الباحث نجاح بولس يكتب : واقعة تمثال العذراء بأسيوط تكشف عن تشوهات اجتماعية وفكرية داخل المكون القبطي
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
أندهش من هذا السجال الساخن حول تمثال السيدة العذراء المرفوع بكنيستها بدرنكة أسيوط، فما بين مؤيدً ومعارض تحولت ساحات مواقع التواصل إلى صراعات واتهامات بالهرطقة والتفريط، ويبدو أن الأمر يتعلق بتشوهات اجتماعية وفكرية داخل المكون القبطي دفعته لتديين كل مظاهر الحياة العامة، والبحث داخل النصوص قبل رفض أو تمرير أي من الظواهر الاجتماعية في تكوينه، وبالتأكيد فأن واقعة تمثال العذراء بأسيوط مثالاً كاشفاً لتلك التشوهات، فأبرز الأسباب التي إاطلقت منها أصوات المعارضة تتعلق بمشكلات يعاني منها المجتمع القبطي خاصاً والمصري بصفة عامة، سواء فيما يتعلق بدعم الفقراء أو ترتيب الأولويات أو التشدد في قراءة المشهد الديني.
التمثال أولاً وأخيراً عمل فني ومعلم سياحي وليس طقس ديني، ولا يوجد أي صلة بين المعالم السياحية التي قد تتحول مع الزمن إلى تراث إنساني، وبين الفقراء وطعامهم وملبسهم، والمعالم السياحية تعامل معاملة المؤسسات الثقافية كالمكتبات والمسارح وقصور الثقافة والسينما ، فهل هناك تعارض بين الفقر والثقافة والتعليم؟ وهل البطون أهم من العقول حتى لدى الفقراء أنفسهم؟؟ الحقيقة أن كليهما مهمان ، فحتى لو كان أغلب الشعب فقيراً فلا غنى عن الثقافة والتراث وتشكيل الوجدان.
ولو وجه الفراعنة موارد دولتهم لبطون الفقراء فقط لماتوا ومات الفقراء وتحللت بطونهم دون أن يتركوا هذا الإرث الحضاري العريق الذي حير علماء العالم، ولا كان هناك أهرامات ولا معابد ولا مسلات، والبرازيل تلك البلد الفقير لا يعلم عنها العالم سوى كرة القدم وتمثال المسيح العملاق، فهل ملئ البطون كان سيقدم للعالم صورة عن تلك البلد وذاك الشعب كما صدرتها معالمها السياحية وقوتها الرياضية الناعمة؟ لو نظرت الأمم لبطون شعوبها فقط ما وصلت البشرية إلى ما هي عليه الآن من حضارة وتقدم، والفنون هي الملهم الأول للحضارة الإنسانية، ومن قدم البطون على الفنون والثقافة لا زال قابع خلف أسوار التاريخ لم يرى النور بعد وقد لا يبصره أبدًا.
لا أعلم مدى جودة تمثال العذراء المرفوع بجبل أسيوط ولكن لو كان قد أحسن نحته وإخراجه، فقد يكون أحد المعالم السياحية البارزة في صعيد مصر، وقد يتحول مع الزمن إلى تراث حضاري يضاف إلى ما خلفه أجدادنا من تراث، وشاهداً أن شعباً عريقاً كان يسكن هذا المكان يوما مضى.
وللمعترضين على فكرة رفع التماثيل من الناحية العقائدية: فالعقيدة المسيحية متصالحة مع فكرة التجسيد بل فكرة التجسد هي الركيزة الأساسية التي قامت عليه، وأي إعتراضات تنطلق من أرضية دينية كالتشبه بالأصنام أو خلافها فهي هرتلات لا محل لها من التفكير المنهجي أو حتى الإدراك العاقل، وأندهش من الإستناد على وصية الله في سفر الخروج، فالوصية لم تقتصر فقط على التماثيل بل على الصور أيضاً: (لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما ... لا تسجد لهن ولا تعبدهن) إذاً فما يسري على التماثيل يجب أن ينسحب على الصور والأيقونات أيضاً، فما موقف هؤلاء من الأيقونات المدشنة داخل الكنائس والتي يجرى عليها بعض الطقوس المقدسة داخل الكنيسة، إذا كانوا معترضين على تماثيل ترفع خارج الكنائس كمعالم سياحية لا أكثر.
ولنعلم أن جزء كبير من تراث الكنيسة القبطية وخصوصاً المرتبط بالفنون والألحان والطقوس الدينية، مستمد من التراث المصري القديم والحضارة الفرعونية، فالأباء الأوائل صنعوا خليطاً مدهشاً مزجوا فيها العقيدة المسيحية القادمة من الشرق بالتراث والفنون والطقوس المصرية القديمة، فإستقبل المصريون المعتقد الجديد بكل إبتهاج كونه لم يزدري شئ من حضارتهم وتراثهم، وكان من أبرز ما نبغ فيه المصري القديم فن النحت وإقامة التماثيل والنقش على الحجر، وقد إستمد القبطي القديم من تراث أجداده تلك الفنون وإستخدمها في شعائره الدينية داخل الكنائس، فكيف إذاً نقبل جزء منها متعلقاً بالصور والأيقونات ونرفض ونعادي الجزء الآخر المرتبط بالتماثيل!!
bb7e4542-4014-4011-8e08-65541e429c77
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: درنكة أسيوط تشوهات
إقرأ أيضاً: