سردية الصمود ضد المستجدات
في خطبة موحدة ليوم الجمعة، وهي خطبة توزعها الأوقاف للواعظين على منابر الجمعة لأسباب عدة، تظهر الإخفاقات في الفكر السائد وفي الفهم للإسلام بشكل واضح وتحشد لمقاومة الإصلاح والتغيير بشكل غير مقصود، وإنما هذا هو الموجود من الجهاز المعرفي الموروث عند كل المسلمين وغير المسلمين والعلمانيين والملحدين، وكل ما يخطر لكم على بال في بيئتنا المزدحمة بالأفكار والأيديولوجيات، ذات اللسان الذي لا يتوقف الأصم عن سماع المخالف الأعمى عندما يعرض عليه أمر جاد للقراءة.
فعندما يحذر خطيب أو واعظ موجه من جهة عليا يفترض أنها دعوية من المستجدات ويتخذ موقفا دفاعيا تجاه الانفتاح على العالم، فهذا مؤشر سلبي لدعاة يعتبون أي ضال هو مشروع إصلاح وأي مخالف هو مشروع للتفاهم.
الإنترنت أضحى في متناول اليد ومتطور لدرجة أنه يستكشف اهتمامات المتصفح ليقدم له المزيد مما يهتم به هو، لا تحده قيم ولا منظومة أخلاقية ولا قواعد اجتماعية، وإنما يضع قواعد تعتبر الثوابت عندك مخالفة لقواعد المجتمع.
أخذ موقع دفاعي من المستجدات باعتبارها خطرا هو الخطوة الأولى للاستسلام، لكن علينا فهم كل جديد ونصنف الإيجابيات فيه والسلبيات وفق معايير ما بعد الفهم لما عندنا من فكر ينبغي أن يرتقي عن الانطباعات، ونحن في المجتمع مها كانت عقيدتنا الدينية أو فكرنا السياسي يجب أن نفهم.
كيف نفهم:
طبيعة الإنسان الاختصار، والتعلق بسبب واحد للمشكلة؛ بمعنى تكوين انطباعات عن الأشياء والأفكار والاصطلاح الضيق لمفاهيم واسعة وهذا التصور يسمونه تبسيطا بينما هو تضليل للمنظومة العقلية.
الفهم يأتي من كفاءة المنظومة العقلية في تجسيد المعنى بشكل ملائم ليكون مقروءا، كتابة أو صورة أو مشهد أو فكرة؛ ومن هذا فهم الفكر والكتب ونصوصها، وما يطرح من معاني وغايات في نصوص كتب الأديان لتعريف الغايات التي تحقق للوصول إليها مجموعة من الأهداف، وكذلك الأسس الفكرية التي ترسي عليها القيم والقيم بأنواعها التي تعرف السلوك عند الإنسان، وهذا يحدد إما بمنطلق قيمة واحدة أو مجموعة من المنطلقات التي هي معايير للسلوك كالأخلاق.
فالأخلاق مثلا هي معايير وليست صفة أو سلوكا، لأن المعيار يمثل حالة قيمية ثابتة الجوهر، أما السلوك فنسبي ويعتمد على العقلية والنفسية ودرجة ارتباطهما لإحداث الفاعلية والبيئة والتفاعل إيجابيا أو سلبيا بين منظومتي الإنسان والبيئة أو أي كيان من فرد إلى ألوف والبيئة.
الإسلام وضع معايير قيمية مرتبطة بالفكر، لهذا فالنفسية المرتكزة إلى الإيمان لا تتأثر بشكل فاقع بالمادية ودرجتها لأن التأثر يعني اهتزازها عند الفقر وتكبرها عند الغنى؛ بل ربط العقلية والنفسية وهما محورا الشخصية بالفكر نفسه، لهذا فالفهم الجيد يجعل حالة التدين أقرب إلى المنظومة العقلية وضعف الفهم يجعلها فريسة الحالة الغريزية التي هي المفرق للسلوك المؤدي إلى الغايات من عدمه؛ وهذا له تأثير على إدارة مستجدات الحياة أو التلاقح ومدنيات أخرى قد لا تحمل فكرا حضاريا، فعندما يضعف الفهم يظهر الخوف من المواجهة وتصبح القضية تمترسا ومقاومة بدل احتواء مطلوب، لأن الرسالة ليس ملك أحد ولسنا وكلاء لا عليها ولا على الناس، وإنما نحن مكلفون ومن ضمن التكليف أن ندعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة. وهذه لن تكون فاعلة بفكر بعيد عن الواقع أو منفصل عنه، لذا كان من الضرورة بمكان أن ينقى الجهاز المعرفي المنقول وراثة، والذي يراد أن تحشى به تلافيف حافظة الجيل الذي سيصطدم بأسئلة لم تتوفر لها حلول أو أجوبة منقولة من الماضي.
فيديو في الميديا يتحدث فيه رجل دين نزق عن موضوع لا يعني دينه، فأخذ يصف قومه بالرقي عموما وأنه ليس همجيا، ناسيا أن كلماته تعبر عن تدن في الشخصية كعقلية ونفسية لأنه يخاطب انفعالاته وليس واقعا ملموسا. فالتعميم والتنزيه والتعريض بمواطنيه ليست سلوكيات ناضجة وإنما همجية ينكرها عن نفسه ويصف الآخرين بها.. هذا نوع من التعبير عن كراهية ومشاعر بدائية فاعلة لعصبيات لا تنسجم مع إنشاء الأمة، وهو أمر مضر بقومه لأنه يبقيهم في حالة انفصال شعوري عن أمتهم وانتمائهم للأرض، لأنها إما لهم وحدهم وهذا ليس ممكنا، أو أنها ليست مكانا للاستقرار فيتخذ الناس طريق الهجرة بحثا عن سلام متوقع، فيكون هو سبب الأزمة ولا يفهم هذا فيزداد كرهه للمخالف ويتهمه بتهجير رعاياه. نوع من المتضادات تخلق شخصية مضطربة تبدو مسالمة ثم تنقلب حاسدة أو صلفة في التعبير ظانة أنها وحدها مظلومة، ولا ترى أن من تحدثه مر بذات الظرف والمظلومية.
الحاجة للإصلاح في كل المنظومة
هنالك حاجة لإصلاح المصلحين في منظومة تنمية التخلف واستخراج الأفكار القاتلة، لأن غياب الرؤية والتأمل والسكينة والتعمق في الفكر ومحاولة التفاهم.
انتشار الفساد والممنوعات لا يقضى عليه بالوعظ، لأن من يتجه إلى هذا استغنى عن الوعظ ومحتوياته أو البيت وتربيته، وهو مسألة منفصلة عن الفكر بحكم انفصال الفكر عن الواقع، لذا فالحل بالقانون والتشدد على مسببات تلك السلبيات، فما ينتشر من فساد لا بد أن يكون من قوة فاعلة، فإيقاف تلك القوة من الرأس هو الحل وليس مطاردة الضحية وترك هذه المنظومات الفاسدة حرة، ومتابعته من الوعاظ عند هذا لتقييم نتائجه كجهة رقابية تعادل أي منظومة في المجتمع معترف بها، دون خوف أو تقوقع أو تقييد لنشاط وفاعلية وتوسع مدارك الأولاد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الإصلاح الفساد الوعظ الإصلاح الفساد الدعوة الوعظ مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
قراءةٌ في خطاب الخميس الفائت
سند الصيادي
كنا الخميس الفائت أمام خطاب تاريخي استثنائي للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وفي محتواه حجّـة قرآنية على أُمَّـة الإسلام أجمع، كنا أمام خطاب مختلف في توصيفه وأبعاده وَكم الفائدة التي تضمنها، لدرجة أن رأينا فيه خطابًا عالميًّا بعالمية القرآن، جاء في مرحلة مفصلية واستثنائية من مراحل الصراع الإنساني.
ومن خطاب السيد يمكننا تلخيص عناوين عريضة للمرحلة الراهنة والقادمة في بُعدها الإقليمي والمحلي؛ إذ حدّد فيه استمرار الموقف من دعم غزة، ومن أي اعتداء على اليمن، وبأن خيار الاستعداد والجاهزية للمواجهة منهجية ثابتة حاضرة وَضامنة.
بقدر ما يحرص هذا القائد في كُـلّ خطاباته إلى أن يجعل الوعي والبصيرة بالأحداث وبالأعداء وبالمؤامرات هو العنوان الأبرز لحديثه، ويوجه تلك الحقائق لجميع الأُمَّــة العربية والإسلامية نصحًا وتثقيفًا وَتوعيةً، فَــإنَّه يوجه بذات القدر الرسائل للأعداء والمنافقين على السواء بأننا في ذروة الاستعداد النفسي والبدني والفني لمواجهتهم وردعهم، وفي هذه الثنائية غير الاعتيادية في الخطاب القيادي العربي والإسلامي والتي يتفرد بها السيد القائد؛ تأكيدًا على مدى الحنكة والحكمة والشجاعة والإيمَـان واليقين الذي يحيط بتحَرّكاته ومواقفه، حتى نبرة صوته التي تنخفض وَتعلو وتحد وتلين في تفاصيل الخطاب وفي المواضع التي يصدر من خلالها رسائلَ ظاهرة ومبطنة أحرى بها أن تقرأ في سياقها الصحيح من قبل الأصدقاء والأعداء على السواء، وفي ما وراءها من تحَرّك أَو خطر أَو آثار تترتب عليها أحداث وتحولات.
ثمة إجماع من أن الخطاب الذي ظهر فيه السيد القائد الخميس الفائت ونبرة صوته خلاله كانت أكثر انفعالًا من أي وقت مضى، وبعد ما رصدناه من تداعيات تلحق هكذا خطابات صادرة عنه خلال العقد الأخير، فَــإنَّنا نقرأ باهتمام بالغ حساسية المرحلة التي تمر بها المنطقة بأكملها، ومحورية المواقف التي يجب أن تتخذ فيها، وكارثية التداعيات الكبيرة وواسعة النطاق التي ستنجم على إهمال ما جاء فيها.
وبقدر ما ثبَّتَ القائدُ العَلَمُ السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خِطاب الخميس الفائِت الموقِفَ اليمني على ذات المبدئية المتصاعد رتمها بتصاعُدِ الأحداث، وأظهر الاستعدادَ لمواجهة أية مخاطر أَو تصعيد في إطار هذا الموقف، فقد أبرأ الذمةَ وَحذَّر وَأنذَرَ وأظهَرَ المسارَ الصحيحَ والأسلمُ للتفاعل مع الأحداث الجارية قبلَ فواتِ الأوان.