنياهو وداعموه الأمريكيون الشرق الأوسط عبر غزو لبنان، هذا مؤكد. ولكن ليس تماماً بالطريقة التي يتصورونها. 

بعد أن قاد تحرير جنوب لبنان بعد ثمانية عشر عاماً من الاحتلال، وبعد أن قاد المعركة ضد إسرائيل في عام 2006، بنجاح من وجهة نظر حزب الله، حافظ نصر الله على هدوء الحدود الشمالية لما يقرب من عقدين من الزمن. 

في ظل حكم نصر الله، انهمك حزب الله بشكل تام في قتال آخر، مختلف تماماً: تلك كانت الحرب الأهلية في سوريا. وكان لذلك تداعيات كثيرة، منها أنه همش أولوية النضال من أجل تحرير فلسطين، ومنها أن حزب الله، الذي نما حجمه وزادت أهميته السياسية، غدا أيسر اختراقاً من قبل الموساد الإسرائيلي. 

لا ريب أن بعض العمليات الكبرى التي نفذت خلال الشهر الماضي، مثل توريد أجهزة مناداة (بيجرز) وأجهزة لاسلكي (ووكي توكي) مفخخة، استغرق الإعداد لها أعواماً. كما أن التعرف على معاقل ومستودعات حزب الله، وتحرك الأشخاص المستهدفين بينها، كان أيضاً حصيلة أعوام من العمل والبحث. 


تقابل دراماتيكي
لم يكن أي مما تم فعله لتوجيه ضربة قاصمة لحزب الله بدون إعداد مسبق، ولهذا فهو يتقابل دراماتيكياً مع المصاعب التي واجهتها إسرائيل في مساعيها لجز رأس حماس في غزة. 

كما استفادت إسرائيل من "الصبر الاستراتيجي" الذي مارسه حزب الله ومارسته إيران، أو لنقل من انعدام الرد من قبلهما على الهجمات المتكررة والمتصاعدة ضد قادتهما الميدانيين وضد زعمائهما. لم يحصل أن انتقم حزب الله لاغتيال عماد مغنية، قائد جناحه العسكري، في عام 2008. كما لم يرد بالمثل على اغتيال صالح العاروري، أحد كبار المسؤولين في حركة حماس، في وقت مبكر من هذه السنة في عقر دار الحزب، في الضاحية الجنوبية من بيروت. 

بل ازدادت إسرائيل ثقة بفضل وداعة الردود الصادرة عن حزب الله وإيران بأن بإمكانها مضاعفة ضرباتها لكل من لبنان وسوريا. 

في كل مرة حدث فيها هذا الأمر، كان كل من حزب الله وإيران يبذلان وسعهما للتأكيد على أنهما لم يرغبا في إشعال حرب مع إسرائيل، وأن حملتهما إنما هدفها التضامن مع حماس في غزة، وأنها سوف تتوقف بمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار هناك. 

وعندما ضربا بالفعل، كان الضرب بشكل عام، وإن لم يكن حصرياً، موجهاً ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، ولا أدل على ذلك من أن صواريخ حزب الله، ومقاطع الفيديو الدعائية، إنما صممت لاستعراض القوة وليس من أجل استخدامها. 

بالنظر إلى ما حدث، لقد أثبتت هذه الاستراتيجية أنها خطأ استراتيجي يدفع ثمنه حزب الله اليوم – لأنه منح من خلالها إسرائيل الثقة بأن بإمكانها أن تفعل ما تفعله الآن في لبنان. 

لقد تجاوز عدد هجمات إسرائيل على حزب الله مقابل ردود الحزب عليها ما نسبته خمسة إلى واحد. 

لا تقتصر هذه الحسبة الخاطئة على من يوصمون عادة بالتشدد في لبنان وفي إيران. فهذا الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان يقول إن الأمريكان كذبوا عليه حين وعدوه بوقف لإطلاق النار في غزة فيما لو ضبطت إيران نفسها وامتنعت عن الرد على اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران. 

لقد كان إخفاق انضباط إيران الاستراتيجي هو ما أدى ليلة الثلاثاء إلى إطلاق ما يزيد عن 180 صاروخاً على أهداف في جميع أرجاء إسرائيل. ثم بعد الهجوم، ظل بزشكيان على موقفه من أن إيران لا تسعى لخوض حرب مع إسرائيل، وذلك على الرغم من أنه تم بجلاء التخلي عن سياسة الانضباط. يتوقع المرء أن يكون حزب الله وسائر المجموعات المسلحة في اليمن والعراق أكثر تفاعلاً. 

إلا أن الحسبة الخاطئة الأكبر هي تلك التي تقع فيها إسرائيل من خلال رغبتها في الضرب على الحديد وهو ساخن. 


عدوان جامح
تقوم إسرائيل بإعادة هندسة الشرق الأوسط بأسره حتى يصبح كارهاً لها، بينما تظل القضية الفلسطينية بلا حل. وهي هندسة معاكسة لكل ما تم إنجازه على مدى ثلاثة عقود، منذ اتفاقيات أوسلو، حينما فقد الصراع الفلسطيني أولويته ومركزيته في العالم العربي. 

لا يوجد أفضل من عدوان إسرائيل الجامح سبيلاً لبرء الانقسامات التي أوجدتها في العالم العربي الثورة المضادة لثورات الربيع العربي.  

عندما تُسقط من المتفجرات ما زنته 80 طناً من أجل قتل نصر الله، وتقتل معه في سبيل ذلك 300 آخرين، فأنت تحوله من رمز للمقاومة إلى أسطورة. 

وهذا ما عبر عنه السياسي اللبناني سليمان فرنجية، سليل واحدة من العائلات المارونية الرائدة في البلاد، بقوله: "رحل الرمز، وولد الأسطورة، وتستمر المقاومة." 

أما إبراهيم الأمين، محرر صحيفة الأخبار، وهي الصحيفة المقربة من حزب الله، فشبه نصر الله بالحسين، حفيد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والذي يعتبره الشيعة الإمام الثالث. 

كتب إبراهيم الأمين يقول: "لم يكن السيد حسن نصر الله يتخيل نفسه على صورة الحسين عندما سقط شهيداً. وهو ليس في وضعية الحسين عندما خذله العالم. بل هو على صورة الحسين الذي نهض وقاتل دفاعاً عن حق يعرف ان كلفة تحصيله عالية جداً .... السيد حسن صار رمزاً ابدياً لكل ثائر في وجه الظلم، وبأنه استشهد دفاعاً عن القدس وفلسطين."

كان نصر الله يتمتع بجاذبية خاصة، كخطيب مفوه، يحظى بإعجاب دائرته الشيعية والجماهير المؤيدة لفلسطين في العالم العربي، بوضعية مشابهة لتلك التي كان يحظى بها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر داخل الحركة القومية العربية في عهده. 

وهذا ما يعد به نصر الله بعد موته. 


عواقب بعيدة الغور
بالطبع ليست هذه وجهة نظر النخب العربية التي أمضت حياتها في استرضاء كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن حتى هؤلاء لا يملكون سوى الاعتراف بحقيقة المشاعر التي تستحوذ على شعوبهم. 

استخدم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إسرائيل سبيلاً لإقناع واشنطن بأن تأخذه على محمل الجد. ولكن حتى هو أعرب صراحة، بكل ألم، عن قدراته المحدودة كزعيم لبلاده، حيث قال، كما نُقل عنه، مخاطباً وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في وقت مبكر من هذا العام: "سبعون بالمائة من شعبي هم أصغر مني سناً. معظمهم في الواقع لم يكونوا يعرفون الكثير عن القضية الفلسطينية، وها هم الآن يتعرفون عليها للمرة الأولى من خلال هذا الصراع. وهذه مشكلة كبيرة. هل أنا مهتم شخصياً بالقضية الفلسطينية؟ لا، لست مهتماً، ولكن شعبي مهتم، ولذلك فأنا بحاجة للتأكد من أن هذا أمر ذو دلالة." 

نفى مسؤول سعودي صحة ما قيل عن حديث محمد بن سلمان مع بلينكن، ولكن محتوى ما نقل عنه صواب من حيث المبدأ. 

نعم، يجري الآن إعادة تصميم المنطقة من قبل إسرائيل التي أفلتت من عقالها. 

ولكن لا شيء يمكن أن يقنع جيرانها العرب بأن إسرائيل لا قبل لها بالعيش في سلام معهم أكثر من المسار الذي تنطلق فيه إسرائيل حالياً – وهو مسار يستهدف ويهدد المسيحيين والمسلمين والشيعة والسنة على حد سواء. 

يقنعهم نتنياهو، أكثر من أي شخص آخر، أن إسرائيل التي تتصرف بهذا الشكل لا تنتمي إلى المنطقة. 

وهذا ما سوف تكون له عواقب بعيدة الغور على المستقبل. فهل كان موت نصر الله، حقيقة، "خيراً محضاً" بالنسبة للمنطقة؟ 

حذار مما تتمنى، فقد يتحقق لك ما تتمناه. 

مقالات مشابهة

  • بدء العد التنازلي.. موعد العمل بالتوقيت الشتوي 2024 في مصر
  • وسط ترقب رد إسرائيل.. اختفاء ناقلات ضخمة من جزيرة النفط الإيرانية
  • مكاسب كبيرة للنفط وسط احتمال اتساع الصراع بالشرق الأوسط
  • (وكالة).. دول الخليج سعت لطمأنة طهران عن حيادها بشأن الصراع مع “إسرائيل”
  • الرئيس الأمريكي: نناقش احتمال قصف إسرائيل لمنشآت النفط الإيرانية
  • النفط يقفز بنحو 2% وسط مخاوف بشأن الإمدادات في الشرق الأوسط
  • ديفيد هيرست: الفوضى التي تبثها إسرائيل في الشرق الأوسط ستعود لتلاحقها
  • العد التنازلي لتين هاج في مانشستر يونايتد
  • إسرائيل تخطط لرد ضخم على إيران خلال أيام.. مخاوف من حرب واسعة