لعل سائل يسأل ما حقيقة هذا العنوان، وما الذى يريد أن يبينه كاتبه.
نقول لقد أثارت حفيظتى الأرقام الفلكية لتذاكر بعض الحفلات فى الساحل الشمالى والعلمين وغيرهما، فضلا عن ما نراه من سفه البعض، زواج الكلاب ومن ينفق آلاف الجنيهات كمصروف يومى له.
أو من يطل علينا بوجهه الكالح قائلا من الممكن أن تشترى فيلا بمبلغ بسيط عشرة ملايين من الجنيهات أو من يقضى ثلاث ليال بمئات الآلاف من الجنيهات، ما هذا العبث، ما هذا السفه، ما هذه الفوضى؟
أليس كل ذلك مدعاة إلى التساؤل، إلى أين نحن ذاهبون، ولماذا اللعب على دغدغة مشاعر الناس.
لا شك أننا نعيش الآن حالة من الفوضى العارمة، وحالة من التخبط والتناقض، فلم نستطع التمييز بين الصواب والخطأ، بين الحق والباطل، بين الخير والشر.
وللأسف الشديد نفنى أعمارنا لاهثين خلف مآربنا، قد تكون هذه المآرب حسنة عند بعض الناس، وقد تكون خبيثة عند البعض الآخر.
فهناك من يقضى حياته باحثا محققا مدققا منظرا وهذه مآرب طيبة وهذه مساعى العلماء الذين يعملون فى صمت دون كلل ولا ملل راضين بما حققوه لا تحركهم نزعات مادية، غير مبالين بما يشاهدونه من بهرجات وزخارف الحياة المادية من سيارات فارهة وقصور ورفاهية عيش مقتنعين أن رسالتهم هى رسالة الأنبياء عليهم السلام.
وهناك من يفنى عمره لهاثا بحاثا، لكن لهاثه وبحثه من نوع آخر، دنيا يصيبها، وامرأة يتزوجها يقضى متعته معها ثم يبحث عن لذاته مع أخرى محاولا أن يشبع نهمه وغرائزه وشهواته، مقتنعا أن هذه هى الحياة وأننا يجب أن نعيشها كما هى، فالشهوة مباحة ولا ينبغى علينا ألا نستحى فى إشباعها وهذا قول الابيقورية ومن قبلها القورينائية، فاللذات الحسية مباحة ومرغوب فيها ظنا من هؤلاء وأولئك أن اللذة تحقق السعادة للإنسان طالما نمتلك مقوماتها وبأيدينا مفاتيحها من مال أو جاه أو سلطان.
وهذا الجمع يصدق عليه قول الله تعالى (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل)
وقوله تعالى (أولئك كالأنعام بل هم اضل)، وإذا ما حاورت أحدهم فى أى موضوع حتى فى لماذا أنت كذلك ولماذا تفعل ذلك تجد ردود مقززة لا ترقى حتى إلى أدنى درجات الحوار اللهم إلا تمتمات وكلمات هزلية تستشعر معها أنك تتحدث مع إنسان مغيب فاقد الإحساس، فاقد الهوية، نهاره ليله وليله نهار، كثرة المال اصابتهم بالتخمة فصاروا طغمة ضآلين مضلين غير نافعين لا لأنفسهم ولا لأسرهم ولا لمجتمعهم، اللامبالاة منهجهم فى الحياة، ينظر إليهم صاحب الأفق الضيق الذى يصب جم غضبه على واقعه وحياته لفآقة أصابته أو لضيق فى الرزق، ينظر إليهم نظرة حسد ظنا منه أن هؤلاء هم السعداء فى حياتهم، لا والله لو تدبرت حالك وحالهم لتيقنت أنك أنت السعيد الحقيقى أنت من صدق فيك قول النبى صل الله عليه وسلم، من بات آمنا فى سربه معافى فى بدنه، يجد قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الصواب والخطأ الحق والباطل
إقرأ أيضاً:
ظواهر من الحياة
سؤال يدور في ذهني ويعصف بفكري: هل الزمن تغير أم البشر تغيروا؟ سأكتب في مقالي عن بعض الظواهر المعينة والمهمة، وسأتحدث أولًا عن «صلة الأرحام»: صلة الأرحام واجبة، لقوله تعالى في كتابه العزيز: ﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ...﴾ «سورة البقرة: الآية 83».
صلة الرحم هي أقرب إليك في إهداء الكلمة الطيبة، وفي الإنفاق، وفي التصدق، وفي زيارة المريض، وفي نواحٍ كثيرة تستطيع أن تقوم بها، ولكن -للأسف- في هذا الوقت أصبحت قلوب البعض مشحونة بالحقد والحسد والغضب لأقرب الناس، وانقطعت الزيارات بحجة «الظروف»، أيُّ ظرفٍ هذا الذي تستسلم إليه؟ أيُّ ظرفٍ هذا يجعلك قاسي القلب على أخيك أو أختك أو حتى والديك؟
خصص لهم وقتًا واترك الزعل بعيدًا، فإذا كنت قد زعلت منهم لموقفٍ ما، أو سمعت خبرًا لست متأكدًا من صحته، فلا تجعل ذلك حاجزًا بينك وبينهم، امشِ بين الناس محبوبًا، وقدم الخير دائمًا، وواجبك تجاه أهلك أن تصلهم، وتجالسهم، وتشاركهم في أفراحهم وأحزانهم.
في السابق، كان الناس يهتمون بصلة الرحم، ويكثرون من الزيارات في كل وقت، ولم يكن هناك موعدٌ محددٌ لزيارة والديك، أو عمك، أو خالتك، أما الآن، فأصبحت الزيارات تتم بمواعيد مسبقة، وقلت اللقاءات بحجة «الظروف».
الظاهرة الثانية هي: العادات والتقاليد من ناحية «اللباس»، للأسف أشاهد تغيرًا كبيرًا بين عاداتنا وتقاليدنا سابقًا وبين وقتنا الحاضر، لباس الرجال هو الدشداشة العُمانية ذات اللون الأبيض الناصع، وغطاء الرأس هو الكمة أو المِصر، وهنا أتحدث عن أن البعض أصبح يواكب الموضة، ويا لها من موضة غريبة دخيلة سيطرت على عقول شبابنا، أنا شخصيًا أسميه «التقليد الأعمى»، حيث يرتدي كلا الجنسين، الولد والبنت، الملابس الضيقة، والألوان المخلوطة، والرسومات الغريبة، ناهيكم عن تسريحات الشعر.
ومن ناحية أخرى، نجد أن البعض يذهب لتأدية الصلاة بملابس النوم «البجامة»، كيف ذلك؟! لو أتينا وقارنا ذهابك إلى مناسبة مهمة، هل سترتدي هذا اللباس؟ لا، بالطبع ستلبس وتختار أجمل الثياب، وتضع أحلى العطور، للأسف الشديد، هذا هو حال البعض، كان اللباس أو الزي التقليدي مصدر فخر لنا، لا سيما في أيام المناسبات.
الظاهرة الثالثة: «جلوس الأبناء خلف الشاشات الإلكترونية لساعات طويلة»، لا رقيب ولا حسيب! وهذا واقع للأسف يجب الحد منه، والتنويه بخطورته، والانتباه والحذر الحذر، أكيد سمعت، عزيزي القارئ، عن أضرار هذه الظاهرة، وما يعاني منه أبناؤنا من مضار صحية واجتماعية -وخاصة الأطفال- تخيل طفلًا في عمر الأربع سنوات يمسك جوال أحد والديه بحجة أن يصمت ويلهو مع هذا الجهاز السام، بدلًا من صراخه وإزعاجه! أيهما أفضل: إزعاجه وصراخه أم انعزاله بعيدًا عنك، أيها المربي، حتى يصاب بعدة أمراض تفقده للأبد؟!
أطفالكم أمانة، كونوا معهم، وراقبوهم، كانت الأسرة في السابق تجتمع في مكان واحد في البيت، بحب وود وترابط أسري، يستمعون لبعضهم البعض، ويتشاركون أحزانهم وأفراحهم في قالب ممزوج بالتعاطف الأسري، كانوا يتشاركون الأكل في صحن واحد، أما وقت اللعب فكانوا يمارسون الألعاب الشعبية التي تتطلب الحركة والنشاط البدني، يا لها من أيام لن تعود، أما الآن، فقد حلَّت محلها الألعاب الإلكترونية، والجلوس لساعات طويلة أمام الشاشات، مما تسبب في أمراض العصر المزمنة، وقلة الحركة، واضطراب النوم، حتى ضعفت أجسادهم ومرضت.
وكثيرة هي الظواهر والسلوكيات التي يمارسها البشر في مختلف مجالات الحياة، ولكن يبقى الفكر والتطور هما ما يحددان للإنسان الصواب، ويجعلانه يبتعد عما يسمى بـ«التقليد الأعمى»، ويمارس متطلبات الحياة وفقًا للصواب، سعيًا نحو الأفضل والأحسن.