عربي21:
2025-04-23@16:17:29 GMT

خروج بلا عودة

تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT

يغادر اللبناني بلاده يافعا، ويحن إليها ثم يعود إليها كهلاً. وما بين العمرين -اليفاعة والكهولة- يتعرّف إلى جميع ديار الأرض. ويحطُّ في مطارات العالم وموانئها وقطاراتها، وكأنه يعبر عتبة المنزل ذاهباً أو عائداً. الأرض الوحيدة التي لا يعرفها جيداً ولا يملك الوقت للتعرّف إليها، هي أرضه الصغيرة، التي لا تزيد مساحتها على عشرة آلاف كيلومتر.



كشفت لنا الحرب الحالية إلى أي مدىً نجهلُ لبنان في جهاته الأربع. أنا على سبيل المثال، لا أعرف أي مناطق نعني بالإشارة إلى شمال شرقي البلاد. ومثل الشمال؛ كذلك الجنوب، والغرب والشرق. فإنني أجهل مدنها وقراها جميعاً، بالرغم من أنني أستقلُّ السيارة المستأجرة وأقودها لحظة وصولي إلى أي مطار أميركي أو أوروبي.

يقدم لنا الإسرائيلي، هذه الأيام، في الصباح والمساء، دروسا في الجغرافيا لا يمكن نسيانها. يعدد لنا القرى التي لا نعرفها واحدةً واحدة، ويدعو أصحابها إلى إخلاء منازلهم على الفور، لأنه سوف يقصفها على الفور. ولم يخلف في وعده مرة واحدة.

فرمَّد الورود وردةً وردة، وشرَّد العائلات عائلةً عائلة، وقتل بعض أفرادها فرداً فرداً. وكل ذلك كان على عجلةٍ من أمره، لم يترك وقتاً للجنازات، والصحف خالية من إعلان الوفيات، لأن الموت مباحٌ دون إذن بالتشييع.
الجغرافيا لا تقل حزنا ولا وحشية عن التاريخ
الجغرافيا لا تقل حزناً ولا وحشيةً عن التاريخ. والإسرائيلي يكتب اليوم أسماء ضحاياه، وشهدائنا، بحبرٍ أحمر قاتمٍ، حتى صار لونها لون حدادنا، ممتداً على خريطة بلاد بأكملها. وليس ذلك صعباً على ما يبدو، لقد امتلأ، مثل وعاء ألماسي، بجثث الأحلام وأصحابها.

وصار الحلم الأكبر والوحيد لدى البائسين هو البُعد عن هذا البلد الصغير، الذي كانوا يغادرونه طوعاً في الماضي، بحثاً عن الثروة، أو الكفاية، أو ما يستطيعون جمعه، من أجل أن يعودوا ويتمتعوا به في جبال لبنان، وعلى ضفاف الأنهر.

لا بيوت يعودون إليها، فقد تفتتت جدرانها مثل الرماد. وطمر ركامها الصور التذكارية عن الطفولة والحقول والأعراس.

كثيرٌ كل هذا على بلدٍ بهذا الحجم، وكثير عليه، خصوصاً أن الفازعين إليه من بلدان الجوار، اعتادوه وطناً دائماً.

الشرق الأوسط

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اللبناني لبنان الاحتلال العدوان النزوح مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

أسرى فلسطينيون سابقون: "نبقى في غزة لتأكلنا الكلاب ولا نعود للسجن دقيقة واحدة"

أسرى فلسطينيون سابقون: "نبقى في غزة لتأكلنا الكلاب ولا نعود للسجن دقيقة واحدة"

مقالات مشابهة

  • محاضرة «الجغرافيا الثقافية للإسلام في روسيا» بمكتبة الإسكندرية
  • في خروج عن التقاليد.. السماح للجمهور بتوديع البابا فرنسيس قبل جنازته
  • ما أكملت الخرطوم شهرا من تحريرها، وهاهي الوفود تأتي عائدة إليها من كل حدب وصوب
  • هل خروج الغازات أثناء الوضوء يتطلب إعادته.. اعرف رأي العلماء
  • الحكومة توافق على مناقشة طلبات موجهة إليها من الشيوخ
  • أسرى فلسطينيون سابقون: "نبقى في غزة لتأكلنا الكلاب ولا نعود للسجن دقيقة واحدة"
  • 1 يونيو.. الفصل في دعوى إلزام المحكمة بنظر الدعاوى المحال إليها
  • وزير الثقافة: الفن يجسد الذاكرة الجماعية ويعبر حدود الجغرافيا واللغة نحو حوار إنساني عالمي
  • شاهد بالصور.. مدينة بحري تشهد عملية زراعة النخيل بالشوارع العامة وسط سعادة الأهالي والسكان يعودون إليها بعد نزوح طويل
  • مع اشتداد حر الصيف.. خروج محطات الكهرباء عن الخدمة في لحج