قال محمود إسماعيل، محلل قنوات الإخوان المسلمين للشأن السياسي، إن الأوضاع فى ليبيا  غاية في الفوضي، وتشهد ضياعاً بين مستعمرى  الداخل والخارج، وفقر الفكر وفكر الفقر، وفق قوله.

أضاف في تدوينة بفيسبوك قائلًا “لكن دوما ثقتنا بالله أكبر  فسوف ينتصر الحق والوطن، وستكون فبراير وماقامت لأجله محققا بإذن الله، دولة تبنى.

ودستور يستفتى عليه وطواغيت يتم رميهم. بأقرب مكب للقمامة، وعدل يقام، وقانون يطبق وفساد يقاوم، وحياة بادن الله. ستكون أفضل”.

المصدر: صحيفة الساعة 24

إقرأ أيضاً:

الروح الروسية بين الشرق والغرب.. كتاب يرصد تطور الفكر الروسي ومصيره

الكتاب: الفكرة الروسية ورؤيا دوستويفسكي للعالم
الكاتب: نيقولاي بِرْدياف، ترجمة شاهر أحمد تصر ومالك صقور
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، الطلعة الأولى 2025.
عدد الصفحات: 511 من القطع الكبير.


يشتمل هذا الكتاب على موضوعات مهمة ودقيقية، التي تبحث في مسألة التطور الفكري في روسيا، وتعريف الأنموذج القومي الروسي، وتناقض الروح الروسية وتنازعها بين الشرق والغرب، عبر ظواهر الانقطاع في التاريخ الروسي، التدين الروسي، وظاهرتي السلافوية والغربوية، والانشقاق في القرن السابع عشر وإصلاحات بطرس، و الماسونية، وعصر ألكسندر الأول ـ كما يعرفنا إلى مسألة مصير روسيا من وجهة نظر كتابها ومفكريها الكلاسيكيين من تشاداييف، وخومياكوف، وتولستوي، وتمرد بيلينسكي، والديسمبريين، وبوشكينأي  الإنتيليجنتسيا الروسية والواقع، ومصير الفلسفة المأساوي، وتأثير المثالية الألمانية، في رؤية دوستويفسكي للعالم.

يتألف هذا الكتاب من جزأين، الأول يحمل العنوان التالي: "الفكرة الروسية"، ويتضمن عشرة فصول، أما الثاني، فهو معنون بـ "رؤيا دوستويفسكي للعالم"، ويتضمن مقدمة وتسعة فصول، ويقع الكتاب في 511 صفحة من القطع الكبير، وهو من تأليف نيقولاي ألكسندروفيتش بِرديائف،(18 مارس،1874 ـ 24 مارس، 1948)، فيلسوف ديني وسياسي روسي، ولد بمدينة كييف، لعائلة أرستقراطية، ويعتبر أحد أهم رواد الفلسفة الوجودية المسيحية.

إن وجهة نظر السلافويين الموالين للنزعة السلافية حول إصلاحات بطرس أوهى من أن تصمد أمام النقد، وقد عفا عليها الزمن تماماً، وينطبق الأمر نفسه على وجهة النظر الغربية البحتة، التي أنكرت أصالة العملية التاريخية الروسية، فعلى الرغم من عزلة موسكو القيصرية، شقت العلاقات مع الغرب طريقها في وقت مبكر من القرن الخامس عشر.وظل الغرب خائفاً من تطوير وتعزيز قوة موسكو.وقد بدأ تطوره الفكري بأن كان اشتراكيًا، حاول التوفيق بين ماركس وكانت، لكنه ابتداءً من سنة  1901 وتحت تأثير نيتشه خصوصًا، تخلى عن الماركسية، شارك في حركة التجديد الروسي وهى حركة دينية النزعة، أسهم في حركة إصلاح وتجديد الكنيسة الروسية، انتُخب نائبًا في (مجلس الجمهورية) الذي لم يعش طويلاً، أنشأ الأكاديمية الحرة للثقافة الروحية، وفى عام 1920 صار أستاذًا في جامعة موسكو، حيث ألقى محاضرات نشر بعضها في سنة 1923 في برلين تحت عنوان معنى التاريخ، وبعضها الآخر تحت عنوان روح دوستويفسكى. طرد من روسيا في عام 1922 باعتباره (عدوًا أيديولوجيًا للشيوعية)، فلجأ في إلى برلين، حيث عاش فيها من الفترة بين 1922 ـ 1924. ثم انتقل إلى باريس عام 1924 حتى وفاته في 22 مارس 1948.

ملامح طبيعة الشعب الروسي

ثمة صعوبة كبيرة في تعريف الأنموذج القومي، والشخصية (الفردية) القومية الروسية ، فمن المستحيل، هنا، وضع تعريف علمي صارم؛ إذ لا يُعرف سر أي شخصية (فرديته) إلا بالمحبّة، وهي تحمل دائماً شيئاً يصعب إدراكه حتى النهاية، حتى في عمقها الأخير.

من يريد فهم روسيا، ينبغي له اعتماد فضائل الإيمان، والأمل، والمحبة اللاهوتية. من الناحية المادية التجريبية، ثمّة كثير من النشاز في التاريخ الروسي. فالشعب الروسي شعب شديد الاستقطاب، إنه مزيج من الأضداد. يمكن أن تفتن به، وأن تُصاب بخيبة أمل منه في آن معاً، ويمكنك دائماً أن تتوقع المفاجآت منه، فهو قادر جداً على أن يُلهمك كي تحبه بشغف، وتكرهه بقوة. إنّه الشعب الذي يسبب القلق لشعوب الغرب. إنّ الفردانية الشعبية، مثلها مثل فردانية الإنسان هي ميكرو - كوسم عالم مصغر)، ولذلك يحتوي على تناقضات، إنما بدرجات متفاوتة من حيث الاستقطاب والتناقض.

ربّما يعود تناقض الروح الروسية وتعقيدها إلى تفاعل وتصادم تيارين في تاريخ العالم ـ الشرق والغرب في روسيا. إنّ الشعب الروسي ليس أوروبياً بحتاً وليس آسيوياً بحتاً. روسيا هي جزء كامل ضخم من العالم، شرق وغرب يربط عالمين وتشهد النفس الروسية صراعاً مستمراً بين مبدأين اثنين: شرقي وغربي.

ثمة انسجام بين مساحة الأرض الروسية الواسعة، اللامحدودة واللانهائية، وبين الروح الروسية، وبين الجغرافيا المادية وجغرافية الروح. وتمتلك روح الشعب الروسي رحابة لا محدودة، وشغفاً وطموحاً لانهائياً، كرحابة السهوب الروسية.

لهذا، صعب على الشعب الروسي امتلاك كل هذه الفضاءات الهائلة، وتنظيم شكلها. لقد امتلك الشعب الروسي القوة العفوية الهائلة، وضعفاً في مفهوم الشكل المحدد نسبياً. الشعب الروسي ليس شعباً ثقافياً في الغالب، كما شعوب أوروبا الغربية، بل هو شعب يتوق إلى الوحي والإلهام، ولم يعرف الحدود، فوقع ضحية الحدود القصوى بسهولة. بينما عرفت شعوب أوروبا الغربية أن للأشياء نماذجها التصميمة الخاصة وشكلها المحدد؛ فكل شيء مقسم إلى فئات، وله حدوده النهائية.

الأمر ليس كذلك لدى الشعب الروسي، باعتباره أقل ميلاً للنمذجة التصميمة، وأكثر شغفاً باللانهائية، وعدم الرغبة في التعمق بمعرفة كيفية توزيع العناصر والأشياء إلى فئات. لم تعرف روسيا الحدود الاجتماعية الحادة، ولا تمايز الطبقات العميق. لم تكن روسيا دولة أرستقراطية بالمعنى الغربي قط، ولم تصبح برجوازية، أيضاً. يكمن في أعماق صياغة وتشكل الروح الروسية مبدآن متناقضان العناصر الطبيعية والوثنية والعربدة والفجور العفوية من جهة، والأرثوذكسية النسكية (الزهدية) الرهبانية، من جهة ثانية.

يقول الكاتب نيقولاي ألكسندروفيتش بِرديائف: "يمكن للمرء اكتشاف مجموعة من الخصائص المتناقضة لدى الشعب الروسي: السلطة المطلقة (الاستبداد)، وتضخم الدولة، والفوضى، والحُرِّيَّة، والقسوة والميل إلى العنف، وفي المقابل اللطف والروح الإنسانية، والوداعة؛ ممارسة طقوس الإيمان والبحث عن الحقيقة في الوقت نفسه؛ الفردية، والوعي العميق للذات للفردية بالترافق مع الروح الجماعية البعيدة عن الأنانية الشخصية المشاعر القومية والفخر بالذات الوطنية والأممية الإنسانية الشاملة التدين المسياني المرتبط بالآخرة، والتقوى الظاهرة؛ البحث عن الله والإلحاد العنيف، التواضع والغطرسة، العبودية والتمرد. ولكن القيصرية الروسية لم تكن برجوازية قط.

من أجل تعريف طبع الشعب الروسي ورسالته، من الضروري اعتماد خيار محدد، سأسميه خيار الإيمان بالآخرة من حيث الهدف النهائي. لذلك اختيار الزمن في أي قرن أمر حتمي أيضاً، باعتباره أكثر ما يميز الفكرة الروسية والرسالة الروسية. سأعتبر القرن التاسع عشر قرن الفكرة والكلمة، وفي الوقت نفسه قرن الانقسام الحاد، وهذا ما تميزت به روسيا من تحرّر داخلي، وبروز مهام روحية واجتماعية مكثفة أمامها"(ض 8).

ويرى الكاتب أنَّ الانقطاع يُعَدُّ سمة من سمات التاريخ الروسي. وخلافاً لرأي السلافوية شهد هذا التاريخ أقل الحالات العضوية تلاحماً. في التاريخ الروسي خمس مراحل ذات نماذج مختلفة؛ وهي مرحلة روسيا الكييفية (نسبة إلى العاصمة كييف، ومرحلة روسيا تحت نير التتار، وروسيا الموسكوفية، وروسيا البطرسبورغية (نسبة إلى العاصمة سانت بطرسبورغ)، وروسيا السوفييتية. ومن الممكن أن تنشأ روسيا جديدة أخرى.

كان تطور روسيا تطوراً كارثياً. وتُعدّ المرحلة الموسكوفية أسوأ مرحلة في مراحل التاريخ الروسي، والمرحلة الأكثر انسداداً (اختناقاً)، ولا سيما المرحلة التترية ـ الآسيوية وفق نمطها، ومن خلال سوء الفهم اعتبرها الموالون للنزعة السلافية والمحبون للحرِّية مثالية.

يمكن للمرء اكتشاف مجموعة من الخصائص المتناقضة لدى الشعب الروسي: السلطة المطلقة (الاستبداد)، وتضخم الدولة، والفوضى، والحُرِّيَّة، والقسوة والميل إلى العنف، وفي المقابل اللطف والروح الإنسانية، والوداعة..أما أفضل مراحل التاريخ الروسي، ولا سيما، بالنسبة إلى الكنيسة؛ فهي مرحلة كييف، ومرحلة الخضوع لنير التتر وطبعاً، تبقى المرحلة السان بطرسبورغية الثنوية والانشقاقية هي الأفضل والأكثر أهمية، إذ اكتشفت فيها وازدهرت عبقرية الشعب الروسي الإبداعية. لم تعرف روسيا الكييفية العزلة عن الغرب؛ بل كانت أكثر تقبلاً وحُرِّيَّة من موسكو القيصرية، التي أطفأت في جوها الخانق حتى القداسة (انخفض عدد القديسين إلى أقله في هذه المرحلة).

إنَّ أهمية القرن التاسع عشر المميزة تتحدد بعد فترة طويلة من غياب الفكر. فقد عبر الشعب الروسي أخيراً عن نفسه بالكلمة والفكرة، واجترح ذلك في فضاء قاس للغاية من غياب الحُرِّيَّة. أنا أتحدث هنا عن الحُرِّيَّة الخارجية، لأن الحُرِّيَّة الداخلية لدينا كانت متوفرة بسخاء. كيف يمكن تفسير ذلك الغياب الطويل للتنوير في روسيا، وسط هذا الشعب الموهوب جداً والقادر على إدراك الثقافة العليا، كيف نفسر هذا التخلف الثقافي حتى الأمية، وغياب الروابط العضوية مع ثقافات الماضي العظمى؟

يقول الكاتب نيقولاي ألكسندروفيتش بِرديائف: "ثمة فكرة ترى أنَّ ترجمة الكتاب المقدس من قبل كيريل وميثوديوس إلى السلافية لم تخدم تطوير الثقافة العقلية (الذهنية) الروسية، بسبب انقطاعها عن اللغتين اليونانية واللاتينية، إذ أصبحت اللغة الكنيسة السلافية هي اللغة الوحيدة لدى رجال الدين، أي لدى فئة الإنتيليجنتسيا الوحيدة في ذلك الوقت؛ ولم تعد ثمة حاجة إلى اليونانية واللاتينية.

لا أعتقد أنَّ ذلك يمكن أن يفسر تخلف التنوير الروسي، وغياب الفكر، والصمت في روسيا وذلك ما قبل مرحلة البطرسبورغية. ينبغي الاعتراف بتلك السمة المميزة للتاريخ الروسي، التي تتلخص في أن قوى الشعب الروسي بقيت كامنة فترة طويلة، وظلت في حالة كمون محتمل، وغير محقق.

لقد أنهك الشعب الروسي بسبب إلزامه إهدار طاقات وقوى هائلة ضرورية لحماية دولة بحجم الدولة الروسية. أصبحت الدولة أقوى، وأصبح الشعب أضعف، حسب تعبير كليوتشيفسكي كان من الضروري حيازة مساحات روسيا الشاسعة وحمايتها"(ص 9)..

من سمات الشعب الروسي أنَّه لم يخضع للسلطات التي تلقت تكريساً دينياً فحسب، بل أنجب، أيضاً، من أعماقه ستينكا رازين، رائد الأغاني الشعبية، كما أنجب بوغاتشيف، هؤلاء الروس المشردين وقطاع طرق والروس جوابون يبحثون عن حقيقة الله. ويرفض الجوابون الانصياع للسلطات. عُرف التشرد والتجواب (التجوال) لدى الشعب الروسي بأنه السبيل الناجع في الحياة الدنيوية. لطالما كانت روسيا مليئة بالطوائف الصوفية ـ النبوية المتعطشة باستمرار لتغيير الحياة. وتجلى ذلك في طائفة السياطيين الديونيسية المرعبة.

لاقى التسول والفقر تقويماً رفيعاً في الأشعار الروحية الروسية، وموضوعها المفضل هو معاناة الأبرياء، وهي تنبض بالشعور القوي بالظلم الاجتماعي، ويحتدم فيها الصراع بين الحق والباطل، غير أنها تعج بالتشاؤم الشعبي. ويمتلك التصوّف أهمية قصوى في الفهم الشعبي الشائع للخلاص. دين الأرض دين قوي جداً لدى الشعب الروسي، إنه متجذر في أعماق طبقات الروح الروسية؛ فالأرض هي الشفيع الأخير.

أما المرتبة الأساسية ـ هي الأمومة؛ إذ تتقدم والدة الربّ على الثالوث، وتكاد تتطابق معه. يشعر الشعب بقرب الشفيعة والدة الرب منهم أكثر من المسيح نفسه. المسيح هو ملك السماء، قلّما تُعرض صورته الأرضية. الأرض ـ الأم هي التي تحوز التجسد الشخصي. كثيراً ما يُذكر الروح القدس، ويؤكد القديس غ. فيدوتوف أنَّ الآيات الروحية لا تبلغ حقيقة الإيمان بالمسيح الفادي، إذ يبقى المسيح هو القاضي، كأن الناس، لا يرون آلام المسيح. يعاني الناس أنفسهم الألم، كأنهم لا يؤمنون برحمة المسيح. يشرح غ. فيدوتوف ذلك عبر التأثير القاتل لليوسفية، الذي شوه صورة المسيح في نظر الشعب الروسي.

نشأة موسكو القيصرية  الأرثوذكسية

بعد سقوط القيصرية البيزنطية الأروثوذكسية ، أصلحت موسكو القيصرية هي القيصرية الأروثوذكسية الوحيدة في العالم . يقول الراهب فيلوفي إنَّ القيصر الروسي" هو القيصر المسيحي  الوحيد تحت قبة السماء". و"كنيسة قدس الأقداس ثمثل عرس كنائس العالم الرسولية ، ووالدة الرب تحمل الرب في مدينة موسكو التي تتلألأ بدلاً من روماو القسطنطينية، وهي الوخيدة التي تضيىء أكثر من الشمس في الكون كله.

ترتبط الرسالة الدينية الروسية، وهي رسالة استثنائية، بقوة الدولة الروسية وعظمتها، وبأهمية القيصر الروسي الاستثنائية. ويتغلغل الإغواء الإمبريالي في الوعي المسياني. هذه هي ثنائية (ازدواجية) المسيانية القديمة نفسها. لقد عد قياصرة موسكو أنفسهم خلفاء الأباطرة البيزنطيين، وامتدت خلافتهم إلى القيصر أوغسطس (27ق. م - 14م).وتبين أن روريك هو سليل بروست شقيق القيصر، الذي أسس بروسيا.

كان تطور روسيا تطوراً كارثياً. وتُعدّ المرحلة الموسكوفية أسوأ مرحلة في مراحل التاريخ الروسي، والمرحلة الأكثر انسداداً (اختناقاً)، ولا سيما المرحلة التترية ـ الآسيوية وفق نمطها، ومن خلال سوء الفهم اعتبرها الموالون للنزعة السلافية والمحبون للحرِّية مثالية.يقول الكاتب نيقولاي ألكسندروفيتش بِرديائف "لقد أحب إيفان الرهيب سليل بروست على حد زعمه، أن ينادوه بالألماني. وانتقل التاج القيصري إلى روسيا. وامتدت الخلافة إلى أبعد من ذلك، حتى نبوخذ نصر. هناك أسطورة تقول إن القيصر (الإمبراطور) اليوناني مونوماخ هو من نقل شعائر القيصرية إلى القيصر فلاديمير. نُقلت من بابل شعائر القيصرية إلى القيصر الأرثوذكسي للكون بسبب سقوط الإيمان والإمبراطورية في بيزنطة. لقد عزّز الخيال الإرادة في امتلاك السلطة الجبارة، إلا أن عنصر إيمان الراهب فيلوثيوس المسياني بالآخرة ضعف بسبب اهتمامه ببناء القيصرية على الأرض.

وتلخص فشل فكرة أن موسكو هي روما الثالثة روحياً على وجه التحديد في حقيقة أن روما الثالثة عُرّفت على أنها مظهر من مظاهر القوة القيصرية، وسلطة الدولة، وعبر عنها أولاً في موسكو القيصرية، ثم كإمبراطورية قيصرية، وأخيراً في الأممية الثالثة. وعُدّ القيصر نائب الله على الأرض. لم يقتصر اهتمام القيصر بمصالح القيصرية وحدها، فحسب، بل اهتم بخلاص الروح، أيضاً، ولقد أصر إيفان الرهيب إصراراً خاصاً على ذلك"(ص15).

فأخذت تعقد المجالس بأمر من القياصرة. وتميز مجلس عام 1572 بالجبن والخنوع المذهلين، فأضحت رغبة القيصر هي قانون الأساقفة في شؤون الكنيسة، واستسلم الإله للقيصر.لم تكن الكنيسة تابعة للدولة في زمن بطرس الأكبر وحده، بل في مرحلة روسيا الموسكوفية. كان فهم المسيحية عبودياً ذليلاً؛ إذ إنه يصعب تخيل وجود تحريف للمسيحية أفظع من تحريف كتاب "دوم ستروي - الدليل المنزلي" المثير للاشمئزاز؛ حتى إن الراهب أكساكوف عجز عن فهم كيف أن مثل هذه الأخلاق المتدنية مثل أخلاق "دوم ستروي" يمكن أن تخلق طبعاً شعبياً روسياً.

لقد عززت أيديولوجيا موسكو ـ روما الثالثة قوة دولة موسكو، والحكم المطلق القيصري، ولم تسهم في ازدهار الكنيسة، ولا في نمو الحياة الروحية. لقد حرفت رسالة الشعب الروسي المسيحية. علماً أن الأمر نفسه حدث مع روما الأولى والثانية، اللتين لم تطبقا في الحياة غير القليل القليل من المسيحية. وأخذت موسكو الروسية تتجه نحو الانقسام، الذي أصبح حتمياً بسبب تدني مستوى التنوير. وتميزت موسكو القيصرية بالشمولية من حيث المبدأ والأسلوب، إذ سادت الثيوقراطية مع هيمنة القيصرية على الكهنوت، وفي الوقت نفسه، لم تعرف هذه القيصرية الشمولية الوحدة، وظلت محفوفة بكثير من الانقسامات.

يقول الكاتب نيقولاي ألكسندروفيتش بِرديائف: "يتميز الشعب الروسي، أيضاً، بظاهرة القياصرة المزعومين الذين خرجوا من الشعب، ونصبوا أنفسهم قياصرة، فضلاً عن الأنبياء الذين يشفون المرضى. أن يدعي شخص ما أنه قيصر وينصب نفسه قيصراً هي ظاهرة روسية بحتة. لم ينجح بوغاتشيف إلا عبر انتحال شخصية القيصر بطرس الثالث. لقد آمن البروتوبر سبير (رئيس الكهنة) أفاكوم باختياره وامتلاكه نعمة الروح القدس الخاصة، وعد نفسه قديساً ومعالجاً. قال: "السماء لي، والأرض لي والنور نوري وكل الخليقة لي - لقد أعطاني الله إياها". لقد فاق العسف والعذاب الذي تحمله أفاكوم طاقة الإنسان. وقوض الانشقاق سلطة الكنيسة الروسية، وقلل من هيبة التراتبية الكنسية، وجعل إصلاحات بطرس للكنيسة ممكنة وقابلة للتبرير.ثمة عنصران في الانقسام - ديني وثوري.

تكمن أهمية الجناح اليساري لانشقاق ـ الكهنوت ـ في أنه جعل الفكر الروسي حراً وجريئاً، منعزلا، ومهتماً بالنهاية، فاكتشفت سمة الشعب الروسي غير العادية ـ تحمل المعاناة، والتطلع إلى العالم الآخر، إلى النهائي(ص21).

جاءت إصلاحات بطرس الأكبر حتمية تماماً، إذ أعد لها عبر عمليات مسبقة، ومثلما تميزت بالعنف، فقد طبقت كثورة من الأعلى. وكان ينبغي لروسيا أن تخرج من حالتها المغلقة التي دفعها إليها النير التتري ومجمل الطابع الخاص بموسكو القيصرية، ومن الأسلوب الآسيوي، وأن تلج الفضاء العالمي.فمن غير إصلاحات بطرس العنيفة، التي آلمت الشعب من نواح عديدة، لم تستطع روسيا أن تؤدي رسالتها في التاريخ العالمي، ولا أن تقول كلمتها.

لقد وضح المؤرخون الذين لم يهتموا تماماً بالجانب الروحي، أنه لولا إصلاحات بطرس، لما استطاعت الدولة الروسية الدفاع عن نفسها، ولا أن تتطور.

إن وجهة نظر السلافويين الموالين للنزعة السلافية حول إصلاحات بطرس أوهى من أن تصمد أمام النقد، وقد عفا عليها الزمن تماماً، وينطبق الأمر نفسه على وجهة النظر الغربية البحتة، التي أنكرت أصالة العملية التاريخية الروسية، فعلى الرغم من عزلة موسكو القيصرية، شقت العلاقات مع الغرب طريقها في وقت مبكر من القرن الخامس عشر.وظل الغرب خائفاً من تطوير وتعزيز قوة موسكو.

يقول الكاتب نيقولاي ألكسندروفيتش بِرديائف:" إِنَّ بطرس الأكبر، الذي كره أسلوب موسكو القيصرية بأكمله، والذي احتقر عادات موسكو، بقي روسياً نموذجياً؛ ففي روسيا وحدها يمكن أن يظهر مثل هذا الشخص غير العادي، الذي امتاز بالخصال الروسية وهي: البساطة، والتكلف، وكره الاحتفالات، والتقييد، وآداب السلوك الرسمية، وامتلاك نوع من النزعة نحو الديمقراطية النادرة، ومحبته للحقيقة، وحبه لروسيا، وفي الوقت نفسه، استيقظت في شخصيته عناصر عفوية الوحش البري... ثمة خصال تجمع بطرس مع البلاشفة. لقد كان بلشفياً في عرشه. لقد نظم مواكب كنسية تجديفية مهوسة، تذكرنا جداً بالدعاية البلشفية المناهضة للدين"(ص22).

مقالات مشابهة

  • بتروجيت بتشكيل هجومي أمام حرس الحدود في الدوري الممتاز
  • مرصد الأزهر يفند بالأدلة الشرعية والعقلية الفكر التكفيري لتنظيم داعش
  • مرصد الأزهر يحذر من خطورة الفكر التكفيري لتنظيم داعش ويفنده بالأدلة
  • الروح الروسية بين الشرق والغرب.. كتاب يرصد تطور الفكر الروسي ومصيره
  • مطبخ «أم إسماعيل».. أكلات شعبية بنكهة تراثية إماراتية
  • أول مؤسس لـ إذاعة مصرية.. ما هي حقيقة شخصية إسماعيل في مسلسل النص؟
  • شكرًا أهل "الأسبوع"
  • لغز بلا أدلة.. جثة فى شقة مهجورة.. النهاية الغامضة للفنان أنور إسماعيل
  • الإفطار بالماء.. رمضان يحل على اليمنيين وسط أزمات غير مسبوقة
  • هل تعيش البشرية حقبة جديدة من العصور الوسطي المظلمة؟