” الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة حول آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية
تاريخ النشر: 3rd, October 2024 GMT
الثورة نت/..
نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية الخميس 30 ربيع الأول 1446هـ/ 3 أكتوبر 2024م.
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في تطورات الأيام الماضية، والأحداث الكبيرة فيها منذ الخميس إلى الخميس، كانت الأحداث والتطورات كبيرةً وساخنة، ونحن على وشك اكتمال العام منذ عملية طوفان الأقصى، وبفارق أربعة أيام؛ أمَّا فيما يتعلق بالمحصلة على مستوى العام، فسنتحدث عنها- إن شاء الله- في الكلمة القادمة، بعد اكتمال العام.
التطورات والأحداث خلال الأيام الماضية كان في مقدمتها، وعلى رأسها: الجريمة الكبرى للعدو الإسرائيلي، باستهدافه لشهيد الإسلام والإنسانية، شهيد القدس والأقصى وفلسطين، شهيد الحق والعدالة، شهيد المسلمين جميعاً، وشهيد لبنان، المجاهد الكبير سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، وتحدثنا عَقِب إعلان الحزب لاستشهاده بكلمةٍ موجزة، ومهما قلنا يبقى الكثير والكثير، فيما يتعلق بجريمة الاستهداف لشهيد المسلمين والإسلام والإنسانية، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، وفيما يتعلق بالحادثة، والهدف من تلك الجريمة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي.
والاستهداف هو مصابٌ للأمة الإسلامية جمعاء، بما للسيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” من دورٍ عظيم، ورمزيةٍ إسلامية، وأهميةٍ وتأثيرٍ عالميٍ وإقليميٍ ومحلي، وفي مقدمة ذلك: دوره العظيم في مواجهة الخطر الصهيوني اليهودي، وإلحاق الهزائم بالعدو الإسرائيلي، والأهمية في هذا الدور المهم هي لفلسطين، وللبنان، وكذلك لكل البلدان المجاورة لفلسطين، وللأمة الإسلامية بكلها؛ باعتبار العدو الإسرائيلي يُشَكِّل خطراً على المسلمين جميعاً، فعلى مدى أكثر من أربعين عاماً كان سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” حاضراً في ميدان الجهاد، وفي مواجهة الخطر الصهيوني بفاعليةٍ عالية، وبموقفٍ متميز، وأداءٍ عظيم، وقاد مسيرة حزب الله الجهادية لنحوٍ من ثلاثين عاماً، بأداءٍ عظيمٍ وناجحٍ، وموفّقٍ ومسددٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأحرز الانتصارات الكبرى.
دوره المتميز على رأس حزب الله، وجمهور المقاومة، وفي الساحة اللبنانية، كان متكاملاً بكماله القيادي والإيمان، وبما جسَّده من القيم والأخلاق، وبما منحه الله ووهبه من رشدٍ، وبصيرةٍ، ونورٍ، وحكمة، وبما منحه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من مؤهلات عالية، وتميَّز بالحِنكة القيادية العالية.
كذلك علاقته بالجماهير والمجتمع كانت علاقةً وثيقةً، واهتمامه بالحاضنة الشعبية لحزب الله، وبالمجتمع اللبناني بشكلٍ عام، كان اهتماماً كبيراً، منطلقاً من إيمانه هو بأهمية الدور الشعبي، وبما يُكِنُّه للمجتمع من تقديرٍ عالٍ، وتكريمٍ، ومحبةٍ، واحترام، فهو إلى جانب اهتمامه الكبير بالبنية الجهادية والتنظيمية لحزب الله، كان له نشاطه الواسع واهتمامه الكبير بالجماهير، على مستوى الحاضنة الشعبية للحزب، وعلى مستوى أوسع، وكان هذا واضحاً جداً في أنشطته، في كلماته، في خطاباته، في قراراته، وتواصله بالناس هو تواصلٌ قوي، يحرص على أن تكون الأمور واضحةً بالنسبة لهم، ويبذل جهده في إيضاح الحقائق للناس، ويعتبر الناس هم الركيزة الكبرى في الميدان وفي الموقف؛ ولــذلك كانت علاقته قويةً بالجماهير، وعلاقتهم به قوية، فهم يبادلونه المحبة، والاحترام، والتقدير، ويثقون به.
كذلك فيما يتعلق بتأثيره على العدو، وعلى جماهير العدو، العدو يعترف بذلك، وجماهيره كذلك تعترف بذلك، فنظرة العدو الإسرائيلي إلى السيد حسن هي نظرة إلى عدوٍ يمتلك جدارةً عالية، في أدائه لمهامه ومسؤولياته المُقَدَّسة، في التصدي للعدو الإسرائيلي، العدو الإسرائيلي الذي لا يأبه لكثيرٍ من زعماء العرب، ولا لكثيرٍ من ملوكهم وأمرائهم وقياداتهم، ويعتبرهم لا شيء، ليس لهم وزنٌ ولا حساب، ولا قيمةٌ ولا أهمية، ويُقَيِّمهم فيما هم عليه فعلاً من مستوى ضعيف ومتدنٍ، سواءً على مستوى القدرة القيادية والحنكة، أو على مستوى القضية والموقف ومدى تمسكهم بقضايا الأمة، وبالتوجهات التي ينبغي أن يكون عليها من يتحرك في إطار قضايا الأمة، وفي غير ذلك؛ لكنَّه كان ينظر نظرةً مختلفةً إلى سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، هو يعرف ما يمتلكه السيد/ حسن نصر الله من قدرةٍ قيادية، من شجاعة، من إيمان، من بصيرةٍ ورشدٍ ونورٍ وحكمةٍ، ما يمتلكه من عزم، وقوة إرادة، وثبات في الموقف… وغير ذلك، فهو كان ينظر إليه نظرةً مختلفةً عن نظرته إلى معظم الشخصيات القيادية، في العالمين العربي والإسلامي، سواءً من كان منها على المستوى الرسمي، أو على المستوى الشعبي.
كذلك جمهور العدو الإسرائيلي، المستوطنون، المغتصبون، الصهاينة، المجرمون، هم يحسبون ألف حساب للموقف الذي يعلنه السيد/ حسن نصر الله، لكلماته، لوعوده، لتحذيره، لتهديده، هم يعرفون مصداقيته، ومصداقية ما يعلنه، أو يؤكده، أو يتوعّد به؛ ولــذلك هم يعرفونه بأنه رجل القول، ورجل الفعل معاً، وهذا كان شيئاً واضحاً.
العدو الإسرائيلي كان يرى في السيد/ حسن نصر الله أنه العائق الكبير، والعدو الفاعل، الواعي، الذكي، الراشد، الشجاع، الثابت، المؤمن؛ ولــذلك كان تركيزه على استهدافه، وكذلك طريقته في الاستهداف بما لمثيل له في كل عمليات الاستهداف، عندما نجد أن العدو الإسرائيلي استهدف سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، بما يقارب خمسةً وثمانين طِناً من المتفجرات، ومن أفتك وأقوى المتفجرات لاستهدافه، هذا المستوى من الاستهداف يُبيِّن كم هو حجم الحقد الذي يُكِنُّه العدو الإسرائيلي للسيد حسن، والعداء الشديد، وكيف هي نظرته إلى هذا القائد العظيم، وإلى دوره المهم، وكم هو حريص على أن يتخلص مما يعتبره- فعلاً- عائقاً كبيراً أمام أطماعه وأحقاده، في السيطرة على فلسطين ولبنان وهذه الأمة.
ما ظهر به أيضاً العدو الإسرائيلي بعد جريمته الكبرى، في الاستهداف للسيد/ حسن “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، من غرور، وتباهٍ، وكبر، لماذا لا يحسب لبقية الزعماء العرب حساباً مهماً وكبيراً؟ لماذا ظهر ليقول: [أن ما حصل هو نقطة تحوّل، وأنه سيسعى إلى تغيير الشرق الأوسط بكله]، عندما قال هذا الكلام هو يعني أن لديه برنامجاً يستهدف به كل شعوب وبلدان هذه الأمة، فكيف تجرأ على مثل هذا الكلام؟! وكيف لم يحسب حساباً لملوك، وزعماء، وأمراء، وقادة، وبكل بساطة يعتبر أنه سيعمل ما يشاء ويريد، وينفِّذ برنامجه، الذي يهدف إلى تمكين العدو الإسرائيلي بشكلٍ عام من السيطرة على هذه البلدان، السيطرة على- ما يطلق عليه الأعداء عادةً بالشرق الأوسط- المنطقة العربية بكلها، ومحيطها من بعض الدول الإسلامية؟ هذا المنطق يكشف كم كان العدو الإسرائيلي يرى في السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” أنه العائق الأكبر، الذي كان عائقاً بينه وبين هذا المستوى من الطموح العدواني، الطموح الذي هو طموح عدواني، يؤمِّل أن يستحوذ، ويسيطر، ويتغلب، ويتحكم بهذه المنطقة بكلها، وأن يسيطر عليها بما يخدم مصالحه، ومصالح الأمريكي معه.
دور السيد حسن “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” تجاه قضايا الأمة بشكلٍ عام، وليس فقط بما يخص فلسطين، ومن وقتٍ مبكر، كما حدث آنذاك مع البوسنة، في محنة البوسنة والهرسك كان لديه اهتمام بما يحصل هناك، بالرغم من أنه في معركة ساخنة في مواجهة العدو الإسرائيلي، بما يمتلكه العدو الإسرائيلي من إمكانات وقدرات، وفي ظل مساعيه العدوانية، الإجرامية، الرامية إلى السيطرة الكاملة على لبنان، ومع كل ذلك كان هناك اهتمام كبير من جانب السيد حسن، بما يجري على الشعب المسلم في البوسنة، واتَّجه لمساعدته، لإسناده، لإرسال كوادر ورجال من الحزب لمساعدة المجاهدين في البوسنة… وغير ذلك.
وهكذا في بقية المراحل التالية مع قضايا الشعوب، وصولاً إلى مظلومية الشعب اليمني، فبرز دور السيد/ حسن “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، الدور الواضح، الصريح، القوي، الداعم والمساند بكل ما يستطيع، بالرغم من حساسية ذلك، حساسيةً كبيرة، تركت تأثيرها على كثيرٍ من الشخصيات في العالم الإسلامي، فلم يجرؤوا أن يتبنوا أي موقف؛ لأنهم يعرفون أن لذلك عواقبه الخطيرة عليهم.
كذلك له دوره الكبير، والمتميز، والرائد، في مساعيه المهمة لإفشال مؤامرة أمريكا وإسرائيل، في إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين، وهذا المشروع الخطير التدميري، لإثارة الفتنة بين المسلمين وتمزيقهم، هو من أخطر المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، الرامية إلى تدمير الأمة من الداخل، وتمزيقها بأكثر مما هي ممزقةٌ من الداخل أيضاً، فكان لديه اهتمام كبير بإفشال تلك المؤامرة، واهتمام كبير بالتقارب فيما بين المسلمين، والسعي للعلاقة الوُدِّيَّة والأخويَّة بين المسلمين، وجهوده في ذلك واضحةٌ ومعروفة.
العدو الإسرائيلي استهدف السيد/ حسن “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” بكل حقد، لديه حقد كبير جداً على السيد حسن؛ لما للسيد حسن “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” من دورٍ عظيم في التصدي للعدو الإسرائيلي، في إفشال مؤامراته، في إلحاق الهزائم الكبرى المُذِلَّة به، فهو يمتلك عقدة الحقد على سماحة الأمين العام لحزب الله، يحمل عقدة الحقد بشدة، وهو حقود، العدو الإسرائيلي هو حقودٌ في نفسه، عدوانيٌ في نفسه، مجرمٌ في نفسه، فتحرك لاستهداف السيد حسن وهو يحمل عقدة الحقد والانتقام، وأيضاً لأهداف عملية، أهداف عملية خطيرة جداً، تستهدف دور حزب الله، والجبهة اللبنانية، في التصدي للعدو الإسرائيلي، والإسناد للشعب الفلسطيني.
جبهة حزب الله منذ بدايتها– منذ بداية المسيرة الجهادية فيها- برزت جبهةً قويةً، فعَّالةً جداً في مواجهة العدو الإسرائيلي، وجبهةً حققت الانتصارات الكبرى، المعروفة في كل المراحل الماضية، بما فيها في العام 2000، وبما فيها في العام 2006، ثم في هذه الجولة من الصراع مع العدو الإسرائيلي، وعلى مدى ما يقارب العام، برز دور جبهة الإسناد اللبنانية، جبهة حزب الله في لبنان، برز باعتباره الدور الأول في الإسناد للشعب الفلسطيني، جبهة ساخنة، قوية، فاعلة، مؤثِّرة على العدو.
ولــذلك فالعدو على مدى كل هذه العقود (على مدى أكثر من أربعين عاماً) في صراع مع هذه الجبهة، ويحاول أن يتخلص منها، وأن يقضي عليها، يحيك المؤامرات تلو المؤامرات، ويخوض الجولات في المواجهة مع هذه الجبهة، والعدوان على الشعب اللبناني، والاستهداف لحزب الله وقياداته وكوادره، الجولات تلو الجولات من المواجهة والصراع، ومع ذلك كان العدو الإسرائيلي يفشل، حتى عندما يستهدف قادةً معينين، أو شخصيات بارزة من حزب الله، أو يرتكب جرائم في القتل الجماعي، أو جرائم في الاستهداف للحاضنة الشعبية اللبنانية، أو أي شكلٍ من أشكال المؤامرات التي يشتغل عليها، اشتغل- وليس لوحده- مع الأمريكي دائماً في كل المسارات الماضية، كل ما يعمله الإسرائيلي كان يعمله بدعمٍ أمريكي، واشتراكٍ أمريكي، وكذلك مساندة أمريكية، بأشكال متنوعة ومتعددة، وهذا شيءٌ واضح.
فالعدو الإسرائيلي هو في صراع ساخن، ومواجهة كبيرة، يستهدف الجبهة اللبنانية منذ يومها الأول، وهي الجبهة التي أفشلت مؤامرته في الاحتلال للبنان، بعد أن كان قد وصل إلى بيروت، وكان طامعاً في أنه سيستمر في سيطرته التامة على لبنان، وأنه قد ضمن السيطرة على لبنان بشكلٍ كامل، وأنه رتَّب لذلك الخطوات اللازمة، على المستوى السياسي، وعلى كافّة المستويات، ففوجئ بهذه المسيرة الجهادية المتميزة، الفعَّالة، والقوية، والمؤثِّرة، والمستمرة، وكلما واجهها أكثر، وتآمر عليها أكثر؛ كلما قويت وتنامت، وتعاظمت، وثبتت، وأحرزت المزيد من الانتصارات، وحققت المزيد من النجاحات، وهكذا هو المسار على مدى أكثر من أربعين عاماً، خلالها كم كان هناك من أحداث ساخنة، ومن وقائع، ومن مشاكل كبيرة، ومن صعوبات وتحديات، ولكن لأن هذه المقاومة الإسلامية (حزب الله في لبنان) انطلقت من منطلقٍ إيماني، تمتلك القضية العادلة، وتؤمن بهذه القضية، وتتحرك على أساسٍ صحيح؛ منحها الله المزيد والمزيد من الانتصارات، ووصلت إلى مستوىً عظيم، ومستوىً متقدم؛ فكانت جبهةً قوية، وكانت حاضرةً في تلك الساحة وفي ذلك الميدان، كما كانت حاضرةً على نحوٍ متميز على مستوى الساحة الإسلامية بكلها.
وفعلاً الشعوب المسلمة، في البلدان العربية وغيرها، تنظر بإعجاب إلى تجربة حزب الله، إلى ما عليه حزب الله من الصمود، والثبات، والوعي، والحكمة، والتماسك، والفاعلية، والتأثير، ومَثَّل أملاً للأمة الإسلامية، ونموذجاً ملهماً وناجحاً، في صموده، ومواجهته، وفعله، وأدائه، وتماسكه، وهو يواجه دائماً الصعوبات، والمِحن، والشدائد، ويُقدِّم التضحيات الكبيرة، من القادة، ومن الأفراد، ومن حاضنته الشعبية.
وهكذا برزت مسيرة حزب الله الجهادية الحسينية مسيرةً متميزة، رائدة، وصبورة، وثابتة، وراشدة، تمتلك الرشد، البصيرة، الحكمة، وتمتلك أيضاً الثبات، وكذلك تمتلك الأداء الناجح، والحكيم، والفاعل، في ظل الوضع الساخن، ومواجهة المؤامرات الكثيرة من هنا وهناك، قد يواجه البعض في أي مسيرةٍ جهادية، وفي طبيعة التحديات التي يعيشونها، قد يواجهون مثل هذه الظروف الصعبة، التي واجهها حزب الله، لو أنَّ ما واجهه حزب الله في هذه المرحلة، واجهته جيوشٌ عربيةٌ أخرى، أو كياناتٌ أخرى، ممن لا ينطلق انطلاقةً إيمانيةً واعية، وراسخة، وثابتة؛ لربما كان له تأثيره الكبير إلى درجة الانهيار، انهارت أنظمة عربية، انهارت جيوش عربية في أيام؛ لأنها واجهت مستوىً مُعَيَّن من الشدائد، والآلام، والتضحيات، وتكبَّدت مستوى مُعيَّن من الخسائر، وواجهت مستوى مُعَيَّن من الصعوبات، لم يصل بعد إلى ما واجهه حزب الله، مع ذلك ها هو حزب الله ثابتٌ، صامدٌ، ها هي حاضنته الشعبية أيضاً متماسكة، وواثقة، وها هو حزب الله جبهةً قويةً وفاعلة، لا يمكن أن ينهار بفعل هذه العواصف والشدائد؛ لأن الانطلاقة الإيمانية هي انطلاقة تصل الأمة المجاهدة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، برعايته، بتوفيقه، وهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي يُنْزِل السكينة في قلوب المؤمنين، ويربط على قلوبهم، وَيُمِدّهم بالثبات، والعون، والتسديد، والتأييد، ورعايته “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هي رعاية واسعة.
فعلى كُلٍّ، في ظل هذا الوضع الراهن، العدو كان من أهدافه باستهدافه لسماحة الأمين العام لحزب الله، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، أن تنهار جبهة حزب الله، وأن يُصفِّي هذه الجبهة ويتخلص منها؛ باعتبار دورها المهم للقضية الفلسطينية أولاً، وعلى مستوى لبنان كذلك، وعلى مستوى الوضع الإقليمي، على مستوى عام، وهو يرى فيها العائق الكبير؛ ولـذلك تحدث المجرم [نتنياهو] بعد ذلك عن السيطرة على الشرق الأوسط، ولم يكتف بأن يتكلم عن لبنان أو فلسطين؛ لأنه كان يعتبر حزب الله وسماحة الأمين العام لحزب الله عائقاً عن هذا المستوى من الطموحات، التي هي طموحات عدوانية، وطموحات سيطرة، وطموحات استحواذ، وتَغَلُّب، وعدوان.
ولكن وبالرغم من الخسارة الكبيرة، باستشهاد الأمين العام لحزب الله، سماحة السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، خسارة كبيرة بالنسبة للأمة الإسلامية بشكلٍ عام، والفقد الكبير جداً، والحزن العظيم، الحزن الذي عمَّ أرجاء العالم الإسلامي، وليس فقط في لبنان، وفي الحاضنة الشعبية لحزب الله في لبنان، لكن مع كل ذلك مسيرة حزب الله هي مسيرة باقية، ومسيرة ثابتة، وراسخة، وفاعلة.
السيد حسن “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” أتى ضمن مسيرة جهادية إيمانية حسينية، من مدرسة الجهاد والشهادة، وعمل على الدوام- في كل المراحل الماضية- على ترسيخ الروحية الإيمانية الجهادية الحسينية، كروحيةٍ، وفكرٍ، ووعيٍ، وبصيرةٍ، ويقين، وكذلك على المستوى العملي والتنظيمي، والبناء للبنية، بنية الأمة المجاهدة وتكوينها (أُمَّة حزب الله)؛ ولــذلك فبناء حزب الله وبنيته بنيةٌ متماسكة، يقاتلون في سبيل الله تعالى صفاً كأنهم بنيانٌ مرصوص، هذه هي البنية الإيمانية، البنية الجهادية: البنيان المرصوص المتماسك، الذي لا يتفكك، ولا يتبعثر، ولا ينهار بفعل العواصف والشدائد والأحزان، ليس بنياناً هشاً، ولا مخلخلاً، ولا ضعيفاً، فحزب الله وكذلك جمهوره هم أمةٌ متماسكة، وقوية في مواجهة التحديات، والعواصف، والأهوال؛ ولــذلك كان تماسكهم في مقابل هذا الحجم الكبير من الاستهداف، حتى ما قبل استهداف السيد/ حسن “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، الاستهداف بالإجرام الصهيوني في اغتيال القيادات والكوادر البارزة في حزب الله، وكذلك في الاستهداف الجماعي، الذي حصل في قصة البيجر، وجهاز النداء، الذي حاول العدو الإسرائيلي من خلاله قتل الآلاف من منتسبي حزب الله، ومن أبناء الشعب اللبناني، والاستهداف كذلك في هذه الأيام بالتدمير الشاسع، وجرائم الإبادة الجماعية، التي يستهدف بها السكان في منازلهم وبيوتهم، ويحاول أن يدمِّر من خلال ذلك قرىً بأكملها، وكذلك مربعات سكنية في الضاحية الجنوبية بأكملها، هذا الحجم من الاستهداف الكبير لم يؤثِّر على تماسك حزب الله، وعلى ثباته، وعندما ظهر كذلك نائب الأمين العام لحزب الله، سماحة الشيخ/ نعيم قاسم في كلمته، كانت كلمةً تُعبِّر عن هذه الثقة، عن هذا التماسك، عن هذا الصمود المستمر، وعن هذا القرار أيضاً، الذي لا يمكن أن يتغير؛ لأنًّه قرارٌ منطلقٌ من المنطلق الإيماني، الذي يتحرك فيه حزب الله.
العدو الإسرائيلي اتَّجه إلى العدوان البري، وكان يؤمِّل أن قد خلت له الساحة، وتهيأت له الظروف، وأنَّ بنية حزب الله أصبحت بنيةً منهارةً، وضعيفةً، وهشة، وأنَّ الجيش (جيش العدو الإسرائيلي) سيتقدم من جديد لاجتياح لبنان، أو اجتياح أجزاء من لبنان، على حسب ما يعبِّر هو، ويعبِّر بغرور، إلى درجة أنه يقول: [بالنسبة لبيروت ليست على الطاولة]، يعني: هو بهذا يرفع سقفه في مستوى ما يريد أن يجتاحه من لبنان، عندما يعبِّر أنه فيما يخص بيروت ليست في طاولة الاجتياح البري، ولكنه فوجئ، وصُدِم صدمةً قوية، وصدمةً كبيرة في أطراف لبنان، في الحدود مع فلسطين المحتلة، في الأجزاء التي هي من آخر مساحة لبنان، وقد تكون أيضاً مع بعض المواقع التي لا تزال محسوبةً من الجغرافيا اللبنانية، لكن كانت تحت سيطرة العدو الإسرائيلي من قبل.
على كلٍّ، في الحدود، وعندما أراد أن يبدأ بمحاولات التقدم، تلقى الصفعة القوية، والضربة القوية المنكِّلة من مجاهدي حزب الله، وكان هول الصدمة واضحاً، فالعدو الإسرائيلي بدأ يتحدث عن كارثة، بعض الوسائل الإعلامية الإسرائيلية وصفت ما حدث للجيش الإسرائيلي المجرم أثناء محاولاته للتوغل في لبنان، وصفت ما حدث له من التنكيل بأنه [كارثة]، عبَّروا عن الصدمة، عبَّروا عن المفاجأة.
وفعلاً واقع إخوتنا في حزب الله في تماسكهم، وثباتهم، وجهوزيتهم في التنكيل بالعدو الإسرائيلي، هو بنفس ما كانوا عليه في كل ما قد جرَّبهم فيه وفشل، لم يتغير حالهم بعد استشهاد سماحة الأمين العام لحزب الله، إلَّا بفارق أنهم ازدادوا ثباتاً، وازدادوا عزماً، وتصميماً، وتفانياً في العمل في سبيل الله، وفي أداء مسؤولياتهم المقدَّسة، في التصدي للعدو الإسرائيلي وضربه، اليوم يمتلك المجاهدون في حزب الله من الحافز والدافع، بعد استشهاد الأمين العام لحزب الله، ما هو أكثر من ذي قبل، الحالة التي انعكست على واقعهم ليست انهياراً، ولا ذُلاً، ولا عجزاً، ولا فشلاً، ولا ضعفاً، ولا وهناً، ولا استكانةً؛ إنما هي تصميم، وعزم، وحرص على أداء الموقف العظيم المشرِّف، وأكثر كذلك اهتماماً وجرأةً في الاستهداف للعدو ومواجهته، وهم اليوم أكثر تشوقاً لمواجهة العدو الإسرائيلي من أي مرحلةٍ مضت.
العدو الإسرائيلي هو لا يفهم، لا يفهم هذه الأمة، لا يفهم تلك الأمة المجاهدة فيما تحمله من روحية وإيمان وعزم، وهو يتصور أنَّ مثل تلك الجرائم عندما يرتكبها بحق القادة، ويستهدفهم، أنه بذلك سيحقق أمله في انهيار بقية المكون، بقية الأمة المجاهدة، ولكنه سيرى، وقد بدأ يرى، وبدأ يصيح، وبدأ يُعبِّر بمنطقٍ مختلف.
عَقِبَ استهدافه لسماحة الأمين العام لحزب الله، كان العدو الإسرائيلي يتحدث بغرور، وبآماله الشيطانية، ولكن ها هي أيام فقط، أيام وبدأ منطقه يختلف، بدأ يتحدث عن صدمة، عن مفاجأة، عن كارثة، فيما يحلُّ به أثناء المواجهة مع مقاتلي حزب الله المجاهدين، الثابتين، الصامدين، المستبسلين؛ ولــذلك ينبغي أن يفهم العدو الإسرائيلي، أنه لن يحقق آماله من استهدافه لسماحة الأمين العام لحزب الله، ولا باستهدافه للكوادر القيادية التي استهدفها، من الكوادر القيادية في حزب الله، وأنَّ حزب الله متماسكٌ في بنيته، وتنظيمه، وتكوينه، وثابتٌ على موقفه، وأنَّه على ما هو عليه من فاعلية، وتأثير، وصمود، وقادرٌ- بمعونة الله تعالى- على إحراز النصر، وتحقيق النصر، وإلحاق الهزائم المذلة بالعدو الإسرائيلي، وها هم المجاهدون في حزب الله، وهم يبعثون برسائلهم إلى سماحة الأمين العام لحزب الله، سماحة السيد/ حسن “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” بعد استشهاده، ويقولون له: (كما كنت تعدنا بالنصر دائماً، نعدك بالنصر مجدداً)، ها هو منطقهم، هم يستمرون وهم ثابتون في هذا المسار العظيم: مسار الجهاد، مسار صنع الانتصارات بمعونة الله تعالى، والتوكل عليه، والأخذ بأسباب النصر، ومنذ اليوم الذي قال فيه سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”: (ولى زمن الهزائم، وأتى زمن الانتصارات)، وهو قد أرسى هذه المعادلة، وأرساها اليوم بعد استشهاده ببركة تضحياته، وببركة جهوده أيضاً، ومع هذا وذاك، الجهد والعمل الذي قدَّمه في كل هذه العقود من الزمن، وبركة التضحية، وهو قد قدَّم نفسه قرباناً في سبيل الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، فالله لن يضيع لا جهده، ولا جهاده، ولا تضحيته، وسيبقى الأثر العظيم لكل ذلك في مسيرة المجاهدين في حزب الله، في كل ما هو حاضر، وفي كل ما هو آتٍ، في الحاضر والمستقبل؛ ولــذلك على العدو الإسرائيلي أن ييأس، وعلى الأمريكي أن ييأس، وعلى كل المتربصين والمنافقين أن ييأسوا من تحقيق أهدافهم وآمالهم الشيطانية، في إنهاء الدور العظيم لحزب الله، فيما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية، وفيما يتعلَّق بلبنان، وفيما يتعلَّق بالدور المميز والعظيم على مستوى الأمة.
هذا فيما يتعلَّق بهذا الموضوع، فروحية الشهيد، وفكره، وجهده، وبركات تضحيته هي باقية في مسيرة حزب الله، برعايةٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
وأيضاً لكل الجهات اللبنانية كذلك، أؤكد للجميع أنَّ عليهم أن يطمئنوا، على المستوى الرسمي في لبنان، على مستوى بقية المكونات اللبنانية، أن يطمئنوا، وأن يثقوا بحزب الله في كوادره، في رجاله، في مجاهديه، في قادته، هو حزبٌ ثريٌ بمجاهديه وبقادته، الذين يمتلكون الرشد، والوعي، والثبات، والذين لهم التجربة العظيمة والرائدة، والذين يحظون- فيما هم عليه من توجهٍ إيماني- بمعونة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبتوفيقه.
نؤكِّد في هذا المقام أننا إلى جانب إخوتنا في حزب الله، وجماهيره، وحاضنته الشعبية، ومساندين على الدوام للشعب اللبناني، وهذا هو حال المحور بكله، الجمهورية الإسلامية في المقدِّمة، هي اليوم تدرك حساسية هذا الظرف، وهي متجهةٌ للاهتمام بما ينبغي، في رفد الحزب ومساندته؛ أمَّا العدو الإسرائيلي فمهما صعَّد على لبنان، ومهما استمر في إجرامه الفظيع في غزة؛ فالمسؤولية أيضاً على كل المسلمين، مسؤوليةٌ عظيمةٌ أن يكون لهم موقفٌ واضحٌ وجاد في مساندة الشعب الفلسطيني، ومساندة الشعب اللبناني.
في مجريات العدوان الإسرائيلي على لبنان، هناك أيضاً المشهد الإنساني، حالة النزوح الكبيرة لمئات الآلاف من أبناء الشعب اللبناني؛ ولــذلك يتطلب الموضوع أن يكون هناك اهتمام على المستوى الإنساني من كل الدول العربية، وفي العالم الإسلامي بشكلٍ عام، على المستوى الرسمي، وعلى المستوى الشعبي، والمسؤولية في المقدِّمة على الحكومات والأنظمة، أن تساعد الحكومة اللبنانية للاهتمام بالنازحين، الذين هم ربما بأكثر من مليون نازح، بأعداد كبيرة، بمئات الآلاف، أو بالملايين، يفترض أن يكون هناك تحركٌ واضح وجاد، وباهتمام واستشعار للمسؤولية للاهتمام بهم.
كذلك على مستوى التحرك السياسي، على مستوى التحرك الإعلامي، ما يتعرَّض له لبنان هو عدوانٌ كامل، العدو الإسرائيلي يعتدي عدواناً كاملاً وشاملاً على لبنان؛ ولــذلك لابدَّ من المساندة للشعب اللبناني بكل أشكال المساندة، وهذه مسؤولية على أُمَّتنا، وعلى حكوماتها، وعلى شعوبها.
فيما يتعلَّق بمستجدات الأسبوع أيضاً، كان من أبرزها هو: عملية الوعد الصادق الثانية، نفَّذت الجمهورية الإسلامية في إيران أكبر ضربةٍ صاروخيةٍ تلقاها العدو الإسرائيلي منذ بداية احتلاله لفلسطين، وغطى القصف الصاروخي مساحةً على امتداد فلسطين المحتلة، وصولاً إلى المياه قبالة عسقلان، القصف الصاروخي الإيراني ركَّز على القواعد العسكرية الإسرائيلية، وعلى- كذلك- المراكز التجسسية، وعلى بعض المطارات العسكرية، وصلت الصواريخ الإيرانية بنسبة 90% حسب الإعلان عن ذلك، وظهرت المشاهد الموثَّقة بالفيديو لوصولها وهي تدك القواعد الإسرائيلية، هرب الملايين من اليهود الصهاينة برعبٍ شديد، وذعرٍ واضح، إلى الملاجئ، وكذلك قادة الإجرام الصهيوني، وعاش الجنود الصهاينة اليهود حالة الرعب في مختلف أنحاء فلسطين.
العملية هي تنفيذٌ لالتزامٍ التزمت به الجمهورية الإسلامية، من بعد اغتيال العدو الإسرائيلي للمجاهد القائد الإسلامي الكبير، شهيد الأمة الإسلامية، الشهيد/ إسماعيل هنيَّة، وكذلك في مقابل جريمة العدو الإسرائيلي باستهداف السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، وكذلك القائد في الحرس الثوري/ أبو الفضل، هؤلاء الشهداء الثلاثة “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم”، وتجاه إجرام العدو الصهيوني في فلسطين ولبنان.
العملية كانت ناجحة، وقوية، وضاربة، ولم تُعقها القواعد الأمريكية، الأمريكي أعلن كثيراً عن أنَّه سيعمل على حماية العدو الإسرائيلي؛ حتى لا يصل إليه شيءٌ، إذا أرادت الجمهورية الإسلامية أن توجِّه ضربةً له، لكن الأمريكي فشل، لم يتمكن من توفير الحماية التي وعد بها، مع أنه يريد ذلك، لم يكن تقصيراً منه، لكنه كان عجزاً وفشلاً، لم تعقها القواعد الأمريكية، والجهوزية الكبيرة للأمريكيين، ولا لحلفائهم وأدواتهم، ولم تعقها أيضاً المنظومات الإسرائيلية، التي هي للدفاع الجوية.
العملية كانت ضروريةً، وكسرت الطوق الإرهابي، والتهويل في محاولة إيقافها ومنعها، كان الأمريكي يسعى بكل جهد ومعه الإسرائيلي، إلى منع الجمهورية الإسلامية من توجيه هذه الضربة، وتنفيذ هذه العملية، فمن بعد استشهاد الشهيد الكبير، شهيد الأمة الإسلامية/ إسماعيل هنيَّة، وهو ضيفٌ لدى الجمهورية الإسلامية، والأمريكي والإسرائيلي كلٌّ منهما يطلق التهديد والوعيد، ويحاول أن يرجف، ويحاول أن يصوِّر الحال بأنه: في حال قامت الجمهورية الإسلامية بتنفيذ وعدها، والتزامها بالرد؛ فسيكون الجواب حرباً شاملة على الفور، ومن دون تأخير، وكان حجم التهويل واضحاً، مع المساعي الكبيرة جداً التي يبذلها كل الذين لهم ارتباط بالموقف الأمريكي من العرب والعجم، من مختلف البلدان والدول، حيث يحاولون أن يرهبوا، وأن يخيفوا، وأن يعيقوا، وأن يحددوا، وأن يثبِّطوا… إلى آخر ذلك.
العملية عندما أتت تجلَّى أيضاً أهميتها الكبيرة، أمتنا بحاجة دائماً إلى أن تمتلك الجرأة والقرار، في اتخاذ الموقف اللازم، الذي يمثل ضرورةً واقعية، ومسؤوليةً دينيةً، وأخلاقيةً، وإنسانية، هذا بحد ذاته مهمٌ جداً، ثم الفعل بنفسه، هو حالةٌ ضروريةٌ أيضاً، الموقف هو ضروريٌ للجم العدو الإسرائيلي، لردعه، لا يمكن أبداً منع العدو الإسرائيلي من ممارسة الجرائم، وكذلك إبعاده عن المزيد من التصعيد والعدوان، وكذلك العمل على منعه من مواصلة جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وضد الشعب اللبناني، إلَّا بالعمليات القوية، الرادعة، المؤثِّرة، لابدَّ من الجهاد، لابدَّ من الموقف، لابدَّ من التحرك الجاد والفاعل للجم العدو الإسرائيلي، ولردعه ومنعه، وإلَّا فالمزيد من جرائمه سيستمر؛ لأنه عدوانيٌ مجرمٌ، وهو شرٌ مستمر.
كان من الواضح جداً عندما نفَّذت الجمهورية الإسلامية في إيران هذه العملية، وهذه الضربة الكبيرة الموفَّقة، كان من الواضح مدى بهجة وفرح الشعوب المظلومة، الشعب الفلسطيني في المقدِّمة، حتى في غزة، كم كانت الفرحة، وكم كان الابتهاج، وكم كان السرور، بقدر ما امتلأت قلوب الصهاينة بالرعب، والخوف، والقهر، امتلأت قلوب أبناء الشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني، وشعوب أمتنا المظلومة، بالفرح والسرور والابتهاج، وهذا كان شيئاً واضحاً، وكذلك نُشِرَت الكثير من المشاهد الفيديو، ما يعبِّر عن هذا الفرح والسرور في خروج الكثير، وظهور ابتهاجهم وفرحهم.
ومع كل هذه الأعمال، ومع كل الدور المهم لجبهات المساندة: في إيران، في العراق، في لبنان، والمقاومة العراقية كانت عملياتها مكثفةً جداً خلال الأيام الماضية، وواضحٌ جداً أنها تتجه إلى التصعيد أكثر فأكثر، وبفاعليةٍ عالية، لكن هنا في المقدِّمة الدور الفلسطيني، الشعب الفلسطيني هو الشعب الأكثر مظلوميةً، والأكثر تضحيةً، والأكثر معاناة، ومجاهدوه الأعزاء هم في الخندق الأول، وفي المواجهة الدائمة مع العدو الاسرائيلي، على مدى عام كانت غزة جبهةً ساخنة، والمجاهدون فيها يقدِّمون نموذجاً عظيماً ومتميزاً، في الصبر، والثبات، والاستبسال، وفي التضحية، وكذلك الحاضنة الشعبية الفلسطينية تقدِّم نموذجاً في تماسكها وصبرها، بالرغم من المعاناة التي لا مثيل لها، جرائم الابادة الجماعية التي تستهدفها من قِبَلِ العدو الاسرائيلي، التجويع الشديد، والحصار الظالم المطبق، والمعاناة في كل شيء، ومع ذلك يستمر الصمود، ونحن على وشك اكتمال العام بفارق أربعة أيام.
الإخوة المجاهدون في كتائب القسَّام نفَّذوا خلال هذه الأيام (خمسة عشر عملية)، كان من ضمنها استهداف (ثلاثة عشر آلية) من آليات العدو الاسرائيلي، وأيضاً تواصل معها بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة: سرايا القدس… وغيرها، تنفيذ العمليات الفاعلة، المؤثِّرة، المنكِّلة بالعدو الاسرائيلي، كان من العمليات المهمة والبارزة: عملية يافا أيضاً، وهي عمليةٌ بطوليةٌ، هزَّت كيان العدو الاسرائيلي، نفَّذتها كتائب القسام.
فيما يتعلَّق بجبهة الإسناد في يمن الايمان:
تم تنفيذ عمليات بالقصف الصاروخي، منها: ما كان بالتزامن مع عملية الوعد الصادق الثانية، وكانت باتجاه يافا، التي يسميها العدو [تل أبيب]، وباتجاه أم الرشراش ومواقع في صحراء النقب، ومنها: ما بعد ذلك.
وعملياتٌ أيضاً في البحر الأحمر، وفي بحر العرب، وفي المحيط الهندي، وقد بلغ عدد السفن المستهدفة إلى: (مائةٍ وثمانٍ وثمانين سفينة).
كذلك تم إسقاط المزيد من طائرات الاستطلاع المسلح الأمريكي [MQ9]، ليصل إجمالي عددها إلى: (أحد عشر) من هذا النوع خلال هذا العام.
الأمريكي أيضاً والإسرائيلي، كلٌّ منهما سعى إلى التصعيد في العدوان ضد الشعب اليمني، وكان في هذا الأسبوع عددٌ من الغارات: (تسعٌ وثلاثون غارة) نفَّذها العدو الإسرائيلي، والأمريكي معه كذلك، في عمليات مختلفة، عملية العدو الإسرائيلي لوحده، الأمريكي كذلك، وأكثرها استهدف محافظة الحديدة، العدو الاسرائيلي استهدف الكهرباء في الحديدة.
العدوان من قِبَلِ الأمريكي، أو من قِبَلِ الإسرائيلي، لن يوقف عملياتنا، وجهادنا مستمر، ويترافق مع عملياتنا باستمرار: تطوير القدرات العسكرية، ومستمرون في إطار المرحلة الخامسة من التصعيد ضد العدو الاسرائيلي، ولإسناد الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزاء.
على مستوى الأنشطة الشعبية: هي مستمرة، ومكثفة، ومنها:
التعبئة، التي قد زاد عدد مخرجات التدريب العسكري فيها على (النصف مليون متدرب).
بلغت أيضاً أنشطة التعبئة في المناورات، والعروض العسكرية، والمسير العسكري، إلى: (ألفين وثمانمائة وواحد وخمسين).
المسيرات، والفعاليات، والوقفات الشعبية، أيضاً وصلت إلى مستوى كبير جداً خلال هذه المرحلة بكلها، ما يقارب العام، بلغت إلى: (سبعمائة وتسعة وثلاثين ألفاً، وستمائة وأربعةٍ وثلاثين) ما بين مسيرة، فعالية، وقفة…إلخ.
الثبات في الموقف، والاستمرار في العمل، وفي العمليات والتصعيد، هو بالنسبة لنا– نحن وشعبنا العزيز- التزامٌ إيمانيٌ، وهو جهادٌ في سبيل الله تعالى، وهو فريضةٌ دينيةٌ مقدَّسة، وهو أيضاً ضرورةٌ فعلية، من لا يقف الموقف الصحيح، الموقف الذي يفرضه ديننا، وانتماؤنا الإسلامي، وتفرضه أيضاً مصالحنا كأمةٍ مسلمة، مستهدفة من قِبَلِ أعدائها، من لا يقف هذا الموقف هو يُعرِّض مستقبله للخطر حتماً، وهذا ما ستكتشفه الكثير من الشعوب والبلدان في قادم الأيام، سيعرفون فيما بعد كم كان خطؤهم كبيراً جداً، وكم كانت العواقب الخطيرة لتفريطهم في أداء هذه المسؤولية المقدَّسة، عندما يرون كم كانت النتائج وخيمةً عليهم، وكيف تشجَّع عداؤهم، وطمعوا فيهم أكثر وأكثر.
نحن نواجه العدو الإسرائيلي، ومعه شركاؤه: (الأمريكيون، والبريطانيون)، والعدو الإسرائيلي وشركاؤه شرٌ على الأمة، جبهةٌ للإجرام، والعدوان، والظلم، والطغيان، امتدادٌ للمسلك الإجرامي الضال، المنحرف، المعادي للرسالة الإلهية، هم امتداد لقتلة الأنبياء والصالحين، متى كانوا نعمة أو يكونون نعمة كما تحدث المجرم نتنياهو؟! منذ اليوم الأول، منذ الانتداب البريطاني، ورعايته لهذا الكيان المجرم، المحتل، الغاصب، وتمكينه من احتلال فلسطين، كان من يومه الأول كياناً قائماً على الإجرام بكل أنواعه، من: قتل، واغتصاب، وظلم، وتعدٍ، واحتلال، ونهب، ومصادرة، كل سلوكه كان سلوكاً إجرامياً، وحشياً، وفظيعاً، لا يتوافق بأي حالٍ من الأحوال، لا مع القيم الإنسانية، ولا مع قوانين وأنظمة، ولا مع شرائع وأديان، كله إجرام، وتوحش، وطغيان، وسلوكٌ عدواني.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قد حدَّثنا عن أولئك المجرمين في القرآن الكريم بما يكفي، ونجد شواهد ذلك ومصاديقه ماثلةً أمام أعيننا، جرائمهم الوحشية الفظيعة جداً، قتلهم للأطفال والنساء، والكبار والصغار، التجويع للناس، الممارسات المسيئة جداً للإنسانية، المذلة، المسيئة جداً، المتوحشة، نجدها في تصرفاتهم بما لا نحتاج للحديث عنه، منشورةً في المشاهد الموثقة بالفيديو، أمام مرأى ومسمعٍ من العالم.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال عنهم: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:62]، قال عنهم: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[المائدة:60]، هم امتداد لهذا المسلك المنحرف، المجرم، الذي باء بغضبٍ من الله، الذي لعنه الله، الذي ليس على صلةٍ أبداً بأي قيمٍ إنسانيةٍ أو دينية، قال عنهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]، فهم في المرتبة الأولى عداءً، وحقداً، وإجراماً، وطغياناً ضد أمتنا بشكلٍ عام؛ ولــذلك فالموقف ضروريٌ، وهو مسؤوليةٌ دينية.
على مقربةٍ من اكتمال عام منذ طوفان الأقصى، استجابةً لله تعالى، ووفاءً للشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزاء، ووفاءً للسيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، ولحزب الله، ومجاهدي لبنان، وللشعب اللبناني، وتأكيداً على ثبات الموقف، واستمراراً في حمل راية الجهاد، أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني الكبير يوم غد الجمعة إن شاء الله تعالى، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، وحسب الترتيبات المعتمدة.
نَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْر لِلمُجَاهِدِينَ فِي فِلَسْطِينَ وَلُبْنَان، وَلِلشَّعبِين الفِلَسْطِينِيّ وَاللُبْنَانِيّ، وَلِكُلِّ أُمَّتِنَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: سماحة الأمین العام لحزب الله الجمهوریة الإسلامیة العدو الإسرائیلی من ا العدو الإسرائیلی العدو الإسرائیلی ی العدو الاسرائیلی الشعب الفلسطینی الشعب اللبنانی مسیرة حزب الله فی الاستهداف بین المسلمین حسن نصر الله فی سبیل الله السیطرة على على المستوى فی حزب الله حزب الله فی الله تعالى فیما یتعلق ة حزب الله المزید من على لبنان السید حسن على مستوى فی مواجهة س ب ح ان ه ت ع ال ى فی المقد فی لبنان أکثر من ر ض و ان الله من مستوى م على مدى من ق ب ل ه العدو ذلک کان کذلک فی أن یکون کم کان ما کان الله ت ذلک فی کان من ل الله الذی ی رة على الله ا فی هذا عن هذا
إقرأ أيضاً:
قائد الثورة : التصعيد الأمريكي على بلدنا لن ينجح ولن يُضعف قدراتنا العسكرية بل يُسهم في تطويرها
الثورة /
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
كلمتنا عن تطورات العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ولاسيَّما بعد أن استأنف عدوانه الشامل على قطاع غَزَّة ناكثاً بالاتِّفاق، مع ما هو عليه من استمرار في جرائمه في الضِّفَّة الغربية وفي القدس، ومساعيه المستمرّة ضد الشعب الفلسطيني؛ بهدف أن يحقِّق مآربه وأهدافه العدوانية في تهجيرهم، وتصفية القضية الفلسطينية.
نحن حرصنا- وبتوفيقٍ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- إلى أن نتحرَّك في جبهة الإسناد اليمنية، منذ بداية النكث من قبل العدو الإسرائيلي لاتِّفاق وقف العدوان على قطاع غَزَّة، عندما قام بإجرائه الظالم، الذي هو نكثٌ بالاتِّفاق، وهو من جهةٌ أخرى عدوانٌ ظالم، يتنكَّر لكل الحقوق المعترف بها للشعوب، حينما قام بمنع دخول الغذاء والدواء إلى قطاع غَزَّة، واستمر في هذه الخطوة الإجرامية العدوانية الظالمة إلى الآن، ثم في منتصف شهر رمضان، أو ما بعد ذلك، عاد أيضاً إلى استئناف عدوانه الشامل، بالإبادة الجماعية، والقتل للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، بكل وحشيةٍ وإجرام، وهو مستمرٌّ في ذلك إلى الآن.
العدو الإسرائيلي اتَّجه إلى النكث بالاتِّفاق بتشجيعٍ أمريكي، ودعمٍ أمريكيٍ مفتوح، وتبنٍ أمريكيٍ لما يقوم به العدو الإسرائيلي، بالرغم من أن الأمريكي هو ضمينٌ على العدو الإسرائيلي، في تنفيذ ما عليه فيما يتعلق بالاتِّفاق، فلا هو أوفى بالتزاماته في المرحلة الأولى من الاتِّفاق، ولا هو دخل في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتِّفاق، واستكمال ما يتعلق بها من مفاوضات، من خلال الوسطاء المعروفين (القطريين، والمصريين)؛ وإنما اتَّجه بكل عدوانية إلى الاستهداف الشامل، والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة، والمأساة كبيرة، والمظلومية عظيمةٌ جداً للشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وفي قطاع غَزَّة بما هو أكثر.
بعد العدوان الإسرائيلي بالإبادة الجماعية على مدى خمسة عشر شهراً، والتدمير الشامل لقطاع غَزَّة، واستهداف كل مقومات الحياة في القطاع، كان الشعب الفلسطيني بعد أن بدأ الاتِّفاق، وتنفيذ الاتِّفاق، قد حظي بشيءٍ يسيرٍ جداً من الهدوء واستقرار الوضع، وفي حالة نسبية؛ لأن الوضع صعب أساساً، كل شيءٍ مُدَمَّر، لا يزال الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني تحت الأنقاض، وتحت الركام، ولا يزال الوضع صعباً جداً، لا مأوى للسكن، اتَّجه أبناء الشعب الفلسطيني في القطاع إلى السكن في أطلال منازلهم المُدَمَّرة، وفي ركام بيوتهم المستهدفة أصلاً، التي دُمِّرَت بشكلٍ كامل، والقليل منهم حصل على الخيام ليستفيد منها، البعض منهم لا يزالون في العراء، وفي حالة صعبة للغاية، ومع ذلك يعود العدو الإسرائيلي من جديد، لإلحاق مأساةٍ مُرَكَّبَة على تلك المأساة الحاصلة أصلاً، لإضافة مأساةٍ كبيرةٍ من جديد، مأساة على مأساة.
وهذه المظلومية الرهيبة جداً، والمعاناة الكبيرة، التي اجتمع فيها:
التجويع: الذي كان لفترات طويلة.
ومنع الدواء: وهناك معاناة كبيرة جداً فيما يتعلق بالجانب الصحي.
إضافةً إلى القتل: من خلال الغارات الجوية التي هي مستمرّة، بالأمس في منزلٍ واحد في حي الشجاعية استشهد (خمسة وثلاثين شهيداً) حسب المصادر الطبية، ونحو (خمسين مصاباً)، هذا العدد الكبير في منزل واحد فقط، وفي جريمة واحدة، الاستهداف حتى اليوم كذلك للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة في الخيام بالغارات الجوية؛ استهداف مستمرّ بالقصف المدفعي، وبإطلاق النار من الآليات العسكرية.
فهناك معاناة كبيرة جداً: القتل من الجو، والبر، والبحر، وكذلك التجويع الشديد جداً.
والمعاناة الكبيرة فيما يتعلق بالمأوى.
فيما يتعلق بمياه الشرب: هناك معاناة كبيرة جداً.
والتفاصيل تظهر في وسائل الإعلام، والمشاهد للمأساة وللمظلومية الكبيرة للشعب الفلسطيني، يمكن لأي مهتم بمتابعتها أن يشاهد الصور والمشاهد المأساوية التي تفوق أي تعبيرٍ وأي وصف، المشاهد الموثَّقة بالفيديو، التي يشاهدها الإنسان، هي ما تكشف للإنسان حجم هذه المظلومية، وفي المقابل حجم الإجرام الصهيوني الأمريكي والإسرائيلي.
ولـذلك تتضاعف المسؤولية على الجميع في مقابل تَعَنُّت العدو الإسرائيلي، الذي بات من الواضح أنه لا يهمه مسألة الأسرى، أصبح واضحاً حتى لدى الكثير من الإسرائيليين أن [المجرم نتنياهو]، وزمرته المجرمة، التي هي الأشد إجراماً على مستوى العالم، أنهم لا يهمهم مسألة الأسرى؛ لأن الاتِّفاق كان كفيلاً بأن يحقِّق هذا الهدف، بدون الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وقتل أطفاله ونسائه، والتدمير الشامل لقطاع غَزَّة، والذي تضمَّنه الاتِّفاق شيءٌ منطقيٌ، وهو في الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني:
مسألة تبادل للأسرى.
ومسألة وقف العدوان، وإنهاء التجويع على قطاع غَزَّة؛ من أجل أن يتهيأ أيضاً إعادة الإعمار للقطاع.
ولكنَّ العدو الإسرائيلي لا يريد ذلك، وما يطرحه هو طرحٌ عدوانيٌ، يُعَبِّر عن الطغيان، والإجرام، والوحشية، والصَّلَف، والتَّعَنُّت بكل وضوح؛ فهو يُهَدِّد بالتصعيد إن لم يتسلم الأسرى بدون صفقة تبادل، وبدون وقفٍ للعدوان، وبدون إنهاءٍ للتجويع، بمعنى: أنه يريد أن ينتزع الأسرى، الذين هم ورقة ضغط عليه، وعلى الداخل بالنسبة لكيانه المجرم الغاصب، وفي نفس الوقت يريد أن يستمر في العدوان، أن يستمر في التجويع، أن يستمر في القتل، دون تَوَقُّف.
إذاً ما الفائدة من إطلاقهم، إذا كان سيستمر- لو تم إطلاقهم- في العدوان، وفي التجويع، وفي الحصار، وفي الاختطاف لأبناء الشعب الفلسطيني، الذين يمارس معهم أبشع أنواع التعذيب في السجون، وينتهك الكرامات والأعراض، وهناك وفيات بشكلٍ مستمرّ.
قضية الأسرى بالنسبة للشعب الفلسطيني هي قضية أساسية، لا يمكن أن يتنازل عنها؛ بالنظر إلى أن الأسرى منه والمختطفين هم أعداد كبيرة (بالآلاف)، وبالنظر إلى أنهم يعانون أشد المعاناة في السجون الإسرائيلية من التعذيب، الذي ينتج عنه شهداء باستمرار، بعد كل فترة يتم الإعلان عن شهيد، ثم هكذا عن شهيدٍ آخر، كذلك ما يظهر من حالات التعذيب البشعة جداً، أمرٌ لا يمكن التغاضي عنه، ولا التجاهل له.
العدو الإسرائيلي يسعى لانتزاع هذه الورقة من (حركة حماس)، وفي نفس الوقت يُصِرّ على أن يستمر في عدوانه، في قتله، وهو طامعٌ أن يحقِّق هدفه- الذي هو هدف خطير جداً- بالتهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، ولو تم له ذلك، لانتقل إلى خطوة التهجير بالكامل من الضِّفَّة الغربية، التي يواصل فيها كل أنواع الاعتداءات:
من قتلٍ بشكلٍ يومي.
من اقتحامٍ للمنازل والبيوت.
من اختطافٍ لأبناء الشعب الفلسطيني.
وكذلك من تجريف وتدمير.
وكذلك من عمليات التهجير، التي هي بشكلٍ من الواضح أنه مدروس، ويهدف إلى التهجير بشكلٍ تدريجي:
ما يفعله في (مخيم جنين)، وفي (طولكرم).
والآن انتقل إلى (مخيم بلاطة) بنفس المنهجية الإجرامية، التي يسعى من خلالها إلى التدمير الواسع، وإلى التهجير القسري للآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، يسلك نفس المسلك في (مخيم بلاطة)، ما عمله في (جنين)، وما عمله في (طولكرم).
ثم ما أقدم عليه فيما يتعلق بإغلاق (مدارس الأونروا) في القدس، وحرمان الشعب الفلسطيني في القدس من التعليم.
إقدامه على هذه الخطوة هو في إطار سياسته العدائية، التي تكشف بكل وضوح، وكانت ولا تزال- في كل المراحل الماضية- تُقَدِّم الشواهد اليومية على أنه:
لا يريد السلام.
لا يريد التسوية السياسية.
لا يريد أن يقبل بأي حلول منصفة أو عادلة.
وأن اتِّجاهه هو عدواني.
وأنه يسعى على الدوام لتصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ كامل، في كل ما يتعلق بها، هو حاول أن ينهي تماماً مسألة الحديث عن حق العودة، بالنسبة لأبناء الشعب الفلسطيني الذين هم في الخارج، في الشتات، ويتَّجه- فيما بعد ذلك- إلى محاولة تهجير من بقي منهم في فلسطين، ومساراته واضحة في هذا الاتِّجاه.
وعندما أصبح الأمريكي يتبنى بالمكشوف مسألة التهجير للشعب الفلسطيني، ويُكَرِّرها [ترامب] حتى في هذا الأسبوع، يُكَرِّر حديثه عن التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، ويقول كلمةً سخيفةً في هذا السياق: [أنه يريد أن يخرجهم من غَزَّة، وأن يحوِّلها إلى أرض يسمِّيها بأرض الحُرِّيَّة]، أي حُرِّيَّة مع تهجير أهلها، واحتلالها، والسيطرة عليها؟! هذا اغتصاب، وليس تحريراً، اغتصاب ظالم، إجرامي، وبلطجة بالمكشوف.
فهذا الاتِّجاه الظالم، الوحشي، الإجرامي، الذي يحظى بتبنٍ أمريكي، وشراكةٍ أمريكية، ودعمٍ أمريكيٍ مفتوح، من الواضح أنه لابدَّ من التَّصّدِّي له، ومن مواجهته، وأن ما يقوم به إخوتنا المجاهدون في فلسطين في قطاع غَزَّة، ومن منهم يتحرَّك في الضِّفَّة أيضاً، من جهادٍ في سبيل الله تعالىٍ، من تصدٍّ للعدو، من عمليات بطولية جهادية، هو الموقف الصحيح الذي لابدَّ منه، في مواجهة الطغيان، والعدوان، والإجرام الإسرائيلي، وأمام هذه الأهداف التي يتحرَّك العدو الإسرائيلي للوصول إليها، فهو يسعى بكل وضوح لإنهاء القضية الفلسطينية بشكلٍ تام.
الإخوة المجاهدون يقومون بدورٍ عظيم، في التَّصّدِّي للعدو الإسرائيلي، ولولا جهادهم، وثباتهم، وما منحهم الله من رعايةٍ ومعونة، لكان العدو الإسرائيلي- بالفعل- قد أكمل تحقيق هذه الأهداف، لكان قد قام بعملية التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، ثم يتلو ذلك الضِّفَّة… وهكذا، ولكان اتَّجه إلى خطواته الأخرى، المتعلقة أيضاً بالمسجد الأقصى، الذي هو مُقَدَّس من أهم مُقَدَّسات المسلمين، هو- بالنسبة للعدو الإسرائيلي- يهدف إلى تحقيق هذه الأهداف؛ لأنها أهداف أساسية بالنسبة له، أهداف أساسية في مخططاته، في معتقداته، في ثقافته، في استراتيجيته، في كل ما يتعلق به أصلاً، في نشاطه الإعلامي والدعائي، في سياساته… هو يعمل من أجلها، وبكل وضوح؛ فما يقوم به الإخوة المجاهدون- الذين نسأل الله لهم العون، والنصر، والتأييد، والتثبيت- في قطاع غَزَّة، من عملياتٍ جهاديةٍ بطولية، وما قاموا به في كل المراحل، ومن ذلك (عملية طوفان الأقصى)، هو اتِّجاهٌ ضروريٌ، هو مسؤولية، وهو الخيار الوحيد، الذي يمكن أن يحافظ على هذا الحق، وأن تجدي معه أي خيارات أخرى، عندما يكون هناك ثبات، وجهاد، واستبسال؛ يصبح بالإمكان الضغط على العدو الإسرائيلي، وإفشال مؤامراته، وتحقيق نتائج ومكاسب للقضية الفلسطينية؛ لكن في إطار التَّمَسُّك بالثوابت، وفي إطار الموقف العملي الجهادي، الذي يضغط على العدو الإسرائيلي.
ولـذلك من واجب كل الأُمَّة أن تُسْنِد الشعب الفلسطيني، وأن تدعم مجاهديه، الذين يؤدُّون مهامهم الجهادية بثباتٍ عظيم، ثباتٍ منقطع النظير، حتى في هذا الأسبوع: يُنَفِّذون عمليات بالقصف الصاروخي، بعد كل الذي قد عمله العدو الإسرائيلي من قتل وتدمير، وبعد كل ما قد قدَّموه من شهداء، وتضحيات كبيرة، وبالرغم من كل الظروف الصعبة جداً، لا يزالون إلى الآن يُنَفِّذون عمليات بالقصف الصاروخي، ويتصدُّون بكل بطولة في الميدان لمحاولات العدو الإسرائيلي في التَّوَغُّل البري.
هذا الثبات العظيم، وهذه العمليات، تدل على جدوائية وإمكانية الموقف الجهادي، وأنه جديرٌ بأن يحظى بالمعونة، والمساندة، والتأييد، وأنه الخيار الصحيح المجدي، الذي يمكن- برعايةٍ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وبتأييدٍ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- أن يحقِّق النتائج، وأي خيارات أخرى هي خيارات فاشلة:
خيار التسوية: خيار فاشل، ساقط.
خيار الاستسلام: لن يفيد شيئاً أبداً، ولا يمكن أن يدفع لا شرّاً، ولا خطراً، ولا ضُرّاً، ولا يقدِّم أي شيء للأُمَّة: لا للشعب الفلسطيني، ولا للشعوب المجاورة لفلسطين، ولا لبقية الأُمَّة.
الخيار الصحيح هو: خيار الجهاد في سبيل الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
العدو الإسرائيلي- ومعه الأمريكي، الذي هو شريكٌ في الإجرام، وشريكٌ في النكث بالاتِّفاقات التي هو ضمينٌ عليها- مستمرٌّ أيضاً في اعتداءاته على لبنان، ومتنكِّر للاتِّفاق الواضح، ببنوده الواضحة، والتزاماته الواضحة، يتنكَّر لها، ويستمر في الغارات، والاعتداءات، والقتل، والتدمير، يستمر في الاحتلال لمراكز في داخل الأراضي اللبنانية، والآن أصبح الموقف الأمريكي أكثر تَنَكُّراً من أي مرحلةٍ مضت تجاه الالتزامات، التي هي التزامات عليه كضمين، وعلى العدو الإسرائيلي كطرف، التزامات واضحة، أصبح العدو الإسرائيلي يُصَعِّد من اعتداءاته، وينكث بالاتِّفاق:
يُنَفِّذ غارات حتى في الضاحية (في ضاحية بيروت الجنوبية).
يُنَفِّذ غارات في أماكن متفرِّقة.
يقتل ويستهدف بعمليات الاغتيال إخوتنا المجاهدين حتى من (حركة حماس)، من (حزب الله)، يقتل على الانتماء، يعني: ليست المسألة أنه يتعامل مع خروقات، أو إشكالات، أو مع مخاوف مُعَيَّنة، هو يستهدف شخصاً؛ لأنه من (حزب الله)، يستهدف مواطنين في الجنوب اللبناني، يستهدف أشخاصاً؛ لأنهم من (حركة حماس)، يعني: بعيداً عن مسألة الاشتباك على الأرض، أو إشكاليات تتعلق بالموقف على الأرض؛ فهو يتَّجه إلى تصعيد أكبر.
يستبيح الأجواء اللبنانية بشكلٍ مستمرّ، ولا يتوقَّف عن ذلك.
الأمريكي يأتي ليقول: [إن حزب الله سرطان يجب اجتثاثه]، من هو السرطان الذي يجب اجتثاثه؟ هو العدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي الذي يُمَثِّل شرّاً على هذه المنطقة وعلى كل شعوبها، بل يُهَدِّد الأمن والسلم العالمي.
العدو الإسرائيلي، بكل وحشيته، وعدوانيته، وإجرامه، بما قتله من آلاف الأطفال والنساء، بالآلاف، آلاف الأطفال، وآلاف النساء، وما يرتكبه من إبادة جماعية، وما يستهدف به شعوب هذه المنطقة، من قتل، واحتلال للأرض، وانتهاك للعرض، هو الذي يُقَدِّمه الأمريكي على أنه النموذج المثالي، ثم يُوَصِّف أصحاب الحق، الذين يتحرَّكون بحق، ويستندون إلى الحق في موقفهم، الذين هم يدافعون عن النفس والأرض والعرض، وهم أصحاب الحق الواضح الثابت، الذي لا شك فيه، والموقف الحق، الذين يدافعون عن أنفسهم، وعن أعراضهم، والذين يتحرَّكون أيضاً بالقيم، القيم الأخلاقية، والإنسانية، والدينية، يطلق عليهم مثل هذه التوصيفات، التي هي توصيفات تنطبق على العدو الإسرائيلي، فهو السرطان الذي يجب اجتثاثه، هو (الغدة السرطانية)، الذي سمَّاه الإمام الخميني «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ» بـ(الغدة السرطانية)، التي يجب استئصالها، وإذا لم تُستأصل؛ انتشر شرُّها، وترعرعت بشرِّها وفسادها في بقية هذا الجسم، الذي هي غريبةٌ عليه، من هو الغريب في هذه المنطقة، الذي جاء ليحتل، ولينتهك الحرمات، وليقتل، وليدمِّر، وليُهَدِّد هذه المنطقة بكلها في أمنها واستقرارها؟ هو العدو الإسرائيلي، والذي يتبناه، ويتبنى كل جرائمه، ويدعمه بشكلٍ مفتوح، ويُقَدِّم له الحماية؛ ليفعل ما يشاء ويريد من تلك الجرائم، ولينتهك السيادة لهذه البلدان، هو الأمريكي.
فالأمريكي ليس في المستوى الذي يمكنه أن يوصِّف الآخرين بالأوصاف السيئة؛ لأنه هو في سلوكه، وعدوانيته، ومعه العدو الإسرائيلي، من تنطبق عليهم كل مواصفات الشر، والإجرام، والطغيان، والعدوان، والظلم، والباطل، بشكلٍ واقعي، وبتطابقٍ تام؛ أمَّا أن يوصِّف الآخرين، فليس هو في مقام أن يطلق الأحكام على الآخرين.
الإسرائيلي أيضاً فيما يرتكبه في سوريا من جرائم مستمرة، بالقتل، بالغارات الجوية، بالتدمير لقدرات الشعب السوري، بالاحتلال والتَّوَغُّل في الأرض، هو أيضاً يثبت لكل أُمَّتنا، ولكل الشعوب في هذه المنطقة، أنَّه عدوانيٌ، يتحرَّك وفق أطماعه، ووفق مخططه الصهيوني، ولا يراعي أي اعتبارٍ مهما كان، لا يعطي اعتباراً لمسألة أن يأتي من يقابله بتوجهٍ غير عدائي، ويؤكِّد أنه لا يعاديه، وأنه لا يريد معه أي مشاكل، وأنه يريد السلام معه، وأنه يريد التطبيع معه، وأنَّه وأنَّه… مهما كان حجم التودد، ومهما كان مستوى التنازلات، لا تجدي شيئاً مع العدو الإسرائيلي؛ لأنه بالأساس يتحرَّك- كما قلنا- من أجل أطماعه، من أجل مخططه الصهيوني، من أجل أهدافه التي يتحرَّك على أساسها، منذ البداية، منذ يومه الأول، منذ بدأ احتلاله لفلسطين، ولديه مخطط معلن، صريح وواضح، هو: المخطط الصهيوني.
العدو الإسرائيلي في عدوانه آنذاك في عام 56 ميلادي على مصر، قال رئيس وزرائه آنذاك المجرم في الكنيست: [أنَّ الدافع الحقيقي لذلك العدوان هو: العودة إلى الحدود التوراتية]، هم يفترون على التوراة، أنه يريد تحقيق ذلك، يعني: مخططهم الصهيوني [إسرائيل الكبرى]، وعبَّر بذلك، وقاموا كلهم، قاموا للتصفيق له قياماً، وارتاحوا لذلك.
العدو الإسرائيلي يشتغل وفق مخططه الصهيوني؛ لذلك بالرغم من الحالة المعروفة في سوريا، التي هي حالة- فعلاً- لا تحمل أي عداء للعدو الإسرائيلي، ولا تريد معه أي مشاكل، وهي تريد أن تكون على علاقة إيجابية معه، وأن يكون هناك تفاهم فيما بينها وبينه، لكن العدو الإسرائيلي لا يلتفت إلى ذلك، وليس مستعداً أبداً أن يقابل هذه الحالة بإيجابية، وأن يعيد لهم (مرتفعات الجولان)؛ بل احتل المزيد، وصَنَّف- كما شرحنا في الكلمات الماضية- صَنَّف مناطق شاسعة من سوريا في إطار تصنيفاته الباطلة، التي لا تُخَوِّله لا شرعاً، ولا قانوناً… ولا بأي اعتبار، أن يسيطر على بلدان الآخرين، تحت عنوان: [هذه منطقة عازلة، هذه منطقة أمنية، وهذه منطقة تحت عنوان آخر]، كل تلك التصنيفات هو يمنح نفسه بها أن يسيطر على بلدان الآخرين، وحقوق الآخرين، وأرض الآخرين بكل باطل، وبكل وقاحة، وبكل عدوانية.
هو يحاول أيضاً أن يضغط على التركي، فيما يتعلق بمستوى النفوذ التركي، والحضور التركي العسكري في سوريا، العدو الإسرائيلي حتى في هذه المسألة هو يضغط على تركيا؛ لأنه يريد أن يكون له- هو الإسرائيلي- الحصة الأوفر، هو يريد- أصلاً- أن يستفيد من سوريا لتحقيق هدفه بالوصول إلى (نهر الفرات)، وهو يستبيح أيضاً أجواءها بكلها، وبدأ من خلال انتهاكه للأجواء السورية بشكلٍ كامل، واستباحته لها بشكلٍ كامل، بدأ أيضاً يتعدَّى ذلك إلى انتهاك سيادة العراق، والاختراق بالطيران الإسرائيلي لأجواء العراق، وفي نفس الوقت ماذا يعمل الأمريكي؟ الأمريكي يمنع الجيش العراقي من أن يُفَعِّل منظومات الدفاع الجوي، في الاستهداف للطيران الإسرائيلي الحربي، عندما يخترق الأجواء العراقية، يعني: يفرض معادلة الاستباحة.
وهكذا يريد الأمريكي مع كل شعوب المنطقة بكلها، أن يفرض عليها معادلة واحدة، هي: الاستباحة، أن تكون هذه الشعوب، وهذه البلدان، مستباحة الدم، والعرض، والمال، والثروة، والسيادة، لصالح العدو الإسرائيلي، وخاضعةً له بالكامل، العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي يريدون ذلك، يريدون فرض هذه المعادلة.
هذا من الاستفزاز الكبير جداً، أن يُمنع الجيش العراقي من تفعيل منظومات الدفاع الجوي، حينما يخترق العدو الإسرائيلي أجواء العراق بطيرانه، وشيئاً فشيئاً سيكرِّر العدو الإسرائيلي مثل هذا الاختراق، ثم يوسِّع من مستوى نشاطه؛ لأنها السياسة الإسرائيلية، التي تستخدم أسلوب الترويض مع العرب؛ لأنهم يتقبَّلون حالة الترويض، وجرَّبها العدو الإسرائيلي معهم كأسلوب ناجح، شيئاً فشيئاً يصبح المحظور، الذي ينبغي استنكاره، ومنعه تماماً من اللحظة الأولى، يصبح مقبولاً في مستوى مُعَيَّن، ثم في مستوى أكبر وأخطر، ثم وصولاً إلى مستويات خطيرة جداً؛ حتى تصبح أجواء العراق في يومٍ من الأيام مستباحة بشكلٍ كامل، وبدون أي تردُّد، وبالمقدار الذي يريده العدو الإسرائيلي.
فالعدو الإسرائيلي يعمل ما يعمله في سوريا، وفي هذا درس كبير جداً، بالرغم من أنَّ الطرف السوري، فيما يتعلق بالجماعات المسيطرة على سوريا، تتوسط بالتركي، وتتوسط بالأمريكي، وتستجدي الأمريكي استجداءً، أن يعمل على تفاهمات ما بينها وبين العدو الإسرائيلي، تتوسط أيضاً بالسعودي في هذا السياق نفسه، تتوسط بمن هبَّ ودبَّ؛ ليحاولوا أن يدفعوا بالعدو الإسرائيلي أن يدخل في تفاهمات معها، وأن يتوقَّف عمَّا يفعله؛ حتى لا يحتل المزيد من الأراضي، وأن يتوقَّف عما يقوم به من غارات… وغير ذلك، ولكنه لم يتوقَّف عن ذلك؛ فهو يتحرَّك بهذا المستوى، ولا يعطي اعتباراً لأحد.
مشكلــة العــرب: أنهم لم ينظروا إلى العدو الإسرائيلي ليعرفوه كيف هو، وماذا يفكر به، وماذا يخطط له، وماذا يريد، يتعاملون مع الأحداث كأحداث جزئية، دون حتى السياق الذي وردت فيه، ولا ينظرون إلى العدو هو، من هو هذا العدو:
لا من خلال القرآن الكريم، مع أنَّ الله قد كشفه في القرآن الكريم، في الحديث الواسع جداً عن اليهود، عن عدائهم لهذه الأُمَّة، عن مخططاتهم، عمَّا يريدونه بهذه الأُمَّة، عن خطورة التفريط في المسؤولية الدينية والإيمانية في التصدِّي لشرِّهم، وإجرامهم، وفسادهم، وظلمهم، وطغيانهم، وما يمكن أن يترتب على ذلك.
ولا من خلال الأحداث نفسها.
ولا من خلال القراءة لواقع العدو: ما هو مخططه؟ ما هي ثقافته؟ كيف هي مناهجه التعليمية؟ ماذا يربِّي عليه أجياله…
ولا من أي اعتبار أبداً.
يتجاهلون كل شيء، ويتعاملون مع الأحداث بنظرة محدودة، ثم دائماً يؤكِّدون في بياناتهم، التي هي الشيء الوحيد الذي يصدر عنهم رسمياً، فيما يتعلق بمعظم الأنظمة، بيانات، فيها تأكيد على تمسُّكهم- حسب ما يقولون- بخيار السلام، وخيارات التسوية، وخيارات المبادرة العربية، التي رُفِضَت أساساً، بالرغم من كل ما قدمته من تنازلات، رُفِضَت من يومها الأول، ولم يقبل بها العدو الإسرائيلي أصلاً.
العدو الإسرائيلي هو يستبيح هذه الأُمَّة، يستبيح الشعوب الأخرى، يعتبرها مباحةً لهم، وفي نفس الوقت مع ذلك يحمل عداءً شديداً لهذه الأُمَّة، التي يعتبرها مباحةً له، مباحةً في الإبادة والقتل، يستبيح قتل الأطفال، والكبار والصغار، والنساء والرجال… والكل، وفي نفس الوقت يحمل حقداً شديداً، عداءً شديداً، بيَّن الله مستوى حقدهم، عندما قال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]، عندما قال عنهم كذلك: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119]، أي عدوٍ لك، أي خصم لك، يَعُضّ أنامله عليك من الغيظ، في خلواته وجلساته السِّرِّيَّة، وهو يتآمر عليك؟! هم إلى هذا الحد من مستوى الحقد الشديد مع الاستباحة التامة.
{لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران:75]؛ ولـذلك هم ينظرون نظرة احتقار، هم لا يعتبرون هذه الأُمَّة لا رجالها، ولا نساءها، ولا قادتها، ولا حكوماتها، ولا مثقفيها، لا يعتبرونهم بشراً حقيقيين؛ وإنما أشباه بشر، وأشكال بشر، وإلَّا فهم يعتبرونهم ويصنِّفونهم في تصنيفاتهم ببقية الحيوانات، ولا يحترمونهم حتى كالحيوانات الأخرى.
لديهم نصوص فيما حرَّفوه من الكتب، التي يسمُّونها بـ[كتب العهد القديم]، ولديهم [التلمود] أيضاً، الذي هو مليءٌ أيضاً بالشحن، الذي هو شحن قائم على الازدراء للآخرين، الاحتقار لإنسانية الآخرين، وعدم الاعتراف بها أصلاً، وكذلك التحريض للآخرين، حتى من يواليهم، الله قال: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:119]، هم في نظرتهم إلى من يواليهم، ماذا يقولون؟ لديهم هذه النظرة، التي تعبِّر عن: أنَّ هؤلاء ليسوا بشراً؛ إنما حيوانات تُستغل.
في [التلمود] نفسه عبارة: [الأمميون هم الحمير، الذين خلقهم الله ليركبهم اليهود، وكل ما نَفِقَ منهم حمار، ركبنا حماراً آخر]، هذا نص من نصوصهم، كم معهم من النصوص التي كلها احتقار وازدراء، ونصوص أخرى استباحة صريحة، هذا ينطبق على من؟! على من يواليهم، هم يعتبرون من يواليهم أنه مجرَّد حمار، يركبونه، يستغلونه، حتى ينفق، يعني: يهلك، يموت، يستغلونه أسوأ حالات الاستغلال، ويمكن أن يقضوا عليه هم، في أي مرحلة يرون أن ذلك يُمَثِّل مصلحةً لهم، ثم يبحثوا عن حمار آخر، هم بهذه النظرة من الازدراء حتى تجاه الذين يوالونهم.
أمام هذا الطغيان، والإجرام، والتَّعَنُّت، والوحشية، والمشاهد المأساوية الرهيبة، التي تأتي يومياً في فلسطين: في قطاع غَزَّة، في الضِّفَّة… في سائر أنحاء فلسطين، في غَزَّة بشكل كبير جداً، مأساة رهيبة، إبادة جماعية، تجويع شديد جداً، ومعاناة لا مثيل لها، هناك مسؤولية على الجميع في التَّحَرُّك الجاد، في التَّحَرُّك الفاعل، ويجب- فعلاً- التذكير بهذه المسؤولية، التذكير بهذه المسؤولية بشكلٍ يومي، بشكلٍ مستمر، بشكلٍ مكثف.
هناك مسؤولية على المستوى العالمي، مسؤولية إنسانية، بدأت بعض المظاهرات تخرج في بعض الدول، لابدَّ من تكثيف المظاهرات، لابدَّ من تكثيف النشاط الإعلامي، والأنشطة المتنوعة، حتى على مستوى النشاط الجامعي، وإن كان هناك سعي في الغرب من جهة الأنظمة لمنع الأنشطة الشعبية، والأنشطة الجامعية، لكن لابدَّ أن يكون هناك نشاط كبير.
في هذا السياق، نأمل من الجاليات اليمنية، وبقية الجاليات العربية والإسلامية، وكذلك العرب والمسلمون، الذين هم مقيمون في الدول الغربية، أن يتحرَّكوا، وأن يستنهضوا كل من بقي له ضميرٌ إنساني؛ ليتحرَّك معهم، هذه قضية إنسانية، يجب أن يكون الصوت الإنساني العالمي حاضراً لمساندة الشعب الفلسطيني بشكلٍ مكثف، بمستوى حجم هذه المأساة، والمعاناة، والمظلومية الكبيرة.
هناك مسؤولية كبيرة على المسلمين جميعاً، والعرب في المقدِّمة، في أن يتحرَّكوا بِجِدِّيَّة، باهتمامٍ كبير، التفريط في هذه المسؤولية له عواقب خطيرة عليهم، هذا بحد ذاته يُشَجِّع العدو عليهم، يرى فيهم أُمَّةً ميتة، أُمَّةً مستسلمة، أُمَّةً أفلست من قيمها الإنسانية، وقيمها الأخلاقية، وفي نفس الوقت لم تعد تأبه حتى بأمنها القومي، ولا بمصالحها الحقيقية، تفرِّط في كلِّ شيء، ولم يبق لديها اهتمام لا من منطلق الحفاظ على دين، ولا دنيا؛ ولا دنيا، ولا آخرة، يرى فيها أُمَّة تخلَّت عن كل شيء.
ولـذلك ينبغي أن يكون هناك تذكير، وأن يسهم في عملية التذكير بهذه المسؤولية، كل من بقي لديه إحساس بإيمان، بدين، بإنسانية، بأخلاق، بقيم، بهوية وانتماء، أن يحاول أن يذكِّر بهذه المسؤولية، وأن يكون هناك استنهاض مستمر، مع الحالة اليومية من الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والمأساة المتكررة، والمأساة التي قد بلغت إلى مستوى رهيب جداً، لا يجوز أبداً التعامل معها بملل، ولا التعامل معها بفتور، ولا بتجاهل، يجب أن يكون هناك استنهاض على كل المستويات، وتجاه التَّحَرُّك الشامل:
التَّحَرُّك الإعلامي، وبوسع كثيرٍ من أبناء الأُمَّة أن يفعلوا ذلك، وفي الوسط الإعلامي نفسه، هناك مجال واسع للتحرُّك لخدمة هذه القضية، هذه المظلومية.
وعلى المستوى الثقافي والفكري.
وعلى مستوى الخطاب الديني والمساجد… وعلى كل المستويات.
في تفعيل المقاطعة على نطاقٍ واسع، ولاسيَّما في الشعوب التي لديها إقبال على المشتروات الأمريكية، على البضائع والمنتجات الأمريكية والإسرائيلية، يجب أن يكون هناك نشاط كبير للمقاطعة… على كل المستويات.
الدعم بالمظاهرات، بالخروج الشعبي، في كل الدول التي يمكن أن يتهيأ فيها ذلك.
فيمــا يتعلـق ببلدنـــا: جبهة الإسناد اليمنية تحرَّكت- كما قلنا- منذ البداية، ولم نتوانَ- بفضل الله وتوفيقه- عن هذا التَّحَرُّك، الذي هو مسؤولية دينية، وإنسانية، وأخلاقية:
شعبنا العزيز خرج أيضاً خروجاً مليونياً عظيماً في شهر رمضان المبارك، في (ذكرى غزوة بدرٍ الكبرى)، وفي (يوم القدس العالمي).
الأنشطة التثقيفية، وكذلك أنشطة التعبئة: هي مستمرة، وإن شاء الله ما بعد شهر رمضان ومن الآن تتصاعد كل الأنشطة؛ لتكون في مستوى عالٍ جداً.
فيما يتعلَّق بالإسناد العسكري: العمليات مستمرة، سواءً فيما كان منها عمليات بالقصف الصاروخي، وبالمسيَّرات، إلى فلسطين المحتلة ضد العدو الإسرائيلي، أو في منع الملاحة الإسرائيلية في (البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر العربي).
المسارات العسكرية مسارات قوية، وفعَّالة، وبحمد الله تعالى هناك نجاح تام في منع الملاحة الإسرائيلية، يعني: العدو الإسرائيلي توقَّف تماماً، وصل إلى يأس في أنَّ بإمكانه الملاحة عبر البحر الأحمر، ميناء [إيلات] لا يزال مهجوراً، ولم يعد بإمكانية العدو الإسرائيلي أن يستفيد منه، وهذا نصرٌ عظيم.
لفاعلية الموقف اليمني، ولأنه بهذا المستوى المتكامل: عسكرياً، وشعبياً، وبكل المستويات، ورسمياً… وفي كل المجالات، لفاعلية هذا الموقف، يحاول العدو الأمريكي أن يضغط بكل ما يستطيع؛ للتأثير على مستوى هذا الموقف؛ ولـذلك شنَّ عدوانه وتصعيده في جولة جديدة من العدوان على بلدنا، ويحاول أن يُكَثِّف في عدوانه، وأن يضغط باستهداف الأعيان المدنية.
الأمريكي بالرغم من كل ما قد نفَّذه خلال هذه الفترة، منذ أن استأنف جولته، التي هي جزءٌ من المعركة التي ينفِّذها العدو الإسرائيلي، يعني: الأمريكي والإسرائيلي هما في معركةٍ واحدة: تستهدف الشعب الفلسطيني، تستهدف لبنان، تستهدف سوريا، تستهدف هذه الأُمَّة، وتستهدف بلدنا أيضاً، فالأمريكي هو في نفس المعركة، عمله هو شراكةٌ مع العدو الإسرائيلي، حمايةٌ للعدو الإسرائيلي، إسنادٌ للعدو الإسرائيلي، هو حاول أن يوفِّر الحماية للعدو الإسرائيلي، وأن يمنع عنه هذه العمليات العسكرية التي تأتي من اليمن، والتي هي عمليات مؤثِّرة، العدوان الأمريكي، والتصعيد الأمريكي شاهدٌ على فاعلية الموقف اليمني، ومدى تأثيره على العدو الإسرائيلي؛ لأن له:
تأثير اقتصادي.
تأثير على المستوى الأمني.
وتأثير على المستوى العسكري.
وتأثير على المستوى الاستراتيجي.
وهذه الحالة حالة مقلقة جداً للأعداء، فالأمريكي بالرغم من كل تصعيده؛ فشل في أن يؤمِّن من جديد الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، فشل في ذلك، لم ينجح أبداً، لم يتمكن ولن يتمكن- بإذن الله تعالى- من إضعاف القدرات العسكرية، بل يقيناً، وقطعاً، ونطمئن شعبنا العزيز، ونطمئن كل الأحرار من أبناء أُمَّتنا وفي العالم، أنَّه يسهم في تطويرها أكثر فأكثر، والمسار تصاعديٌ في ذلك، وتشهد الأحداث نفسها، والعمليات المستمرة على مدى خمسة عشر شهراً في (معركة طوفان الأقصى)، أنَّ المسار تصاعدي؛ ولـذلك جبهة الإسناد اليمنية، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، هي جبهة فاعلة، بقيت فاعلة، وتبقى فاعلة ومؤثِّرة بشكلٍ تصاعدي بإذن الله تعالى.
الأمريكي لا هو تمكَّن من تأمين الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، وإعادة تشغيل [إيلات]، أو ميناء أم الرشراش، بالشكل الذي يؤمِّله ويريده العدو الإسرائيلي، كما كان قبل (عملية طوفان الأقصى)، ولا هو أيضاً تمكَّن من إيقاف العمليات الصاروخية، والمسيَّرات إلى فلسطين المحتلة، ولن يتمكن من ذلك بإذن الله تعالى، وفي نفس الوقت لن يُضعِف القدرات العسكرية، بل يسهم في تطويرها أكثر، ولن يُضعِف الوضع العسكري في هذا البلد؛ لأنه وضعٌ متين، يستند إلى أسس إيمانية، وإلى جذور عميقة جداً، جذور شعبية واسعة جداً، وهناك- بحمد الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- التفاف شعبي كبير جداً حول هذا الموقف، هذا موقف يعبِّر عن إرادة شعبنا اليمني، لم يُفرض على هذا الشعب، لم يُجبر هذا الشعب على هذا الموقف؛ بل شعبنا العزيز هو- بنفسه- يتطلَّع إلى مواقف أكثر فاعلية ضد العدو الإسرائيلي، وحتى ضد العدو الأمريكي، هو شعبٌ ينطلق من منطلق هويته الإيمانية، وانتمائه الإيماني.
العدوان الأمريكي، والتصعيد الأمريكي- في نفس الوقت- لن يؤثر أبداً على إرادة هذا الشعب، على معنوياته الإيمانية العالية، على توجهه الجهادي القرآني الواعي، الثابت، الذي لا يتزحزح بفعل العدوان والتصعيد.
التصعيد الأمريكي هو يكشف حقد العدو الأمريكي وفشله معاً؛ لأنه اتَّجه إلى استهداف الأعيان المدنية:
يستهدف خزانات المياه، ماذا يعني استهدافه لخزانات المياه (مياه الشرب)؟ كما فعل في الحديدة في الصليف، وفي صعدة… وفي مناطق أخرى، حتى في جزيرة كمران، استهدف فيها خزانات مياه التحلية، وكذلك المعدِّات التي يعتمد عليها، منها: المولدات الكهربائية، التي تستخدم لتحلية المياه، استهدفها الأمريكي، ماذا يعني ذلك؟
استهدف المرافق الصحية.
يستهدف مرافق خدمية أخرى.
يستهدف الأطفال والنساء، باستهدافه للمنازل في الأحياء السكنية، كما فعل في الحديدة مؤخَّراً، وكما فعل في صنعاء، وكما فعل في عِدَّة محافظات.
ماذا يعني ذلك؟ يعني: أنه فاشل، فلأنه فشل في إضعاف القدرات العسكرية، وهو يعترف- عن طريق مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية وفي غيرها- يعترف بفشله في إضعاف القدرات العسكرية، يعترف بفشله في منع العمليات العسكرية، يعترف بفشله في تأمين الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، والواقع مع الاعترافات يشهد بذلك، الواقع الفعلي والعمليات بنفسها تدل على فشله.
يستخدم في تصعيده قاذفات القنابل، التي تأتي من قاعدة في المحيط الهندي، ويكثِّف من هذا التصعيد، ولكنه مع كل ذلك فاشل، وسيبقى فاشلاً؛ لأنه في موقف البغي، والظلم، والطغيان، والإجرام، وهو يريد أن يفرض على هذه الأُمَّة معادلة الاستباحة، ولن ينجح في ذلك مع شعبنا العزيز، لماذا؟ لأن شعبنا ينطلق من منطلق إيماني؛ ولـذلك روحيته المعنوية عالية جداً، وثباته على موقفه لن يتزحزح أبداً.
يمكن للأمريكي أن يحطِّم بقاذفات القنابل منزلاً، ويرتكب جريمةً لقتل من فيه من الأطفال والنساء، ولكنه بذلك لا يتمكن أبداً من تحطيم الروح المعنوية لشعبنا العزيز؛ لأنها مستمدةٌ من إيمانه بالله، من يقينه وثقته وتوكله على الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، مستمدةٌ من السكينة، التي يمنحها الله لعباده المؤمنين، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}[الفتح:4].
شعبنا العزيز لن يتأثَّر لا بالإرجاف والتهويل، مهما حاولت الأبواق الإعلامية، التي ينفخ فيها الشيطان، ينفخ فيها الأمريكي والإسرائيلي، في محاولة للإرجاف والتهويل، شعبنا العزيز بمنطلقه الإيماني، هو على مستوى عالٍ من الوعي، والبصيرة، واليقين، والثقة بالله تعالى، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173]، النتيجة هي هذه: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}، زادهم إيماناً بكل ما تعنيه الكلمة؛ لأن العدو أثبت- فعلاً- أثبت بشكلٍ واضح مدى فاعلية هذا الموقف الذي تحرَّك فيه شعبنا العزيز، أنَّه موقفٌ فعَّال، موقفٌ عظيم، موقفٌ مؤثِّر بكل ما تعنيه الكلمة؛ ولـذلك لم يتحمله العدو، لم يطقه، ويحاول أن يوقفه، يحاول أن يتخلَّص من هذه الجبهة؛ لأنها جبهة فاعلة، جبهة قوية، جبهة مؤثِّرة، فهو يسعى للخلاص منها، ومع ذلك يفشل، شعبنا العزيز يزداد يقيناً بأهمية هذا الموقف، وأنَّه الموقف الحق، في مقابل ذلك الباطل، الباطل بكل أشكاله.
العدو الإسرائيلي، والعدو الأمريكي، في عدوانهما، وطغيانهما، وإجرامهما، ووحشيتهما، وما يسعيان له: من احتلال، من مصادرة للحقوق، من تدمير لهذه الشعوب، من احتلالٍ لأوطانها، ونهبٍ لثرواتها، وطمسٍ لمعالم دينها، وسيطرةٍ على مقدَّساتها، وتدمير لمقدَّساتها… وسائر بقية الأهداف؛ هما في موقف البغي، والظلم، والباطل، والشر، والفساد، والإجرام؛ هو عقيدة، وخطة، ومنهج، وسياسة، وفكر، وثقافة بالنسبة لهم؛ وهو ممارسة عملية، فهم باطل الباطل؛ وشعبنا في موقف الحق، يفتخر ويتشرَّف بأنَّه في الموقف الحق بكل الاعتبارات: الحق الإنساني، الحق الديني، الحق بمعيار القيم والأخلاق، بمعيار حتى القوانين والمواثيق والأعراف… بكل الاعتبارات، على حقٍّ واضحٍ صريح؛ ولـذلك هو يتشرَّف بأنه في هذا الموقف، الذي يواجه فيه ذلك الباطل، وذلك الشر، وذلك الطغيان، وذلك الإجرام، وذلك الكفر، وتلك الجبهة الشيطانية، التي تتجلَّى فيها كل أحقاد الشيطان، ومساعيه ضد الإنسانية: من إضلال، من إفساد، من إجرام، من ظلمٍ وعدوان.
فشعبنا العزيز هو في إطار موقفه الإيماني، وانتمائه الإيماني، وهو في ميدان المواجهة هذه لا يتأثر أبداً بما يمتلكه الأعداء، ولا بعروضهم، هو يحذو حذو أسلافه الأوائل، في خط الإسلام، ونهج الإسلام العظيم، النماذج الإيمانية الراقية في تاريخ المسلمين، من مثل من قال الله عنهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22]؛ فلـذلك لا من خلال الإرجاف والتهويل، ولا من خلال أن يعرض العدو ما يمتلكه من إمكانات، أو أن يتظاهر بإمكاناته وتحالفاته، كل هذا لن يؤثِّر على هذا الموقف؛ لأنه موقف يستند إلى الاعتماد على الله، والثقة بالله، والتوكل على الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهذه الإرادة الإيمانية، وهذا الوعي، وهذه الروح المعنوية الإيمانية، لا تنكسر أيضاً حتى بالتضحية في سبيل الله؛ لأن التضحية هي جزءٌ من الجهاد، عندما نجاهد في سبيل الله نحن نقدِّم الشهداء، وهذا في كل تاريخ الأنبياء، وفي صدر الإسلام، كانت دائماً تقدَّم الشهداء في كل مسيرة الحق والجهاد في سبيل الله، ولكن {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:146].
من ميزة الموقف الإيماني: أنَّه قويٌ، صُلبٌ، فولاذيٌ؛ في الإرادة، والثبات، ومستوى الصبر، في مواجهة أعتى التحديات، وأشد المواجهات، وأكبر المواقف، ليس موقفاً هشاً، يتزعزع أمام أي عاصفة، أو أمام أي تحدٍ، أو أمام أي عدو، هو موقفٌ ثابت؛ لأنه يستند إلى الحق، إلى الوعي، إلى البصيرة، إلى الإيمان، الإيمان بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويستند إلى البصيرة في نفس الوقت، يستند إلى البصيرة، البصيرة تجاه ضرورة هذا الموقف، ما هي الخيارات الأخرى؟ ما هي الاتجاهات التي تمثِّل بديلاً عن هذا الاتِّجاه الجهادي، القرآني، الإيماني، الذي هو سبب للرعاية الإلهية، الذي هو سيرٌ في الاتِّجاه الذي وعد الله فيه بأن يكون مع من يتحرَّك فيه؟ البدائل الأخرى هي:
خيارات استسلام، وخيارات خضوع.
أو خيارات ولاء، خيارات من تلك الخيارات التي تحقق لليهود ما يقولونه، عن أنَّ الآخرين [خلقوا حميراً بأشكال بشر ليركبوهم، كلما نفق حمار، ركبوا حماراً آخر].
ليست هذه الخيارات واردة أبداً عند شعبنا العزيز، لا يمكن أن تكون مقبولةً عند أحرار هذا الشعب، الذين انطلقوا بانطلاقة الإيمان، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8].
إذا كان هناك من أبناء الأُمَّة، من بعض حُكَّام الأنظمة، وبعض العملاء، وبعض القوى التي قد ترتضي لنفسها خياراً كهذا: أن تحقق لليهود خيار الاستحمار؛ فنحن في اليمن، في يمن الإيمان، الذي قال عنه رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، لدينا خيار أن نكون أسوداً في مواجهة أولئك الأعداء، أسوداً وليس حميراً كخيار الآخرين، الذين يقبلون بخيار الاستحمار، أن نتحرَّك كمجاهدين في سبيل الله، نحظى برعايةٍ من الله، في إطار وعده الصادق الذي لا يتخلف أبداً: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]، أن نتحرَّك بِعِزَّة وشرف.
وحينما نقدِّم التضحيات، ونحن في إطار الموقف الذي ارتضاه الله لنا، والذي هو في ميدان عِزَّة وشرف، وموقفٌ نفتخر به، ونعتز به؛ فهي تضحيات في محلِّها، تضحيات مثمرة، ليست كحال من قد يرتضون لأنفسهم خيار الاستباحة: أن يُضربوا ولا يَضرِبون، أن يُقتَلوا ولا يَقتُلون، أن يُدَمَّروا ولا يجيبون، كمثل ما يحصل فعلاً، يعني: ما يحصل في سوريا هو قبول بمعادلة الاستباحة، أن يقتلهم العدو الإسرائيلي دون أي ردة فعل، أن يدمِّر دون أي ردة فعل؛ هنا الخيار مختلف، الخيار قرآني، إيماني، إنساني، خيار الشرف، خيار الإيمان، خيار الرجولة والثبات.
نحن نستند إلى بصيرة القرآن، التي يشهد لها الواقع، ونثق بالله تعالى في هدايته، كما نثق به في وعده، نثق به في وعده بالنصر، حينما نتحرَّك وفق ما هدانا إليه، وفق ما أمرنا به؛ لم يأمرنا بالسكوت، لم يأمرنا بالاستسلام؛ أمرنا بالجهاد، بالقتال في سبيله، بالتَّحَرُّك في سبيله، فنحن نتحرَّك وفق هدايته، بثقةٍ بأن ما هدانا إليه هو الخيار الصحيح، والقرار الصحيح، والاتِّجاه الصحيح، وفي نفس الوقت وثقنا بوعده؛ لأنه وَعَد حينما نتحرَّك على أساس هدايته أن ينصرنا: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:47]، هو ضمن النصر حينما نتحرَّك على أساس الاستجابة له.
ووعود الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» ليست كالمعلبات التي لها تاريخ انتهاء، مؤقتةً بعصر صدر الإسلام، هي وعود سارية المفعول في كل زمانٍ ومكان، ليس لها تاريخ انتهاء، انتهت صلاحيتها في السنة الثانية عشر من الهجرة، أو السنة الخامسة عشر من الهجرة، أو الحادية عشر من الهجرة، أو في القرن الأول، أو القرن الثاني الهجري، أو في قرنٍ من القرون الماضية، وعود الله سارية المفعول في كل زمانٍ ومكان.
وفي مقابل الشر الأمريكي والإسرائيلي، وذلك الطغيان، وذلك الإجرام، وذلك الفساد، وذلك الظلم، جبهة ضلال، كفر، شر، جرائم، مفاسد لا مثيل لها، من يتحرَّك في مواجهة كل ذلك، استجابةً لله، إيماناً بالله، ثقةً بالله، توكلاً على الله، وفق توجيهات الله وتعليماته؛ فليطمئن، ليتحرَّك بثقة، ليتحرَّك باطمئنان، هو الاتِّجاه الصحيح الذي يفيد ويجدي، للدنيا والآخرة، وبكل الحسابات والاعتبارات، البديل عن ذلك هو: القبول بمعادلة الاستباحة.
السياسات الأمريكية هي في حالة تخبُّط، كما أشرنا، وكما هو الحال السائد عالمياً الآن، ماذا يفعل [ترامب] الأحمق؟ حرب تجارية مفتوحة، حرب تجارية ضد أكثر من ستين دولة، في مقدِّمتها: البلدان المتحالفة مع أمريكا، المتعاونة مع أمريكا:
حرب تجارية شملت الأوروبيين، وأدخلتهم في إشكالية كبيرة في وضعهم الاقتصادي والمعيشي.
وحرب تجارية مع الصين، حرب ساخنة جداً، هي الأشد مع أي طرف آخر، هي مع الصين بمستوى أكبر من أيِّ طرفٍ آخر، وستستمر مع الصين إلى مستوى مُعَيَّن، وصل الحال أنَّ الرسوم في التعرفة الجمركية ضد الصين بلغت 125%، يعني: مضاعفة بشكل كبير جداً.
اليابان نفسها، التي كانت على علاقة كبيرة بالأمريكي، دخلت أيضاً في إشكالية كبيرة، ولا زالت مستمرةً فيما يتعلق بموضوع السيارات وغيرها.
يعني: حرب تجارية مفتوحة، وأحياناً يُعَلِّق، وأحياناً ينفِّذ، وأحياناً… قرارات مضطربة؛ أثَّرت حتى على الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير، وأدخلته في حالة من عدم الاستقرار وعدم الاطمئنان، حالة اهتزاز واضطراب وتقلُّب، يقولون في أمريكا- شخصيات سياسية، ومسؤولون أمريكيون- يقولون: [أنه القرار الأغبى في تاريخ أمريكا].
أنت أمام هذه العقلية، أمام هذا الوضع في أمريكا، يعني: جهة لا ينبغي أن يتَّجه العالم للتماهي معها وفق توجّهاتها، هي تتَّجه بسياسة: الابتزاز، الاستغلال، الضغوط، الاحتلال، المصادرة لحقوق الآخرين، الضغط على الوضع العالمي بكله، هي سياسات رعناء، وحمقاء، ارتجالية، مزاجية، مضطربة، ناشئة عن حالة الأطماع الهائلة، وهناك مشاكل في نفس الوقت، في الوضع الأمريكي مشاكل عميقة جداً، لا يمكن حلها بمثل هذه التصرفات، التي هي ابتزاز.
هذا هو درسٌ للعرب، درسٌ مهمٌ للعرب؛ لأن ما حصل حتى للأوروبيين وغيرهم، وستستمر هذه الإشكالية، والوضع المضطرب في الموضوع الاقتصادي والتجاري، مع حتى من لهم صلة بأمريكا أكثر أهمية للأمريكيين من العرب، النظرة إلى العرب هي نظرة احتقار، ازدراء، استغلال… وغير ذلك.
مع كل حال لا ينبغي أن يطغى الانشغال بالحرب التجارية على الاهتمام بالقضية الفلسطينية، بل ينبغي أن تكون حافزاً للاهتمام بها؛ ولـذلك ينبغي تكثيف النشاط في كل الاتِّجاهات عالمياً.
في بلدنا- إن شاء الله- تستأنف كل الأنشطة؛ لتكون في مستوى عالٍ جداً، ومنها: الخروج المليوني الأسبوعي لشعبنا العزيز، هذا هو من أهم الأنشطة الشعبية في دعم القضية الفلسطينية، ولأن الخروج المليوني في اليمن أسبوعياً، على مدى خمسة عشر شهراً، لا مثيل له في أي بلدٍ في العالم، وخروج عظيم، يقدِّم دعماً مهماً لهذه القضية والمظلومية، ويقدِّم صوتاً شعبياً كبيراً بارزاً لا مثيل له في أي بلدٍ آخر في العالم، ونموذج ملهم، مشجِّع، محفِّز، وصوت كبير، وحضور مهم جداً.
ولـذلك نأمل أن يستأنف شعبنا العزيز هذا الحضور في هذا الأسبوع إن شاء الله، وأن يواصل هذا الحضور الواسع جداً، وهو في هذه المرحلة، في مواجهة التصعيد الأمريكي المساند للعدو الإسرائيلي، له أهمية كبيرة جداً، ويترتب عليه- إن شاء الله- نتائج مهمة ومؤثِّرة، وهو جهادٌ في سبيل الله، هذا الحضور المليوني الأسبوعي هو جهادٌ في سبيل الله تعالى، هو- في نفس الوقت- له تأثير كبير، أهمية كبيرة جداً؛ ولـذلك ينبغي الحضور بشكلٍ واسع، وأن يدرك الجميع أهمية ذلك، وفي هذه المرحلة بالذات، لهذا أهمية كبيرة جداً في التعبير عن الثبات على الموقف، جزء مهم من الموقف، وفي هذه المرحلة له أهمية قصوى.
ولـذلك أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني غداً إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات، وأن يهتفوا من جديد للشعب الفلسطيني، وهو في تلك المأساة، وتلك العزلة، وتلك المعاناة: ((لستم وحدكم، الله معكم، ونحن نخوض هذه المعركة بكل ثبات إلى جانبكم، ونحن في مواجهة العدوان الأمريكي في نفس المعركة، وفي نفس الموقف)).
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُعَجِّلَ بِالنَّصْرِ وَالفَرَجِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم، وَلِمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.
وَنَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛