الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: لتُخرج الناس من الظلمات إلى النور
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
قال الله تعالى: «الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» [إبراهيم: 1].
وكلمة (إليك) فى قوله سبحانه وتعالى: «أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ» تدل على أن الوحى انتهى إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إلى غيره، فهو لا يُؤخذ إلا منه صلى الله عليه وسلم، ولا يُدرك إلا بواسطتِهِ صلى الله عليه وسلم.
وقد انبنى على هذا قوله سبحانه وتعالى: «لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»، حيث أُسند إخراج الناس من الظلمات إلى النورِ إلى سيدِنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالهداية لا تكون إلا باتباعِه هو صلى الله عليه وسلم، والاستنان بسُنته والتمسك بهَديه.
وكان من الممكن -من حيث الصياغة اللغوية- أن تكون الآية: لِيَخرج الناسُ، بحيث تفيد أنه بوُسعِ كلِّ واحد من الناس أن يهتدىَ بالكتاب، ويخرج نفسه بنفسه من الظلمات إلى النور بمجرد قراءته وفهمه الخاص للقرآن الكريم دون الرجوع إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها لم تأتِ كذلك؛ لأن هذا المعنى غير صحيح، وغير مراد.
فهذه الكلمة الربانية «لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» تبين دون أدنى شكٍّ أنه ليس دورُ سيدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هو مجرد تلاوة آيات القرآن الكريم على مسامع الناس فقط.
وقد جاءت آيات أخرى توضح هذا فى جلاء لا خفاء فيه، قال الله تعالى: «وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً» [النساء: 113]، وهذه الآية صريحة فى أن الله تعالى أنزل عليه صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم وأنزل عليه الحكمة أيضاً، وعطف الحكمة على الكتاب يقتضى المغايرة بينهما، والذى يغايرُ الكتابَ هو ما يُبلغُه صلى الله عليه وسلم من تشريع بقوله، أو بفعله، أو بتقريره -أى: عدم اعتراضِه على فعل بحضرته- فالسُّنّة وحى كالقرآن تماماً، وتفسير بعض العلماء للحكمة بأنها النبوة لا يناقض هذا المعنى، بل يؤيده ويقويه، فالحكمة نبوة ووحى زكى قسيم لكتاب الله تعالى، جاءت مبينة له، وموضحة لأحكامه، بل استقلت ببيان بعض الأحكام الشرعية.
فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن لم يكن مجرد مبلغ لآيات القرآن الكريم، بل كان يعلم الناس القرآن والحكمة، وقد جاء هذا صريحاً فى غير موضع من كتاب الله تعالى، من هذا قوله سبحانه: «كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ» [البقرة: 151]، وقوله تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ» [آل عمران: 164]، وقوله عز وجل: «هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ» [الجمعة: 2]، فهذه الآيات جميعاً نصَّت على أنه صلى الله عليه وسلم يعلِّم الكتاب والحكمة؛ أى: ما أوحاه الله تعالى إليه من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة.
وجَلىٌّ فى هذه الآيات المباركات أن تعليم الكتاب والحكمة جاء معطوفاً على تلاوته صلى الله عليه وسلم آيات الله تعالى؛ وسبقت الإشارة إلى أن العطف يقتضى المغايرة، فتعليم الكتاب شىء غير تلاوة آياته وتبليغها للناس، ومن صور هذا التعليم ما كان يراه الصحابة الكرام من سلوكه وأخلاقه التى هى صورة عملية لكتاب الله تعالى، فلما قال أحدُهم للسيدة عائشة رضى الله عنها: يا أمَّ المؤمنين أنبئينى عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: «ألستَ تقرأُ القرآن؟» قال: بلى، قالت: «فإن خُلقَ نبى الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن» [رواه مسلم].
وهذا معناه أنه لا بد من أن نأخذ بالسنة المطهرة، فبها يكون الانتقال من الظلمات إلى النور، وهى الحكمة التى بدونها يتخبط الناس فى دنياهم، والتى لا يصح أخذ القرآن الكريم بعيداً عنها، فالقرآن الكريم يدل على أنه لا يُؤخذ إلا من خلال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه هو الذى يعلمه، وتعليمه صلى الله عليه وسلم هو سنته المطهرة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: القرآن الكريم السنة المطهرة النور الظلمات رسول الله صلى الله علیه وسلم ه صلى الله علیه وسلم القرآن الکریم الله تعالى ال ح ک م ة ال ک ت اب
إقرأ أيضاً:
أوقاف الفيوم تنظم أمسية دعوية بعنوان "فضائل القرآن الكريم"
عقدت مديرية أوقاف الفيوم برئاسة الدكتور محمود الشيمي، أمسية دعوية بمسجد عمر بن الخطاب بقرية الجيلاني التابع لإدارة أوقاف إبشواي بعنوان: "فضائل القرآن الكريم"
جاء ذلك بحضور الدكتور محمود الشيمي، وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم، وفضيلة الشيخ أحمد صابر مدير إدارة أوقاف أبشواي، ونخبة من العلماء وأئمة الأوقاف ورواد المسجد.
العلماء: أهل القرآن هم أهل الله وخاصتهوخلال اللقاء، أكد العلماء أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ولهم من المنزلة ما يرقى بهم على من سواهم، حيث إن أهل القرآن الكريم المتقنين هم السفرة الذين يتلون وحي الله (عز وجل) بعذوبة أصواتهم، وما أعظمها من رسالة، فهم يشاطرون العلماء في أداء الرسالة.
كما أشاروا، للقرآن حفظًا مكتوبًا ومحفوظًا، فتارة يشير إلى المحفوظ فيقول سبحانه: "إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ"، وتارة يشير إلى القرآن المكتوب فيقول سبحانه: "الم ذَلِكَ ٱلكِتَبُ لَا رَيبَ فِيهِ هُدى لِّلمُتَّقِينَ"، وتارة يجمع بينهما فيقول سبحانه: "إنَّه لقرآن كريم فِي كِتَابٍ مَكْنُون لا يَمَسُّهُ إلَّا المُطَهَّرُون"، إشارة إلى أن القرآن الكريم محفوظ من الله (عز وجل) فعندما يأتي لفظ القرآن في كتاب الله سبحانه لا تجده مضافًا ولا مضافًا إليه قط، إلا في موضعين فقط في القرآن كله، حيث يقول سبحانه: "أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا"، ويقول سبحانه: "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ"، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم): "إنها ستكون فتنٌ" فقال الإمام علي (رضي الله عنه): "فقلتُ ما المَخرجُ منها يا رسولَ اللهِ قال كتابُ اللهِ فيه خبرُ ما قبلَكم ونبأُ ما بعدَكم وحُكمُ ما بينَكم هو الفصلُ ليس بالهزلِ هو الذي لا يشبعُ منه العلماءُ ولا تزيغُ به الأهواءُ ولا يَخلَقُ عن كثرةِ ردٍّ ولا تنقضي عجائبُه هو الذي لم ينتَه الجنُّ إذ سمعتْه أن قالوا إنا سمعْنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرُّشدِ هو حبلُ اللهِ المتينُ وهو الذكرُ الحكيمُ وهو الصراطُ المُستقيمُ وهو الذي من تركه من جبارٍ قصمه اللهُ ومن ابتغى الهُدى في غيره أضلَّه اللهُ هو الذي من حكم به عدَل ومن عمِل به أُجِرَ ومن قال به صدَق ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ".
كما أوضح العلماء، أن مصر نهضت بخدمة القرآن الكريم حبًا وإيمانًا وتلاوةً وتجويدًا وأداءً وحفظًا وتفسيرًا وعملاً وتطبيقًا وزخرفةً ونقشًا، حتى شاع بين أهل العلم قولهم: إن القرآن الكريم نزل في مكة، وقرئ في مصر، فلا تحصى صور خدمة مصر للقرآن الكريم وعلومه وفنون أدائه والتباري في محبته وخدمته، مضيفين أن الله –تعالى- وفقها لاجتذاب أهل القرآن عبر التاريخ، فالإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد المشتهر بلقب ورش تلميذ الإمام نافع دفين أرض مصر، والإمام أبو محمد القاسم بن فِيْرُّه -الشاطبيِّ- انتهت إليه رياسة الإقراء بمصر ومات ودفن بها، وشيخ الإسلام زكريا مدار أسانيد القراء، والإمام المتولي خاتمة المحققين في هذه العلوم، ومحمد خلف الحسيني، وعلي محمد الضباع، وعامر السيد عثمان، ورزق خليل حبة، وعبد الحكيم عبد اللطيف، وعشرات ومئات سواهم.