«6 أكتوبر ».. دروس لكل الأجيال!!
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
نحتفل هذه الأيام بأحد أهم الأحداث فى تاريخ مصر المعاصر، وهو حرب أكتوبر المجيدة وانتصارها العظيم، حربٌ سطرت أروع ملاحم البطولة والتضحية، وحققت انتصارًا ألهم الأجيال وأعاد للأمة المصرية كرامتها وعزتها، ولهذا النصر العظيم أبعاد ودروس مستفادة منه، ولا بد من العمل على كيفية نقل هذه التجربة إلى الأجيال القادمة.
تعتبر حرب أكتوبر عام 1973 من أهم الحروب فى التاريخ العربى الحديث، حيث حققت مصر انتصارًا عسكريًا وسياسيًا كبيرًا على الكيان الصهيونى، هذا الانتصار لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتيجة لتخطيط دقيق وجهود مضنية استمرت سنوات طويلة.
فى خضم ظروف إقليمية ودولية معقدة، وفى ظل احتلال جزء عزيز من الوطن، استيقظت فى نفوس المصريين شرارة الأمل والإصرار على استعادة الحقوق المسلوبة، وكانت سيناء الحبيبة تحت وطأة الاحتلال الصهيونى، وكانت مصر تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، ومع ذلك، لم تيأس القيادة والشعب المصرى، بل عملوا جاهدين لاستعادة كرامة الوطن واسترداد الأرض. وفى اليوم العظيم السادس من أكتوبر عام 1973، انطلقت شرارة المعركة التى غيرت مجرى التاريخ، وشهد العالم أجمع إعجازًا عسكريًا مصريًا، فكان نصر أكتوبر هو الفجر الجديد الذى أشرق على مصر والعرب.
ومن أهم أهداف هذه الحرب كان استعادة سيناء المحتلة منذ حرب 1967 الهدف الرئيسى للحرب، وكذلك استعادة كرامة الأمة العربية التى تضررت بشدة بعد هزيمة 1967، ولتغيير موازين القوى فى المنطقة سعت مصر من خلال الحرب إلى تغيير هذه الموازين وإضعاف هيمنة الكيان الصهيونى.
وبدأ التخطيط والتحضير للحرب بالخدع الاستراتيجية، حيث تمكنت القيادة المصرية من خداع العدو بتنفيذ مناورات عسكرية كبيرة فى منطقة الشمال، مما أربك العدو وجعله يعتقد أن الهجوم سيأتى من تلك المنطقة، بالتوازى مع التدريب المكثف، حيث خضعت القوات المسلحة المصرية لتدريب مكثف ومتواصل استعدادًا للحرب.
ولا يمكن أن ننسى الدور الشعبي، حيث لعب الشعب المصرى دورًا حاسمًا فى دعم الحرب من خلال التبرع بالمال والدم وتقديم كافة أشكال الدعم المعنوى لجنودنا البواسل المقاتلين.
ومن أهم أحداث الحرب معركة العبور، لأنها كانت هى البداية التى أطلقت شرارة الحرب، حيث تمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف، ثم تأتى الانتصارات المتتالية بتحقيق القوات المصرية سلسلة من الانتصارات المتتالية، مما أربك العدو ودفعه إلى طلب وقف إطلاق النار، وأيضا لعب الضباط والجنود المصريون دورًا بطوليًا فى الحرب، حيث قدموا أرواحهم فداء للوطن.
ولهذا الانتصار العظيم دروس مستفادة من النصر، حيث أثبتت حرب أكتوبر أهمية الوحدة الوطنية والتكاتف الشعبى فى تحقيق النصر، وأثبت المصريون أنهم قادرون على تحقيق المستحيل إذا آمنوا بقدراتهم الذاتية، كما أكدت الحرب على أهمية التخطيط السليم والتنفيذ الدقيق، وأثبت الجنود المصريون البواسل أنهم على استعداد للتضحية والفداء من أجل الوطن، مع أهمية الاستعداد الدائم وأن تكون القوات المسلحة فى حالة استعداد دائم لمواجهة أى تهديدات.
وللاستفادة من نقل تجربة نصر أكتوبر العظيم للأجيال القادمة، يجب على الأسرة والمدرسة توعية الأبناء بتاريخ وطنهم وأهمية حرب أكتوبر، و تنظيم فعاليات واحتفالات لإحياء ذكرى النصر، كما يمكن الاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة لنشر الوعى بتاريخ الوطن، وتشجيع الأجيال الجديدة على زيارة المعالم التاريخية المرتبطة بحرب أكتوبر، وربط الأحداث التاريخية بالواقع المعاصر لتوضيح أهميتها واستمراريتها.
وأخيرا.. تظل حرب أكتوبر مصدر إلهام وفخر لكل المصريين، وهى دليل على أن الإرادة والعزيمة القوية قادرتان على تحقيق المستحيل، ويجب علينا جميعًا أن نعمل على نقل هذه التجربة للأجيال القادمة حتى يستمدوا منها العبر والدروس.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمد على محمد أكتوبر تصحيح مسار تاريخ مصر المعاصر حرب أكتوبر المجيدة حرب سطرت مصر حرب أکتوبر
إقرأ أيضاً:
الأجيال .. تموضعات الزمن والجغرافيا
من المسلمات البديهية؛ سواء في الذاكرة الجمعية، أو حتى فيمن يتتبع أحداث التاريخ أن التاريخ في مفهوم المنجز يتعرض للتحريف وللتشويه، يحدث ذلك ليس فقط من أعداء الطرف الآخر المناوئ لتاريخ الأمة، وليس فقط في الزج بمفهوم حرق المراحل التي تتصادم مع الحقائق التاريخية والعلمية والواقعية، والتي يتمسك بها البعض من خلال مغالطات مفاهيمية غير مدروسة لتغذية هوى النفس لا أكثر؛ لأن الواقع يستحكم كثيرا على الموضوعية، وعلى العقلانية، وعلى المنطق، ولكن هذا التحريف يحدث حتى من أبنائه، وأقصد بأبناء التاريخ في لحظة زمنية؛ أولئك الذين ينضمون تحت عباءة جغرافية محددة بالنسب والانتماء، في ذات الزمن المعيش، ويشار إليهم بأبناء الأمة الفلانية، وبالتالي وإن حدث هذا التشويه عن قصد أو غير قصد، يكون ذلك بمثابة شيء يرضخ فيه لواقع غير طبيعي؛ لأن الواقع بتجريديته المعروفة -كما قلت- لا يمكن أن يحرف التاريخ؛ فالشواهد المادية والشفوية -على سبيل المثال- لا يمكن سحقها جملة واحدة، كما يفعل الاستعمار البغيض عندما يحرص على محو المقدرات التاريخية للأمة من الأمم، فلا بد أن يبقى الكثير من يؤصل تاريخ الأمة، ويؤرخ للأجيال امتدادهم الطبيعي، فلا يتماهون مع الزمن، وخاصة إذا حمتهم الجغرافيا باستحكامات الموقع وصلادته وبتاريخ طويل من التأصيل الحضاري، والذين يشيرون إلى الزمن أو يتهمونه بالمساعدة على أي نوع من التحريف؛ فهم مخطئون كثيرا؛ لأن الزمن يؤرخ كل التفاصيل التي تمر عليها الأمة تأريخا ماديا ومعنويا، ولذلك نحن في هذا الزمن نقرأ عن تاريخ الأمم، وعن الأحداث التي مرت، وعن مجموعة من التصادمات والمصادمات التي حدثت بين الأجيال، وعلى الرغم من طول الزمن الذي مر (آلاف، مئات، عشرات) السنين، فإن الناس لا يزالون مخلدين بهوياتهم، وبقيمهم، وبأجناسهم، وبنوعهم، وبأعراقهم، وبقبائلهم، وبألوانهم، وحتى بأشكالهم، وطولهم وقصرهم، ولذلك فالمؤرخون الحديثون لا يعانون كثيرا في سبيل الحصول على المعلومات عن كثير مما جرى عبر التاريخ، ومما احتوته الجغرافيا، فكل ذلك، أو الكثير منه موثق ومرصود سواء عبر الوثائق التاريخية أو الكتب التي يصل بعضها إلى عشرات الأجزاء، يتحقق ذلك لأنه في كل مرحلة تاريخية هناك تموضع لتوثيق الأحداث، هذا التموضع يعبر عن همة فرد أو مجموعة يشغلهم التاريخ، أو دولة يهمها كثيرًا أن توثق تاريخها، أو جماعة معينة ترى في توثيق تاريخها تأصيلا لهوتيها أو تثمينا لجهد من سبقها، وفي هذه النقطة الأخيرة تبقى ملاحظة مهمة جدا، فهذا التثمين لجهد الآخر، الذي ربما رحل عن دنيانا، ليس معناه أن لا يأتي به الآخرون ممن أعقبوه، فلربما يأتون بما هو أصلح، أو أوضح، وأكثر أهمية مما سبق؛ لأن في تحييد النزاهة أو الموثوقية، في كل ما سبق، ليس صحيحا بالمطلق، وذلك لسبب بسيط، وهي أن الأحداث والوقائع والمواقف ترتبط كثيرا بظروف الظرفية الزمنية، وبأحوال الناس المشتغلين في تدوين التاريخ، وبالحالة التي تكون عليها الجغرافيا، فالجغرافيا أيضا تتقلب وتتغير وتتبدل بفعل الإنسان، فما عهدنا قبل ثلاثين عامًا أو أقل غيره اليوم، فالجغرافيا تمارس سطوتها على حياة الناس، بما يحدثه الإنسان على سطحها، وتتباين ظروفها كما هو الحال في تقييم الزمن، وهذه مسألة مهمة عند الاحتكام على التقييم سواء لأحداث التاريخ أو للشخوص التي صنعت تاريخا، أو للجغرافيا التي تهيأت فيها الظروف لصناعة تاريخ ما، ولعلني هنا أركز أكثر على تدافع الأجيال في صناعة التاريخ، وهي الموسومة بالكثير من المعززات الحاضرة، فما يتوفر من أدوات لصناعة التاريخ اليوم، أكثر بكثير من الأدوات المتاحة قبل مائة سنة أو أقل، وللأدوات شأن كبير، ويجب عدم تجاوزها عند التوثيق، سواء من جهة الكم، أو النوع، فالأدوات تصنع الأعاجيب، وتظل معبرة عن أجيالها في فترتها الزمنية، وفي هذا المقام قرأت نصا أرى فيه الكثير من الأهمية والموضوعية، يقول النص: «هناك هدف من تحريف التاريخ وجعله يبدو كأن الرجال العظماء فعلوا كل شيء، إنه جزء من كيفية تعليم الناس أنهم لا يستطيعون فعل أي شيء، وأنهم عاجزون، وعليهم فقط انتظار رجل عظيم ليفعل ذلك من أجلهم» -قول منسوب إلى الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي- وهذا المعنى يتصادم بالفعل مع حقيقة الواقع، وإلا كيف تطورت الحياة اليوم «فكريا، وأدواتيا» بصورة مذهلة، مع أن من يطوروا كل ذلك هم من أبناء الجيل الحاضر، وهو جيل متنوع؛ ومبدع إلى حد الدهشة، ويأتون بما لم تأت به الأوائل، ربما هنا تغلب الرمزية على الأشخاص، وهذا ما يشير إلى ثقافة المجتمع لا أكثر، فالمجتمعات الحديثة غير التقليدية، لا تحتكم كثيرا على الرمز، بقدر ما تؤمن بالمنجز الحاضر الملموس.
صحيح أن المعرفة لا تشهد مناطق أو فترات رمادية، بل هي سلسلة من الإنجاز المستمر، وهو إنجاز تراكمي تهيأت له مقومات الزمن والجغرافيا، ووجد بينهما فاعل أسطوري وهو الإنسان، وفي هذه الحالة -الإنجاز والإبداع- ليس شرطا أن يكون امتدادا لما كان عليه من سبقه كوجود «رجل عظيم ليفعل ذلك من أجلهم» -حسب تعبير تشومسكي- إطلاقا، فالزمن والجغرافيا يعيشان حالة «ولَّادة» بصورة مستمرة، ولذلك فما تحسبه من شعوب خاملة في زمن معين، وفي جغرافية ضحلة، فإذا بها تشتعل إنجازا وعطاء، وتحققا، وإذا بهذه الشعوب يعيدون نصاعة القوة التي تضيف أعمارا أخرى للتاريخ، وتسقط؛ في المقابل؛ سمة التشويه التي قد تعرضت لها ذات الجغرافيا في زمن ما، وذات الحالة الزمنية الخاملة لظروف استثنائية، وأقول استثنائية، لأن الحقيقة الإنسانية لا تنتظر تهيئة الظروف المناسبة لتبدأ، فهي في حالة ديناميكية مستمرة، وإن أتى «الرجل العظيم» -حسب تشومسكي- فذلك يكون إضافة نوعية في مسيرة هذا الشعب أو ذاك، في لحظة زمنية فارقة، وفي بقعة جغرافية محددة، فالأفراد حسب قول الباحث عادل المعولي في كتابه (تقدم العلم وتأخر الوعي): «لا يرثون الاختيار الإنساني، فالاختيار الإنساني ينتقل باحتكاك الإنسان بما حوله (من البيئة الطبيعية) وبمن حوله من (البيئة الاجتماعية)» أي من خلال تلاقح الأفكار، واحتكاك التجارب، وتأصيل المعرفة التي تفضي إلى كثير من التقدم، والترقي الإنساني، وإعلاء سقف الحرية، فالحرية لا تتحقق إلا بالمنجز المعبر عن واقعه، منطلقا من جغرافيته، معبرا عن زمن الأجيال الصانعة له.
السؤال هنا أيضا: هل الأجيال مأسورة بصورة مطلقة بمسألتي الزمن والجغرافيا؛ عبر تموضعاتهما؟ مع أن الزمن يعيش حالة ديناميكية مستمرة؛ أي غير جامد بالمطلق؛ وإن شاب الجغرافيا شيء من الجمود الحذر أو المؤقت، وفي الوقت نفسه أن الزمن لا يمكن أن يستقل عن الجغرافيا بدينامكيته السريعة والخطيرة في آن واحد، فالجغرافيا ملتحمة بالزمن التحاما وجوديا؛ كما هو معروف، وهل في تحرك الأول وجمود الثاني؛ شيء من التعقيد؟ قد لا يكون تعقيدا بالمطلق ولكن إحداث فجوات متقطعة، وهذه الفجوات تؤثر تأثيرا كبيرا في الحكم على تطور الشعوب؛ لأن العملية عملية تراكمية، فإذا حصل أي تأخير عن هذه التراكم المتتالي، فإن حقيقة الفجوات حاصلة بكل تأكيد، وهذا ليس من صالح الأجيال، وللذين يراهنون على المسألة الـ«دراماتيكية» فإن لهذا الرهان أن يتحقق في ظل مقاييس وموازين منطقية لا تسير الحياة إلا بها، ولا تتحقق المنجزات إلا من خلالها، ولذلك قيل: «الشخص المثالي يسعى لتحقيق أهدافه دون المرور بالمراحل الضرورية، على عكس الشخص الطموح الذي يقدر أهمية كل مرحلة في مسار النجاح» بمعنى أن المثالية لا تصلح لأن تكون أداة قياس لتطور المجتمعات، بعكس الطموح، وهذا المعنى ما يشير إلى مفهوم حرق المراحل، وهو أمر في غاية الأهمية، فالتنميات المرتبطة بالبرامج والاستراتيجيات لا تقبل إطلاقا مسألة حرق المراحل، ومن عنده قناعة بخلاف ذلك، فذلك يكون نوعا من التنظير الفارغ الذي لا قيمة له على الإطلاق، لذلك يجب «التعامل مع الزمن كمعطى كيفي وليس كميا، أو جعل كمية الزمن للرفع من كيفيته، حيث أثبتت الدراسات أنه يحصل هدر كبير للزمن في العادة لأننا لا نرصد لمهامنا أو تحركاتنا وقتا محددا بدقة»- بحسب: .https://www.akhbarona.com -. وهذا مأزق يعيشه الجميع أفرادا وجماعات.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني