عند تأسيس الأمم المتحدة عام 1954 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية على أنقاض عصبة الأمم المتحدة بمشاركة 50 دولة، كان مأمولاً أن تمنع نشوب حرب عالمية جديدة، وأن ينعم العالم بالأمن والسلام، وفقاً لديباجة ميثاقها الذي يقول: «نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن تؤكد من جديد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية».
ولتحقيق هذه الأهداف، تتعهد الأمم المتحدة «بحفظ الأمن والسلم الدوليين ومنع الأسباب التي تهدد السلم وتمنع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلام وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي».
منذ ذلك الحين، وقعت الأمم المتحدة ضحية الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي من جهة، والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، وعجزت عن القيام بالدور المنوط بها في حفظ الأمن والسلام الدوليين، إذ نشبت حروب بالوكالة بين المعسكرين في أكثر من منطقة في العالم، وجرت استقطابات دولية في إطار الصراع بينهما، ووقعت حروب مباشرة في كوريا وفيتنام، كما شنت الولايات المتحدة العديد من الحروب في العالم كان أحدثها في أفغانستان والعراق.
ورغم أن الأمم المتحدة نجحت في تحقيق الأمن في العديد من المناطق المضطربة من خلال «قوات حفظ السلام»، وتحقيق إنجازات مهمة من خلال وكالاتها الصحية والإغاثية والاجتماعية والتنموية والثقافية، إلا أنها ظلت عاجزة عن تنفيذ القرارات التي تصدر عنها بشأن العديد من القضايا والأزمات الدولية، وخصوصاً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإلزام إسرائيل بتطبيق القرارات التي صدرت عنها، كما فشلت في مواجهة المخاطر الناجمة عن الحرب الروسية - الأوكرانية، والصراع القائم في شبه الجزيرة الكورية، بسب الخلل في بنية مجلس الأمن الدولي، وتفرُّد الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي، وعرقلتها تنفيذ أي قرار لا يلبي مصالحها الكونية، وخصوصاً ما يتعلق بحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وحربها الحالية على لبنان وما يمكن أن تؤدي إليه من صراع واسع يشمل المنطقة بأسرها.
إن حق «الفيتو» الذي تملكه الدول الخمس الكبرى، بات يمثل معضلة كبرى للأمم المتحدة، لأنه تحول إلى سلاح سياسي تمارسه هذه الدول لإحباط أي جهد دولي لتحقيق السلام والأمن في العالم، وبالتالي أدى إلى شلل المنظمة الدولية وعجزها عن أداء دورها المفترض، بل إلغاء سبب وجودها.
إن ما تدعو إليه المنظمة من تعزيز واحترام لحقوق الإنسان، والتزام بالقانون الدولي والإنساني، ورفض العدوان والاستعمار، واحترام شرعة الأمم المتحدة، وحماية المدنيين في الحروب يتم انتهاكه بشكل فاضح من جانب الدول الكبرى التي تمارس ازدواجية في المعايير، ومن جانب إسرائيل التي تعتبر نفسها فوق القوانين الدولية.
من خلال هذا الواقع، باتت الأمم المتحدة تمثل عجز المجتمع الدولي، وتشكل عبئاً على الدول والشعوب التي تحتاج إلى منظمة قادرة على فرض قوانينها، لأنها تحولت إلى ما يشبه عصبة الأمم المتحدة التي فشلت في الحؤول دون نشوب الحرب العالمية الثانية، حيث تطل حرب عالمية جديدة برأسها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عام على حرب غزة إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الأمم المتحدة
إقرأ أيضاً:
الترجمان: تصريحات غوتيريش والتدخل الدولي لن تُغير المشهد الليبي
ليبيا – خالد الترجمان: تصريحات غوتيريش والتدخل الدولي لا تغير معالم الأزمة الليبية
تصريحات الترجمان حول دعوة غوتيريش
علق خالد الترجمان، أمين سر المجلس الانتقالي السابق، على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، التي طالبت مؤخرًا الدول المتدخلة في شؤون ليبيا بالتوقف عن التدخل. وأوضح الترجمان في مداخلة عبر برنامج “الحوار” الذي يُذاع على قناة “ليبيا الحدث“، وتابعته صحيفة المرصد، أن ما يصدر من غوتيريش أو من الأمم المتحدة، وحتى مسألة اللجنة الاستشارية، لن تضيف شيئًا جديدًا للمشهد الليبي. وأضاف: “وصلنا للمندوب العاشر في الأمم المتحدة ولم نصل إلى جديد. هل يعقل أن تكون مجرد تصريحات صحفية كف يد المتدخلين كافية لتغيير الوضع؟”
انتقاد التدخل الخارجي واستيلاء الدول على الإرادة الليبية
أكد الترجمان أن الدول المتدخلة في الشأن الليبي تتقنن مسائل عديدة، منها الأموال والفساد، وتسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب إرادة الليبيين. وأشار إلى أن بعض الدول تدخلت بشكل واضح، حيث يستثمر بعضها في مشاريع الأعمار في شرق البلاد بينما تسعى دول أخرى للتفاوض مع قيادات سياسية بشأن السيطرة على الموارد وإدارة الشؤون الحيوية، مما يعكس انقسامًا عميقًا في السياسات الدولية تجاه ليبيا.
موقف اللجنة الاستشارية ومعايير الاختيار
أوضح الترجمان أن هناك لجنة فنية تم اختيارها لتعديل ما وصلت إليه اتفاقية 6+6، بهدف وضع معايير صارمة لاختيار رئيس الحكومة والوزراء مع إلزامهم بمدة محددة لإنجاز المطلوب من انتخابات رئاسية وبرلمانية. وتساءل قائلاً: “كيف يمكن أن تُجرى انتخابات حقيقية في ظل وجود سلاح خارج عن السيطرة وميليشيات تسيطر على القرار السيادي في غرب البلاد؟” ورأى أن التوجه الدولي الحالي لا يقدم حلولاً جذرية بل يعيد فقط تدوير الجمود السياسي، مما يستدعي إرادة سياسية حقيقية للتغيير.
أهمية دعم الإرادة السياسية والتنسيق الثنائي
أشار الترجمان إلى أن كل الدول تبحث عن مصالحها الخاصة، مستشهداً بمثال تركيا التي تساهم في الأعمار في شرق البلاد، وبمبادرات إيطاليا ومصر والولايات المتحدة في دعم القيادة العامة والتدريب والتجهيز العسكري. كما ذكر أن بعض المتهمين والمطلوبين أصبحوا يشغلون مناصب في حكومات غرب البلاد، في حين تهرب الأموال إلى الخارج، مما يعكس مدى تأثير التدخل الدولي على المشهد الليبي.
التحديات في ليبيا لا يمكن حلها ببساطة
وأخيرًا، أكد الترجمان أنه، رغم التصريحات التي صدرت عن غوتيريش، فإن التحديات في ليبيا لا يمكن حلها ببساطة عبر بيان صحفي، بل تتطلب إرادة سياسية واضحة وترتيبات تنفيذية جدية لدعم مخرجات اللجنة الاستشارية وتحقيق عملية انتخابية حقيقية، بعيداً عن التدخلات الخارجية ومصالحها الخاصة.