بلينكن وأباطيل «تجديد أمريكا»: ذرّ الرماد في البصيرة
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
تحت عنوان «استراتيجية تجديد أمريكا» نشر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مقالة في مجلة «فورين أفيرز» التي تصدر عن «مجلس العلاقات الخارجية «، والذي يزعم أنه «منظمة غير ربحية وغير حزبية مكرّسة لتحسين فهم السياسة الخارجية للولايات المتحدة والقضايا الدولية من خلال التبادل الحرّ للأفكار».
المقالة وقعت في أكثر من 5400 كلمة، وتوزعت على محاور عديدة أبرزها خطوط السياسات التي اعتمدتها إدارة جو بايدن/ كامالا هاريس، وكفلت «العودة إلى اللعبة» في ميادين الاقتصاد والاستثمارات الخارجية والداخلية، ثمّ «الشراكة في السلام» بوصفها الركيزة الثانية في استراتيجية الإدارة على طريق «تفعيل وإعادة تخيُّل شبكة علاقات الولايات المتحدة» على أصعدة مواجهة روسيا والصين وتمتين الأواصر مع الحلف الأطلسي.
محور ثالث هو ردّ الفعل على ما يسميه بلينكن «نزعة تحريفية» في اختزال تحركات روسيا والصين، ثمّ إيران وكوريا الشمالية، الأمر الذي تمكنت واشنطن من تصحيح النظرة إليه على مستويات الشركاء في الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي و«أصدقاء أمريكا» هنا وهناك في العالم. محور رابع هو «التقارب الكبير» حسب تسميات بلينكن دائماً، الذي نجحت الولايات المتحدة في تحقيقه بعد الإرباك الذي شمل أوروبا والعالم بسبب الاعتماد على المنتجات الروسية من الغاز والنفط والفحم، وما يمكن أن ينجم عن نقصها من شقاق داخل صفوف أصدقاء أمريكا.
في محور خامس يعود بلينكن إلى مفهوم التحريف، من جانب روسيا والصين وإيران أساساً، على أصعدة شتى تعتبرها واشنطن انحرافاً (وليس مراجعة تحريفية فقط!) لأصول العلاقات الدولية كما تقبلها واشنطن؛ وبينها مسائل الشرق الأوسط، والسودان، وفنزويلا، ومناطق في أفريقيا وجنوب أمريكا.
وذروة امتعاض وزير الخارجية الأمريكي، في سياق هذا المحور، هو تحوّل موسكو من التضامن مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 إلى «تقوية الصلات مع حماس» وتلك في نظره خطيئة لا تُغتفر بالمقارنة مع منهجية واشنطن الموازية: «العمل بلا كلل مع الشركاء في الشرق الأوسط وما بعده لإنهاء الصراع وتخفيف معاناة غزّة، وكذلك إيجاد حلّ دبلوماسي يتيح للإسرائيليين واللبنانيين العيش بأمان على جانبَيْ الحدود، ثمّ إدارة خطر حرب إقليمية أوسع، والسعي إلى تكامل أكبر وتطبيع في المنطقة، بما في ذلك بين إسرائيل والسعودية».
وبمعزل عن توقيت نشر المقال، حين تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي فظائع الإبادة الجماعية في قطاع غزّة وترتكب شتى صنوف جرائم الحرب في الضفة الغربية والقدس المحتلة وجنوب لبنان، فضلاً عن انتهاكات مماثلة في عمق اليمن وسوريا وإيران؛ فإنّ بلينكن يعتمد ببساطة المبدأ القديم القائل بأنّ مَن لا يكترث بذرّة حياء، ففي وسعه أن يقول ما يشاء، وأن يصنع/ يصطنع محاور «تجديد أمريكا».
وكأنّ قارئه كفيف العقل ذُرّت في بصيرته مقادير لا حدود لها من رماد كثيف كتيم. وليس عسيراً العثور على خلاصة كهذه، بصدد البون الشاسع بين أباطيل بلينكن، لدى العشرات من المراقبين والمحللين الأمريكيين أنفسهم، وليس في صفوف منتقدي السياسات الأمريكية على مدار الإدارات المتعاقبة فقط، بل كذلك في أوساط كبار الليبراليين والمحافظين من منتسبي الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حدّ سواء.
مقالة بلينكن تؤكد، مجدداً وكما درجت عليه الحال منذ عقود، أنّ أحداً من كبار رجالات هذه الإدارة لا يعتزم، والأحرى القول: يأنف من، تعلّم أيّ درس مغاير بصدد هذه المحاور، وسواها كثير متعدد متنوّع.
وفي هذه السياقات الراهنة تحديداً، حيث حروب الإبادة الإسرائيلية على وقع الغزو الروسي في أوكرانيا واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ثمة ذلك «المحور» الثابت الراسخ، إلا حين يتفاقم ويتصاعد: تأثيم المسلمين كافة (والعرب على رأسهم بالطبع)؛ حيث ألوان الكراهية تتجاوز خطاب المستشرق والأكاديمي والأنثروبولوجي في الكتب والجامعات، فيردّدها الجنرالات والساسة والمعلّقون، وتجري على ألسنة البشر في الشوارع.
وما تزال المخيّلة السياسية الأمريكية الجَمْعية، وجناحها الليبرالي خاصة، شديدة الولع بالوصف وليس بالوصفة، وبتشخيص واقعة الشرّ المنفردة وليس الواقع الشرير العريض، وباللجوء إلى استثناء القاعدة وليس الاعتراف بوجود استثناء على هيئة قاعدة ثانية.
وهذه، في واقع الحال، مخيّلة أخرى غير تلك القاصرة التي سبق أن دفعت إلى تضخيمها تيارات «المحافظين الجدد» قبل أنصار دونالد ترامب والمجموعات الشعبوية العنصرية والنازية الجديدة؛ فهي، على شاكلة اختزالات بلينكن وأباطيله، واسعة فضفاضة متحررة من كلّ عقال، ترفض الإقرار بانزلاق أحفاد الحلم الأمريكي نحو أكثر أشكال الأصولية قتامة وجهالة وعنفاً، وتأبى الإنصات إلى الهدير الصاخب في فضاءات أمريكا ما وراء المحيط، وتعفّ عن إلصاق الأذن بالأرض لكي تتحقّق من شدة الارتجاج الآتي…
في المقابل، كان صعباً، أو بالأحرى غير مستحبّ وغير شعبي وغير ملائم، أن تتذكّر الولايات المتحدة سلسلة الحقائق الكفيلة بتنشيط المخيّلة، قبل انتشالها من خمول القناعات الكسولة إلى صحوة الحقائق الصلبة ـ الصعبة. «ذاكرة أمّتنا طويلة، وسطوتنا واسعة» هكذا أوضحت وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق مادلين أولبرايت في أوّل تعليق لها على انفجارَي نيروبي ودار السلام، قبل أن تعلن تخصيص مكافأة المليونَيْ دولار لمن يدلّ على هويّة الجناة.
آنذاك امتزجت في التصريح نبرة التهديد والوعيد، بتلك الأطروحات الفلسفية حول الأسباب الكبرى التي تجعل الأمريكي المعاصر رائداً للديمقراطية والحرية والتسامح، قائداً للعالم الخيّر ضد العوالم الشريرة، وهدفاً للإرهاب والإرهابيين.
ومن جانب آخر، ألم تكن الأسئلة أوسع نطاقاً بما لا يُقاس عند تفجير المبنى الفدرالي في أوكلاهوما، على يد إرهاب أمريكي ــ أمريكي صرف؟ ألم تكن الإجابات أشدّ تعقيداً على سؤال واحد أثاره تفجير المجمّع العسكري في قلب الرياض، العاصمة السعودية، وبعده تفجير المقرّ الأمريكي في قاعدة الخبر؟ أليس في وسع المرء أن يبدأ من التناظر البصري العجيب (والرهيب حقاً) بين برجَيْ «مركز التجارة الدولية» ومبنى المقرّ الفدرالي في أوكلاهوما، والمبنى السكني الأمريكي في قاعدة الخبر، وخرائب نيروبي ودار السلام، إذا وضعنا جانباً السفارة الأمريكية في بيروت؟
صورة الخراب متشابهة، والتداعيات لا بدّ أن تخرج من منبع واحد لكي تذكّر بالسؤال الحارق المباشر: لماذا يُسفك دم الأمريكي هنا وهناك، بين ظهراني الأمّة كما في أصقاع بعيدة عن الأمة؟ السؤال الآخر غير المباشر يمكن أن يتفرّع ويتشعّب ويتنوّع، ولكنه سينتهي دائماً إلى معطى الحدّ الأدنى: إذا كان «الإرهاب» هو الذي يسفك الدم الأمريكي (الضالع أو البريء، العسكري أو المدني) فما الذي يغذّي هذا الإرهاب عاماً بعد عام، وعملية دامية إثر أخرى؟ وأيّة قضية، أو ربما أيّة شبكة معقدة من القضايا، هذه التي تستولد منظمة «إرهابية» إثر أخرى؟
وحدها الذاكرة القصيرة عن سابق قصد وتصميم وتضليل، كما في مقالة بلينكن، سوف تتناسى أنّ لائحة ديون الشعوب المستحقة على الولايات المتحدة طويلة متشعبة، بعضها جمرٌ متّقد تحت رماد خامد، وبعضها ينتظر الاندلاع، وبعضها الثالث من نوع يجري استيفاؤه بالعبوات الناسفة والعمليات الانتحارية. وإذا كانت تشكيلة الأعداء في الماضي تضمّ أسامة بن لادن ومنظمة «القاعدة» و«الإرهاب الدولي» و«الخطر الأخضر» الإسلامي الذي حلّ محلّ «الخطر الأحمر» الشيوعي… فإنها اليوم يمكن أن تضع، في سلّة واحدة، «حماس» و«حزب الله» وفلاديمير بوتين ونيكولاس مادورو؛ على أيّ نحو يريح المتخيّلين ويجعلهم أكثر اطمئناناً/ ذرّاً للرماد في الأبصار، واستيهاماً حول… تجدّد أمريكا.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الولايات المتحدة الاحتلال الولايات المتحدة الاحتلال الاستراتيجية مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
الأولمبياد الخاص المصري يشارك في ملتقى الرياضيين العالمي "من باريس إلى أمريكا" بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة برئاسة واللجنة الأوليمبية المصرية، شارك الأولمبياد الخاص المصري في فعاليات ملتقى الرياضيين العالمي تحت شعار "من باريس إلى أمريكا - إرث الفعاليات الكبرى"، والذي انعقد يومي 27، 28 إبريل 2025 في الجامعة الأمريكية بالقاهرة والذي نظمته أي شامب، بمشاركة نخبة من القيادات الرياضية، الأبطال الأولمبيين، والخبراء الدوليين من مختلف القطاعات الرياضية.
الأولمبياد الخاص المصري يشارك في ملتقى الرياضيين العالمي "من باريس إلى أمريكا" بالجامعة الأمريكية بالقاهرةضم وفد الأولمبياد الخاص المصري مجموعة متميزة من الأبطال الرياضيين الذين جسدوا قصصا ملهمة من الإرادة والعطاء، وهم ندى منتصر لاعبة النادي الأهلي ومنتخب الاولمبياد الخاص المصري، صاحبة أكثر من 50 ميدالية محلية، و4 ميداليات في الأولمبياد الخاص، منها ذهبيتان في الألعاب الإقليمية بدمشق 2010 وذهبية وفضية في الألعاب الاقليمية بأبوظبي عام 2018، كما شارك محمد الحسيني أول سباح من ذوي متلازمة داون في العالم يحاول عبور المانش منفردا، وتم تكريمه من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بينما شارك محمود البهواشي أحد أبطال مصر بالألعاب العالمية الصيفية ببرلين 2023 واستطاع تحقيق ذهبية وبرونزية وشارك في الألعاب العالمية الشتوية في تورين 2025 والذي يمثل قصة ملهمة من التحدي والانتصار، كما شارك مصطفى جلال من أبرز اللاعبين القدامى بالأولمبياد الخاص حيث خاض المسابقات الدولية منذ عام 1998، وتم تكريمه مرتين في البيت الأبيض، ليصبح رمزًا للإلهام الرياضي. وقد رافق الوفد طارق النجار، مدير المبادرات بالأولمبياد الخاص المصري، الذي أشرف على مشاركة الفريق في جلسة "أبطال الإرادة" " ضمن فعاليات اليوم الأول.
الزمالك يضع المهاجم والجناح على أولوية الصفقات الزمالك يبحث تسويق عمر فرج.. ويتجه لتخفيض عقوبة ناصر ماهرأكد الأستاذ الدكتور باسم تهامي المدير الوطني للأولمبياد الخاص المصري إن مشاركة أبطال الأولمبياد الخاص المصري في ملتقى الرياضيين العالمي الذي أقيم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة تحت شعار "من باريس إلى أمريكا" يمثل أكثر من مجرد ظهور إعلامي أو حضور رمزي بل تأكيد حي وواقعي على مكانة لاعبي الأولمبياد الخاص كجزء أصيل من النسيج الرياضي الوطني والدولي، وكشركاء في صناعة المستقبل الرياضي لمصر والعالم.
وأضاف "المدير الوطني " أن هذا الملتقى لم يكن مجرد حدث رياضي، بل منصة لتبادل الخبرات وتعزيز الوعي بأهمية الرياضة كوسيلة للتمكين والتغيير الاجتماعي مشيراُ إلى أن الرياضة قادرة على تجاوز الحواجز وبناء جسور التواصل بين جميع فئات المجتمع.
وقد أشتمل الملتقي على عددا من الموضوعات الهامة منها دمج ذوي الهمم وتمكينهم من خلال المنصات الرياضية العالمية وتأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على مستقبل التحكيم والتدريب، وتمكين المرأة في القيادة الرياضية والمنافسة وبناء الجيل القادم من قادة الرياضة واستراتيجيات ريادة الأعمال والتسويق في المجال الرياضي والدبلوماسية الرياضية كأداة للتقارب بين الشعوب وتعزيز الرياضات الحديثة مثل البادل والرياضات الإلكترونية ودعم الأبطال الذين تجاوزوا تحديات شخصية كبيرة ليصبحوا نماذج يحتذى بها.
مثلت مشاركة الأولمبياد الخاص المصري في الملتقى نموذجا مشرفا لمصر في دعمها المتواصل لأبنائها من ذوي الهمم، وإيمانها الراسخ بأن الرياضة وسيلة قوية للدمج والتمكين وبأن قصص التحدي يمكن أن تتحول إلى مصدر إلهام عالمي.