انقسم رجال الدين في السودان بين تأييد أحد طرفي الصراع والتأصيل لهذا التأييد، وبين الداعين للسلام والمحبة ونبذ الحروب.

الخرطوم- كمبالا: التغيير

عقب اندلاع حرب 15 أبريل 2023م بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، اصطف كثير من رجال الدين مع طرفي الصراع، وكل طرف يدعي أنه مع الحق، فيما نأى مشائخ آخرين بأنفسهم عن دعم الحرب وطرفيها، داعين لتحكيم صوت العقل وإيقاف القتال المدمر.

لم يكتف المشائخ الداعمين لكلا طرفي الحرب بالتأييد والمساندة، بل سارعوا بعضهم لإصدر فتاوى تبيح قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، متناسين الشرع الحنيف الذي دعا إلى التسامح والإخاء بين المسلمين.

واعتبر مراقبون أن أسباب انخراط رجال الدين في مثل هذه الدعوات والدعوات المضادة تتأثر بعوامل اجتماعية وسياسية ودينية متعددة.

مشائخ الجيش

كان الاصطفاف الأكبر في هذه الحرب لمن يطلقون على أنفسهم جماعة أنصار السنة المحمدية الذين تفرقت بهم السبل بين من يقف مع الجيش ومن يقف مع الدعم السريع، وكل منهم يؤصل ويبرر لهذا التأييد ويأتي بالنصوص الداعمة، وفي مقدمتهم الداعية عبد الحي يوسف الذي أصدر فتوى بقتل الحواضن الاجتماعية للدعم السريع، على شاكلة الفتوى التي قيل إنه أصدرها في السنوات الأخيرة للرئيس المخلوع عمر البشير بقتل ثلث الشعب للحفاظ على بقاء حكمه.

ووجدت دعوة يوسف انتقادات واسعة وطالب البعض بتقديمه لمحاكمة بعد انتهاء الحرب لأنه ساعد على إنتاج خطاب الكراهية.

كما أعلن الشيخ محمد الأمين إسماعيل انحيازه للجيش بشكل واضح وظهر في عدد من المقاطع المصورة يدعو على الدعم السريع وبأن ينصر القوات المسلحة على ما وصفهم بالقتلة والمغتصبين.

ولم يخف المقرئ الشيخ الزين محمد أحمد وقوفه إلى جانب الجيش السوداني في حربه ضد الدعم السريع، وظهر في عدد من المساجد بالولايات الآمنة يدعو فيها بأن ينصر الله الجيش ويهلك الدعم السريع ومن يناصره.

مساندو الدعم السريع

وفي الجانب الآخر وقف عدد من المشائخ إلى جانب قوات الدعم السريع منذ الأيام الأولى للحرب عندما أصدر تجمع حفظة القرآن الكريم بياناً أعلن فيه استعدادهم للتعاون مع الدعم السريع في تعزيز وحدة الصف وإقامة العدل ونبذ العنف والعنصرية.

ويعد الشيخ مزمل فقيري المحسوب على جماعة أنصار السنة، من أبرز الداعمين للدعم السريع، وظل يقيم مخاطبات في المناطق الخاضعة لسيطرتها خاصة في منطقة شرق الجزيرة جنوبي الخرطوم.

كما ظهر فقيري أمس الأربعاء، من إحدى قرى الجزيرة مبشراً للناس بنجاح محصول العيش، ذاكراً أنه لم يحدث مثل هذا الإنتاج إلا قبل 30 عاما. وعزا هذه الوفرة أن الله بارك فيها لهروب شيوخ الطرق الصوفية وتركهم الجزيرة.

دعوة للسلام والمحبة

في غضون ذلك، بدا أن أغلب مشائخ الطرق الصوفية، نأوا بأنفسهم عن الانحياز إلى طرفي الصراع رغم تأثيرهم الكبير في المجتمع السوداني.

وأوضحت المتحدثة باسم الطريقة القادرية بقيادة أزرق طيبة إيمان حمد النيل، أن حرب 15 أبريل ليست من صالح الأمة السودانية، فهي حرب بين الجيش والدعم السريع ولا بد من الإصلاح بينهما وإيقاف إراقة الدماء.

وقالت إيمان في تصريح سابق لـ(التغيير)، إن انتهاكات حرب 15 أبريل موجهة ضد المواطنين، ودعت طرفي الحرب إلى ضرورة مراعاة المواطنين.

وأضافت “نحن في الطريقة القادرية نضم صوتنا لجميع القوى الراغبة في إيقاف الحرب”.

ويقف وزير الإرشاد والأوقاف السابق نصر الدين مفرح إلى جانب القوى الداعية لإيقاف الحرب وحقن دماء السودانيين.

وناشد مفرح لدى مخاطبته جمع من السودانيين في الاحتفال بذكرى المولد في العاصمة الأوغندية كمبالا، قيادتي القوات المسلحة والدعم السريع بوقف الحرب، والسماح بانسياب المعونات الإنسانية، وفتح الممرات الآمنة للعودة أو الخروج من مناطق النيران، والبحث عن آليات جديدة لمعالجة صراع أزمة الحكم في البلاد، ووضع حد لها وإلى الأبد، وذلك تجنيباً للبلاد خطر الجوع والفقر والدمار وويلات الحروب والتمزق والتفكك والانقسام.

أسباب متشابكة

ويرى القيادي بحزب الأمة القومي عروة الصادق، أن الأسباب التي تدفع رجال الدين إلى الانخراط في مثل هذه الأفعال معقدة ومتشابكة، وتتأثر بعوامل اجتماعية وسياسية ودينية متعددة.

وقال لـ(التغيير)، إن من هذه العوامل استغلال السلطة الحاكمة لبعض رجال الدين لتحقيق أهداف وتنفيذ أجندة سياسية وانغماس التنظيم المباد والحركة الإخوانية في إدارة أنشطة الحرب عبر ذات الفتاوى التي تم بها حرق وفصل جنوب السودان، ومن بعدها حريق دارفور والمنطقتين وإبادة سكانهما، وذلك عن طريق تزييف المفاهيم الدينية وتوظيفها لخدمة أجندات حزبية وحركية ضيقة وليّ أعناق النصوص الدينية لتتوافق مع هوى السلطة ومع ما يتماشى وأجندة التنظيم وكتائبه.

وأضاف: “إن نماذج التطرف الفكري الأخرى كالسلفيات الجهادية والجماعات التكفيرية المنتشرة في السودان تعمد إلى تحريف المفاهيم الدينية، وتفسير النصوص الدينية تفسيراً متشدداً وهذه البيئة الحالية مناسبة جداً لنشاطهم واستحواذهم على أسلحة وتمكينهم من إدخالها للسودان بسهولة وتمكينهم من أدوات العنف وإدخال أموال وجماعات هاربة من مختلف بقاع العالم للمشاركة في فوضى الحرب والاستعداد للانطلاق لمشروع تدميري للمنطقة، مما قاد إلى تبرير العنف والتطرف وتزايد نبرات الانحياز للعنف”.

وتابع عروة: “وقد قادت أيضا الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة إلى انتشار الفكر المتطرف وبيع كثير من الأئمة والدعاة والمشائخ ذمتهم للسلطة، وهناك بيوتات دينية عمدت إلى الركون إلى السلطة إذا كانت منذ التركية وما تلاها من أنظمة استعمارية أو استبدادية وهؤلاء توارثوا الخنوع وتطويع الأمر بنصوص منتقاة ومقتطعة كقوله تعالى: ﴿يائها الذين آمنوا أطيعوا ٱللَّهَ وأطيعوا ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾، ولا يكملون ذات الآية من سورة النساء بقراءة حكمه جل جلاله عند الخلاف في أمر ما: ﴿فَإِن تَنَـٰزَعۡتُمۡ في شيءࣲ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تومِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡىمِ ٱلۡآخر ذَ ٰ⁠لِكَ خيرࣱ وَأَحۡسَنُ تاولا﴾.

واستطرد عروة: “ويجد بعض الشباب المحبطين من الوضع الحالي وبعض الواقعين تحت تأثير التضليل الديني ملاذاً في الجماعات المتطرفة التي تقدم لهم شعوراً بالانتماء والهوية”.

غياب الرؤية الشاملة

واختتم عروة بالقول: “أعتقد أن غياب الرؤية الشاملة للإسلام والمرجعية الموحدة للمسلمين تسببت فيما نحن فيه، فقد تخلى كثير منهم عن قطعيات الوحي والتزموا بما قاله أئمة المذاهب وأحاديث الآحاد أكثر من التزامهم بالقطعيات وصحيح السنة المتواترة، وانصرفوا للتركيز على جوانب معينة من الدين فوقفوا على جزء يسير من معشار الدين الذي تمثل المعاملات فيه 90% من نصوصه، ورأوا أن الفتاوى التي يصدرها للسلطة أكثر عائداً مادياً لأنها فتاوى وفق الطلب، واختاروا الصمت عن المناصحة مع أن الحبيب الأعظم ﷺ، ظل يردد: (“الدِّين النَّصيحة”، قلنا: لمَن؟ قال “لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم”)، ولم يستجيبوا لتوجيهه تعالى في حالات الحرب هذه والتي طرفيها يدينان بالإسلام: ﴿وَإِن طائفتان مِنَ ٱلۡمومنين آقتَتَلُوا۟ فاصلِحُوا۟ بينَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡداهما عَلَى ٱلۡأُخۡري فَقَـٰتِلُوا۟ التي تَبۡغي حَتَّىٰ تفيء إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَاۤءَتۡ فاصلِحُوا۟ بينَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يحب ٱلۡمُقۡسطين﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمومِنُونَ أخوه فاصلِحُوا۟ بينَ أخويكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾، وذهب بعضهم هداهم الله إلى تشويه صورة الإسلام وتبرير العنف باسم الدين، وللأسف وأد انقلاب أكتوبر وحدات حكومية مهمة لمكافحة التطرف الفكري كوحدة التحصين الفكري التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وأثر ذلك في تغييب دور المؤسسات الدينية العاملة نشر الاعتدال والتسامح وجعل مساجدنا وساحاتنا الدينية ومرافقها منابر ومساحات للتفسيق والتخوين والتكفير وتسفيه ومنابذة المخالف”.

الوسومأزرق طيبة إيمان حمد النيل الجيش الدعم السريع السودان الصوفية الطريقة القادرية حرب 15 ابريل 2023م حزب الأمة القومي عبد الحي يوسف عمر البشير مزمل فقيري

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان الصوفية الطريقة القادرية حرب 15 ابريل 2023م حزب الأمة القومي عبد الحي يوسف عمر البشير مزمل فقيري الدعم السریع رجال الدین التی ت

إقرأ أيضاً:

عيد الميلاد المجيد.. الكنائس الغربية تحتفل برسالة المحبة والسلام

تحتفل الكنائس الغربية في 25 ديسمبر من كل عام بعيد الميلاد المجيد، وهو أحد أهم المناسبات الدينية في العالم المسيحي. يتميز هذا العيد بجو من الفرح والسلام، حيث يتجمع المؤمنون في الكنائس للمشاركة في القداسات والصلوات ويترأس بطاركة ومطارنة الكنائس الكاثوليك والغربية مساء يوم 24 قداس صلاة الاحتفال بالعيد.

الاستعدادات للعيد

تبدأ التحضيرات لعيد الميلاد قبل أسابيع من موعده، حيث يتم تزيين الكنائس والمنازل بالأضواء وأشجار الميلاد. تُعلق الزينات والنجوم التي تمثل نجمة بيت لحم، وتنتشر مشاهد المهد التي تصور ميلاد المسيح في المزود. كما تُعزف التراتيل الميلادية التي تحمل رسائل السلام والفرح.

القداسات والطقوس الدينية

تُقام في ليلة الميلاد قداسات خاصة تُعرف بـ "قداس منتصف الليل"، حيث يجتمع المؤمنون للصلاة والتأمل. تُتلى نصوص من الإنجيل تروي قصة الميلاد، ويردد الحاضرون التراتيل التي تمجد قدوم المسيح. تُعتبر هذه المناسبة فرصة لتجديد الإيمان والتعبير عن الامتنان للنعمة الإلهية.

أجواء الاحتفال المجتمعي

بعيدًا عن الكنائس، يتميز عيد الميلاد بأجواء اجتماعية دافئة، حيث تُنظم اللقاءات العائلية وتُقدم الهدايا، تعبيرًا عن المحبة والتقدير. كما تُقام في بعض الدول الغربية أسواق عيد الميلاد التي تضفي على الشوارع طابعًا مميزًا بأضوائها الملونة وروائح الحلوى والمأكولات التقليدية.

رسالة العيد

يحمل عيد الميلاد رسالة سامية تدعو إلى المحبة والسلام بين البشر، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية والدينية. في ظل الأزمات التي يمر بها العالم، تُعد هذه المناسبة فرصة للتأمل في قيم التسامح والتضامن، يظل عيد الميلاد المجيد مناسبة تجمع بين الروحانية والبهجة، وتؤكد على أهمية التواصل والمحبة. يحتفل المسيحيون في الغرب بهذه المناسبة بكل مشاعر الفرح والتأمل، متطلعين إلى عام جديد مليء بالخير والسلام.

مقالات مشابهة

  • اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع بالخرطوم ودارفور
  • الحركة الشعبية والدعم السريع- رؤى متضاربة وصراع المصير
  • كودي يهنئ السودانيين بأعياد الميلاد ويدعو للوحدة والسلام
  • الجيش السوداني يعلن مقتل العشرات من «قوات الدعم السريع»
  • عيد الميلاد المجيد.. الكنائس الغربية تحتفل برسالة المحبة والسلام
  • النائب العام : سنصدر أحكام غيابية لمتهمين يتبعون لمليشيا الدعم السريع متواجدين في ( 6) دول
  • البرهان يطالب الأمم المتحدة بموقف حاسم حيال الدول المساندة لـ الدعم السريع
  • السودان..« قوات الدعم السريع» تسيطر على قاعدة عسكرية في دارفور
  • محكمة جنايات كرري تصدر حكما بالإعدام شنقا لمتعاونة مع الدعم السريع وإثارة الحرب ضد الدولة
  • قوات الدعم السريع السوداني يسيطر على قاعدة عسكرية شمال دارفور