غزة – فقط 12 شهرا كانت كافية لإسرائيل من أجل الإجهاز على الاقتصاد بقطاع غزة الذي كان يعانى من حصار خانق منذ أكثر من 17 عاما، لتعيد بذلك تل أبيب الفلسطينيين إلى نقطة الصفر ورحلة طويلة لإعادة البناء في حال أتيحت الفرصة لذلك.

وتواصل إسرائيل بدعم أميركي مطلق إبادة جماعية في القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن النهاية المرجوة لتلك المجازر فور انتهائها ستحيل الفلسطينيين إلى معارك في ساحات أخرى لإعادة بناء الاقتصاد المدمر.

قبل بدء الإبادة الإسرائيلية، كان اقتصاد غزة يشكل قرابة 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين، بقيمة 2.8 مليار دولار بحسب أرقام حكومية رسمية، بينما نسبة البطالة قرب 40 بالمئة.

وفي يونيو/حزيران الماضي قالت منظمة العمل الدولية، إن معدل البطالة في غزة وصل إلى نحو 80 بالمئة، ما يرفع متوسط البطالة في أنحاء الأراضي الفلسطينية إلى أكثر من 50 بالمئة، مقارنة مع 23 بالمئة عشية 7 أكتوبر 2023.

وذكرت المنظمة التابعة للأمم المتحدة، في تقييمها الرابع لتأثير الإبادة الإسرائيلية على التوظيف، أن معدل البطالة وصل إلى 79.1 بالمئة بقطاع غزة، وإلى حوالي 32 بالمئة بالضفة الغربية المحتلة، ليصل المعدل الإجمالي إلى 50.8 بالمئة.

نفض الغبار

اليوم، يترقب أكثر من مليوني غزي نهاية حرب الإبادة، لنفض الغبار عنهم والبدء من الصفر تقريباً، مع بلوغ نسبة الفقر 100 بالمئة، أي أن جميع الغزيين فقراء، بحسب بيانات البنك الدولي.

تظهر بيانات البنك الدولي الصادرة نهاية سبتمبر/أيلول الماضي أن اقتصاد غزة انكمش بنسبة 86 بالمئة في الربع الأول من 2024، مقارنة مع انكماش بنسبة 50 بالمئة في الربع الأخير من 2023.

وبينما لم تصدر بيانات الربع الثاني من 2024، إلا أن توقعات مراكز أبحاث اقتصادية في رام الله، مثل معهد أبحاث السياسات الاقتصادية ”ماس“، بانكماش الاقتصاد بنسبة 80 بالمئة في كامل 2024.

وحتى عشية 7 أكتوبر، كان عدد المنشآت الصناعية في القطاع يقترب من 5000 منشأة صناعية؛ بينما تجهل اليوم مؤسسات الإحصاء الفلسطينية مصير هذه المنشآت بسبب صعوبة المسح تحت الهجمات الإسرائيلية.

بينما قالت الأمم المتحدة الاثنين الماضي، إن “ثلثي المباني في قطاع غزة دُمرت أو تضررت” بآلة الجيش الإسرائيلي، وفق ما أورده مركز الأقمار الاصطناعية التابع للأمم المتحدة “يونوسات”.

وأوضح المركز: “يظهر هذا التحليل أن ثلثي إجمالي المباني بقطاع غزة لحقت بها أضرار، تمثل 66 بالمئة من المباني المتضررة في قطاع غزة البالغة 163 ألفا و778 مبنى”.

وقدر المركز أن الأضرار تشمل الآن 52564 مبنى دُمرت، و18913 مبنى تضررت بشدة، و35591 مبنى تضررت هياكلها، و56710 مبنى لحقت بها أضرار متوسطة.

إعادة الإعمار

وحتى منتصف أغسطس/آب الماضي، خلفت الغارات الإسرائيلية أكثر من 42 مليون طن من الحطام في مختلف أنحاء القطاع، بحسب بيانات حديثة صادر عن الأمم المتحدة.

هذه الكمية من الحطام والأنقاض، تكفي لملء خط من الشاحنات يمتد من نيويورك إلى سنغافورة، بحسب تحقيق أجرته وكالة بلومبرغ في أغسطس الماضي.

وقد يستغرق إزالة كل هذا الركام نحو 3 سنوات من العمل، وقد يكلف ما يصل إلى 700 مليون دولار “وستتعقد المهمة بسبب القنابل غير المنفجرة والمواد الملوثة الخطيرة والبقايا البشرية تحت الأنقاض”.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى وجود أكثر من 10 آلاف جثة تحت الأنقاض، عجز الفلسطينيون عن انتشالها منذ 7 أكتوبر حتى اليوم بسبب غياب أدوات وآليات الإنقاذ.

وحتى قبل انتهاء الحرب، تخشى المؤسسات الأممية من رفض إسرائيلي في نقل الأنقاض لطمر البحر، لأنها قد ترى في ذلك، زيادة بمساحة قطاع غزة، بحسب ما أورته تقارير صحفية إسرائيلية.

بينما قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وهي هيئة تابعة لوزارة الدفاع، إنه من السابق لأوانه التعليق على إعادة الإعمار ومصير الأنقاض.

مفارقة غريبة

إحدى المفارقات الغريبة في قطاع غزة، هي أرقام صادرة عن سلطة النقد الفلسطينية، والتي تظهر ارتفاعا في الودائع المصرفية في فروع القطاع.

وبحسب البيانات، كانت الودائع المصرفية في القطاع تبلغ 1.63 مليار دولار حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2023، أي عشية الحرب على القطاع.

بينما بنهاية أغسطس/آب 2024 – أحدث بيانات متوفرة – بلغ إجمالي قيمة الودائع المصرفية في فروع غزة نحو 2.73 مليار دولار أمريكي.

ويعزى ذلك، بحسب تصريحات سابقة لسلطة النقد إلى أن البنوك في حالة الهجوم على القطاع، كانت الملاذ الآمن لأصحاب الودائع المصرفية، بدلاً من حملها والنزوح بها من مكان لآخر.

والودائع المصرفية في الأراضي الفلسطينية، مؤمنة تحت مظلة المؤسسة الفلسطينية لضمان الودائع.

 

الأناضول

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: قطاع غزة أکثر من

إقرأ أيضاً:

اقتصاد لبنان المنهار في قبضة الحرب

على مدار التاريخ الحديث، عانى لبنان من العديد من الحروب والأزمات، مما ترك تأثيراً عميقاً على اقتصاد البلاد ونسيجه الاجتماعي.

وكانت إحدى أكثر الحروب تدميراً هي حرب يوليو 2006 بين إسرائيل وحزب الله، والتي استرمت لمدة 33 يوماً، واليوم يواجه لبنان صراعاً مشابهاً بين نفس الأطراف، لكن الظروف الاقتصادية والمؤسساتية الحالية تختلف بشكل كبير عن السابق.

اقتصاد منهك

في عام 2006، كان لدى لبنان حكومة تعمل بكامل طاقتها بالإضافة إلى رئيس قائم، واقتصاد البلاد كان في مسار تصاعدي، مع توقعات نمو بين 4 بالمئة و5 بالمئة.

كانت البنوك مستقرة وتحظى بثقة عالية بسبب ميزان المدفوعات القوي والاستثمارات الكبيرة، خاصة من دول الخليج التي أدى ارتفاع أسعار النفط حينها إلى زيادة استثماراتهم في البلاد، ما عزز الأسواق المالية.

خلال تلك الحرب، استجابت الدول العربية وخاصة الخليجية بسرعة لاحتياجات لبنان، إذ تلقى حوالي 1.2 مليار دولار من المساعدات من المنظمات الدولية والعربية.

حتى مصرف لبنان المركزي في ذلك الوقت، تمكن من التدخل لحماية الليرة اللبنانية، مدعوماً بإيداع بقيمة 1.5 مليار دولار من الكويت والسعودية.

ولعبت المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر ستوكهولم في أغسطس 2006 ومؤتمر باريس 3 في 2007 دوراً حيوياً بجذب الدعم المالي، إذ جمعت 7.6 مليار دولار من المنح والقروض الميسرة لدعم القطاع الخاص وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.

الحرب تدمر ما تبقى من الاقتصاد اللبناني

لكن مع دخول لبنان اليوم في حرب جديدة، فإن الوضع أكثر هشاشة ومختلف بشكل كلي، مع مواجهة البلاد أزمة مالية غير مسبوقة، إذ فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها الشرائية، والتضخم ارتفع بشكل كبير، ولم تعد تحصل بيروت على الدعم المالي من الحلفاء الدوليين أو العرب كما كانت في السابق.

احتياطات مصرف لبنان باتت شبه مستنفدة، بينما خسر القطاع المصرفي أكثر من 70 مليار دولار، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50 بالمئة، مما أدى إلى دفع 80 بالمئة من السكان إلى ما دون خط الفقر.

لكن لم تبدأ تأثيرات الحرب المباشرة وغير المباشرة على لبنان مؤخراً، لكن منذ 7 أكتوبر، 2023، فقد تضرر قطاعي السياحة والخدمات في البلاد بشكل كبير، مع انخفاض عدد الوافدين لمطار بيروت بنسبة 33 بالمئة وارتفاع عدد المغادرين بنسبة 28 بالمئة. وحتى الآن فقد وصل عدد النازحين بسبب الحرب إلى حوالي مليون نازح، منهم 200 ألف دخلوا الأراضي السورية.

هذا وحذرت وكالة S&P Global للتصنيف الائتماني من أن خسائر السياحة وحدها قد تقلص ما يصل إلى 23 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبنان.

كما قام البنك الدولي بتعديل توقعاته لاقتصاد البلاد من نمو طفيف بنسبة 0.2 بالمئة إلى الركود، بالإضافة إلى تحذير الأمم المتحدة في ديسمبر أن البلاد قد تفقد ما بين 2 بالمئة و4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب النزاع المستمر.

تأثر القطاع الخاص بشدة، حيث انخفض مؤشر مديري المشتريات الرئيسي في لبنان (PMI) إلى 47.9 في أغسطس الماضي، مما يعكس انكماشاً اقتصادياً. أما معاملات العقارات فقد انخفضت بنسبة 60 بالمئة اعتباراً من أكتوبر 2023، مقارنة مع العام الذي سبقه.

وقد عدلت شركة BMI Research، التابعة لوكالة فيتش للتصنيفات، توقعاتها لانكماش الاقتصاد اللبناني إلى 1.5 بالمئة، مسلطة الضوء على الانخفاض الكبير في عائدات السياحة. وإذا ما قارنا بحرب 2006، فقد وصلت خسائر السياحة حينها إلى 3 مليارات دولار.

وبالنسبة لقطاعي الزراعة والصناعة، فقد تكبد كلاهما خسائر فادحة. فاعتباراً من أغسطس 2024، لم يتمكن المزارعون من زراعة 17 مليون متر مربع من الأراضي نتيجة للصراع، بينما من المتوقع أن ينكمش القطاع الصناعي بنسبة تزيد عن 50 بالمئة، مما يؤدي إلى خسائر بحوالي 2 مليار دولار.

وأدت اضطرابات الموانئ اللبنانية لتفاقم الأزمة، مما أضاف حوالي 1.5 مليار دولار إلى الأضرار الاقتصادية المقدرة.

وصرح كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أحمد مختار، لسكاي نيوز عربية، أنه تم التخلي عما يقارب من 12 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في جنوب لبنان عند بدء الصراع المباشر مع إسرائيل مما يشكل خطر كبير على النظام الغذائي المحلي والذي من الممكن أن يؤدي لتدمير النسيج الاجتماعي وسبل العيش، و أنه منذ أكتوبر 2023، فقد نفق أكثر من 340 ألف رأس من الماشية.

على الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة ورسمية بشأن إجمالي الأضرار الاقتصادية الحالية والمستمرة في لبنان، إلا أنه من المؤكد أن الخسائر تجاوزت التقديرات الحالية، مما يهدد بشلل القطاعات الرئيسية وانهيار كامل للبنية التحتة في لبنان.

كما تشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر تجاوزت بالفعل 10 مليارات دولار، وهو مبلغ يمثل حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

 

مقالات مشابهة

  • عام على الإبادة الجماعية.. أبرز 11 مجزرة اقترفتها إسرائيل بغزة
  • اليميني المتطرف فيلدرز يدافع عن الإبادة الجماعية في غزة
  • عام على الإبادة الجماعية.. هكذا اغتال الاحتلال اقتصاد غزة ودمر منازلها
  • نهضة رواندا … امة موحدة تنهض من ركام الإبادة الجماعية
  • فنزويلا تدعو لمسيرة دعماً لفلسطين وتنديداً بـ"الإبادة الجماعية"
  • اقتصاد لبنان المنهار في قبضة الحرب
  • 13 كاتبا فلسطينيا يقدمون شهاداتهم عن عام الإبادة الجماعية
  • «الثقافة الجديدة» توثق عامًا على الإبادة الجماعية في غزة بعدد أكتوبر
  • المالديف تطلب الانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل