#ورقه_الأصفر في #شهر_أيلول
د. #جودت_سرسك
عاد فصل الخريف كعادته في كلّ عام، وبدأ الغبار بالتراقص وصوت حفيف الورق الأصفر بالهبوب بلا اتجاه، يدور ويدور.
بدأ الفلاحون يستعدون لقطف ثمر الزيتون وبدأ العمّانيون وأهل المحافظات القادمون من الجنوب والشمال تفوح من جنباتهم نكهة الشتاء.
مقالات ذات صلة العالم العربي والخرائط الجديدة.2024/10/03
حتماً سيكون شتاء بارداً قارصاُ ولن يجدي معه خشب البلوط والزيتون و الجفت البلدي و جالونات الكاز أو فروات العرب الصوفية.
سنظل نحلم بمساحات الثلج البيضاء ولمتنا حول المدفئة وصوت انفجار الكستناء المكتنز وفوح عبير القرفة تغلف حبات البطاطا الحلوى.
لكنه لن يكون شتاء دافئا وأطفال غزة الصامدون تظللهم خيام ممزقة وتغطي أجسامهم خرق بالية يتصدق بها عليهم جمعيات ومنظمات دولية حين ضيّقت دولُ الجوار عليهم عونَ إخوتِهم. كم سيكون شتاؤنا باردا وركام البيوت في الضاحية الجنوبية مايزال يفوح دماً وما يزال البكاء والعويل على أطفالهم وعلى سيّدهم الذي صوّب سبابتَه في وجهِ هولاكو العصر وصرخ مدوّيا: لن نكفّ حتى تكفوا عن غزة.
في هذا الشتاء لن نتزاحم على محطات الكاز ولن نقف طوابيرَ خجلا من طوابير الجنائز والشهداء في غزة ولبنان، لن نجتمع على تلفزيون المملكة ولن نرقب مواعيد الثلجات القارصة على نشرات التلفزيون الأردني ولن تشدنا المذيعة الشابة نجود القاسم ولو أعلنت كلَّ أيام السنةِ عطلاً رسمية.
لن نصغي أسماعنا في هذا الشتاء لبرامج قناة اليرموك ولا لحلقات مين سفّك ياوطن، فقد اعتُقل مقدّمها وصانعها على خلفية التطاول على القانون وتهمة التحريض على الدولة، وتشير مصادر موثوقة أنه تابع وممّوَل من بريطانيا العظمى ولا أحطّ في ذمتي.
لا يميز معدّ البرامج بين النبر والشدّ والتنغيم، فهو لا يدرك أنّ كلمة مَنْسف ليست مثل مين سفّ؟ ولا يميز بين فسَقتْ وفسَقتْ بين السقاية والفسوق، وأظنه قد عُيّن بالواسطة والمحسوبية خاصة أنّ السفارة البريطانية كانت تخصّه بدعاوى الطعام وولائم المناسبات العامة.
لا أظنه سيكون شتاء دافئا بل خاليا من ثرثرات النسوة والجارات وأفراد العائلة ومناوشاتهم في كل مساء على من يحظى بالقرب من المدفأة أو التحكم بالروموت أو الحصول على دثار أسمك.
وقد يجانبني الصواب وتعود الأحاديث للمجالس واجتماعات الخلّان وثرثرات الجيران لو قرّر صانع القرار خفض أسعار السّيارات أو صرف معونة شهرية لمتضرري الصواريخ الإيرانية في الأطراف والصحارى أو سرت شائعة بتأجيل القروض البنكية لحين شهر أو اثنين.
لقد كان قرارا حكيما حين قررت السلطات إغلاق المحطة التلفزيونية التي كان شعارها (معلش) على لسان المعتقل أحمد حسن الزعبي والذي يدلّ على أجندة خارجية وقد سبقه مقدم آخر جرشي المنشأ نيابيّ المقام، سبقه في الصراخ والتحريض إلا أنه أعلن عن جهة ولائه صراحة فكافأته الدولة وجعلته وزيرا.
كان الزعبي يتقن رصّ الكلمات والتمثيل وقد أحاط نفسه برموز وطنية كالمهباش والرسن والنسيج اليدوي والتطريز وبابور الكاز العتيق حتى يعمي على أنظار المشاهدين ولا يبين ولاءه للسفارة.
كان يبالغ ويدّعي ولا يصدُق في كثير ممّا يقول غير أنه كان يصدق وتصِل كلماتُه للقلوب حين يتحدث عن كرمة العلي رحمها الله وعن أمّه الثانية الوطن.
كانت كرمة العلي أيقونة الحب تجمع كلّ أبنائها في الشتاء القارس وتغطيهم ليلا حين يتكشفون، تقُصّ عليهم الحكايا إذا داهمهم الليل، توقظهم فجرا تسبق تسابيحُها صوت الديك وزقزقة عصافير الصباح. تعدّ لهم خبزا مغمساً بالزيت وفطير الجبن المخبوز على الحجر وهي تترنم بأغاني الطيبين: خاتم حبيبي وقع بالبير لُه رنّة واللي سمع رنّته مرهونة لُه الجنّة
تتسابق وقت الشتاء الهادر حين الظهيرة تمسح خصلات شعر حسنى وطرفة وتذود الماء المنهمر عما تبقى من مراييلهن الخضراء وكتبهن المتهالكة.
كانت كرمة العلي تذكر زوجها الذي رحل مبكراً وتُحدّث أولادَها عن مآثره وتذرف دمعَ الانكسار على خفاءٍ دون أن تُشعرهم، كانت تواري تجاعيد يديها التي أنهكها الغسيل والسعي على رزق أبنائها بمسح من زيت الزيتون الرومي كعينيها.
يتوارى بين القضبان من فعلته، فلا دفء يؤويه ولا طفل يحتضنه عند رجوعه من عمّان إلى الرمثا وقد ادلهمّت السماء بالغيوم وتوقف على جنبات الطريق ليشتري لأطفاله عرانيس الذرة أو سحّارات البرتقال أبي صرّة.
يتأمل في زنزانته ما تبقى له من ذكريات في حوش بيته المتواضع ونبت الفول في الحاكورة وفرقعة البوشار ونكهة السحلب الدافيء وهو يملي على ابنه واجبه المدرسيّ: الغراب والجرّة.
لا شتاء دافئا يا ابن الرمثا في كل الوطن ولا طعم للمواقد وحكايا المساء ولا فرح، فسماءُ الوطنِ كلّه تتوشح بالسواد على شهيدها ابن الجازي بعيداً عن الرمثا وقريبا من فلسطين.
بماذا أحدثك ياابن كرمة العلي رحمها الله؟ هل أحدثك عن سجننا الكبير؟ وهل أحدثك عن خوفنا من هولاكو العصر الحديث؟ أم عن سيارات البنزين والكهرباء وتخبّط السياسات المحلية؟، ولا أنسى أن أزف لك بشرى الحكومة الجديدة الواعدة حكومة جعفر بن حسّان وأول قراراته وزياراته.
نم هانئا ولا تحلم إلا بالصباح، فقد سُجن مِن قبلَ يوسفُ بضع سنوات. دعْ عنك الوطن وخذلان السفارة، فكلّ شيء من حولك ينتظر سيد آخر الزمان فقد ضاق العيش وبات الحليم حيرانا. وداعا أيها السجين من أجل وطنه، وداعاً أحمد حسن الزعبي ولا عزاء لمن قيّدوك.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: شهر أيلول
إقرأ أيضاً:
أحمد موسى: الجماعات الإرهابية كانت مستعدة لهدم الدولة وقتــ.ل المصريين
قال الإعلامي أحمد موسى، إن الجماعات الإرهابية كانت مستعدة لهدم الدولة وقتل المصريين.
الأكبر في المنطقة.. أحمد موسى: الرئيس السيسي أكد اقتراب افتتاح ميناء السخنةوأضاف الإعلامي أحمد موسى، خلال تقديمه برنامج "على مسئوليتي"، المُذاع عبر فضائية " صدى البلد"،: "الجماعات الإرهابية لا تعرف الأمن والأمان والاستقرار".
وتابع: "الرئيس السيسي أكد إننا لن نتردد في حماية الشعب من الشر وأهله، وقال سنحافظ على أمن بلدنا وشعبنا وأمننا القومي"، متابعا: "مصر لديها قدرات كافية جدا ويجب تماسك الشعب خلف الدولة".
وأوضح أن المطلوب إسقاط الدولة وليس النظام، وما كان يحدث في 2011 يريدون تكراره، متابعا: "التركيز في الفترة المقبلة على الدولة المصرية وقواتها المسلحة بعد الانتهاء من سوريا وإسقاطها على يد الميليشيات الإرهابية".