ديلويت توش توهماتسو: ليبيا بحاجة ماسة لإرساء رؤية وطنية لتنويع الاقتصاد
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
ليبيا – نشرت شركة “ديلويت توش توهماتسو” البريطانية للاستشارات المالية تقييما لوضع اقتصاد ليبيا وضرورة تحويل الطموحات إلى واقع عبر إرساء رؤية وطنية.
التقييم الذي حصلت على نسخة منه وترجمت أبرز ما فيه صحيفة المرصد أكد إن تطوير خطة واضحة ومتماسكة وشاملة يمكن أن يكون مفيدا في تنشيط القطاعات الاقتصادية في البلاد فضلا عن إسهامه في دفع عجلة التنوع وتحديد أولويات ملموسة وقابلة للتحقيق للعقود القادمة.
ووفقا للتقييم تعمل الرؤية الوطنية بصفة إطار استراتيجي للدول بهدف توجيه تحولها النظامي وتقدمها الاقتصادي متطرقا لما واجهه الاقتصاد الليبي من تقلبات كبيرة ترجع في المقام الأول إلى الاعتماد الكبير على عائدات النفط وعدم الاستقرار السياسي المعيق لمسار النمو.
وبحسب التقييم تحتفظ ليبيا رغم هذه النكسات بمجموعة نقاط قوة وموارد اقتصادية أساسية يمكن أن تحفز التعافي وتعزز النمو المستدام إذا تم استغلالها بشكل فعال في وقت يستمر فيه قطاع الهيدروكوربونات في كونه المحرك الاقتصادي الرئيسي على حساب مجالات نمو محتملة مثل الزراعة والسياحة والنقل والخدمات اللوجستية.
وأوضح التقييم إن هذا الأمر أعاق المرونة والقدرة على التكيف ما منع الاقتصاد من الاستقرار أو الاستفادة باستمرار من مزايا محلية أخرى وسط تحولات اقتصادية عالمية متوقعا نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 8% في عام 2024 مدفوعا بإنتاج نفط متوقع أن يصل لمليون ونصف المليون برميل يوميا بحلول العام 2026.
وربط التقييم بين تحقق هذه الزيادة الإنتاجية والاستقرار السياسي في وقت ازدهرت فيه دول أخرى ذات موارد طبيعية أقل من ليبيا مثل سنغافورة من خلال التنويع الاستراتيجي مع التركيز على تنمية رأس المال البشري والتكنولوجيا فيما لا تزال إمكانات البلاد بمختلف القطاعات غير النفطية غير مستغلة إلى حد كبير.
وأضاف التقييم أن اكتشاف النفط أدى إلى تحول ليبيا بشكل كبير إلى دولة غنية بالطاقة وإن كان ذلك على حساب جعلها عرضة لقوى السوق والجيوسياسية مبينا أن هذا الاعتماد يتناقض بشكل صارخ مع النهج الاقتصادي الأكثر تنوعا لأقرانها الإقليميين.
وتابع التقييم أن هؤلاء الأقران حققوا خطوات ملحوظة في قطاعات مثل السياحة والتمويل والتكنولوجيا رغم وفرة الهيدروكوربونا ت المتشابهة في وقت شهد فيه الاقتصاد المعتمد بشكل كبير على احتياطياته النفطية الضخمة تقلبات كبيرة مدفوعة في المقام الأول بتقلب الأسعار العالمية وعدم الاستقرار السياسي المتكرر.
وبين التقييم أن ديناميكيات إنتاج الهيدروكوربونات تهيمن والاستقرار السياسي المحلي على التوقعات الاقتصادية لليبيا في الأمدين القريب والمتوسط مشيرا لعدم اتباع النمو الاقتصادي والتنويع في البلاد المسارات الأكثر ثباتا وتصاعدا مثل ما فعلت الدول المماثلة.
وأضاف التقييم إن الناتج المحلي الإجمالي الليبي شهد ارتفاعات وانخفاضات غير منتظمة بانخفاض إنتاج النفط والغاز مشيرا لفقدان نصيب الفرد 25% من قيمته بين العامين 2005 و2023 في وقت حققت فيه دول مجاورة مثل مصر واليونان والجزائر وإيطاليا وقبرص تقدما إيجابيا في مؤشر الأداء اللوجستي.
وتابع التقييم إن ترتيب ليبيا لوجستيا تراجع إلى أدنى مستوى على صعيد العالم في وقت تعد فيه جودة البنية التحتية بما في ذلك النقل والخدمات اللوجستية مثل المطارات والمرافق البحرية وشبكات الطرق أمرا محوريا لتنويع الاقتصاد وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وأشار التقييم إلى أن البنية التحتية الحالية في ليبيا تأثرت بسنوات من الصراع السياسي ما جعلها متخلفة عن الركب ومفتقرة إلى التحديث والوصول الواسع النطاق ما يعني أن مثل هذه التحديات ستثني رواد الأعمال المحليين والمستثمرين الأجانب على حد سواء عن عزمهم توظيف أموالهم.
وأرجع التقييم تأثر قدرة ليبيا المحدودة على التنوع الاقتصادي والاستثمار الأجنبي بشكل كبير وترتيبها المتأخر بمؤشر الأداء اللوجستي وحالة مرافقها الأساسية المتخلفة مقارنة بجيرانها لاختناقات بيروقراطية وأطر تنظيمية معقدة ومخاوف بشأن الاستقرار السياسي فكلها عوامل تخلق بيئة أعمال مقيدة.
وأضاف التقييم إن دول جوار ليبيا استثمرت بشكل كبير في هذه المجالات لتحقق حلولا لوجستية متقدمة وأطر بنية تحتية قوية ما أدى إلى تعزيز قدرتها التنافسية الاقتصادية العالمية واصفا قطاعات الطاقة الليبية بفرصة ذهبية لتنويع قاعدة الاقتصاد وجذب استثمارات لتغذية النمو وتجاوز قطاع النفط المهيمن.
وتابع التقييم أن بإمكان البلاد الاستفادة من هذه القوى لتأسيس حضور مهم في شبكات الإنتاج في شمال إفريقيا مستغلة ثرائها الديموغرافي وموقعها الاستراتيجي وأصولها في مجال الطاقة فهذا القدر من الحرية الاقتصادية يسمح بتوجيه الأموال بشكل مباشر إلى تحسينات البنية التحتية والتقدم التكنولوجي.
وبين التقييم أن الأموال لا بد أن يتم توجيهها أيضا نحو الاستثمارات المجتمعية الحاسمة ما يضع الأساس للنمو المستدام في وقت بات فيه المشهد الاقتصادي في ليبيا جاهزا للتسارع بفضل انخفاض ديونها الخارجية واحتياطياتها المالية المرتفعة واستثماراتها وموقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية.
وبحسب التقييم يوفر هذا التعافي المالي وسادة للاستثمار الاستراتيجي والتنويع الاقتصادي فالتركيز على هذه العناصر من شأنه أن يضع ليبيا في وضع يسمح لها بأن تصبح لاعبا اقتصاديا حاسما في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بأكملها في ظل رؤية استراتيجية ثاقبة ومتبصرة.
ووفقا للتقييم يقدم الشباب النابضون بالحياة لليبيا فوائد ديموغرافية ما يجعلها قوة محتملة في قارة تثير اهتماما اقتصاديا عالميا فالاستثمار في رأس المال البشري وخاصة في التعليم والتدريب المهني يمكن أن يحفز الإنتاجية المحلية ويزيد من الناتج المحلي الإجمالي.
وشدد التقييم على وجوب الاستفادة من تجارب سنغافورة والسعودية وقطر والإمارات لبناء رؤية وطنية تكون فيها الحوكمة أساسا لضمان سعي جميع الفروع الحكومية والوزارات إلى تحقيق أهداف متناسقة وتحسين تخصيص الموارد وإصلاح السياسات.
ونبه التقييم لأهمية وجود خطة موحدة طويلة الأجل في توجيه النمو والتحول الوطني الشامل ما يجعل الرؤية الوطنية بمثابة البوصلة الاستراتيجية للبلاد لتحدد أهدافها طويلة الأجل ومسارها المثالي فيما سيعمل هذا الإطار الشامل على توحيد مختلف القطاعات المجتمعية.
وأضاف التقييم إن هذا التوحيد من شأنه ضمان تضافر الجهود نحو تحقيق أهداف مشتركة ليكون أيضا بمثابة مرشد يعمل على جمع المبادرات المتنوعة ضمن سرد استراتيجي متماسك وتعزيز التنمية الوطنية المنسقة مؤكدا أن صياغة الرؤية الوطنية لليبيا تتطلب نهجا استراتيجيا شاملا.
وتابع التقييم إن النهج يتناول المجالات الرئيسية الحاسمة لتحقيق النمو والاستقرار ما يحتم أيضا تنويع الاقتصاد وجعله قويا وقادرا على الصمود عبر الابتعاد عن الاعتماد على النفط فضلا عن الاستثمار في التعليم لبناء قوة عاملة جاهزة لتلبية متطلبات التنوع الاقتصادي.
وأشار التقييم إلى أن هياكل الحوكمة ستدعم المساءلة وتضمن الامتثال وتعزز بروتوكولات صنع القرار فيما ستراقب وحدة التتبع التقدم بدقة وتوفر رؤى في الوقت الفعلي ضرورية للحفاظ على المرونة الاستراتيجية والاستجابة للتحديات أو الفرص الناشئة.
وأوضح التقييم إن هذه الهياكل ستعمل معا على ضمان بقاء المبادرات متوافقة بشكل ثابت مع أهداف شاملة تسهل التعديلات وتحسن البنية التحتية لتوسع تجاري واقتصادي معزز لاتصال ليبيا داخل حدودها وخارجها فالتقدم بالتكنولوجيا والرعاية الصحية ضروري لتحسين مستويات المعيشة وتبسيط العمليات التجارية.
وأضاف التقييم إن التآزر بين الحوكمة والمراقبة أمر محوري في توجيه الرحلة نحو المعالم المتصورة وضمان التقدم ومرونة وسلامة تنفيذ الرؤية الوطنية فبعد تحديد طموح واضح يصبح الانتقال من التخطيط إلى العمل أمر بالغ الأهمية ما يحتم إجراء مراجعة شاملة للوضع الحالي للدولة.
وأكد التقييم أهمية أن تشمل المراجعة التحليلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية والمشاركة بتخطيط السيناريوهات والتنبؤ بها لتوقع التحديات والفرص المستقبلية والتأثير على تدابير السياسة وتصميم التنفيذ وتخصيص الموارد اللازمة مع مراعاة قيود الميزانية.
وأضاف التقييم إن هذه الإجراءات يجب أن تشمل أيضا وضع استراتيجيات للاستخدام الفعال للأصول المالية والبشرية وغيرها مع أهمية إنشاء هياكل مراقبة وحوكمة قوية تسمح بالتتبع بناء على الأداء والظروف المتطورة وصياغة دراسات معمقة حول القطاعات ذات الأولوية العالية وخطط التنفيذ.
وتابع التقييم إن المهم بمكان تحديد الأدوار والجداول الزمنية وآليات التنسيق وضمان التوافق بين القطاعات ومستويات والبدء بمشاورات عامة شاملة مع أصحاب المصلحة لجمع وجهات نظر متنوعة وضمان توافق الرؤية مع تطلعات السكان والقيم الأساسية للبلاد وتحديد أهداف واضحة وطويلة الأمد.
وبين التقييم إن هذه الأهداف تعكس التطلعات الشاملة ما يجعلها بالضرورة متبوعة بتطوير أهداف استراتيجية قابلة للتنفيذ والقياس في وقت يتعين فيه على صناع السياسات أن يمهدوا الطريق بالتشريعات فالحاجة لصياغة رؤية وطنية شاملة للدولة والمبادرة لصياغتها أمر ملح ومليء بالإمكانات التحويلية.
وأضاف التقييم أن هذه الرؤية الوطنية لا تعد مجرد خارطة طريق بل منارة لتوجيه البلاد نحو الرخاء والاستقرار والدور البارز على الساحة الدولية مستدركا بالإشارة إلى عدم تحققها إلا من خلال الإرادة الجماعية والجهد التعاوني لجميع قطاعات المجتمع الليبي.
واختتم التقييم بالتأكيد على أهمية قيام قادة الأعمال بدفع عجلة الديناميكية الاقتصادية فضلا عن مشاركة المواطنين بنشاط بصفة مهندسين لمستقبلهم فالتقارب بين هذه القوى من شأنه أن يدفع ليبيا إلى الأمام لتشارك في التقدم العالمي وتساهم بشكل مهم فيه.
ترجمة المرصد – خاص
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: الاستقرار السیاسی البنیة التحتیة الرؤیة الوطنیة رؤیة وطنیة بشکل کبیر فی وقت
إقرأ أيضاً:
خطاب قاسم في ميران التقييم: تضعضع حزبي وتحضير العودة إلى الداخل؟
كتبت سابين عويس في" النهار": لم تكن الإطلالة الأخيرة للأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم متماسكة وحازمة رغم حرصه على أن تكون كذلك. ذلك أن المواقف التي أطلقها في الاستحقاقات المطروحة لم تأت متناسقة بل حملت جملة من التناقضات لا يمكن فهمها أو تبريرها إلا بسببين أحدهما أن الحزب يعاني حالة من التخبّط على مستوى القيادة السياسية الداخلية التي تستوجب وجود مسار واضح ومحدّد لمقاربة الملفات الداخلية، مفترض أن يكون ثابتاً لدى الحزب، كما كان أقله قبل حرب الإسناد، لا سيما في ما يتصل بمسألة السلاح وانتخاب رئيس الجمهورية، أو على صعيد المواقف التي استجدّت بعد حرب الإسناد، وتتصل بمسألة المواجهة مع إسرائيل والربط مع غزة على أساس معادلة الميدان في ما يتعلق بوقف إطلاق النار.وقد حملت مواقف قاسم في هذه المسائل رسائل متعددة الوجهات، منها ما هو موجّه إلى قواعد الحزب لشدّ العصب عبر تأكيد الاستمرار في الحرب، ومنها ما هو موجّه لإسرائيل والمفاوض الأميركي ويتصل بمسار المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار، وقد تعامل مع الاتفاق الجاري التفاوض في شأنه بمرونة مبطنة بكلام منمّق يرضي تلك القواعد ولاسيما منها تلك المتشددة داخل الحزب. وللمفارقة، بدا لافتاً أن اعتراف قاسم بالمفاوض الأميركي والدور الذي يقوم به توصّلاً إلى وقف إطلاق النار، استتبع فوراً في الشق الثاني من الخطاب بوصف الولايات المتحدة الأميركية، الوسيطة في ملفّ التفاوض بـ"الوحوش البشرية".
أبرز التناقضات ظهر في الشق الداخلي من خطاب قاسم، حيث شدّد على نقاط أربع ستحكم سلوكه الداخلي. لكن النقاط الأهم تأتي في ما كشفه عن تفعيل الدور السياسي للحزب بحيث تكون خطواته السياسية تحت سقف الطائف. ولعلها المرة الأولى التي يقارب فيها "حزب الله" العمل السياسي على الساحة الداخلية من باب احترام اتفاق الطائف والعمل تحت سقفه.
في تعليق للنائب في الحزب علي فيّاض في حديث تلفزيوني أمس، كان لافتاً قوله إن "مواقف قاسم حملت رسائل مثقلة بالإيجابية والمرونة"، ما يعكس رغبة واضحة للحزب في النزول عن شجرة السقوف العالية والعودة إلى الداخل من خلال تقديم نفسه حزباً سياسياً لا يتكل على فائض قوّته العسكرية التي وضعت البلاد تحت نفوذه على مدى عقدين، مع كلّ ما رتّبه ذلك من تعطيل للحياة السياسية والعمل الديموقراطي في البلاد.