تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
تقدير موقف صادر عن المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات
يعتبر قرار عودة المغرب إلى الحضن الإفريقي قرارا استراتيجيا وحيويا، إذ ساهم في إعطاء دفعة قوية وزخم جديد للدبلوماسية المغربية على مستوى آليات الترافع حول قضية الوحدة الترابية من داخل القارة الإفريقية. غير أن هذه العودة؛ بالنظر إلى دلالاتها وخلفياتها، لاقت تجاوبا كبيرا من لدن حلفاء المغرب، وكذلك معارضة قوية من طرف المحور الموالي للجزائر داخل الرقعة الإفريقية.
وطيلة مرحلة الانضمام (2017-2024)، أي ما يقارب سبع سنوات، خاضت المملكة المغربية عدة معارك تعكس « الاشتباك الدبلوماسي »، سيما وأن هناك تباينا بين مواقف منظمة « الاتحاد الإفريقي » ومواقف عدد كبير من أعضائها. فـ34 دولة إفريقية لا تعترف بالبوليساريو، لذلك من الطبيعي أن يراهن المغرب على طرد « البوليساريو » من المنظمة الإفريقية.
سياقات ومحددات العودة المغربية إلى الأسرة الإفريقية
قرر المغرب أن يعود إلى الحظيرة الإفريقية بعد مضي 32 سنة من انسحابه من منظمة الاتحاد الإفريقي (الوحدة الإفريقية سابقا)، من خلال الرسالة التي بعث بها الملك إلى القمة 27 للاتحاد الإفريقي، التي عقدت بالعاصمة الرواندية كيغالي، المتضمنة طلبا رسميا بالعودة إلى أحضانه، بعدما أدرك أن سياسة المقعد الشاغر أثرت سلبا على مصالحه الحيوية، ليترك المجال للخصوم الذين تمكنوا من تسويق مجموعة من المغالطات التي تمس الوحدة الترابية للمغرب.
وقد جاء قرار العودة بالتناغم مع « العقيدة السياسية » الجديدة للمغرب على مستوى الرهانات الدبلوماسية تجاه القارة الإفريقية، وذلك من خلال تكثيف وتنويع العلاقات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والدينية مع مختلف دول إفريقيا، لاسيما أنه بعد إعلان المغرب نيته الانضمام إلى منظمة « الاتحاد الإفريقي » تم تغيير 80 في المائة من المناصب الدبلوماسية بإفريقيا، وفتح خمس سفارات جديدة بتانزانيا ورواندا والموزمبيق وجزر موريس والبينين.
ومن أجل تحقيق هذا الرهان الاستراتيجي، قاد الملك وأشرف شخصيا في تلك المرحلة على جميع التحركات والمبادرات الميدانية الرامية إلى عودة المغرب إلى أسرته الإفريقية، حيث أدرك المغرب أن هذا الأمر لن يتأتى إلا بمحاصرة والتصدي لمناورات خصوم وحدته الترابية، ومحاولة اختراق القلاع الموالية لأطروحة الانفصال؛ وذلك عبر نسج علاقات ثنائية في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية مع مختلف دول شرق وغرب ووسط إفريقيا… هذا التحول الاستراتيجي في السياسة الخارجية ظهر بشكل جلي في الزيارات الملكية في تلك الفترة إلى روندا وتنزانيا وأثيوبيا.
ومن خلال استحضار بعض تفاصيل العودة، أي قبل قبول طلب المغرب، ُسجل أن هناك تأخرا غير مبرر في تلك المرحلة على مستوى تفاعل هياكل المنظمة مع طلب المغرب، لاسيما بعد مرور قرابة ثمانية أشهر على تقديم طلب الانضمام، مع العلم أن طلب انضمام دولة جنوب السودان تم البت فيه في غضون ثلاثة أسابيع. هذا التأخير من دون شك، كان يقف وراءه المحور المعادي للمغرب، والذي تمثله الجزائر وجنوب إفريقيا. إذ ظهرت مجموعة من المؤشرات التي تؤكد أن هناك تحركات معاكسة أخذت عدة أشكال من طرف تلك الأطراف بغية عرقلة عودة المغرب إلى المنظمة الإفريقية. وقد اشتدت واتسعت دائرة مناورات خصوم المغرب، وغدت أكثر شراسة بعدما وقعت 28 دولة على ملتمس طرد البوليساريو من منظمة الاتحاد الإفريقي، آنذاك، (قبل المصادقة على انضمام المغرب).
في المجمل، ومنذ الإعلان عن رغبة المغرب في العودة إلى الأسرة الإفريقية في قمة كغالي، في يوليوز 2016، والمصادقة على طلبه يوم 30 يناير 2017 خلال قمة أديس أبابا، خاض المغرب طيلة تسعة أشهر حربا دبلوماسية غير مسبوقة، دارت رحاها داخل أروقة الاتحاد الإفريقي وامتدت في بعض الأحيان إلى مناطق كانت محسوبة بالأمس القريب على المعاقل التقليدية للجزائر والبوليساريو.
وظف خصوم المغرب في هذه الحرب كافة الوسائل لعرقلة عودته إلى أسرته المؤسسية، تنوعت تلك الوسائل بين إقحام المفوضية الإفريقية، والبيروقراطية المتفشية داخل هذه المنظمة القارية، واستغلال التعقيدات المسطرية المؤطرة لعمل الاتحاد، بالإضافة إلى محاولة فتح جبهات جديدة لخلط الأوراق، مثل التحركات الاستفزازية في الجنوب (كركرات) في محاولة لاصطياد رد فعل المملكة وتحركاتها للاحتجاج عليها دوليا وإقليميا.
وقد تنوعت مناورات الجزائر ولم تتوقف حتى يوم الحسم؛ حيث قامت بزرع ألغام عدة في طريق عودة المغرب، كان آخرها بالتزامن مع قرب الإعلان عن حصول المغرب على عضويته خلال قمة الاتحاد الإفريقي 28 المنعقدة بأديس أبابا؛ حيث طلبت رفقة 12 دولة عضوا، تشمل كلا من جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا وأنغولا، رأيا استشاريا من الهيئة القانونية للاتحاد الإفريقي لمعرفة ما “إذا كانت هذه المنظمة القارية يمكن أن تقبل بلدا يحتل جزءا من أرض دولة عضو”.
كل هذه المناورات هدفها كسب مزيد من الوقت وتأخير المصادقة على قرار منح المغرب العضوية، وما لذلك من إحراج وتأثير سلبي على صورته داخليا وخارجيا، بالنظر إلى المتابعة الإعلامية الدولية المكثفة لموضوع العودة، خاصة وأن الملك حضر شخصيا وكان يتواجد على بعد أمتار قليلة من مقر القمة وكان يقود بنفسه « غرفة العمليات » المتعلقة بالتنسيق والتشاور مع الحلفاء والأصدقاء لإنجاح رهان العودة.
في المقابل، فالمغرب بدوره اعتمد في معركة العودة على استراتيجية جديدة قوامها الانفتاح والبراغماتية بهدف اختراق مواقف بعض البلدان الإفريقية الموالية للبوليساريو، سواء من خلال الزيارات الملكية الميدانية إلى تلك الدول أو من خلال الشراكات والاتفاقيات النوعية الموقعة.
عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا… محاذير ورهانات
بالتزامن مع انضمام المملكة المغربية إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، تناسلت مجموعة من الأسئلة والتساؤلات حول مكاسب ومحاذير العودة المغربية إلى المنظمة الإفريقية، وكيف سيستفيد المغرب من تواجده بالاتحاد للدفاع عن مصالحه الحيوية، وما هي أبرز الرهانات المرتبطة برجوع المغرب إلى موقعه الأصلي باعتباره عضوا مؤسسا للعمل المؤسساتي بإفريقيا؟ وكيف سيدبر المغرب علاقاته مع الدول المناصرة للأطروحة الانفصالية من داخل الاتحاد الإفريقي؟ وكيف يمكن التعامل مع هذا الواقع المرتبط بوجود البوليساريو ككيان له كامل العضوية بهذه المنظمة القارية؟ ثم ما هو هامش التحرك والمناورة من داخل الاتحاد الإفريقي للدفاع عن الوحدة الترابية؟ وكيف يمكن تحقيق رهان طرد الكيان الوهمي؟
وبالعودة إلى الاتحاد الإفريقي يكون المغرب قد أغلق قوس سياسة الكرسي الفارغ التي انتهجها طيلة ثلاثة عقود منذ انسحابه من هذه المنظمة الإفريقية سنة 1984. وبعودته إلى الأسرة المؤسسية، راهن المغرب على تحقيق مجموعة من المكاسب والرهانات الاستراتيجية التي تتوزع بين تقزيم دور البوليساريو ككيان له كامل العضوية في المرحلة الأولى في أفق طرده في المرحلة الثانية، والحؤول دون توظيف الجزائر للاتحاد الإفريقي في الصراع مع المغرب.
وبقدر ما تتيح عودة المغرب إلى أسرته الإفريقية مزايا عدة للدفاع عن مصالحه من داخل الاتحاد، فإن الانضمام وفق الشروط الحالية والسياقات المرتبطة بوجود كيان وهمي يحظى بدعم بعض الدول الإفريقية يطرح إشكالات عديدة ومحاذير قانونية وسياسية سيحاول الخصوم، دون شك، توظيفها لتسييج المغرب وتضييق هامش تحركاته داخل الاتحاد، وجعله يقبل بالوضع القائم الذي يخدم أطروحة الانفصال.
فبالنسبة للمحاذير القانونية، يأتي في مقدمتها وجود بعض العيوب القانونية في النظام الأساسي للاتحاد الإفريقي، من بينها المادة الثانية التي تنص على الالتزام بالدفاع عن سيادة وسلامة الدول الأعضاء، بالإضافة إلى المادة الرابعة التي تنص على « احترام الحدود القائمة وقت الحصول على الاستقلال »، في حين إن المغرب لا يعترف بحدوده الشرقية مع الجزائر، بالإضافة إلى عدم وجود مادة تتحدث عن طرد عضو من الاتحاد، باستثناء المادة 30 التي تتحدث عن تعليق العضوية في حالة انقلابات عسكرية أو ما شابهها.
لذلك، فمقابل استراتيجية الجزائر القائمة على محاولة استغلال هذا الوضع من خلال تقديم قراءات وتأويلات خاطئة لهذه البنود الخاصة بالقانون التأسيسي للاتحاد، فالمغرب وجد نفسه مطوقا بنصوص قانونية و »ميثاق رمادي » -يعتبر دستور الاتحاد الإفريقي- قد لا يسعف المملكة على الأقل على المدى المتوسط.
أما المحاذير السياسية، فتتعلق أساسا بالتعاطي مع واقع وجود كيان انفصالي يتمتع بكامل الصفة داخل الاتحاد الإفريقي، وكيفية التعامل مع الجوانب المرتبطة بتدبير ملف النزاع في هذه المنظمة القارية، خاصة وأن خصوم المغرب استثمروا غيابه لتوظيف وإقحام الاتحاد في النزاع حول الصحراء لصالح البوليساريو، ويظهر هذا الأمر جليا من خلال انحياز هذه المنظمة القارية على مستوى مقرراتها وتصريحات مسؤوليها السابقين لأطروحة الانفصال، وتبنيهم للمواقف والشعارات التي تعتبر أن قضية الصحراء « قضية احتلال ».
رهانات ما بعد العودة إلى الاتحاد الإفريقي
بعودته إلى الأسرة المؤسسية، يعتبر رهان طرد « البوليساريو » هدفا استراتيجيا بالنسبة للمغرب، محاولا اختراق جبهات جديدة في إفريقيا، وتحييد أو على الأقل تليين مواقف بعض الدول الموالية لأطروحة الانفصال.
لكن، لماذا لم يتمكن المغرب من طرد « البوليساريو » رغم مرور ما يقارب سبع سنوات؟ هل الشروط الموضوعية والقانونية والجيوسياسية لم تنضح بعد؟ وما هي المفاتيح أو المداخل التي يمكن اعتمادها لتحقيق هذا الرهان؟ أسئلة من الممكن أن تساعد على فهم وتفهم « تأخر » الدبلوماسية المغربية في طرد « البوليساريو » ونزع صفة « الدولة » عنها داخل الساحة الإفريقية.
من الواضح أن هناك جهود دبلوماسية مغربية مكثفة غايتها إعادة رسم خريطة التوازنات والتحالفات داخل الساحة الإفريقية تحجيم وتقليص « هامش » تحرك خصوم المملكة من جهة، وطرد البوليساريو من المنظمة الإفريقية من جهة أخرى.
غير أن هذه « الجهود الدبلوماسية » تعرضت للإنهاك جراء « المعارك الجانبية » التي تقع في الاجتماعات والقمم التي تنعقد بين منظمة الاتحاد الإفريقي وباقي الدول والتجمعات الأخرى، مثل ما وقع خلال شهر شتنبر 2024 في قمة » تكاد » بين اليابان والاتحاد الإفريقي. إذ بات منع مشاركة البوليساريو استراتيجيا عوض أن يكون تكتيكيا، بحيث صارت الاشتباكات الدبلوماسية خلال هذه اللقاءات والاجتماعات مناسبة بالنسبة للخصوم لإعادة طرح « النزاع » على الرقعة الدولية ومحاولة تسويقه إعلاميا ودبلوماسيا.
وارتباطا برهان طرد البوليساريو باعتباره من الرهانات الاستراتيجية، فالدبلوماسية المغربية لا يمكنها تحقيق هذا الرهان دون توفير الظروف والشروط اللازمة وتهيئة الأجواء المناسبة التي يمكن إجمالها في سبع نقاط أساسية:
أولا: نسج علاقات براغماتية مع الأصدقاء والخصوم، عبر توظيف المداخل الاقتصادية والتجارية والأمنية والعسكرية والدينية، والبرهنة كذلك بشكل ملموس على المقاربة الإنسانية التي ينهجها المغرب تجاه المواطن الإفريقي من خلال تسويق تجربته في التعامل مع المهاجرين الأفارقة.
ثانيا: خلق جبهة إفريقية عريضة موالية للمغرب داخل هذه المنظمة، من خلال التنسيق والتشاور مع مختلف دول إفريقيا، ودعم الحلفاء في بعض المواقع الحيوية داخل الاتحاد الإفريقي، مع الحرص على الانتشار بشكل ذكي داخل بعض الأجهزة مثل البرلمان الإفريقي والجمعية العامة والمفوضية الإفريقية ومحكمة حقوق الإنسان.
ثالثا: إقناع الدول الإفريقية بضرورة العمل على تطوير هياكل المنظمة ومراجعة الترسانة القانونية المؤطرة لعملها.
رابعا: إعداد ملف قانوني دقيق حول البوليساريو للدفع بعدم أهليتها بالعضوية، يتضمن أربع نقط أساسية، الأولى أن البوليساريو تطالب بتقرير المصير وغير معترف بها كدولة من طرف الأمم المتحدة، وهذا تناقض صارخ؛ إذ كيف لها أن تطالب بتقرير المصير وتدعي في الوقت نفسه أنها دولة.
الثانية هي افتقار البوليساريو للمقومات السوسيولوجية للدولة المتعارف عليها، وهذا الأمر يتطلب وجود ثلاثة أركان أساسية: شعب وإقليم وسلطة سياسية، بالإضافة كذلك إلى عدم توفرها على المقومات القانونية، وهي الشخصية المعنوية والسيادة.
أما النقطة الثالثة، فترتبط بالتمثيلية؛ فالأمر يحتاج إلى نقاش مفتوح داخل هياكل الاتحاد، سيما وأن البوليساريو لا يحق لها ادعاء تمثيل الصحراويين؛ لأن هذا « الادعاء » فيه مغالطة كبيرة. فالجنوب المغربي تجرى فيه الانتخابات بشكل اعتيادي، وتعرف هذه المناطق أكبر نسبة مشاركة، وهناك صحراويون مغاربة منتخبون في كافة المجالس المحلية والوطنية.
خامسا: تكثيف النقاش حول وضعية « البوليساريو » داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، من قبل النخب السياسية والأكاديمية بالمغرب، وأيضا الشخصيات الدولية التي تتطرق وتهتم بهذا الموضوع، ومنهم كتاب وصحفيون ومسؤولون سابقون في حكوماتهم وشخصيات سياسية وعلمية.
سادسا: استثمار الزخم السياسي والدبلوماسي الذي حققه المغرب منذ سنة 2007 ورسخه بشكل ملفت بعد سنة 2016، خصوصا إقرار عدد من الدول بمغربية الصحراء، وافتتاح قنصليات عامة لدول أخرى بالأقاليم الجنوبية، وكذا سحب عدة دول اعترافها بـ »البوليساريو » ، وهي أمور كفيلة بتفعيل السبل القانونية لطرد هذا الكيان من منظمة الاتحاد الإفريقي.
سابعا: تسليط الضوء على ما تشكله « البوليساريو » من تهديد للأمن الإقليمي لدول شمال إفريقيا ودول الساحل والصحراء، وعلى ما ثبت في تعاملها مع جماعات إرهابية وإيوائها لأفراد هذه الجماعات. والأعمال العدائية اتجاه المغرب – آخرها هجوم السمارة-.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: منظمة الاتحاد الإفریقی داخل الاتحاد الإفریقی إلى الاتحاد الإفریقی المنظمة الإفریقیة للاتحاد الإفریقی عودة المغرب إلى العودة إلى إلى الأسرة مجموعة من على مستوى من داخل من خلال أن هناک
إقرأ أيضاً:
بعد أحداث أمستردام وباريس.. الملاعب تشتعل والرياضة لا تُصلِح ما أفسده الصهاينة.. الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي داخل المستطيل الأخضر تاريخ من الكراهية.. أوروبا تدرس اتخاذ موقف حاسم ضد جماهير الاحتلال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
العلاقة بين الرياضة والسياسة تزداد سخونة خلال السنوات الأخيرة خصوصاً داخل ملاعب كرة القدم التي تحظى بمشاهدات كبيرة وتواجد جماهيري عريض فى المدرجات، وتُعد كرة القدم، الأكثر ممارسة وشعبية فى العالم، والأكثر تأثيرًا في السياسات الداخلية والخارجية للدول الكبرى والصغرى، القوية والضعيفة.
وفي ظل هذه الأجواء يثار التساؤل: هل تُصلح الرياضة ما تفسده السياسة؟ للإجابة عن هذا السؤال لدينا أمثلة عن نجاح الرياضة في إصلاح ما أفسدته السياسة علي رأسها مباراة تنس الطاولة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية في أوائل سبعينيات القرن الماضي، والتي بدأت خلال بطولة العالم لكرة الطاولة لعام ١٩٧١ في، اليابان بعد لقاء بين اللاعبين جلين كوان (من الولايات المتحدة)، وزوهانج زيدونج (من جمهورية الصين الشعبية) ونجحت المباراة في رأب الصدع بين الدولتين وتحسن فى العلاقات الدبلوماسية.
لكن علي الجانب الآخر وفي ظل الصراع العربي الإسرائيلي تفشل الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص فى تقريب وجهات النظر حتي في الملاعب الأوروبية أثناء مباريات فرق الكيان الصهيوني أمام فرق أوروبا سواء فى دوري أبطال أوروبا أو الدوري الأوروبي تحدث مشاحنات واشتباكات بين الجماهير كان آخرها ما حدث فى العاصمة الهولندية أمستردام بعد مباراة أياكس الهولندي، ومباراة فرنسا أمام الكيان الصهيوني في دوري الأمم الأوروبية.
أدى الصراع في غزة إلى تصعيد التوترات المجتمعية في جميع أنحاء أوروبا، مع تصاعد الانتهاكات والهجمات المعادية للسامية. كما ارتفعت حوادث الإسلاموفوبيا إلى مستويات قياسية.
التاريخ السياسي لكرة القدم في الشرق الأوسط، محطات وأشكال التداخل والتأثر والتأثير المتبادل، سلباً وإيجاباً، بين هذه الرياضة، على نحو حصري، وسياسات الحكومات، والاستغلال السياسي لها من قبل بعض الأنظمة السياسية.
وبما أن لكرة القدم جماهير غفيرة من الشباب، وهم القوة الأساسية في المجتمع، فإن النظام السياسي، يستفيد من انخراطهم في نوادٍ رياضية وانشغالهم بالتعصب الكروي بدلاً من انخراطهم في نشاطات سياسية. أو يستغل تلك النوادي جماهيرياً وسياسياً، ويقوم بتوجيهها إعلامياً، وبذل المال والامتيازات لقادتها وفرقها من الأموال العامة. فضلاً عن تسخير كرة القدم نفسها للتنفيس وتفريغ الضغوط والأزمات النفسية مؤقتاً، داخل الملاعب وأمام شاشات العرض في المقاهي والساحات العامة.
يأتي الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي كعلاقة معقدة بين السياسة والرياضة، ويصعب معها أن تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة
ترصد «البوابة نيوز» في السطور القادمة فصلا من الصراع العربي الصهيوني داخل ملاعب كرة القدم والرياضات المختلفة.
عقوبات «يويفا» على الكيان الصهيونيقرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، فرض غرامات مالية على الاتحادين الفرنسي والإسرائيلي، على خلفية الأحداث التي شهدها ملعب فرنسا في العاصمة باريس خلال مباراة دوري الأمم الأوروبية.
شهدت المباراة اشتباكات بين نحو 50 مشجعًا من الجانبين، تضمنت تبادل إلقاء الأشياء واحتكاكات جسدية، مما استدعى تدخل أمن الملعب للسيطرة على الوضع.
ووفقًا لصحيفة «موندو ديبورتيفو» الإسبانية، فإن تقارير المنسق الأمني للاتحاد الأوروبي وتقارير الشرطة ستحدد حجم العقوبات المتوقعة.
وأشارت التقارير الأولية إلى أن الحوادث لم تؤثر على سير المباراة، التي استمرت بشكل طبيعي دون توقف.
ومن المقرر أن تُفرض العقوبات استنادًا إلى المادة 16 من قانون الانضباط الخاص باليويفا، والمتعلقة بضمان النظام والسلامة خلال المباريات. وتنص المادة على مسؤولية كل من الاتحادين عن أي حوادث تقع قبل أو أثناء أو بعد المباراة.
وقعت الأحداث بعد مرور 15 دقيقة من انطلاق الشوط الأول واستمرت لدقيقتين فقط، مما يجعل الغرامات المالية هي العقوبة المرجحة، إلى جانب احتمالية فرض حظر على بيع التذاكر للاتحاد الإسرائيلي في المباريات المقبلة
وذكرت الصحيفة أن هذا الحظر سيكون معلقًا ومراقبًا لمدة عام أو عامين.
على صعيد المباراة، انتهت بالتعادل السلبي بين المنتخب الفرنسي وضيفه الإسرائيلي، في اللقاء الذي أُقيم مساء الخميس الماضى على ملعب "فرنسا"، ضمن الجولة الخامسة من دوري الأمم الأوروبية.
أمستردام تشتعلشهدت العاصمة الهولندية أمستردام أحداث شغب بين مشجعي مكابي تل أبيب والجماهير الهولندية بعد مباراة في الدوري الأوروبي ضد أياكس أمستردام. بدأت التوترات منذ وصول مشجعي مكابي إلى المدينة، حيث ظهرت لافتات وشعارات سياسية استفزازية من كلا الطرفين، مما أدى إلى اشتعال الأجواء قبل بدء المباراة.
كشفت تقارير صحفية أن التوترات تصاعدت أثناء المسيرة التي قام بها مشجعو مكابي تل أبيب في شوارع أمستردام ، حيث شوهد بعض المشجعين الإسرائيليين يقومون بتمزيق الأعلام الفلسطينية، في مشهد زاد من حدة الاحتقان. وبحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، شوهد العشرات من الرجال الملثمين الذين يرتدون ملابس سوداء وهم يصرخون بشعارات مسيئة منها "اذهبي إلى الجحيم يا فلسطين".
تزايدت حدة الاشتباكات عقب المباراة التي انتهت بخسارة مكابي تل أبيب بخمسة أهداف دون رد أمام أياكس، مما أدى إلى مواجهات عنيفة في شوارع المدينة بين الجماهير. أسفرت هذه الاشتباكات عن إصابات وأضرار في الممتلكات، فيما تدخلت الشرطة الهولندية بحزم لضبط الأمن والسيطرة على الوضع.
اعتداء مشجعي مكابي على حامل علم فلسطينفي حادثة مثيرة للجدل، فى مارس ٢٠٢٤ قامت مجموعة من مشجعي "هوليغانز" التابعة لنادي مكابي تل أبيب الإسرائيلي بالاعتداء على مشجّع يحمل علم فلسطين في العاصمة اليونانية أثينا، وذلك قبل مواجهة فريقهم مع أولمبياكوس في ذهاب دور الـ١٦ من دوري المؤتمر الأوروبي لكرة القدم.
وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام يونانية، استهدفت مجموعة من مشجعي مكابي تل أبيب، المعروفة بتصرفاتها العدوانية، أحد المشجعين بعد رؤيته يحمل العلم الفلسطيني. وتعرض المشجّع، الذي تم التعرف عليه لاحقًا كأجنبي يقيم في اليونان، لضرب مبرح أدى إلى نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم. وتمكنت السلطات المحلية من تحديد هوية المُعتدى عليه والتحقق من وضعه الصحي بعد الحادثة.
وجاء نحو ١٦٠٠ مشجع من أنصار مكابي تل أبيب إلى أثينا لحضور المباراة، التي انتهت بفوز الفريق الإسرائيلي على مضيفه أولمبياكوس بنتيجة ٤-١.
إلا أن حادثة الاعتداء أثارت جدلًا واسعًا وزادت من حدة التوترات في المدينة قبل المباراة، مسلطة الضوء على تصرفات بعض المشجعين التي تساهم في تصعيد الأجواء خارج الإطار الرياضي.
محمد صلاح يتعرض لهتافات عنصرية في تل أبيبشهدت مباراة نادي بازل السويسري ونادي مكابي تل أبيب الإسرائيلي، في أغسطس ٢٠١٣ ضمن تصفيات دوري أبطال أوروبا، توترًا ملفتًا حيث تعرض اللاعب المصري محمد صلاح، مهاجم بازل وقتها، لهتافات عدائية وصافرات استهجان من جماهير مكابي تل أبيب.
ورغم الحساسية الكبيرة التي تحيط بالمباراة نظرًا للبعد السياسي، سافر صلاح وزميله محمد النني إلى تل أبيب لخوض اللقاء، مما لفت اهتمامًا إعلاميًا واسعًا.
أشارت صحيفة "بليك" السويسرية إلى أن جماهير مكابي تل أبيب وجهت هتافات وسبابًا لصلاح منذ بداية عمليات الإحماء، حيث صعدت صافرات الاستهجان وعبارات الاستفزاز كلما لمس الكرة، ما أثار استياء الصحافة السويسرية التي رأت أن هذه التصرفات تخرج عن إطار الروح الرياضية، وتعكس توترات سياسية تؤثر على أجواء المنافسات الرياضية.
ووثقت الصحيفة بعض الهتافات بالفيديو، موضحة أن صلاح واجه تحديًا كبيرًا منذ لحظاته الأولى فى الملعب، حيث بدا واضحًا أن جماهير مكابي تل أبيب تسعى للتأثير على أدائه.
ورغم هذه الضغوط، أظهر محمد صلاح احترافية عالية وركز على المباراة، وتمكن من تسجيل الهدف الثاني لصالح بازل، مؤكدًا بذلك مكانته كلاعب مؤثر في صفوف الفريق.
وأسهم هذا الهدف في تأكيد تأهل بازل للدور التمهيدي الرابع، ليصبح ردًا عمليًا على الاستفزازات، وبرز كأحد أهم لحظات المباراة.
واعتبرت الصحف السويسرية أن سلوك الجماهير لا يعكس قيم التنافس الشريف، مشددة على أهمية الفصل بين السياسة والرياضة، وأن اللاعبين يجب أن يحظوا بالاحترام بغض النظر عن خلفياتهم.
أثارت الحادثة تفاعلًا واسعًا عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث انتقد الجمهور تصرفات بعض جماهير مكابي تل أبيب، معتبرين أن الرياضة يجب أن تبقى مجالًا للتقارب لا لتعزيز الخلافات.
وبالنسبة لصلاح، مثّل هذا الموقف اختبارًا مهمًا أثبت فيه قدرته على تجاوز الضغوط النفسية، وتقديم أداء قوي رغم الاستفزازات، ما أضاف إلى رصيده كمحترف وأعطاه دافعًا للمضي قدمًا في مسيرته الرياضية.
توتنهام وليون فى فرنسا فبراير ٢٠١٣فى فبراير ٢٠١٣ تناولت الصحافة الفرنسية حادثة الهجوم التي تعرض لها مشجعو نادي توتنهام هوتسبير الإنجليزي في إحدى حانات مدينة ليون الفرنسية، قبل مباراة فريقهم أمام ليون الفرنسي ضمن الدوري الأوروبي.
الهجوم، الذي أسفر عن إصابة ثلاثة مشجعين بجروح، جاء بسبب حدة الاستفزازات من الجماهير المؤيدة للكيان الصهيوني، واستهدافها للمشجعين الذين يحملون تعاطفًا مع القضية الفلسطينية أو ينتقدون سياسات الاحتلال.
أدت الأحداث إلى اعتقال ثلاثة من المشتبه بهم في الحادث، وتتابعت التحقيقات معهم حول ملابسات الهجوم، وانتشرت مقاطع فيديو توثق جزءًا من الحادث، بالرغم من رداءة جودتها، وتظهر الأضرار البالغة التي لحقت بالحانة والممتلكات جراء هذا الهجوم.
اشتباكات فى مباراة ودية بين جماهير الكيان وليلفي أغسطس ٢٠١٣، توقفت مباراة ودية جمعت فريق مكابي حيفا الإسرائيلي مع فريق ليل الفرنسي في النمسا، بعد أن تسببت استفزازات جماهير الفريق الإسرائيلي في اشتعال الأجواء داخل الملعب. تصاعد التوتر عندما رفعت جماهير مكابي حيفا شعارات ورددت هتافات اعتُبرت استفزازية مما دفع المناصرين للقضية الفلسطينية إلى اقتحام أرض الملعب، في محاولة للتعبير عن اعتراضهم.
اندلعت الاشتباكات مباشرة بعد الاقتحام، حيث حاول الشبان الوصول إلى لاعبي الفريق الإسرائيلي، ما استدعى تدخلًا سريعًا من الشرطة المحلية التي عملت على احتواء الموقف وإعادة النظام في الملعب. وأدى هذا التصعيد إلى قرار المنظمين بإيقاف المباراة لضمان سلامة اللاعبين والجمهور، فيما اعتُقل عدد من المقتحمين على خلفية هذه الأحداث.
سلتيك يتجاهل بويفا ويتضامن مع فلسطينفي نوفمبر ٢٠٠٩، خلال مباراة في الدوري الأوروبي بين هبوعيل تل أبيب الإسرائيلي وسلتيك الاسكتلندي في جلاسكو، شهدت المباراة توترات بين الجماهير. رفع بعض مشجعي سلتيك لافتات مؤيدة للقضية الفلسطينية، مما أثار حفيظة مشجعي هبوعيل تل أبيب. تدخلت قوات الأمن لتهدئة الأوضاع ومنع تصاعد التوتر.
وتجاهل جمهور سيلتك التحذيرات التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، الذي يحظر رفع أي شعارات سياسية أو دينية في الملاعب، ما يعرض النادي للغرامات.
تشهد الملاعب الأوروبية بين الحين والآخر اشتباكات بين جماهير الفرق الإسرائيلية ونظيرتها الأوروبية، ويري الخبراء أن سبب هذه التوترات يأتى في هذه النقاط :
التوترات السياسية والدينية:
يُعد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي محورًا أساسيًا لهذه الاشتباكات، حيث تنقسم الجماهير الأوروبية في مواقفها تجاه إسرائيل. تظهر هذه الانقسامات بوضوح في المباريات التي تشارك فيها فرق إسرائيلية، وتعبر بعض الجماهير عن تضامنها مع الفلسطينيين، بينما تدعم أخرى إسرائيل.
الاستفزازات المتبادلة: في بعض المباريات، تقوم جماهير الفرق الإسرائيلية برفع شعارات أو ترديد هتافات تعتبر استفزازية من قبل الجماهير الأوروبية، مما يؤدي إلى ردود فعل عنيفة. على سبيل المثال، في مباراة ودية بين مكابي حيفا وليل الفرنسي في النمسا عام ٢٠١٣، اندلعت اشتباكات بعد رفع شعارات مؤيدة للقضية الفلسطينية.
التاريخ الثقافي والاجتماعي: تحمل بعض الدول الأوروبية تاريخًا من التوترات مع الكيان الصهيوني، مما ينعكس على سلوك جماهيرها في المباريات وقد يؤدي هذا التاريخ إلى تصاعد التوترات في المباريات التي تشارك فيها فرق الكيان الصهيوني.
ويؤكد الخبراء أن هذه العوامل مجتمعة تسهم في تصاعد التوترات والاشتباكات بين الجماهير الإسرائيلية والأوروبية في الملاعب، مما يستدعي تدخلات أمنية وإدارية للحد من هذه الظاهرة.