الحرب النفسية ورسائل التحدي في خطبة خامنئي
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
طهران- بعد مرور 5 أعوام على آخر صلاة جمعة أمّها المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي في يناير/كانون الثاني 2020، عقب هجوم بلاده الصاروخي على قاعدة "عين الأسد" التي تؤوي جنودا أميركيين في العراق، عاد به الهجوم الصاروخي على إسرائيل إلى المنبر ذاته.
وإن كان اغتيال القائد السابق لفيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني في غارة أميركية السبب وراء ذلك الهجوم، فإن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية يوم 31 تموز/يوليو الماضي، في قلب طهران، قد وضع الهجوم الأخير على جدول أعمال القوات المسلحة الإيرانية هذه المرة.
بيد أن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة إسرائيلية يوم الجمعة الماضي في الضاحية الجنوبية لبيروت قد سرّع في تنفيذ العملية الصاروخية التي سمتها إيران "الوعد الصادق 2" التي تأتي بعد مضي نحو 5 أشهر على عملية "الوعد الصادق 1" التي جاءت ردا على استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، مطلع أبريل/نيسان الماضي.
وعلى وقع الهجمات الإسرائيلية المتصاعدة على لبنان تارة وعلى سوريا واليمن تارة أخرى، ورغم تهديد تل أبيب بمهاجمة أهداف على الأراضي الإيرانية، حضر خامنئي قبل نحو نصف ساعة من أذان الظهر، وشارك في مراسم تأبين نصر الله، وخلال خطبته خص الشعبين الفلسطيني واللبناني بخطاب ألقاه باللغة العربية، في سابقة تعتبر الثانية بعد كلمته التي وجهها للشعوب العربية عام 2011 إبان تطورات الربيع العربي.
يفسر أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة طهران، كيومرث يزدان بناه، إلقاء المرشد الإيراني خطبته باللغتين الفارسية والعربية بأهمية الرسائل الموجهة إلى داخل بلاده وخارجها، مؤكدا أن أهمية خطبة الجمعة اليوم تعود إلى التطورات الدقيقة التي تمر بها المنطقة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير يزدان بناه إلى أن "كلمة المرشد جاءت في خضم التصعيد الإسرائيلي على عدد من الدول الإسلامية وتهديد الجمهورية الإسلامية، وعقب الهجوم الصاروخي الإيراني على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن هذه التطورات تزامنت عشية الذكرى الأولى لعملية طوفان الأقصى، والتطورات التي أعقبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
وبرأي الأكاديمي الإيراني، فإنه على الرغم من أن كلمة خامنئي كانت موجهة بالأساس إلى الشعبين الفلسطيني واللبناني، فإنه خاطب شعبه بالخطبة الأولى، مبينا له خطورة التطورات الإقليمية، والتهديد المحدق بالأمن القومي من جهة وبالأمة الإسلامية من جهة أخرى، مضيفا أن القيادة الإيرانية قد بينت لشعبها سبب انخراطها في التطورات الأخيرة وعدم تجاهلها ما يحدث في المنطقة.
وفضلا عن دعوته الجماهير الإيرانية إلى وحدة الصف والتضامن مع المناضلين الذين يدافعون عن مقدسات الأمة الإسلامية، يوضح يزدان بناه أن المرشد أشاد بصلابة القوات المسلحة الإيرانية في مهاجمة إسرائيل، وحثهم على "الاستبسال أكثر فأكثر في الدفاع عن السيادة الإيرانية، ورد الصاع صاعين علی كل يد تتطاول على الأمن الوطني".
وتابع أن خامنئي رسم صورة واضحة لشعبه حول العدو المشترك للأمة الإسلامية بقوله إن "عدو الشعب الإيراني هو العدو نفسه الذي يعادي الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين وغيرهم من شعوب المنطقة"، وإنه لا بد من تحرك جماعي لكبح جماح هذا العدو، وإن مصير الجمهورية الإسلامية مرتبط إلى حد بعيد بمصير تلك الشعوب في المنطقة.
وأضاف يزدان بناه أن المرشد الإيراني بعث رسالة دعم وقوة وأمل لفصائل المقاومة في المنطقة، مذكّرا إياها بالتجربة الإيرانية، حيث فقدت الجمهورية الإسلامية عقب انتصار ثورتها العديد من قادتها وعلمائها جراء الاغتيالات، وأكد لهم أن الاغتيالات الإسرائيلية لن تفلح في القضاء على مسيرة المقاومة، وأن الجنون الصهيوني لن ينتصر على حزب الله وحماس، بل سيفضي إلى تلاحم الشعوب، ويقربها من النصر النهائي.
ورأى الأكاديمي الإيراني أن قرار خامنئي مخاطبة شعوب المنطقة لا سيما الشعبين الفلسطيني واللبناني بلغتهم الأم يقضي على كل عنصر من شأنه أن يحول دون فهم الرسائل الموجهة إليهما، مؤكدا أن كلام المرشد أن "إيران ستقوم بما هو ضروري بقوة وحزم، ولن تتهاون ولن تندفع" يرسل رسالة دعم مبطنة للمقاومة حول وقوف طهران إلى جانبها، وأنها لن تتحرك وفق ما تريده إسرائيل.
وخلص إلى أنه فضلا عن الرسائل الردعية التي وجهها خامنئي إلى إسرائيل حول استعداد الجمهورية الإسلامية للدفاع عن نفسها ومصالح شعبها، فإنه بعث رسائل واضحة إلى الدول الغربية وداعمي تل أبيب، وحاول تعرية سياساتهم الخبيثة حيال شعوب الشرق الأوسط.
ويقرأ السفير الإيراني الأسبق في لبنان والأردن أحمد دستمالجيان كلمة المرشد في سياق ما اعتبره "خارطة طريق" رسمها للمرحلة المقبلة ومستقبل المواجهة مع إسرائيل، موضحا أن "خامنئي تحدى بالفعل الكيان الصهيوني الذي دأب على اغتيال قادة المقاومة خلال الفترة السابقة، من خلال حضوره العلني وبرفقة غالبية المسؤولين الإيرانيين".
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر دستمالجيان حضور رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ورئيس السلطة القضائية غلام حسين إيجئي صلاة الجمعة اليوم على وقع التهديدات بشن الكيان الإسرائيلي هجوما على بلاده "مؤشرا على شجاعة القيادة الإيرانية وثقتهم العمياء بقواتهم المسلحة".
وأضاف أن غياب شخصيات عسكرية وازنة عن خطبة الجمعة ومراسم تأبين حسن نصر الله، كرئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري، والقائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي، وقائد القوة الجوية في الحرس الثوري العميد أمير علي حاجي زاده، يدل على أن القوات المسلحة الإيرانية على أهبة الاستعداد للرد سريعا على أي مغامرة إسرائيلية.
ورأى الدبلوماسي الإيراني السابق أنه فضلا عن "الحرب النفسية التي شنها المرشد الإيراني، من خلال مواقفه في خطبة الجمعة ضد المحور الصهيوأميركي، فإن سلوكه ترجم لغة التحدي التي وردت في خطابه".
ووضح أن خامنئي دأب خلال العقود الأخيرة على مغادرة المكان سريعا بعد أن يلقي الخطبتين ويؤم الجمعة، ليؤم رجل آخر صلاة العصر، بينما حرص اليوم على إطالة فترة الحضور تحت السماء مباشرة، وأن يؤم صلاة العصر بنفسه، "حتى لا يترك مجالا للعدو لشن حرب نفسية ضد المناضلين والمقاومين".
وختم دستمالجيان بالقول إن المرشد الإيراني الأعلى كان دقيقا حتى في اختياره الكلمات، فهو عبر عن حزب الله تحت عنوان "الشجرة الطيبة"، وأبى أن يذكر اسم إسرائيل، وعبر عنها كونها "الشجرة الخبيثة"، وأكد أن "شعوب المنطقة ومقاومتها هي التي ترسم مستقبل الشرق الأوسط، ولا دور لكيان الاحتلال فيها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الشعبین الفلسطینی واللبنانی الجمهوریة الإسلامیة المرشد الإیرانی شعوب المنطقة
إقرأ أيضاً:
يجب حظر الحركة الإسلامية السودانية
بعض الأقلام النابهة والوازنة صاحبة القدر المعتبر من الموثوقية وعمق الرؤية، بذلت اطروحات الحلول المحتملة لوقف الحرب وإعادة بناء الوطن، فهادنت وتسامحت على المستوى النظري مع الحركة الإسلامية الحاملة لوزر إشعال الحرب، والمسؤول الأول عن إزكاء نار خطاب الكراهية وخطيئة قصم ظهر الوطن، بجعل ذهاب الجنوب الحبيب لخيار الانفصال ممكناً، إذ ما تزال تؤجج نار الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، هذا فضلاً عن سجلها الإجرامي الحافل بفظائع الإرهاب الدولي، وضلوعها في ارتكاب خطايا جنائية لا تعد ولا تحصى، لا تؤهلها لأن تكون جزءًا من المشهدين السياسي والأمني مستقبلاً، والمقارنة بينها وبين بيض جنوب افريقيا لا تجوز، لأن جرم نظام الفصل العنصري أقل بكثير من خطيئتها، فأنصار رئيس جنوب أفريقيا الأبيض "دي كليرك" سجنوا نلسون مانديلا ثلاثة عقود من الزمان، لكن لم يخرقوا رأسه بمسمار ولم يجلسوه على خازوق، ولم يقم الرجل الأبيض بتطهير عرقي ممنهج استخدم فيه الطائرات الحربية والقنابل المزوّدة بالمواد السامة تجاه السود، ولم يدفن آبار مياه الشرب وما دمر البنية التحتية، على العكس من ذلك، حينما كان الناشطون السود يتظاهرون ويقتلون بالسلاح (الخفيف) للبيض في الميادين، كان نفس هؤلاء البيض يبنون ويعمّرون، لذا بعد اكتمال مشروع التحرير الوطني قبل الزعيم الإفريقي بالحقيقة وصالح وصافح "دي كليرك".
إنّ الحركة الإسلامية السودانية يجب أن يكون مصيرها كمصير حزب البعث العراقي، الذي أحال العراق إلى ركام من الحجارة الأسمنتية والجماجم البشرية، فجاءت أنظمة حكم ما بعد الدمار وحظرته، وأمسى البعثيون في شوارع بغداد مثل كفار قريش بعد فتح مكة، نفس المآل يجب أن يلحق بهذه الشرذمة الغريبة الفكر، ولو كان هنالك دليل إدانة واحد يوجب حظرها، سيكون هو إشعالها للحرب التي قتلت مئات الآلاف من السودانيين، فلا يمكن بأي حال من الأحوال التسامح مع من حطم الوطن وأعدم المواطن، ورأينا الشعوب والحكومات الأمينة مع شعوبها من حولنا كيف حظرت التنظيمات الإرهابية، لعلمها التام بأنها جماعات تعمل من أجل التخريب ولا تؤمن بالوطن، فالبارحة صدر قرار حظر السلطات الأردنية لجماعة الإخوان المسلمين هناك، فالأجرب لا يُعاشر، ومن يهادن الأجرب يكتوي بالداء اللعين، على الكتاب والمفكرين السودانيين القيام بدورهم الغيور على الأرض والعرض، وأن لا يسمحوا لأقلامهم بأن تمنح أفراد هذا التنظيم المتطرف بارقة أمل العودة لمنصات الفعل السياسي، فسودان المستقبل يستحق ان يكون خالياً من كتائب داعش الناحرة لأعناق لناس، في المدن التي تسيطر عليها الحركة الإسلامية، وعلى التحالفات السياسية والعسكرية – صمود وتأسيس – (استتابة) كادر الحركة الإسلامية المختبئ تحت لوائيهما، وإقعاده على الكنبة الخلفية لعلّه يفقه مبادئ الديمقراطية وأساسيات الحكم المدني.
بعد الحرب وفقدان العزيز والنفيس، لم يعد هنالك كبير في ميدان العمل العام، ولا توجد ضرورة لتكرار صناعة الاصنام القديمة – الصادق المهدي وحسن الترابي ومحمد عثمان الميرغني ومحمد إبراهيم نقد، لأن غربال الحرب أسقط الكهنوت وآلهة العجوة، ورفع قدر كل أشعث أغبر أساء الظن به الحركيون الإسلاميون فصنّفوه خارجاً عن الملّة، إنّ صياغة دنيا السودان الجديد لن تتأتى إلّا بزوال الهدّامين من أفراد التنظيم الواجب حظره، والاعتماد على البنائين من قادة الحراك الوطني غير الملوثين بغلواء الحماس الديني، المبني على استثارة العواطف دون مخاطبة العقول، وليحذر الناشطون الأحرار من مغبة الوقوع في فخاخ هذه الحيّة الرقطاء، وأن يؤسسوا اطروحاتهم على الحقيقة لا المصالحة مع الشر المطلق المتمثل في الحركة الإسلامية، وليعتبروا بتجارب البلدان الافريقية والعربية وكفاحها ضد حركات الإسلام السياسي، مثل تونس ومصر والأردن وبعض الدول الخليجية، وكيف أوقفت هذه البلدان هذا الفكر التدميري، ومن خفة دم وزير خارجية إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، تعليقه على الخلية الإخوانية التي تم القبض عليها في بلاده قبل سنوات بقوله:(هل يعقل أن يُصدّر الدين الإسلامي إلينا من إفريقيا وجدنا هو من نشر الإسلام في إفريقيا)، فبعد هذا القول المفحم من سعادة الوزير، لا تعليق، وكما يقول المثل (العربي) اللبيب بالإشارة يفهم، وإذا لم يستوعب اللبيب الافريقي (الحركة الإسلامية السودانية)، عليه الاطّلاع على هجاء أبي الطيب المتنبئ لكافور الإخشيدي.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com