عملية “الوعد الصادق” الثانية: الانهيار الكبير لأمن “إسرائيل”
تاريخ النشر: 3rd, October 2024 GMT
متجاوزة كل طبقات الحماية التي يتمحور حولها أمنه، بدءً بالمنظومات الدفاعية الداخلية والخارجية، مروراً بالرقابة الإعلامية والتضليل الدعائي، ووصولاً إلى “سمعة” الأمان نفسها، لتبدو “إسرائيل” مكشوفة كما لم يشاهدها أحد من قبل، بما في ذلك المستوطنين الذين لم يكن تدمير غزة قد نجح في محو ما تركه يوم الطوفان من رعب وجودي في نفوسهم، قبل أن يأتي الهجوم الصاروخي الإيراني ويلقي بهم إلى قلب مشهد الزوال مباشرة.
****
بعد أول هجوم بصاروخ فرط صوتي يمني على يافا المحتلة (تل أبيب) في منتصف سبتمبر الماضي، كان واضحا أن الكثير من الموازين الرئيسية للصراع بدأت بالتغير بشكل تأريخي لصالح جبهة المقاومة، فالطبقات الدفاعية للعدو (داخل الأراضي المحتلة وخارجها) ظلت لعقود من أبرز العوائق التي تحول دون تثبيت ميزان ردع مباشر بالمعيار الذي يفهمه العدو، وإن كانت قوى المقاومة قد نجحت في تجاوز هذه الطبقات في ضربات وعمليات معينة، أو تعويض صعوبة تجاوزها من خلال تكتيكات أخرى فعالة في الصراع، فإن العدو كان ما يزال يعول كثيرا على طبقات الدفاع والحماية كأساس استراتيجي وجوهري للأمن، وكان العقد بينه وبين المستوطنين والقائم على “الحماية” لم يسقط بشكل نهائي بعد، لكن دخول الصواريخ فائقة السرعة على الخط غيّر كل شيء.
ربما وجد العدو مساحة ضيّقة لخداع المستوطنين بعد وصول صواريخ (فلسطين 2) اليمنية إلى عاصمته، نظراً للعدد والكثافة، لكن الفجوة التي فتحتها هذه الصواريخ في قلب استراتيجية الأمن الصهيونية كانت أكبر من أن يتم ترقيعها إعلاميا، وبعد نصف شهر وصلت الصواريخ الإيرانية الفرط صوتية إلى عدة مناطق حساسة في عمق العدو لتعمق تلك الفجوة وتتجاوز ما هو أبعد من طبقات الحماية العسكرية، حيث نسفت حاجز “الرقابة” الإعلامية، وحاجز “التقديرات” السياسية والاستراتيجية، ومزقت جدار التضليل الدعائي، بل وهزت حتى سور الثقة بأمريكا.
لم يكن من المستغرب أن يظهر نتنياهو مرتجفا في الملجأ بعد الهجوم الإيراني غير المسبوق، فما حدث لم يكن عاديا سواء بالنسبة له كسياسي حاول طيلة الفترة الماضي أن يحشد حول نفسه الكثير من الإنجازات الوهمية إلى درجة تقديم نفسه كقائد ديني ملهم، أو كمستوطن يعرف أنه لا مستقبل له بدون حماية في مواجهة جبهة إقليمية تنشد زوال كيانه الإجرامي بشكل نهائي.
سقوط دفاع وهجوم العدو
لقد كان هناك نوع من الرصد للهجوم قبل أن يصل، وكان هناك توجيهات صارمة بالتعتيم الإعلامي أثناء الوصول وبعده، ثم كانت هناك منظومات دفاعية متعددة الجنسيات على طول الطريق، لكن الصواريخ وصلت وبزخم صادم، وتم توثيقها بوضوح شديد، وحتى لو تمكن العدو من إنكار خسائره بحكم طبيعة الأهداف العسكرية التي لا يستطيع الجميع الوصول إليها،
فمن المستحيل عليه أن يقنع المستوطنين بأن ما شاهدوه ليس انهيارا تاما للاستراتيجية الدفاعية والأمنية وأن قاعدة “نيفاتيم” التي تم دكها بشكل مدهش، يمكن أن تصبح في أي لحظة ميناء أو مطارا أو منطقة مزدحمة إذا تصاعد الصراع،
علما بأن هذا الانهيار لا يقتصر على منظومات الدفاع الصاروخي بل يشمل أيضا استراتيجية الاعتداءات الإقليمية التي قدمها العدو كـ”إجراءات وقائية لحماية إسرائيل”، وبالتالي فهو سقوط للدفاع والهجوم على حد سواء، وهو سقوط أيضا للتقييم الذي اعتمد عليه العدو طيلة الفترة الماضية بشأن موقف إيران والمحور،
حيث بات واضحاً أن نتنياهو لم يكن مخطئا فحسب عندما عوّل على حرص طهران على عدم توسيع الحرب وتغير الرئيس الإيراني، بل كان أحمقاً لأنه عرض كيان العدو إلى هجوم تأريخي لا يمكن أن تعود الأمور بعده إلى سابق عهدها.
لقد أسقط هذا الهجوم أيضا استراتيجية دفاعية أخرى للعدو وهي محاولة تمزيق “وحدة ساحات” المقاومة، فبعد حرب نفسية إعلامية ركز فيها العدو على تكريس فكرة “تخلي إيران عن حزب الله والمقاومة” جاء الهجوم ليبرهن ما هو أكثر من العكس بكثير، وأن إيران ليست مجرد حليف للمقاومة بل طرف حاضر في الصراع، ويمتلك قرار وشجاعة الرد والتصعيد المباشر.
وخلافاً للفكرة التي حاولت حملة الحرب النفسية المعادية تكريسها، فإن الزلزال الذي أحدثه الهجوم الإيراني جعل فكرة أخرى تبرز فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة التي لجأت سريعا إلى التقليل من الهجوم قبل أن يحاول حتى العدو الصهيوني نفسه فعل ذلك، لتتركه عرضة لتحليلات إعلامية حول تخلي واشنطن عنه!.
لا خيار للعدو الصهيوني
إن الارتعاش هو بالفعل كل ما يملكه نتنياهو في مواجهة الانهيار الكبير الذي سببه الهجوم الإيراني، فحتى التصعيد الانفعالي الذي لم يخف العديد من مسؤولي كيان العدو رغبتهم في التوجه إليه، لن يوفر حتى المستوى الاستعراضي من “الردع” فضلاً عن تحقيق أي نتيجة فعلية، فميزان الردع الجديد الذي ثبتته جبهة المقاومة في هذا الهجوم أصبح ثابتاً وواضحاً وحاسماً ولا يمكن الالتفاف عليه بأي أحزمة دفاعية أو مساع دبلوماسية أو تضليل إعلامي: كل منطقة من الأراضي المحتلة هي الآن هدفا محتملا لعشرات الصواريخ الدقيقة التي قد تنهال عليها في أية لحظة، وإذا كان العدو يريد أن يفعل ما هو أكثر من الارتعاش لمواجهة هذا الواقع الصادم فليس أمامه سوى وقف الحرب والإبادة الجماعية في غزة.
يستطيع العدو أن يحيك ما يشاء من السرديات والدعايات، لكن المستوطنين الذين عرفوا في السابع من أكتوبر أن جيشهم لا يستطيع حمايتهم من البر، سيفكرون بشكل مباشر وبسيط: ما الذي يمكن فعله لكي لا تقتلنا صواريخ محور المقاومة في الهجمات القادمة؟ ولن تكون هناك أية إجابة مقنعة سوى وقف الحرب وتنفيذ مطالب المقاومة مؤقتا، والرحيل من الأراضي المحتلة.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: لم یکن
إقرأ أيضاً:
بأس “الحوانين” يواصل كسر “السيف” الصهيوني.. ملاحم انتصار أجــدّ في غزة
يمانيون../
رغمَ شراسةِ العدوانِ الصهيوني واستمرارِ الإبادةِ لليوم الـ 568 من الطوفان، استطاع أبطالُ الجِهادِ والمقاومة، أن يسطِّروا ملاحمَ بطوليةً غيرَ مسبوقةٍ، مؤكّـدين أن إرادتَهم لا يمكن كسرُها مهما كانت التحديات.
وفي الوقت الذي كانت آلةُ الحرب الصهيونية تستعرُ فوقَ سماء غزة وتحاولُ بائسةً أن تفرِضَ معادلاتِها بالحديد والنار، كانت المقاومةُ الفلسطينية، وفي طليعتها كتائبُ القسام؛ تكتُبُ ملحمةً جديدةً من الصمود والإبداع القتالي.
في هذا التقرير، نسلِّطُ الضوءَ على أبرز إنجازات المقاومة في قِطاع غزة؛ عسكريًّا وسياسيًّا ونفسيًّا، خلال الساعات الـ 48 الماضية، مستعرضين ملامحَ هذه الملحمة الخالدة.
صاعقةُ الغول وبأسُ الرجال:
من بيت حانون إلى حي الشجاعية، ومن أنفاق الغموض إلى ساحات الاشتباك المكشوفة، خطّت سواعدُ المجاهدين أروعَ صور الفداء والمواجهة المباشرة، موقعةً في صفوف العدوّ صرعى وجرحى بالعشرات، ومثبتة أن غزة -برغم الجراح والحصار- ما زالت تصنَعُ التاريخَ المقاوِمَ بقلبٍ من نارٍ وعقلٍ من نور.
في مشهدٍ بطولي يعكسُ خِبرةً ميدانيةً متراكمةً، نفَّذَ مجاهدو القسام عمليةً نوعيةً شرق بلدة بيت حانون ضمن كمين “كسر السيف”، حَيثُ جرى قنصُ عددٍ من جنود وضباط العدوّ ببندقية “الغول” القسامية، وهي بندقيةٌ فلسطينية الصُّنع ذات دقة نارية عالية.
وقد أسفرت العملية عن سقوط عدة إصابات مباشرة بين صفوف الاحتلال؛ ما أَدَّى إلى إعادة تموضع قواتِ العدوّ قرب الحدود نتيجةَ فشلهم الذريع في تثبيت وجودهم هناك.
في الأثناء، لم تكن الشجاعية حَيًّا سكنيًّا هادئًا بل تحوَّلت إلى كمينٍ جهنمي للعدو، حَيثُ تمكّن مجاهدو القسام من استهداف قوة صهيونية خَاصَّة تحصَّنت داخلَ منزل بعدة قذائفَ من طراز “آر بي جي” و”الياسين 105″، ثم انقضُّوا عليهم بالأسلحة الرشاشة، موقعين قتلى وجرحى، من بينهم عناصرُ من وحدات النخبة الصهيونية.
تأخَّرت عمليةُ إخلاء المصابين لساعتين وشهدت خمسَ اشتباكات عنيفة، في مشهدٍ يؤكّـد أن غزة صارت مقبرةً لطموحات الاحتلال.
واليوم، استهدفت كتائبُ القسام دبابة “ميركفا4” بقذيفة “الياسين 105” شرقي “حي التفاح” بمدينة غزة، كما تمكّن مجاهدو القسام من تفجير عبوة مضادة للأفراد في عددٍ من جنود الاحتلال وأوقعوهم بين قتيل وجريح في الموقع ذاته.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85_%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B0_%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B1_%D8%B5%D9%87%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A_%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%87%D8%A7_%D8%A8%D8%B9%D8%AF_%D9%82%D8%B5%D9%81%D9%87.mp4صفعة الأسرى.. المقاومة تُفشِلُ أهداف الحرب
وفي تطورٍ دراماتيكي، أعلنت كتائبُ القسام عن عمليةِ إنقاذ أسرى صهاينة من أحد مواقع المقاومة في غزة بعد أن قصفه الاحتلال؛ ما ضاعف من ارتباكِ القيادةِ العسكرية الصهيونية، وأكّـد فشلَ أهدافها للحرب.
وفي مقطع مصوَّر نشرت القسامُ بعضَ المشاهد مرجِئةً “التفاصيل لاحقًا”، لما أسمته: “عملية إنقاذ أسرى إسرائيليين من نفقٍ قصفه جيشُ الاحتلال قبلَ عدة أيام”.
عقبَ ذلكَ، أكّـد الوزير وعضو “الكابينت” الصهيوني “زئيف إلكين”، أن حكومتَه “مستعدةٌ لوقف القتال فورًا مقابلَ إطلاق سراح الأسرى، بشرط أن يكونَ بالإمْكَان استئنافُ القتال لاحقًا أَو التوصل إلى اتّفاق تتنحَّى فيه حماس من الحكم ويتم نزعُ سلاحها، لكن حماس غيرُ مستعدة لذلك”.
في الأثناء، أكّـد جنرالان صهيونيان متقاعدان، اليوم الأحد، أن جيشَ الاحتلال ليسَ قادرًا على تنفيذ سياسَة حكومة مجرم الحرب نتنياهو في قطاع غزة، وأن رئيسَ أركانه “إيال زامير”، نصب لنفسه مصيدةً عندما أعلن في بداية ولايته في المنصب أنه سيهزِمُ حماس ويقيمُ حُكمًا عسكريًّا، ويقود إلى استبدال حكم حماس.
وبينما حكومة الاحتلال تزعُمُ أن الضغطَ العسكري سيعيد جنودَها الأسرى، بدا واضحًا أنها تريد التخلُّصَ منهم، والمقاومة هي مَن تحافظ على حياتهم، وتدير الميدان بثقةٍ كبيرة، وتُجهِضُ روايةَ العدوّ أمام أهالي الأسرى الذين خرجوا في مظاهراتٍ غاضبةٍ تطالب بصفقةٍ شاملة لإعادتهم، محمِّلين نتنياهو مسؤوليةَ قتل أبنائهم بالتعنّت والمقامرة السياسية.
الارتباكُ الداخلي الصهيوني: صِراعٌ وخديعة..
لم تقتصرْ خسائرُ الاحتلال على الميدان فحسب، بل انتقلت عدواها إلى داخل الكيان، مطالبات شعبيّة واسعة بإسقاط نتنياهو.
إلى جانبِ ذلك برز الغضبُ بين الضباط الصهاينة الكبار الذين دعوا صراحةً إلى: إما “تدمير غزة أَو الانسحاب منها فورًا”، واتّهامات متبادلة بين الجيش والسياسيين بأنهم يخدعون الجمهورَ بقصص انتصاراتٍ وهمية.
حَـاليًّا الاحتجاجاتُ الصهيونية تعكسُ صراعاتٍ داخليةً عنيفة، غير أنها لا ترفُضُ العدوانَ على غزةَ؛ لأَنَّ القوةَ أصبحت جُزءًا أَسَاسيًّا من الهُوية الصهيونية، إلا أن الاحتجاجاتِ تتركَّزُ ضد نتنياهو وحكومته لا ضد الاحتلال وتاريخه الدموي.
ورغم أن مراكزَ أبحاث صهيونية تحاول بين الفينة والأُخرى، إنزالَ بيانات وتعاميم استطلاعات للرأي العام الداخلي، تشيرُ إلى تراجُعِ الصِّبغة الانتقامية من الفلسطينيين، إلا أن غيابَ مِلف الأسرى الصهاينة من الممكن أن يؤديَ إلى غيابِ أي احتجاج؛ ما يكشف تمسك المجتمع الصهيوني بالعنف كأدَاة للصراع.
وفي الوقت الذي يُقتَلُ فيه جنودٌ صهاينةٌ بلا أهداف واضحة، ينكشَّفُ زيفُ أساطير وادِّعاءات حكومة الكيان، “مترو حماس” و”الضغط العسكري”، وباتت صورةُ “الجيش الذي لا يُقهَر” تتبدَّدُ أمامَ صلابة وعنفوان رجال الجهاد والمقاومة.
الروايةُ الفلسطينية تنتصر.. بين الميدان والسياسة:
وعلى الجانبِ السياسي، غادر وفدُ قيادة حماس القاهرة، أمس السبت، بعدَ مشاوراتٍ مكثّـفةٍ مع المسؤولين المصريين، حاملًا رؤيةَ المقاومة لشروط وقف النار: “وقف العدوان.. صفقة تبادل أسرى مشرِّفة.. فتح المعابر وبَدء إعادة الإعمار”.
وهو ما يعكسُ قوةَ موقع المقاومة التفاوضي مقارنةً بوضع العدوّ المنهَك سياسيًّا وعسكريًّا وشعبيًّا؛ فما يجري في غزة اليوم، هو إعلانٌ صريحٌ بأن معادلاتِ الصراع قد تغيَّرت، ولم يعد كيانُ الاحتلال يفرِضُ شروطَه بالقوة، وغزة لم تعد تُستباح بلا ثمن.
ولأن المقاومة وعدت وأوفت؛ فَــإنَّ المعركةَ القادمةَ ستكونُ أشدَّ وأمضى، والكيانُ اليومَ أوهى من بيت العنكبوت، وصار كُـلُّ جندي صهيوني يعرِفُ أن خطواته فوقَ أرض غزة محفوفةٌ بالموت، وأنَّ خلفَ كُـلّ جدارٍ، وفي كُـلّ زقاقٍ، غولًا فلسطينيًّا قادمًا من رحم الأرض.
عبدالقوي السباعي| المسيرة