المحقق – عزمي عبد الرازق

أصوت المدافع التي انطلقت بعنف فجر الخميس أيقظت سكان جزيرة توتي وأحياء أم درمان القديمة، وميض المسيّرات يبدو كالشهب الحارقة، رجوماً للجنجويد، يحاكي صدى النيل نداء باولو سورِّنتينو لعشاق نابولي”يا ملاح الجندول خُذني إلى مقرن النيل”.

كان العقيد إبراهيم حسين راشد ساعتها قد وضع رأسه على مسندة من الصوف الخشِن، وهو إذ يراجع للمرة الأخيرة تفاصيل خطة الهجوم، تناول ثلاث تمرات، ثم نوى الصيام، كدأبه منذ أول يوم وطأت فيه أقدامه حرم الكلية الحربية، كان قبل 17 عاماً تقريباً، تحديداً في العاشر من مارس 1997، قادماً حينها من دار قِمر في أقاصى الغرب السوداني، ليضئ الفيضة على شرفات الدفعة (47)، وقد تجلت فيه سمات القيادة منذها.

المهمة الخطيرة
نحن الآن في يوم الخميس 26 سبتمبر، بداية الانفتاح الكبير، يرمق إبراهيم الشاطئ بعد أشهر من ملازمة الخطوط الأمامية، يضيق النيل في مكان ويتسع في مكان آخر، شأنه شأن الحياة تعطي بيد وتأخذ بالأخرى، كما وصفه الروائي الصالح، ثم يتأبط ود راشد رسماً بيانياً مخدوماً بالمعلومات الاستخباراتية و الإحداثيات حول منطقة القتال، الدغل الخانق، البنايات العالية، بنادق القناصة، النيران الكثيفة، الزمن الذي يستغرقه عبور الطليعة الأولى لجسري الفتيحاب والسلاح الطبي، بالتزامن معاً، كل شيء، كل شيء.. وبالرغم من خطورة المهمة، فهو عازم على بلوغها، ولو أدى ذلك إلى المخاطرة بحياته، كما أقسم يوم التخرُّج.

لقد اختار العقيد ركن إبراهيم حسين مجموعة الاقتحام بنفسه، وقام بتدريبهم جيداً، وهو يستحضر المقولة التي كان يرددها المهيب صدام حسين “عرق التدريب يقلل من دماء المعركة”، إذ يؤثر بدمه على بلده، دمه الأشد توهجاً، حينها وقبيل هنيهة من ساعة الصفر، كانت خطوات ‏قائد سلاح المهندسين اللواء ركن ظافر عمر تكركر في الحصى، يلقي نظر أخيرة على ساعده الأيمن في معظم معارك أم درمان، شارع العرضة والإذاعة والتلفزيون، كذلك حي الدوحة، لطالما كان اللواء الظافر يدخره لحالِكات المعارك، وهو أحد رموز العمل الخاص في المدينة القديمة التي تغنى لها الخليل “ماهو عارف قدمو المِفارق”، كما أن إبراهيم ابن المدينة البعيدة كان أمَّة في الشجاعة، وهو يعلم أن نصفه الآخر الجميل ينتظره في كل دقيقة، وحتى الآن من هذه اللحظة المحتشدة بالنيران لا زال يترقب حضوره، ضحكته، ويحن إلى صوته الرخيم في تلاوة القرآن، وإبريق القهوة الذي يضع على رائحته خططه العسكرية العظيمة.

غير قابل للشراء
كثيراً ما حاول عبد الرحيم دقلو شراء ولاء العقيد إبراهيم حسين، أغراه بالذهب والدولار، ولكن هيهات، إبراهيم ليس له ثمن. لقد صهرت الكلية الحربية معدنه الوطني الأصيل، وهو مُذاك وإلى الرمق الآخير، رجل التكتيك بلا منازع والرياضي المطبوع، والمعلم بكلية القادة والأركان، ثم ترى أيضاً فارساً نبيلاً، أرسى من الجبال، يتقي الرمية ويشد على العدو، ولا يَضطَرِبُ قلبه لهول ما يلقى، ولذلك لم يستغرب قادته الكبار بتصديه للمهمة، تصميم وتنفيذ وقيادة معركة العبور بنفسه، فقد عوّد جنوده أن يكون أمامهم دائماً، بثباته يمنحهم الثبات، حتى لقى الله عند الجانب الشرقي من جسر الفتيحاب.

المقدم – وقتها – إبراهيم حسين

الوقت يمر ببطء، الساعة تجاوزت الثانية فجراً، وقد نجح إبراهيم في فتح ثغرة كبيرة في جسر أم درمان القديم، وكان قد راجع كل التفاصيل المتعلقة بهذا الجسر، والذي تم تشييده في عشرينيات القرن المنصرم، عبر شركة دورمان لونج، ويبلغ طوله 613 مترًا، كما يدعمه سبعة أزواج من الأعمدة المستديرة، وهو نفسه الجسر الذي كان خدم في بلاد المهاتما غاندي قبل أكثر من 90 عاماً تقريباً، ولذا فإن المعلم إبراهيم حسين يدرك جيداً أن هذا الجسر من الصعوبة أن تعبره آليات ثقيلة، ما يعني أنه يحتاج إلى وحدات من القوات الخاصة، المُدربة على حرب المدن، خفيفة الحركة، يمكنه أيضاً التعامل مع نيران العدو، والتسلل في جنح الليل، وسوف تعينه القوات البحرية لتأمين الضفة الآخرى، وهو ما نجح فيه بالفعل، لاحت أمام القوة الأولى التي أعدها لهذه المعركة الحامية شرفات الهيلتون العتيقة، أعمدة الدخان حجبت الفضاء والرؤية معاً، وقد حدد قائد الاقتحام الأهداف بدقة، وكذلك المواقع التي سوف تستقر فيها قواته، لقد كان مقداماً وجسوراً.

تضاريس المعركة
سوف تدور المعركة في تضاريس شديدة القسوة، غابات الأسمنت العالية تعيق الحركة، لأن ما لا يقل عن (12) مرفقاً حصيناً تحتضنه منطقة المقرن، تلك المنطقة الحاكمة، وهى كلها تتواجد فيها نخبة من قوات التمرد، يتأبطون بنادق القنص، يصوبون على صدور القادة على نحوٍ خاص، ما يلقي عليه مسؤولية كبرى للحفاظ على أرواح الضباط والجنود، إذ أن بصحبته 18 فدائياً نطقوا الشهادة قبل الاقتحام مباشرة، لأنهم يدركون خطورة المهمة، وهى مهمة لا بد منها، وقد استشهد منهم 4 أبطال في الموجة الأولى بقيادة إبراهيم، الذي لقى ربه مقبلاً غير مدبر، بعد أن فض بكارة التأمين الذي وضعه التمرد حول منطقة المقرن.

تقدم العقيد إبراهيم ومجموعة الفدائيين فوق الجسر الطويل، عبروا عبوراً عظيماً، كان يتلقى ذبذبات جهاز اللاسلكي الذي يحمله بيده اليسرى، وباليمنى سلاحه. من المهم تحييد نيران القناصة، ومباغتة صفوة القوة في معقل تواجدهم، لقد صفت أجسادهم من كثرة النوم تحت فحيح مكيفات الهواء، لأكثر من 18 شهراً تقريباً احتلوا هذه المواقع دون مقاومة، ولم يخوضوا أي معركة سوى اليوم، يقودهم من داخل الاستراتيجية (العقيد خلاء) حسن الترابي، الذي يتحرك في منطقة الخرطوم المركزية جيئة وذهابا، بحراسة محدودة وكادمول فوضوي يعصب به وجهه الأمرد.

الإشارة والنقطة الحاسمة
يخاطب العقيد ود راشد قواته بلهجة صاخبة “نحن لسنا مجموعة انتحارية، نحن فدائيون” تنفجر التكبيرة الأولى، يشد على يد رفاقه، بعد أن مّلكهم خطة الاقتحام المباشر، وتحديد محور القوة والحركة، ميدان المعركة الافتراضية، والمنطقة التي يجب توجيه جميع الطاقات نحوها، وهى نقطة حاسمة من المهم اكتسابها للتأثير على نتيجة الهجوم، مع الأخذ في الاعتبار وجود قوة ثابتة مرتكزة شرق الجسر، تزيد وتنقص أحياناً، ومع ذلك نجحوا في مباغتتها والقضاء عليها، ثم زحف الجيش القليل بسرعة مهولة لصناعة الطريق، بصفوف طولية، يحملون قطع مختلفة من الأسلحة، وفي المقدمة سيادته إبراهيم يتأبط جهاز اللاسلكي، تنطلق منه الإشارة “ظبي .. ظبي .. ظبي”، كان ساعتها قد تلقى الرصاصة الأولى وهو يزف البشرى، لكنه لم يتراجع، تحول جسدة إلى دريئة تذب الموت عن البقية، يرتفع الصوت الجريح “حوّل، حوّل.. لا تراجع إلى الإمام”، لم يخبرهم أنه مُصاب، فالهدف أهم من روحه، وهو هنا في هذه اللحظة شديدة الأهمية أراد استثمار النجاح، وكسر شوكة العدو، لقد رأى النصر بأم عينيه، ولاحت شرفات القصر الجمهوري، وأشجار اللبخ العملاقة التي جلبها الانجليز قبل مائة عام، وبعد أن أطمئن على نجاح المهمة سلم جهازه لنائبه ضمن الأربعة الذين عبروا، لتلحق بهم الموجة الثانية، وقد لاحت الخرطوم بكل تاريخها وأمجادها، لتحتضن أشجع الفرسان.

تنهد إبراهيم تنهيدة عميقة، ثم نطق الشهادتين وهو مبتسم كما لو أنه رأى روحه ورفاقه الثلاثة تحلق في أجوافِ طيْرٍ خُضْرٍ، هنالك في أعالي الجنان، يا سبحان الله، كيف غاصت الرصاصة فوق مصحف داخل حقيبة المرتب الحربي، لتغتسل بالدم الطاهر، وتستقر في ذلك الجسد النحيف؟
نواصل

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: إبراهیم حسین

إقرأ أيضاً:

أسعار السلع الغذائية اليوم في سوق العبور.. «هشتري أرخص من الخارج»

يعد سوق العبور من أكبر أسواق الجملة في مصر، حيث يمكن شراء الخضراوات والفاكهة المختلفة بأقل الأسعار بشكل يومي، وإليك أسعار اليوم الخميس 3 أكتوبر.

منتجات يمكن شرائها من سوق العبور

وسجلت أسعار الخضراوات في سوق العبور وفق الموقع الرسمي الإلكتروني للسوق، اليوم.

بطاطس من سعر 10 إلى سعر 18 جنيها

بصل أبيض من سعر 9 إلى سعر 17 جنيها

بصل أحمر من 8 إلى 11 جنيها

كوسة من 8 إلى سعر 12 جنيها

فاصوليا من 30 إلى 40 جنيها

باذنجان بلدي من 6 إلى 9 جنيهات

باذنجان رومي من 3 إلى 7 جنيهات

باذنجان أبيض من 6 إلى 8 جنيهات

فلفل رومي بلدي من 12 إلى 15 جنيها

فلفل ألوان من 20 إلى 40 جنيها

ملوخية من سعر 4 إلى 5 جنيهات

خيار صوب من 7 إلى 11 جنيها

خيار بلدي من 6 إلى 9 جنيهات

بامية من 50 إلى 60 جنيها

قلقاس من 10 إلى 13 جنيها

بطاطا من 3 إلى 7 جنيهات

ثوم من 55 إلى 85 جنيها

بنجر من 9 إلى 11 جنيها

بصل أخضر يصل إلى 20 جنيها

أسعار الأسماك في سوق العبور

بلطي من  87 إلى 89 جنيها

بلطي من سعر 50 إلى سعر 250 جنيها

قشر بياض من سعر 180 إلى سعر 280 جنيها

قراميط من سعر 30 إلى سعر 70 جنيها

مكرونة خليجي من سعر 80 إلى سعر 140 جنيها

مكرونة سويسي من سعر 85 إلى سعر 195 جنيها

سبيط - كاليماري - سابيا  من سعر 200 إلى سعر 420 جنيها

كابوريا من سعر 40 إلى سعر 175 جنيها

سمك مرجان من سعر 180 إلى سعر 280 جنيها

سمك بربون من سعر 120 إلى سعر 180 جنيها

جمبري جامبو من سعر 660 إلى سعر 760 جنيها

سمك بوري من سعر 115 إلى سعر 155 جنيها

سمك قاروص من سعر 200 إلى سعر 400 جنيه

سمك سردين من سعر 60 إلى سعر 90 جنيها

ماكريل مجمد من سعر  100 إلى سعر 140 جنيها

أسعار الفاكهة في سوق العبور

برتقال بلدي من سعر 4 إلى سعر 7 جنيهات

برتقال سكري من سعر 5 إلى سعر 8 جنيهات

برتقال أبو سرة من سعر 9 إلى سعر 15 جنيها

جريب فروت من سعر 6 إلى سعر 9 جنيهات

ليمون بلدي من سعر 4 إلى سعر 8 جنيهات

عنب رومي أحمر من سعر 25 إلى سعر 35 جنيها

تفاح أمريكاني إيطالي من سعر 50 إلى سعر 100 جنيه

بلح سماني من سعر 7 إلى سعر 15 جنيها

بلح زغلول من سعر 8 إلى سعر 18 جنيها

بلح سيوي من سعر 35 إلى سعر 65 جنيها

تين برشومي من سعر  15 إلى سعر 30 جنيها

جوافة من سعر 6 إلى سعر 12 جنيها

رمان من سعر 8 إلى سعر 18 جنيها

كانتلوب من سعر 8 إلى سعر 18 جنيها

بطيخ 8 كيلو من سعر 64 إلى سعر 80 جنيها

كيوي من سعر 70 إلى سعر 150 جنيها

باباظ من سعر 8 إلى سعر 12 جنيها

أفوكادو من سعر 70 إلى سعر 150 جنيها

جنزبيل من سعر 70 إلى سعر 150 جنيها

مقالات مشابهة

  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • أسعار السلع الغذائية اليوم في سوق العبور.. «هشتري أرخص من الخارج»
  • القوات المشتركة تؤكد سيطرتها على قاعدة بئر مزّة التي تُعد من أهم مواقع التحصين لقوات الدعم السريع بدارفور
  • عجالي: “أجواء ملعب “حسين آيت أحمد” تعكس صورة الجزائر التي نحبها”
  • أيها المليشي أخرج من المقرن والخرطوم هذه المعركة أكبر من قدراتك وإمكانياتك
  • من هو الشهيد عبود شاهين الذي طارده الاحتلال والسلطة؟
  • الإعمار تعلن إنجاز مشروع إعادة تأهيل جسر داقوق القديم في كركوك
  • إقلاع الطائرة الإغاثية الـ15 من الجسر الجوي الكويتي بـ10 أطنان من المواد الغذائية لنازحي السودان