موقع النيلين:
2025-01-31@03:40:08 GMT

عادل عسوم: إلى أستاذي مع التحية

تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT

اهدي هذا المقال إلى كل اساتذتي الذين تعلمت على يديهم خلال سني حياتي وكل المعلمين في يومهم العالمي.
ابتدارا أعترف بأنني من المعجبين -جدا- بأدوار الممثل الأمريكي (سدني بواتييه)، وهو الممثل الذي ترك بصمة خالدة في سجل الذاكرة الأمريكية، بل والعالمية عندما أدى دور طبيب زنجي أحبته أمريكية بيضاء ليتوجا ذاك الحب بعلاقة زوجية سعيدة خلال الستينات، وقد حدث ذلك عندما كانت التفرقة العنصرية مقننة في أمريكا، واسم الفلم هو (خمِّن من سيأتي الى العشاء)…
لكن إعجابي كان أشد بفلم له آخر إسمه (الى أستاذي مع التحية) أو (الى أستاذي مع حبي) بناء على الترجمة الحرفية، هذا الفيلم أجده من أفضل الأفلام التي رأيتها خلال حياتي قصة وسيناريو وأداء…
سأتحدث عنه قليلاً ثم أدلف إلى ذكرياتي مع العديد من الأساتذة الذين شكلوا سوحاً من وجداني وتركوا بصمات خالدات في حياتي…
هذا الفلم كان -في الأصل- أغنية انجليزية شهيرة غنتها مطربة بريطانية في بدايات السبعينات، وقد اعتاد الوالد رحمه الله -وهو الذي عمل لسنوات طويلة في السلاح الطبي الانجليزي- في ليبيا وأثيوبيا وأفريقيا الوسطى- الدندنة بها وهو المجيد للانجليزية والمعجب بالموجب من سمت الحياة الانجليزية ثقافة وأسلوب حياة، أسألك ياربي أن تغفر له وترحمه وتفتح له في مرقده بابا من الجنة لايسد، وتجعل الفردوس الأعلى له مستقرا ومقيلا، ويوم يقوم إليك الناس اسألك ياربي أن تهبه لذة النظر إلى وجهك الكريم، انك ياربي وليُّ ذلك والقادر عليه…
راجت تلك الأغنية في كل من بريطانيا وأمريكا وأصبحت أغنية شعبية تحكي عن القدرة على تحمل وتجاوز الصعاب بالنسبة للمعلم أو حتى لكل امرء تعترضه صعوبات تبدو في ظاهرها عصية بل ومستحيلة التخطي والتجاوز، ثم تحولت الأغنية إلى فيلم…
وهذا الحال لايستطيع مجابهته والتواؤم معه إلا ذووا القدرة الفائقة على التعامل الحصيف مع الشخوص استصحابا واستخداما للعديد من القدرات القيادية التي لا توهب الاّ لقلة من الناس أساتذة كانوا أم غير ذلك…
والحق أقول بأنني كم أفدت من هذا الفلم وكم راقني دور سيدني بواتييه فيه حيث أضاف لي الكثير من الايجاب خلال حياتي الماضية ولم يزل، ولعلي بذلك أصبحتُ لا أجد نفسي الاّ في بيئات التحدي التي تتطلب كاريزما بعينها يمكن للمرء من خلالها التعامل مع الأحداث، وأجد في ثنايا ذلك امتاعا كبيرا وأنا أتخير زوايا النظر الموصلة إلى الحلول فأسعى جاهداً إلى تذليل العقبات والصعاب للخلوص إلى مراداتي وميس بغيتي…
كم كان التحدي كبيرا على الأستاذ سيدني بواتيه وهو يتعامل -لأول وهلة- مع تلاميذ أقل مايوصفون به أنهم لا أدب لهم، لا (قليلي أدب)!…
ويكفي أن يُعلم بأن جل تلاميذ تلك المدرسة كانوا (مرفودين) من مدارس أخرى!…
أولئك التلاميذ (البيض) ظلوا يعيرونه بلونه الأسود استصحابا لحال المجتمع الأمريكي الذي لا أكاد أجده برء من هذا المرض العضال…
وهؤلاء التلاميذ لم يكن فيهم من يرغب -حتى- الاستماع إليه وهو يلقي الدرس، ولا أحد منهم يسعى الى أداء الواجب البيتي…
لكن بواتييه وضع لنفسه مآلا وميسا أقسم على نفسه بأن يحققه، ليس انتصارا لنفسه بل محبة لهؤلاء الصغار الذين تكالبت عليهم العديد من المؤثرات الخارجة عن ارادتهم لتحيلهم إلى واقعهم ذاك…
وما أعظم الحب يا أحباب عندما يكون لنا موئلا ومناطا للتعامل مع الآخرين!
وبالمناسبة، لا أدري متى كان تأريخ انتاج مسرحية مدرسة المشاغبين لعادل أمام وبقية المبدعين الراحلين من نجوم الكوميديا المصرية، لكنني لا استبعد أنها قد جاءت بعد فيلم (إلى استاذي مع التحية)، فعندما شاهدت المسرحية لأول وهلة وكنت قبلها قد شاهدت الفيلم وجدت بعض الشبه بينهما، وكذلك شبه في بعض أدوار الممثلين هنا وهناك ومنها دور الممثل أحمد زكي.


ودور سيدني بواتيه في فيلم إلى (استاذي مع حبي) لم يخلو من بعض المظاهر الكوميدية، لكنها كوميديا في داخل الاطار التراجيدي الحزين، وكم تكون الكوميديا مؤثرة عندما تكون في هذا السياق، اذ تكون المعاني والمرادات فيها من العمق والاجادة بمكان، لكونها تشتمل على مضامين عديدة تذكي في نفس المشاهد الكثير من المشاعر والعبر، بينما أدوار عادل امام وسعيد صالح ويونس شلبي وسهير البابلي انحصرت في الاضحاك فقط…
قال سيدني بواتييه عن ذاك الفيلم:
عندما عُرض عليّ الدور أعجبني جدا، لكنني علمت بأن الأمر ليس بالسهولة التي يبدو بها، فما كان مني الاّ أن عمدت إلى كتب علم النفس أقرأ فيها الكثير عن طبائع النفوس البشرية، فسلوك التلاميذ الصغار ماهو الاّ ترجمة واقعية لما يدور في بيوت الناس من قناعات يستقيها الأطفال لترسخ في ذواكرهم وافهامهم، وهم بالقطع لا يلامون على كل الذي يبدر منهم لانتفاء الوعي والادراك لديهم، إذ اللوم جله يقع على الأسرة والمجتمع من حولهم، فما كان مني الاّ أن جلست مع المنتج والمخرج لأعطيهم انطباعاتي ورؤاي للدور الذي سأقوم به فوافقا على ذلك مشكوران…
دور سيدني بواتييه هذا رأيته بأم عيني في سمتِ البعض من أساتذتي ممن عانوا الأمرين تعاملا مع صنوف من زملائي التلاميذ والطلبة، لكونهم بذهنيات وخلفيات متباينة، وقد قدر لي الدراسة في مدارس عديدة ومناطق مختلفة من مدن وقرى السودان نتاج أسفار اكتنف عمل الوالد الذي كان يعمل في الحقل الطبي (مساعدا طبيا) إلى أن لقي ربه مشمولا برحمة الله وغفرانه بحول منه ومنة…
ولان تساقطت صورٌ لوجوه عديدة لاساتذة ساهموا في تشكيل وجداني فإن وجه أستاذي الفاضل- ابن الاراك الحبيبة إلى النفس- (عوض عباس)، لم يزل في الخاطر كالبدر ينير منّي الوجدان ومن ثم الدروب، إنه لعمري رجل يصفه قول الذي قال:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أولٌ وهي المحلُّ الثاني
فاذا هما اجتمعا لنفس حُرّة
بلغت من العلياء كل مكان
وهو أيضا كم يصدق فيه قول الشاعر إذ يقول:
قم للمعلم وفِّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
فقد كان -أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية والرضوان- يلج الى الفصل ويسأل عن الحصة ثم يقوم بتدريسنا اياها، علوما كانت أو لغة عربية أو انجليزية أو رياضيات!…
لقد تعلمنا على يديه كيف يكون تمام التوحيد، وأنّى للمرء بأن يتصالح مع نفسه، فالرجل برغم كونه معلما للرياضيات الاّ انه علمنا أسس التلاوة، وشرح لنا مبادئ التجويد، وحينها لم يكن التجويد مقررا في مدارسنا، بل لم يكن معلوما إلا لقلة…
ومن الوجوه كذلك وكيل مدرسة كريمة الثانوية في ابتدارات الثمانينات الأستاذ والمربي الفاضل إبراهيم أحمد طه، والذي اعتاد الناس تسميته (التكاسي) رحمه الله وجعله من أهل الفردوس الأعلى،
استاذ ابراهيم هذا حدثت لي معه قصة طريفة عندما عدنا من الإجازة التي تسبق ولوجنا إلى الصف الثالث الثانوي حيث يوزع الطلبة -ولا اقول يتوزع- إلى المساقات الثلاث عملي (رياضيات وأحياء) وادبي، فإذا بي أجد اسمي قد أدرج مع أهل المساق العلمي رياضيات، فما كان مني إلا أن ذهبت إليه في مكتبه أشكو فقال لي:
– يعني عاوز تمشي علمي أحياء
فرددت عليه بأن لا، عاوز امشي أدبي…
فذهل الرجل لاجابتي وطلبي وهو يعلم امتيازي في المواد العلمية، وظل يحادثني لاعدل عن قراري، وعندما تبين له اصراري على ذلك طلب مني الذهاب إلى الفصل ووعدني بأن ينظر في الأمر، واذا به يذهب إلى والدي الذي كان يعمل مساعدا طبيا في مستشفى كريمة ويخبره بالأمر، ثم استطاعا سويا اقناعي بالتحول إلى المساق العلمي (أحياء)، وإذا بي اليوم من أهل الكيمياء…
استاذ ابراهيم احمد طه هذا رحمه الله، اشهد بأنه من اكفأ الإداريين الذين مروا على مدارس السودان الثانوية، وهو من قبل ذلك معلم مافتئت صورته محفورة في أذهان كل من علمهم اللغة الإنجليزية في مدرسة كريمة الثانوية وسواها.
وكذلك من الوجوه التي رسمت في مخيلتي ولا اخالها تمحى، الأستاذ (قرشي)، معلم الكيمياء في مدرسة سنار الثانوية والذي كان له الفضل من بعد الله في أن يحبب الكيمياء إلى جل طلبة المدرسة ممن درس المساق العلمي، فإذا بها تصبح مهوى قراءاتي وموئل تخصصي ومن ثم مصدر رزقي إلى يومي هذا.
والأسماء كثر ولولا خشية الإطالة لعددت الكثير وكلهم كانت لهم بصماتهم الوضيئة على وجدان تشكل إيجابا بحمد الله، فكانوا العون الأكيد للانتشار في الأرض لنبتغي من فضل الله في عوالم حياتنا العملية، وها قد بقى من العمر أقل مما مضى بكثير، فالله أسأل لهم الرضى وطول العمر لمن لم يزل على قيد الحياة، والرحمة والمغفرة لمن مضى إليه راضيا مرضيا.
adilassoom@gmail.com

عادل عسوم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

عادل حمودة يكتب: البوسطجي

يحمل القدر الكثير من المفاجآت.. تنتظره من الشرق فيأتيك من الغربتستعد لاستقباله فى غرفة المكتب فيخرج لك من تحب عقب البابتنتظر من نقيب الصحفيين أن يساند جريدة فى أزمتها فيكتفى بإثارة الغبار فى واقعة فردية

لجأت صحفية من «الفجر» إلى النقابة تشكونى مما لم أفعل فقامت قيامة النقيب ومساعديه وانهالوا علينا بالتليفونات والخطابات والإنذارات والتهديدات.

ولكن ما إن تعرضت «الفجر» إلى أزمة أجبرتها على التوقف عدة أسابيع لتتمكن من حلها حتى سارع مديرها العام «محمد درويش» بإبلاغ النقابة لعلها تؤدي دورها تجاه عشرات المحررين في الجريدة الورقية والنسخة الإلكترونية الذين تضرروا مما حدث، ولكن لم نسمع من النقيب ومساعديه المناضلين سوى صمت القبور.

وبدا واضحا أن آخرهم إثارة الصخب فى واقعة واحدة لم يدرسوها جيدا لعلها تشعرهم ببطولة الإنجاز فإذا ما واجهوا مشكلة حقيقية تمس صلب وجودهم وتثبت مدى حكمتهم أغمضوا أعينهم ووضعوا فى أذن طين وأخرى عجين، بل أغلب الظن أن لا أحد منهم قرأ بلاغ الاستغاثة الذي أرسلته «الفجر» وقع باستلامه موظف في مكتب النقيب.

وأغرب ما حدث أن عضوا في مجلس النقابة اتصل بمدير التسويق في «الفجر» ليناقش معه المشكلة دون أن يعرف العضو المبجل أن مدير التسويق ليس هو الشخص المناسب الذي يجب أن يلجأ إليه، والأكثر غرابة أنه هدده بعظائم الأمور إذا لم يحل المشكلة وديا.

وعندما سأله المدير العام: «هل ستسدد النقابة أجور المحررين أصحاب الشكوى؟» أجاب وكأنه أمسك الذئب من ذيله: «لا ولكن سنرفع الأمر إلى المجلس الأعلى للإعلام».

ولم يملك المحررون سوى أن يقولوا له: «برافو. برافو. برافو. حقيقة أنت خير من يمثل الصحفيين ويدافع عن مصالحهم فى مجلة البريد».

ولو كان صحفيا محترفا كما سمعت ونقابيا يقظا كما يدعي لعرف أن إدارة «الفجر» سبقت النقابة بأسابيع فى رفع الأمر إلى المجلس الأعلى.

لم تكن «الفجر» في انتظار عبقرية سيادتك

كما أن رجال «الفجر» هم الذين أنفسهم الذين حلوا المشكلة وأعادوا الحياة إلى الصحيفة التى صدرت منذ عشرين سنة ولم يكن للنقيب ومجلس النقابة فضل في الحل.

لكن الأهم أن دور النقابة على ما يبدو انحصر فى وظيفة «البوسطجى»، ليس في مشكلة «الفجر» فقط وإنما في مشاكل أخرى تواجهها أيضا.

لا تستطيع النقابة أن تحل مشكلة عدد من أعضائها لا يتقاضون البدل النقدى الشهرى فلا يذهب النقيب أو من يفوضه إلى وزير المالية للتفاهم معه فى زيادة المخصصات لحل المشكلة وإنما يستسهل مجلس النقابة التصرف بأن يكتفى بدور البوسطجي ويرفع الأمر إلى المجلس الأعلى للإعلام.

وما إن يلجأ صحفى يختبره الله فى صحته إلى النقابة لتساهم فى علاجه كما وعد أعضاء مجلس في برامجهم الانتخابية حتى يجمع النقيب التقارير الطبية ويرفقها بخطاب يرسله إلى المجلس الأعلى للإعلام طالبا منه أن يستر موقفه ويسدد المطلوب نيابة عنه.

لم يزد دور النقيب هنا عن دور البوسطجي وهو دور يجعلنا نتساءل: هل هو دور يرضيه؟ هل يكفيه؟ هل يناسبه؟ هل يقبله الصحفيون؟

ومن سوء الحظ أن النقابة لم ترسل إلى المجلس الأعلى للإعلام لينوب عنها في التفاوض مع معامل التحاليل المعروفة والموثوق بها بعد أن فشلت في إقناعها بالاستمرار بدعوى زيادة الأسعار دون أن تنظر إلى ضرورة الحصول على نتائج تحاليل دقيقة تسهل على الطبيب تشخيص المرض تشخيصا سليما.

وتعاقدت النقابة مع معامل لم أسمع عنها من قبل وليس لها على ما يبدو ما يكفي من فروع ليسهل على أعضاء النقابة الوصول إليها مهما بعدت مساكنهم.

وما يثير دهشتي أن بعضا من أعضاء مجلس النقابة غير معروفين مهنيا وليس في أرشيفهم ما يستحق الانتباه ولو أعيد عرضهم على لجنة القيد لرفضتهم بالثلاثة ورغم ذلك يتصرفون وكأنهم ملكوا المهنة وما فيها.

لكنها الانتخابات التي غالبا ما يحكمها التصويت العقابي لرفض مرشح ما فيفوز مرشح آخر بها ولو لم يكن مناسبا.

في الانتخابات نحن لا نعرف ما لا نريد ولا نعرف ما نريد

إن التغيير هو الشيء الثابت الوحيد في الحياة كما نبهنا الروائي الروسي «ليو تولستوي».

أشكالنا تتغير وأفكارنا تتغير ومفرداتنا تتغير ومهمة النقابة يجب أن تتغير وإلا ما الفرق بيننا وبين الحجر؟

إن الصحافة نهر خالد يتدفق باستمرار ويتغير باستمرار ومن الظلم أن لا تكون نقابتها فى نفس عظمته.

 

مقالات مشابهة

  • سياسي أنصار الله: دماء القادة الشهداء هي مشعل المقاومة ووقود حركتها والطوفان المتجدد الذي لن يتوقف إلا بزوال إسرائيل
  • سياسي أنصار الله: دماء القادة الشهداء مشعل المقاومة ووقود حركتها والطوفان الذي لن يتوقف إلا بزوال إسرائيل
  • علي فايز سكرتيرا عاما مساعدا لقطاع الصعيد بـ «حزب الوعي»
  • عادل حمودة يكتب: البوسطجي
  • عادل حمودة يكتب: الجيوب والقلوب
  • خالد الجندى: عندما نتحدث عن الله سبحانه وتعالى نستخدم المصطلحات الدقيقة
  • بولبينة يوضح ويقدم اعتذاراته لأنصار اتحاد العاصمة
  • مثل الشهيد مازن كمثل الصحابي الجليل عمرو بن ثابت الذي حفظ الله جسده من الأعداء
  • عندما تسحرك الطبيعة فتعيش أجوائها
  • في اليوم العالمي لملائكة الرحمة.. تعرف على رساله بابا الفاتيكان لهم