القاعدة في أمريكا هي: لا تعادي أحدًا بسبب نجاحه، إما أن تنجح مثله وأفضل، أو تتعامل معه بواقعية حتى تقوى شوكتك. “If you can’t beat them, join them”
كانت الندوة الافتراضية مليئة بالحيوية مع السفراء الأمريكان تيبور ناجي وديفيد شين وعدد من متحدثي القرن الأفريقي. استغرقت الجلسة خمس ساعات، والمجموعة التي احتضنت اللقاء هي المجموعة الأمريكية لمناصري السلام في القرن الأفريقي.

هذه المجموعة – بالرغم من وجودي فيها – لا أشك أنها جزء من اللوبي الإثيوبي. أناقشهم في هذا كثيرًا ونختلف، ويميلون إلى تجاهلي لفترة، لكن في النهاية يحرصون على وجودي ويستعيدون العلاقة. عمليًا، لن تنجح أي مجموعة أخرى، لأن أعضاء القرن الأفريقي الآخرين ليست لديهم رغبة في أي عمل حقيقي. المغامرات السياسية والاستخباراتية لا تنفع، بل ستفضح الدول المشاركة فيها. صناعة اللوبيات أمر مختلف تمامًا، والإثيوبيون هم الأنجح في القرن الإفريقي، بينما الآخرون فاشلون.
في فترة ازدهاره، تعامل اللوبي الإثيوبي في أمريكا معنا بتعالي وغطرسة، وأقصد بـ “معنا” ممثلي القرن الأفريقي أو شرق أفريقيا في الحراك الأمريكي، خاصة في المحاضرات والندوات، وتحديدًا أنا وصديقي الصومالي، مستشار وزير الدفاع. اضطررنا للتنسيق معًا، حيث لا يوجد لوبي صومالي أو سوداني، وقد يستغرب البعض عندما أقول إنه لا يوجد لوبي صومالي رغم وجود إلهان عمر وآخرين في قمة المجتمع السياسي الأمريكي.
السبب هو أن اللوبي الموجود يهتم بحماية الصوماليين وقضايا الأقليات في أمريكا، ويدعمهم للوصول إلى المناصب، لكنه لا يهتم بالدولة الصومالية. إذا ناقش قضاياها، فإنه ينقسم، بما في ذلك قضية أرض الصومال.
لا يوجد لوبي سوداني، لكنني أتوقع قيامه، لأن العقبة الكؤود قد زالت، وهي العصابات السياسية التي كانت تختزل دور السودانيين في المهجر في التحريض ضد السودان، حتى أصبحوا مجرد أدوات لتمرير العقوبات والقرارات. الآن، هناك كثيرون كسروا هذا القيد القذر.
هناك قائمة طويلة من اللوبيات الأفريقية والعالم-ثالثية، لكن الأخطر في أفريقيا هو اللوبي النيجيري. ازدهر في عهد ترامب، واستمرت العلاقة رغم حديث ترامب المسيء عن أفريقيا وقراراته بحظر بعض الدول الأفريقية، بما فيها نيجيريا، من الفيزا الاعتيادية. السبب هو أن اللوبي مؤسس على مصالح نفطية مستقرة وفيه بليونيرات. للأسف، أثر هذا اللوبي في توجهات نيجيريا الاستقلالية والأفريقانية، والدليل أن (بانكولي) في الاتحاد الأفريقي استخدم نفوذ نيجيريا ضد السودان.
بعد ذلك، تأتي قائمة طويلة من لوبيات أمريكا الجنوبية والوسطى، التي تهتم بقضاياها، لكنها ترفض الاحتلال الإسرائيلي وتدعو لحل الدولتين بقوة تفوق بعض الدول العربية. بالنسبة للبعض منهم، تقليل الضرائب على أندية البلياردو أهم من السياسة الخارجية، لأنهم يمتلكون معظمها في بعض المدن. ولذلك هي لوبيات جيدة ولكنها أحيانا أخطر من أمريكا نفسها.
العمود الفقري لجماعات “اللوبي الإثيوبي” هو المثقفون والناشطون والناجحون من الأمهرا. هم الأكثر تنظيمًا وفعالية في المجتمع الأمريكي، خاصة في واشنطن العاصمة ومكتب عمدة المقاطعة، حيث نجحوا في اعتماد اللغة الأمهرية في واشنطن. هم أذكياء ودهاة، لذلك لا يهملون القوميات الإثيوبية الأخرى وينحازون لها عند الحاجة. هم يحتلون الحيز الأكبر في قضايا القرن الأفريقي ويتحملون النقد من أعضاء القرن الأفريقي فقط.
فترة ازدهار اللوبي الإثيوبي كانت عندما تحالف أبي أحمد مع الأمهرا واعتمد عليهم في “حرب التقراي”. لولاهم لما استطاع صد الهجوم الدبلوماسي العنيف في أمريكا والغرب، ثم تموضع بعد ذلك ليصد الهجوم عسكريًا بصفقات الطائرات المسيرة التي تمت بضوء أخضر أمريكي، واستطاع في النهاية منع التقراي من دخول أديس أبابا.
اللوبي الإثيوبي الأمريكي لم يكن على وفاق تام مع حكومة ملس زيناوي، إلا في قضيتين لا يمكن التمييز فيهما بين المعارضة الإثيوبية والحكومة: قضية سد النهضة وشروط صندوق النقد الدولي.
القضية الأولى معروفة، أما الثانية، فأفسر انحياز الإثيوبيين في المهجر لحكوماتهم ضد شروط المؤسسات المالية الدولية بأن التوجه العام بينهم تاريخيًا هو الاشتراكية. الكبار فيهم غير مقتنعين بالاقتصاد الحر، حتى وإن كانوا رجال أعمال ومليونيرات حققوا ثرواتهم في أمريكا من خلال الاقتصاد الحر.
عندما يضعف اللوبي الإثيوبي ويتصدع، يلجأ إلى واجهة عريضة وهي “القرن الأفريقي”، ويعيد البحث عن الشخصيات المؤثرة للتأكيد على تمثيل مصالح الشعوب والدول في شرق أفريقيا. لولا ذلك، لما تمت دعوتي للتحدث في المنصة جنبًا إلى جنب مع شخصيات أمريكية بارزة، مثل السفير تيبور ناجي، مساعد وزير الخارجية لشؤون أفريقيا، والسفير البروفيسور ديفيد شين.
السفير ديفيد شين كان يتحدث في الندوة بما تعلنه الخارجية الأمريكية، واضعًا على لسانه فقرات من بياناتها. كان نسخة من بلينكن وتوم بريليو، وهذا تقزيم لدوره وتاريخه، لقد كان من أعز أصدقاء السودان في مفاوضات رفع العقوبات الإقتصادية عندما برز دور “مركز المجلس الأطلنطي”.
تيبور ناجي أصلاً بيني وبينه مكاتبات عبر الإيميل، ومقالات بسبب موقفي المؤيد لأمريكا في انتخابات الكونغو عام 2018، التي رفضها الاتحاد الأوروبي بحجة أنها ستعيد إنتاج نظام كابيلا الفاسد ولوجود الحرب في بعض المناطق. رفضها أيضًا الحزب الديمقراطي في عهد ترامب، بل كان الرفض داخل وزارة الخارجية الأمريكية، حيث كان تيبور ناجي، المهاجر الهنغاري العنيد، ممسكًا بالملف الأفريقي بإحكام. جرت الانتخابات، وكانت واقعية، ولم يتم التصويت في أربع محافظات وعدد من المدن بسبب الحرب. كانت هذه أول انتخابات بعد خروج المستعمر البلجيكي من الكونغو.
نجح ترامب ونجح تيبور، واستقرت الكونغو، لكن ماذا حدث في عهد بايدن؟ مجموعة من مزدوجي الجنسية، بينهم أمريكان وكنغوليون، يتزعمهم ناشط أسس حزبًا كنغوليًا في المهجر الأمريكي، خططوا ونفذوا محاولة انقلاب على الرئيس المنتخب فيليكس تشيسكيدي. يواجهون الآن الحكم بالإعدام، رغم حيازتهم جوازات أمريكية وأوروبية.
في جلسة سابقة، سألني صديق أمريكي: “هل تتوقع أن تجرؤ حكومة الكونغو على إعدامهم؟” قلت له: “لا أتوقع”، لكن حذرته من القصة المعروفة بأن السفير الفرنسي في أول سنة بعد استقلال الكونغو ذهب للنزهة في غابة مع زوجته، فأكلهما بعض البدائيين. بعد غضب فرنسا واعتذارات الكونغو، تبين أن السفير كان مخطئًا بتوغله في غابة سيئة السمعة دون علم السلطات ودون حراسة، كان لقمة بيضاء شهية بالنسبة لهم، ولكن فرنسا طالبت بتعويض مالي ضخم لتهدئة الرأي العام الفرنسي. حينها ردت حكومة الكونغو ببرود: “لا نملك هذا المال، ولذلك نقترح عليكم أكل سفيرنا من باب التعامل بالمثل”. بالطبع، كان علي أن أقول “لا أتوقع” بطريقة جازمة قبل أن أروي هذه الكوميديا السوداء.
لا يفوتني ذكر حديث قوي من تيبور ناجي، وأعتقد أنه كان ردًا على ديفيد شين نفسه، حيث تحدث ديفيد عن انحياز السودان لمصر في قضية سد النهضة. قال تيبور بكل جرأة: “في حالة تخيير أمريكا بين مصر وإثيوبيا، سنختار مصر. قد يكون هذا غير عادل، لكن أحيانًا لا بد أن تختار.”
بالطبع، الإثيوبيون كانوا أذكى من مهاجمته، امتصوا الصدمة وردوا عليه بلطف ودهاء.
هل يجب أن يعتبر الناس هذا الموقف لصالح مصر؟ الإجابة عندي أنه فخ استراتيجي، لأن المنطق ذاته يُستخدم لاحقًا لاختيار مصالح إسرائيل ضد مصر وكل العرب.
هنا يكمن الخطر في الاعتماد على الخيارات الأمريكية، لأن إثيوبيا ببساطة تذهب وتتحالف مع إسرائيل (أو احد وكلائها) وتستقوي بهما ضد مصر، ثم تعود لتفضلها أمريكا مرة أخرى (بالشباك) بعد أن خرجت من (الباب).
لذلك ما أردده دوما، خروج دول المنطقة من منهج التعاون لمنح الخارج فرصة في إدارة الصراعات الاقليمية سيفضي إلى خسارة الجميع في النهاية، لا بد من التعاون بين مصر والسودان وإثيوبيا، وضرب مخطط الصراع المدار خارجيا.

https://alrewayaalola.net/الجلسة-مع-تيبور-وديفيد-واللوبي-الإثيو/

مكي المغربي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القرن الأفریقی فی أمریکا

إقرأ أيضاً:

أغرب الصور الطبيعية خلال 2024.. نمر عجيب وجنين وحيد القرن ومفارقة نادرة

مع اشتهار ناشيونال جيوجرافيك بالصور الخلابة، يُظهر إصدارها الأخير من صور العام وتحديدا لشهر ديسمبر 2024، أكثر الصور المذهلة التي تم التقاطها خلال هذا العام والتي وصفتها بـ«صور تلتقط عجائب عالمنا»، فكيف ظهرت عجائب العالم؟.

بحسب موقع «دايلي ميل» اختارت ناشيونال جيوجرافيك من بين نحو 2.3 مليون صورة، 20 صورة مذهلة من شأنها أن تثير الأفكار وتذهل العقول، والتي نشر الموقع البريطاني أبرزها.

ويستعرض «الوطن» في السطور التالية أغرب الصور التي اختارتها ناشيونال جيوجرافيك لعام 2024:

نمر أسود نادر

ظهرت لقطة تضم نمرا أسود نادرا، وهو النمر المعروف بخطوطه المندمجة، حيث كان  يقوم بدورية في محمية سيميليبال للنمور في شرق الهند.

صورة مذهلة أخرى تم نشرها لطائر البطريق الإمبراطوري الصغير في القارة القطبية الجنوبية وهو يقفز من جرف يبلغ ارتفاعه 50 قدمًا للسباحة لأول مرة.

وشرحت ناشيونال جيوجرافيك صورة الطائر قائلة: «تتكاثر الأنواع عادةً على الجليد البحري المنخفض، ولكن تم العثور على بعض المستعمرات على أرفف جليدية أعلى وأكثر ثباتًا، وهو السلوك الذي من المرجح أن يصبح شائعًا بشكل متزايد مع تغير المناخ، بعد أن تركهم والديهم قبل شهر، يجب على الصغار أن يعتمدوا على أنفسهم ويجدوا الطعام عن طريق الصيد في البحر»؟.

صورة مذهلة أخرى كان بطلها بركان فويغو في جواتيمالا، والذي يثور باستمرار منذ عام 2002، تكشف ناشيونال جيوغرافيك: «إن المشي لمدة يوم واحد على توأمه الخامل، أكاتيناندو، وعبر الوادي يمنح المغامرين إطلالة من خط قمة فويغو، يمكن أن تحدث الانفجارات عدة مرات في اليوم».

مفارقة تحدث لأول مرة منذ 221 عاما

لحظة نادرة في عالم الحشرات، نشرتها ناشيونال جيوجرافيك أيضا، والتي وصفتها: «تقضي الحشرات الدورية 13 عاما في الأرض وبعضها يقضي 17 عامًا، ثم تخرج للتكاثر، وفي مايو ويونيو الماضيين، حدثت مفارقة للمرة الأولى منذ 221 عامًا، بظهور النوعين معا في وقت واحد في الغرب الأوسط وجنوب شرق الولايات المتحدة على التوالي، وملأت الهواء بالاهتزازات عندما نادت للتزاوج».  

آخر الصور التي اختيرت كانت لعالم في كينيا يحمل جنين وحيد القرن الذي يبلغ من العمر 70 يومًا، والذي تم الحمل به عن طريق التلقيح الصناعي (IVF)، ونفقت أمه البديلة بسبب عدوى بكتيرية.

مقالات مشابهة

  • تعرف على جوائز مسابقة الفيلم الأفريقي في ختام مهرجان القاهرة السينمائي
  • بيع أغلى عملة أمريكية غير ذهبية بملايين الدولارات.. ما سرها المذهل؟
  • تقرير عالمى: قرابة مليار طفل يعيشون فى دول تواجه مخاطر بيئية عالية
  • أغرب الصور الطبيعية خلال 2024.. نمر عجيب وجنين وحيد القرن ومفارقة نادرة
  • الاتحاد الأفريقي يكشف تفاصيل البعثة الجديدة في الصومال
  • عاجل - وزير الخارجية يصل إلى الكونغو الديمقراطية
  • حرب السودان والارتدادات الإقليمية.. روسيا وأبعاد جديدة للنفوذ في القرن الإفريقي
  • الاتحاد الأفريقي يحذر من خطورة الوضع في السودان ويدعو لتحرك عاجل
  • مفوض الأمن بالاتحاد الأفريقي :نشر البعثة في السودان مرتبط بوقف القتال
  • نافذة تيفاني تحطم الأرقام القياسية كأغلى قطعة من نوعها على الإطلاق