"ماما وبابا وأختي مستشهدين جنبي".. مكالمة تصرخ بآلام غزة وتكشف فصول المأساة

لم تكن تلك مجرد كلمات عابرة، بل صرخة من قلب شابة غزاوية مزقها العدوان الإسرائيلي، "ماما وبابا وأختي مستشهدين جنبي"، قالتها رغد الزرد، وهي تعيش صدمة فقدان أهلها، جملة تكثف معاناة أهل غزة تحت نيران الحصار والقصف، وتفضح التعتيم الإعلامي الذي يمارسه الإعلام الغربي حيال قصص الغزيين المأساوية.

التعتيم الغربي في وجه الحقيقة

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، حاول الإعلام الغربي التغطية على ما يحدث، متجاهلًا قصص العائلات الفلسطينية التي تعيش كل يوم تحت وطأة القصف والدمار، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كسرت هذا الصمت في يناير الماضي، عندما سلطت الضوء على حياة سكان غزة الذين يضطرون للعيش وسط جثامين أحبائهم في المنازل، بسبب تواصل القصف وعدم التمكن من دفنهم.

القصف الذي سرق كل شيء

رغد الزرد، شابة من خانيونس، كانت تعيش مع عائلتها حياة بسيطة، قبل أن تأتي ليلة القصف وتغير حياتهم إلى الأبد، جيش الاحتلال استهدف منزلهم، ليسفر الهجوم عن استشهاد والديها وشقيقتها، وإصابة آخرين بجروح بالغة، تركهم ينزفون وسط الأنقاض، بعد انتهاء القصف، حاولت رغد تفقد أفراد عائلتها، لكن الفاجعة كانت أكبر من احتمالها، معظمهم كان في حالة حرجة، ينزفون بصمت، والموت يقترب بسرعة.

الموت كان أسرع

في ذلك الظرف القاسي، لم تستسلم رغد، حاولت تقديم الإسعافات الأولية لأحبائها، لكن الموت كان أسرع، فقدت والديها وشقيقتها، رأتهما يستشهدون أمام عينيها، كانت أصواتهم لا تزال في أذنيها، تناديهم، تستجدي عودتهم، لكن الزمن لم يعد إلى الوراء، وجدت نفسها وحيدة في عالم غادر، مدركةً أن كل سندها في الحياة قد ذهب.

"لن أترك شقيقي ينزف"

رغد، رغم أوجاعها، لم تفقد قوتها، عندما رأت شقيقها أحمد على قيد الحياة، لكنه ينزف بغزارة، تماسكت واتصلت بالإسعاف، كافحت من أجل إبقائه حيًا، كانت كلماتها مليئة بالحزن والقوة في آن واحد، "أبي وأمي استشهدا، كل سندي في الحياة ذهبوا"، قالتها والدموع تخنق صوتها، بينما حاول المسعفون مواساتها وتوجيهها لوقف النزيف، وسط فوضى المشاعر والحطام.

العيش مع الجثامين.. قصة صمود

بقيت رغد في المنزل المدمر، تحتضن جثامين والديها وشقيقتها التي كانت على وشك التخرج من الجامعة، عاشت معها أيامًا، تنتظر وصول فرق الإنقاذ، لم تستطع دفنهم، ولم تستطع مغادرة المكان، كانت كلماتها المؤلمة وصورها المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي خير شاهد على حجم المأساة، وعلى معاناة أهالي غزة الذين يضطرون للعيش في منازلهم المتهاوية، محتضنين جثث أحبائهم.

صوت رغد يهز مواقع التواصل الاجتماعي

انتشرت قصة رغد بسرعة، رواد مواقع التواصل الاجتماعي لم يتمالكوا أنفسهم أمام مشهد الرثاء، شاهدوا رغد وهي تحتضن جثمان والدها، وتقول: "هل ترون ما أحلى شعره"، جملة كشفت الحزن المخزون في قلوب الفلسطينيين، بينما تفاعل معها المغردون، معتبرين قصتها تجسيدًا للوجع الذي يعاني منه أهل غزة يوميًا تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتواصل.

كتب عمادي: "وما زالت الجريمة مستمرة، وها قد أتمت سنة من قتل الأبرياء، يا ويح من صنع هذا الاحتلال وهذا الإجرام، ويا قبح من سكت عنه". بينما تساءل طارق: "متى سيوقف العالم هذه المذبحة التي تُرتكب في حقنا؟"، وكتبت هبة خليف: "وتبقى نساء غزة مدارس للجهاد والنضال والشرف والصبر، ليس كمثلكن نساء".

رسالة للعالم.. كفى صمتًا!

قصة رغد ليست مجرد حكاية مأساوية، بل هي صوت غزة، رسالة تنبض بالألم والصمود، تذكير بأن أهل غزة ليسوا أرقامًا في نشرات الأخبار، بل أناس يحاولون العيش رغم كل الظروف القاسية، رغد التي فقدت عائلتها ليست وحدها، فهناك آلاف الغزيين يواجهون المصير نفسه، كل يوم قصة جديدة تُكتب في ركام المنازل، وكل يوم صرخة جديدة تتردد في وجه العالم الذي يلتزم الصمت.

صوت رغد وصوت غزة

رغد الزرد التي فقدت كل شيء في لحظات، لم تفقد صوتها، تروي قصتها للعالم، تكشف الوجه الحقيقي للعدوان، وتحمل في كلماتها رسالة واحدة: "كفى صمتًا، كفى تعتيمًا"، هي قصة فتاة من غزة، لكنها في الوقت نفسه حكاية كل فلسطيني يعيش تحت الحصار، ليذكرنا بأن غزة ليست مجرد عنوان، بل نبض حياة تحت القصف.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: غزة الاحتلال الاسرائيلي العدوان الشهداء القصف جثامين الانسانية الحصار المعاناة المأساة المستشفى الأسعاف الاعلام الغربي الصمت الدولي الحياة تحت القصف معاناة الفلسطينيين المقاومة الصمود خانيونس الاستشهاد الحرب العدوان المستمر العائلات الفلسطينية المنازل المدمرة صوت غزة الشهداء الأطفال قصص مؤلمة الصبر

إقرأ أيضاً:

محاكمة كوشيب هل تكسر حلقة الإفلات من العقاب؟

هذا السؤال الذي وضعته في العنوان يدور في أذهان الكثير من أبناء وبنات الشعب السوداني الذي أعياه الدوران في حلقات مفرغة من الانتهاكات التي تتم تحت بصر الدولة فيما لا يتم تقديم أي شخص للعدالة، ولم يحدث أي نوع من الإنصاف للضحايا الذين تتردى حياتهم وهم يعيشون في مخيمات لجوء ونزوح طوال عقود من الزمان.

سؤال العدالة كبير ومعقد لجهة كبر نطاقات الانتهاكات والعدد الضخم للمتضررين وحتى الفترات الزمنية الطويلة التي تعرض فيها الناس للبطش وحرق قراهم وانتزاع أراضيهم فيما تقف الدولة التي سلحت سابقا المليشيات، ودعمتها لتهجير القرويين في موقف الجلاد والحكم!

وسط إحباطات متراكمة لعقدين كاملين من الزمان جاء اختتام المرافعات الختامية في محاكمة المتهم علي محمد علي عبد الرحمن المعروف بـ «علي كوشيب» أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي كبريق أمل للضحايا الأحياء من أحداث وادي صالح غربي البلاد التي يحاسب بسببها المتهم، بعضهم يعيش في معسكرات النزوح في دارفور منذ العام 2003 وبعضهم في معسكرات اللاجئين في الحدود مع دولة تشاد.

* «كوشيب» أحد المتهمين المطلوبين لدى المحكمة منذ العام 2007، فيما شملت قائمة المطلوبين الرئيس المعزول عمر البشير واثنين من قيادات حكومته هما عبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون الذي أُعِيد انتخابه مؤخرا رئيسا لحزب المؤتمر الوطني!

ولم يتم تسليم المطلوبين، على الرغم من وجودهم في مناطق سيطرة الجيش متنقلين بين ولايات الشرق والشمال، ويخضع كوشيب وحده للمحاكمة؛ لأنه سلم نفسه في العام 2020 للمحكمة طواعية خوفا من الاستهداف والقتل بعد سقوط نظام البشير ومنذ ذلك الوقت يحاول إنكار هويته، وختم ذلك الإنكار ببيان طلب تقديمه أمام القضاة قال فيه «أنا لست كوشيب!»

الأمر الآن متروك أمام القاضيات ليحددن هل هو الشخص المطلوب وفق الأدلة التي قدمها مكتب الادعاء أم هو رجل بريء! وبينما ينتظر السودانيون بصفة عامة النطق بالحكم في هذه القضية يتعلقون بأمل أن المحاسبة ستحدث، وأن العدالة ستتحقق وإن طال الزمن!

* كنت من ضمن مجموعة من السودانيات حظينا بحضور المرافعات الختامية في محاكمة كوشيب من مقاعد الجمهور داخل المحكمة، كانت لحظة تاريخية نادرة تقول إن الطغاة سيمثلون أمام القضاء، ويدفعون ثمن ما فعلوه في حق المدنيين العزل يوما ما الأمر الذي يرسل رسالة قوية لكل من يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال حرب الـ 15 من أبريل التي اندلعت في الخرطوم، وتمددت مثل النار في ولايات سودانية أخرى شردت أكثر من 13 مليون مواطن، وقتلت عشرات الآلاف، واُغْتُصِبَت عشرات النساء فيما يحاصر الجوع 25 مليون سوداني، ويموت الأطفال بسبب سوء التغذية!

* ما يحدث الآن لا يختلف كثيرا عما حدث في ذلك الوقت في العام 2003 مسرح الجرائم كان قرى دارفور التي عانت التهجير القسري والقتل والإعدام خارج نطاق القانون والاغتصاب والاضطهاد، ذات الفاعلين في تلك الأحداث هم نفسهم الذين يتقاتلون الآن، اختلفت المسميات قليلا، وتغير الزي العسكري ربما، لكنها ذات الأيادي الباطشة بالمدنيين العزل!

فأحداث دارفور كان الفاعل الرئيس فيها قوات «الجنجويد» التي سُلِّحَت من حكومة «البشير» واليوم ذات العناصر التي كونت حكومة البشير هي التي تقاتل في الأرض، وتقاتل تلك القوات التي قام نظام البشير بمنحها الشرعية وتحويلها لقوات نظامية بموجب قانون مجاز عبر البرلمان في العام 2017.

* «كوشيب» متهم بارتكاب 31 جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، ووفق شهادات الشهود احتجز رجال من قبيلة الفور قبل أن ينقلهم من مركز الشرطة، ويأمر بإعدامهم جميعا، ويدفنهم في مقابر جماعية، وكان يجعل المعتقلين يستلقون على الأرض، ويمشي على ظهورهم فيما حدثت اغتصابات واسعة للنساء. وقال بعض شهود عيان التقيتهم إنه قام بجمع عدد ضخم من الأطفال في منزل واحد وأشعل فيهم النيران!

نقلت ممثلة الضحايا في المحكمة الجنائية رسائل عدد كبير من الضحايا الذين حكوا كيف تبدلت حياتهم، وكيف منعت الوصمة النساء من مواصلة دراستهم، وكيف استمروا في حياة النزوح يفتقرون لأقل مقومات الحياة لعقدين من الزمان، وتحدث الكثيرون منهم عن رغبتهم في استعادة «كرامتهم» والعودة إلى أراضيهم.

* في أروقة المحكمة حضر بعض أبناء وبنات دارفور ممن كانوا هم أنفسهم شهودا على تلك الانتهاكات البشعة، وقالت إحدى الشاهدات إنها التقت في مستشفى بمدينة نيالا جنوب دارفور بشابتين دون سن العشرين اضطر الفريق الطبي لبتر أعضائهن التناسلية بالكامل؛ بسبب الالتهابات الفظيعة التي أصابتهن؛ لأن المغتصبين لم يكتفوا بالاغتصاب فقط، بل وجهوا طعنات بسكين حادة يستخدمها العسكريون تعرف بـ «السونكي» فيهن !

حكى شاب آخر عن تذكره مشاهدة المقابر الجماعية، نجا بحياته بأعجوبة، وفقد الكثيرين من أسرته، فيما انفجر رجل آخر في البكاء بعد أن وقف كوشيب لمخاطبة المحكمة لجهة تذكره حادثة مقتل والده على يد كوشيب وجنوده.

كتب على السودانيين أن يعيشوا حياة مليئة بالقهر، انتهاكات وقتل بالجملة مع غياب تام للعدالة، لا يطلب الناس المال بقدر ما يطلبون الإنسانية والكرامة والعودة إلى أراضيهم؛ لأنهم منتجون ومزارعون ورعاة وسط حياتهم القديمة لم يشتكوا ولم يحتاجوا إلى أحد.

* الإفلات من العقاب في جرائم حرب الجنوب أدت إلى ظهور جرائم أكبر في حرب دارفور ثم واصلت حلقة الإفلات من العقاب طوال عقدين من الزمان برفض النظام السابق تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية والامتناع من محاكمتهم داخليا، ذات الأيادي الملطخة بالدماء طوال عشرين سنة واصلت في القتل والترويع والتشريد فيما تطورت جرائم الاستعباد والعنف الجنسي واتسعت دائرة الانتهاكات

ويبقى الإجابة عن السؤال في العنوان لا بد أن تكون «نعم» فلا بد أن تكسر محاكمة كوشيب حلقة الإفلات من العقاب، ويُسَلَّم المطلوبون جميعهم لدى الجنائية ليحاكموا ولا بد أن تُؤَسَّس منظومة عدلية ومحاسبية تمنع تسلط الحكومات على الرقاب، وتكون متاحة لرقابة الشعب الذي لا يستحق سوى الكرامة.

سينتظر السودانيون النطق بالحكم في محكمة كوشيب على جمر وحال تمت محاكمته سيتنفس الكثيرون نسيم العزة والكرامة.

أمل محمد الحسن – الشرق القطرية

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مجازر ليلية ضد النازحين.. والمناشدات الأخيرة من مشفى كمال عدوان تحذر من الكارثة
  • محافظ عدن طارق سلام: اليمن بقيادة السيد عبد الملك الحوثي بات البوصلة التي تتجه نحوها أنظار العالم
  • روف للتطوير والاستثمار العقاري || بناء مستقبل عقاري نابض بالحياة في المملكة
  • محاكمة كوشيب هل تكسر حلقة الإفلات من العقاب؟
  • (عودة وحيد القرن) كانت من أنجح العمليات التي قام بها قوات الجيش السوداني
  • الخديعة الكبرى التي اجتاحت العالم .. شحوم المواشي علاج للبشر ام كارثة على البشرية
  • الكاتب الصحفي عمر طاهر ناعيا والده: "في أمان الله سندي وضهري"
  • عمر طاهر يعلن وفاة والده: «رحل سندي وضهري وأغلى الحبايب»
  • رد فوري وغير مسبوق.. صنعاء تهاجم تل ابيب بصواريخ فرط صوتية في ذات اللحظة التي كانت طائرات اسرائيلية تهاجم اليمن وتحدث دمار هائل
  • شهداء وإصابات في غارات إسرائيلية جديدة على قطاع غزة اليوم