استراتيجية الإنهاك وردود الفعل
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
ضمن استراتيجيتهم لإنهاك واستنزاف معارضيهم، يلجأ الحوثيون لافتعال أزمات لا يكون هدفها في بعض الأحيان سوى إلهاء وتشتيت جهود معارضيهم عن قضية سابقة حتى لا يكون بمقدورهم التعامل معها كما ينبغي.
هذه الاستراتيجية تم اختيارها بعناية وإدراك جدواها؛ فهي تؤتي أكلها بما يحقق الأهداف المرحلية، بحيث لا تمنح المعارضين فرصة لالتقاط الأنفاس أو القدرة على المتابعة لكل تحدٍ ومشكلة، ففي الوقت الذي يكون التركيز على تداعيات مشكلة سابقة، إذا بهم يواجهون أخرى فلا يدرون أيهما يهتمون وهكذا دواليك.
وهذا النوع من السياسات يعكس فهما للحكم وكيفية إبقاء المعارضين في حالة استنزاف مستمر دون جدوى لهم، ذلك أنهم في مربع رد الفعل لا التأثير وهذا مما يساعد على نجاح تلك الاستراتيجية.
الفارق أن الحوثيين ليسوا من نوعية الحكام الذين يفعلون ذلك فيكون مفهوما، فهم مليشيات هذه طبيعتها ونهجها ومشروعها للحكم على اعتبار أنها لا تدين للناس بالمشروعية بوصفهم خلقوا لخدمتهم وإذا لم يكونوا كذلك فبوسعها التعامل معهم مثل أي فاشية وتندرج تلك الاستراتيجية ضمن هذا الإطار.
أحد الأمثلة على هذه السياسة، هو استمرار اختطاف المواطنين على خلفية إعلانهم مسبقا الاحتفال بالعيد ال٦٢ لثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ ورفع العلم الوطني هنا وهناك، على الرغم من مضي أيام على انتهاء المناسبة ومع ذلك يتم الإبقاء عليهم في السجون ليكونوا عبرة لغيرهم وكجزء من تخويف الناس واستنزافهم في المطالبة بالإفراج عنهم في الوقت الذي قد افتعلوا مشكلة أخرى.
وبطبيعة الحال، كلما مرّ الوقت كلما تراجع الاهتمام بقضية المختطفين باستثناء أقاربهم وهذا يوضح كيف تعمل تلك الاستراتيجية وينطبق هذا الحال مع قضية موظفي المنظمات الدولية الذين مضى على اختطافهم أكثر من ثلاثة أشهر حتى أصبحوا شبه منسيين لكنهم بالنسبة للحوثيين ورقة مساومة مهمة مع منظماتهم مع أن قضيتهم اختفت خلف قضايا أكثر سخونة.
ومع التطورات الجارية في لبنان والمنطقة، ودخول الحوثيين في عمليات ضد أهداف إسرائيلية أيا كانت تأثيرها وما تستدعيه من غارات أمريكية وبريطانية وإسرائيلية على مصالح يمنية، يكاد يكون الاهتمام في هذا السياق وأي رد فعل لا يدعم الحوثيين يتم اتهام أصحابه من قبلهم بأنهم مع العدو ولو كانوا ليسوا كذلك بقدر ما يعبرون عن مخاوفهم وآرائهم حيال بلدهم وجرّه من قبل ذراع إيران فيه إلى مغامرات خطيرة.
المشكلة أن هذه الاستراتيجية رغم أنها تبدو واضحة أو هكذا يُفترض، إلا أن معارضي الحوثي لا يزالون يسيرون في فلكها من خلال التعامل مع تداعياتها بردود الفعل لا اتخاذ زمام المبادرة وتبني استراتيجية مضادة ولو على المستوى الإعلامي إلا ما ندر.
بالطبع الأسباب التي تحول دون ذلك كثيرة منها على سبيل المثال حالة الشلل التي تصيب أداء مؤسسات السلطة “الشرعية” سواء كانت وزارة حقوق الإنسان أو الإعلام والثقافة أو الخارجية أو النائب العام وسواه، وكلها لديها إمكانيات بشرية ومادية للعمل ولو بالحد الأدنى.
وللأسف القائمون على هذه المؤسسات يعملون بالثقافة السلبية السائدة التي تشكلت منذ ٢٠١٥ على الأقل والتي من عناصرها الشكوى والعجز واستجداء الخارج والاكتفاء بالبيانات وتنظيم حملات الكترونية وهذا مما زاد الهوّة اتساعا بين هذه المؤسسات والمواطنين الذين يشعرون أنها نسخة منهم بلا حول ولا قوة.
ما الذي يمنع هذه الجهات بقيادة وزارتي حقوق الإنسان والإعلام في تبني قضية المختطفين بسبب الثورة من خلال استراتيجية إعلامية وحقوقية فعالة تجعل القضية حية حتى الإفراج عنهم باعتبارهم مواطنين وهي مسؤولة عن الدفاع عنهم وإلا ما قيمة تسميتها بالشرعية؟
إذا لم تتحرك باستخدام قدراتها وهي قادرة وبدون ذلك من الصعب جعل الرأي العام في حالة تفاعل مع هذه القضية أو غيرها ولديه أولوياته التي تشغله وأهمها لقمة العيش التي أصبحت صعبة، كما أن من غير المسؤول أن يتخلى المسؤولون عن واجبهم ويطلبون من المواطنين القيام ببعضها وهم في راحة وحياة مترفة.
لقد حان الوقت للوزارتين تحديدا تشكيل لجنة مشتركة لهذه القضية تكون نموذجا للعمل على قضايا مماثلة لا أن يقتصر دورهما على البيانات الكلامية التي لا تسمع ولا تغني من جوع ويُمكن لأي شخص عادي أن يتحدث بمضامينها.
من غير المقبول أن تتولى مسؤولية ولا تقوم بها أو أن تكتفي بالشكوى من ضعف الإمكانيات وتبقى في منصبك دون أن تستقيل طالما أصبح هذا الخيار هو الوحيد الذي يثبت مصداقيتك وشعورك الوطني.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةنور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...
تم مشاهدة طائر اللقلق مغرب يوم الاحد 8 سبتمبر 2024 في محافظة...
يا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...
نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...
عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
المصدر: يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
ما هي استراتيجية حزب الله بعد استعراض "ملعب بيروت"؟
رأى الكاتب الإسرائيلي، إيال زيسر، أن تنظيم حزب الله اللبناني، اختار استراتيجية "إبقاء رأسه منخفضاً حتى يمر الغضب"، لامتصاص الضربات التي وجهتها له إسرائيل، وفي الوقت نفسه، لاستعادة قوته، تماماً كما تحاول حركة حماس الفلسطينية أن تفعل في غزة.
وقال زيسر في مقال بصحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية، تحت عنوان "حزب الله.. اليوم التالي لحسن نصرالله"، أنه بينما جرت جنازة حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، وخليفته هاشم صفي الدين، سعى التنظيم اللبناني إلى إقامة استعراض جماهيري للقوة، من شأنه أن يثبت أن التنظيم لا يزال موجوداً، ويحظى بدعم واسع بين السكان في لبنان، ولهذا السبب اختار إقامة الجنازة بعد 5 أشهر من اغتيالهما، حرصاً منه على ضمان التحضير الأمثل للمراسم، وأيضاً على عدم تدخل إسرائيل في إقامتها.
رسائل #حزب_الله في جنازة حسن نصراللهhttps://t.co/XLG49w5gdT pic.twitter.com/kbHOTGoHni
— 24.ae (@20fourMedia) February 27, 2025 هل انتهى حزب الله؟وأشار زيسر إلى أن الحفل الذي أقيم على ملعب بيروت الرياضي، استقطب حشوداً من المشاركين كما كان متوقعاً، وإن كان أقل بكثير مما توقعه أو تمناه حزب الله، كما ظهرت طائرة تابعة لسلاح الجو في السماء أثناء نقل نعشي نصر الله وصفي الدين إلى الميدان، ولكن بعد كل هذا يبقى السؤال، هل ترمز مراسم الدفن إلى نهاية حسن نصر الله، أم أنها ترمز أيضاً إلى نهاية حزب الله كقوة عسكرية مسلحة تشكل تهديداً على إسرائيل؟.
ويقول الكاتب الإسرائيلي، إنه حتى الآن لا توجد إجابة واضحة على هذا السؤال، وفي غياب مثل هذه الإجابة، تفضل إسرائيل البناء على التفكير المتفائل، بأن حزب الله تلقى ضربة قاسية وأصبح الآن يسعى إلى السلام وليس الصراع، كما اعتادت إسرائيل أن تقول عن هذا التنظيم بعد حرب لبنان الثانية في صيف عام 2006، وكما اعتادت أيضاً أن تقول عن حماس بعد كل جولة من الصراع على مدى العقد الماضي، مستطرداً: "لكن الواقع على الأرض لا يتوافق مع هذه الرغبات الصادقة".
ضربة قاسية
وأشار إلى أن حزب الله تلقى ضربة قاسية خلال الحرب الأخيرة، حيث تم القضاء على قياداته العليا، ودُمرت قدراته العسكرية، وتعرض السكان للدمار والخراب على نطاق غير مسبوق، موضحاً أن إيران تجد صعوبة في مساعدة التنظيم بعد سقوط بشار الأسد في سوريا، وأخيراً في لبنان تم انتخاب رئيس لا ينتمي إلى حزب الله ولا يتبع تعليماته.
وبحسب الكاتب، فليس من الغريب أن يختفي خوف إسرائيل من حزب الله، ويتضح ذلك في عمل الجيش الإسرائيلي بحرية وبدون قيود، على الأقل في الوقت الحالي، كلما اكتشف محاولات من جانب التنظيم لاستعادة قدراته العسكرية.
بطريقة جديدة.. #حزب_الله يحاول تشغيل "ممر تهريب الأسلحة" من #سوريا https://t.co/KIiYFwFDR8
— 24.ae (@20fourMedia) February 27, 2025هل انتهى حزب الله؟
وقال إنه على الرغم من أن كل هذا صحيح، إلا أن حزب الله لم يتم هزيمته أو القضاء عليه، كما لم يتم القضاء على دوافعه لإلحاق الضرر بإسرائيل، مشيراً إلى أن التنظيم نجح في الحفاظ على بعض قدراته العسكرية، وعشرات الآلاف من الصواريخ، وعشرات الآلاف من المقاتلين الحاملين للسلاح، ولا يزال أقوى من الجيش اللبناني الذي من المفترض أن يقوم بنزع سلاحه.
ورأى الكاتب، أن حزب الله اتخذ خياراً استراتيجياً بخفض رأسه حتى يمر الغضب، ويمتص الضربات التي توجهها له إسرائيل، وفي الوقت نفسه استعادة قوته، تماماً كما تحاول حماس أن تفعل في غزة.