فى غضون أسبوعين فقط نفذت اسرائيل ضربات نوعية قاصمة وغير مسبوقة هزت اركان محور المقاومة بشكل عام وحزب الله بشكل خاص بعدما اغتالت جميع قادته العسكريين والميدانيين فى مدة وجيزة بشكل سريع ومتتابع، لقد نزل خبر اغتيال «سيد المقاومة» كالصاعقه على روؤس مريديه الذين ما زالوا لا يصدقون ما حدث ولا يتصورون انهم لن يروا هذه الكاريزما الآسرة او يسمعوا خطاباته النارية التى كانت تدغدغ مشاعر المحبطين من جبروت الكيان الفاشي، فقد تولى نصر الله قيادة الحزب بعد ان أغتيل أمينه السابق عباس الموسوى فى غارة إسرائيلية استهدفته مع عائلته 1992 وسطع نجم الشاب الثلاثينى بعدما نجح فى قيادة المقاومة بتحرير جنوب لبنان 2000 ثم اصبح اسطورة ورمزا شعبيا بعد دحر الجيش الإسرائيلى فى حرب تموز 2006 لكن بعد 18 عاما تمكنت اسرائيل من القضاء على عدوها الأبرز الذى أذاقها مرارة الهزيمة وفرض عليها قواعد اشتباك مهينة أجبرتها على إخلاء الاف المستوطنين من الشمال وهو ما جعل نتنياهو المهزوز والمهزوم فى موقف ضعيف وصعب أمام كتلته المتطرفة التى تضغط عليه بوقف دعمها المشروط لحكومته الهشة.
ملابسات وطريقة اغتيال نصر الله شكلت صدمة مروعة لأنصاره ومؤيديه وحتى المراقبين والمحللين بسبب معرفتهم بمدى حرصه وحسه الأمنى واتخاذه كافة التدابير والاحتياطيات المشددة حتى ظن البعض أنه محصن من الموت لذا طرّح الاعلام تساؤلات وسيناريوهات حول كيف تمت عملية الاغتيال المعقدة التى كانت للأمانة احترافية وشديدة الدقة بالتأكيد تفاصيل العملية لا تزال غير واضحة تماما بسبب التعتيم المعتاد والمتعمد من الجانب الإسرائيلى لكن هنالك مؤشرات اولية تقول إن هناك اختراقا أمنيا كبيرا نتيجة عملية استخباراتية معقدة وتنسيق عسكرى متقدم ربما تكون جهات دولية وإقليمية ضالعة فيه ولما لا والرجل المثير للجدل هو رأس الحربة الايرانية ليس فى لبنان فقط وإنما فى المنطقة كلها بصماته الطائفية المشيئة فى صراعات سوريا والعراق واليمن خصمت من رصيده لدى جمهور عريض صدق افعاله ووعوده فى تحرير القدس من دنس الصهيوينة لكن قتل الله الطائفية هى جوهر التشرذم والهزائم.
اخيرًا وجدت إسرائيل ضالتها المنشودة فى رسم صورة انتصار لطالما بحثت عنه فى غزة لكنها حققته فى الضاحية الجنوبية بعدما نجحت فى استعادة ماء وجهها باظهار مدى تفوقها التكنولوجى الكاسح، لذا التباهى والفخر هما الشعور السائد بين نخبتها السياسية التى لديها ثأر قديم مع حزب الله وقد جاء يوم الحساب وانتهزت الفرصة الثمينة على أكمل وجه، لكن ماكس بوت محرر الشئون الامن القومى فى الواشنطن بوست يرى ان اغتيال نصر الله ضربة موجعة لكنها لن تمحو حزب الله من الوجود ولا يزال بعيداً كل البعد عن الهزيمة. فالتقديرات تشير إلى أن لديه فى ترسانته ما بين 150 و200 ألف صاروخ وقذيفة. وصحيح أن الغارات الإسرائيلية دمرت جزءاً منها، لكن هذه الترسانة لا تزال فعالة، كما أن فى صفوف الحزب ما بين 40 و50 ألفاً من المقاتلين المدربين جيداً والمتحمسين للقتال بالإضافة ان إسرائيل ابتهجت من قبل باغتيال الموسوى فجاءهم الشاطر حسن الذى أثبت أنه أكثر فاعلية منه وحول الحزب إلى أقوى قوة عسكرية غير نظامية فى العالم. وربما يحدث نفس الأمر مع خليفته المنتظر ابن خالته هاشم صفى الدين الذى كان يتم إعداده لهذه اللحظة، لقد أثبتت الاحداث الاخيرة أن إسرائيل تعتمد فى قوة الردع الاستراتيجى على تفوق سلاح الجو الذى يلعب دورا مهما وفعالا فى سير المعارك لكنه لا يستطيع أن يحسمها بالكامل على الأرض دونما تدخل برى وهذه هى معضلتها الكبرى التى لا تجد لها حلاً فحصيلة خسائر اليوم الاول من الغزو البرى للجنوب اللبنانى 8 جنود من القوات الخاصة بينهم 3 ضباط وسقوط جرحى بينهم 7 فى حالة خطيرة وليس امامها الان سوى الجلوس على طاولة المفاوضات وإبرام صفقات رابحة مستغلة ضعف خصومها التى قاست من طول وشراسة القتال وحيداً، فقرار طهران هو الصبر على المكاره الإسرائيلية حتى تصنع خمس قنابل نووية وهو ما بات قريباً.
نعم غياب نصر الله المفاجئ والصادم عن المشهد السياسى والأمنى حدث جلل سيغير موازين القوى فى المنطقة وسيكون له تبعات خطيرة جداً ستظهر رويداً رويداً ليس على مصير لبنان بل والشرق الأوسط بأكمله.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الشاطر حسن إسرائيل وحزب اغتيال سيد المقاومة نصر الله
إقرأ أيضاً:
الجنوب ملف متفجّر بوجه الحكومة...
كتب ابراهيم بيرم في" النهار": تفيد المعلومات نقلاً عن مصادر ديبلوماسية أن إسرائيل لا تزال تبعث برسائل إلى لبنان أنها ستستمر بحرية الحركة وضرب أهداف لـ"حزب الله" تعتبرها تهديداً أمنياً لها، وأنها ستبقى في النقاط الخمس بذريعة عدم التزام الحزب واستمراره في نقل السلاح، مستندة إلى الضمانات التي انتزعتها من الأميركيين، وهو ما يؤمن لها التغطية في خروقاتها وعملياتها.تعكس هذه التطورات في الجنوب مناخات توتر وتصاعد للتهديدات الإسرائيلية، في وقت يشدد لبنان الرسمي على تطبيق القرار 1701 وأيضاً العمل ديبلوماسياً للضغط على إسرائيل ودفعها للانسحاب من النقاط المحتلة وتسليم الجيش اللبناني المواقع الحدودية. وهذا الأمر يواجهه "حزب الله" بالتشكيك أقله في ممارساته على الأرض فضلاً عن مواقف يطلقها بعض مسؤوليه. ويشير مصدر سياسي إلى أن الحزب الذي منح الحكومة الثقة وفقاً لبيانها الوزاري، لم يحسم مسألة الانسحاب من جنوب الليطاني وهو يؤكد استعداده للقتال على ما أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن عزالدين.
لكن ما غاب عن "حزب الله" أن الالتزام بما نص عليه البيان الوزاري لا يحتمل التفسير الأحادي، ذلك أن الدولة حسمت بحصرية السلاح بيدها، وهو ما يعني بحسب المصدر السياسي أنها هي التي تحدد الوسائل وتقرر ما هو مناسب لتحرير الأرض، علماً أن تحميل الحكومة المسؤولية اليوم عن عدم الانسحاب الإسرائيلي يطرح تساؤلات حول موقف الحزب الحقيقي من ترك الأمور لها، وهو الذي قرر حرب الإسناد غير آبه بالنداءات والدعوات التي حذرته من جرّ لبنان إلى حالة استنزاف والتفرد بقرار الحرب، إلى أن شنت إسرائيل حرباً عدوانية على لبنان استمرت 66 يوماً وأدت إلى تدمير عظيم وسقوط آلاف الشهداء.
لا يمكن اليوم وفق المصدر السياسي محاسبة الحكومة على أي تقصير في العمل على التحرير بعد أيام من نيلها الثقة، ولا يمكن أيضاً اتهامها بأنها ترضخ للإملاءات الأميركية لنزع سلاح "حزب الله". فاتفاق وقف النار ينص صراحة على سحب سلاح الحزب وفق مندرحات القرار 1701، وهو ما وافق عليه، لكنه يشكك بقدرة الجيش على الامساك بالحافة الامامية. وعلى هذا ليس متاحاً اليوم شنّ عمليات مقاومة متسرّعة في ظل الواقع الراهن خصوصاً بعد الحرب، ليس فقط بسبب اختلال الموازين، بل لأن أي مقاومة تستلزم السؤال عن وظيفتها وقدرتها على تحقيق الأهداف، علماً أن إسرائيل لا تزال تستعد للحرب وتواصل خروقاتها، وهو ما يعكس ما أصاب "حزب الله" من وهن بعد الضربات التي وجهت له والخسائر التي دفعها نتيجة رهاناته الخاطئة.
الضغط الإسرائيلي يحظى بغطاء أميركي يتعلق وفق المصدر الديبلوماسي بـ"حزب الله" تحديداً، فيما الهدف الأميركي الاستراتيجي في لبنان كما في سوريا هو التوصل إلى التطبيع والتوقيع على اتفاق سلام، وهو ما جرى التداول فيه أخيراً مع لبنان، لكنه مرتبط بما ستؤول إليه التطورات في المنطقة. لكن هذا المسار متعلق أيضاً بإيران التي تصر في خطاب مسؤوليها بما يتناقض مع البيان الوزاري للحكومة.
المرحلة المقبلة تحمل أخطاراً كثيرة على لبنان، خصوصاً أن المساعدات لإعادة الإعمار مشروطة دولياً وحتى عربياً، ولذا فإن تعزيز الجيش ومده بالدعم هو مهمة أساسية، ولا يمكن لـ"حزب الله" أن يعارض ذلك وفق المصدر السياسي، إذ أن تقوية الجيش لا تعني مواجهته، وعليه الاعتراف أن هناك مساراً جديداً فرضته نتائج الحرب الإسرائيلية، ولا يمكن للبنان النجاة إلا بتأمين غطاء عربي وإجراء اصلاحات جوهرية تعزز وضع الدولة في مواجهة الأخطار.