كان مكان تلك القصة الرائعة في أحد فنادق عدن" فندق أرجان"، الذي شعرت فيه وكأنني في داري ووسط الأهل من خلال مستوى الخدمة والتعامل والأشياء الجميلة فيه.

 

كنت عائدًا في الساعة 12 ليلاً إلى الفندق، ومررت على البوفيه الذي في ركن الفندق، وطلبت من الكاشير أن يرسل معي شخصًا أعطيه ثلاجة الشاي التي في الغرفة، فأرسل معي شاب يافع من أبناء تعز الكرام، يعمل لديهم في البوفيه، ومشينا إلى المكان المخصص للمصعد وكان المصعد في الدور السادس، ونحن ننتظر المصعد، نظرت إلى وجه بشير محمد سعيد الذي بصحبتي، فوجدته أسمر من الحرارة المرتفعة ويُبان عليه الجهد والشقاء والكفاح في عمله، فسألته سؤالًا عفويًا كان هو سبب كتابتي للمنشور، سألته من أين !؟

 

حينها رأيت نظرات خوف وتلعثم بالكلام، ثم تجرأ مكرهًا وتمتم بصوت خافت: "أنا من تعز".

 

شعرت ساعتها بذلك الخوف الذي بدا واضحًا على وجهه.

 

فرددت بحماس عليه: "الله ما أروعكم يا أبناء تعز، أنتم نموذج للكفاح والعمل والعلم والمعرفة".

 

وفي ثوانٍ تغيرت نظراته إليّ من مكان يخاف منه إلى ملاذ آمن يحكي لي قصته ويفتخر بما ينجزه ويشق به طريقه.

 

قال: "يا عم، أنا أعمل وأدرس وأصرف على أمي وإخوتي في تعز".

 

في خلال أقل من دقيقة كبر هذا الشبل اليافع إلى حد أني أراه رجلًا، واعتززت أن أمد يدي في يده وأسلم عليه.

 

فهممت أن أعطيه كل ما في جيبي من باب التكريم وليس من باب الشفقة.

 

وإذا به يرفض رفضًا قاطعًا.

 

وقال: "لا يا عم، أنا لا أريد شيئًا، الحمد لله أنا أكسب من عملي وأرسل لأهلي ما أستطيع".

 

قلت له: "يا بني، أنا لم أعطك من باب الشفقة أو لا سمح الله أنظر إليك وكأنك متسول. يا بني، من يكافح ويتعب أكيد يملك عزة النفس ما يكفيه، ولكن أنا أكرمك بما أقدر، هو تكريم من رجل لرجل".

 

وانتهى الحوار بيننا.

 

وفي اليوم الثاني، عندما لمحني وكأنه رأى أحدًا من أهله وأقاربه، بل ويريد أن يعزمني على الفطور، ويمكن ثمن فطوري هو بقيمة أجر يومين له من عمله.

 

عرفت ساعتها أن كلمة "رجل" التي قلتها له سوف تجعله فخورًا بنفسه، بل وسوف تعزز فيه قصة كفاحه وعصاميته.

 

هنا سأقول شهادة أتمنى أن تصل للجميع، لم أجد أحدًا من أبناء منطقتي أو عنصريًا أو جهويًا في كل من عرفت في عدن، وبالعكس وجدت أن أغلب المصالح والمحلات التجارية في عدن لأبناء الشمال نصيب الأسد فيها بالنسبة للأيدي العاملة، وجلست إلى العديد من رجال أعمال يافع، فوجدت محلاتهم وشركاتهم مليئة بالأيدي العاملة من أبناء المحافظات الشمالية وإلى درجة أنهم أصحاب قرار في تلك الشركات، لأنهم مكافحون وعمليون ويحفرون في الصخر لكي يكسبوا لقمة العيش بكرامة.

 

الرسالة الأخرى إلى الحسابات المستعارة والقلة القليلة من مختلف مناطق اليمن، الذين يثيرون الفكر المناطقي المقيت ويهتكوا ما تبقى من نسيج اجتماعي، كفوا أيديكم عن الناس، ولا تدمروا الشيء الجميل المتبقي في العلاقات الاجتماعية، فالسياسة تتغير بتغير المصالح، ولكن القيم والمشاعر الأصيلة والنبيلة إن ذهبت لن تعود.

 

أتمنى ممن يعلق أن يستوعب نبل رسالتي التي أقولها صادقًا وغير متزلف، ونسهم جميعًا في إرساء قواعد المحبة وقيم التسامح والترفع والسمو فيما نكتب، والله من وراء القصد.

 

*المقال نقلا عن صفحة الفنان في فيسبوك


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن عدن طفل عامل مطعم

إقرأ أيضاً:

الخضرة تواجه التصحر: العراق يكتب قصته البيئية

2 أكتوبر، 2024

بغداد/المسلة: شهدت العراق في السنوات الأخيرة تحولًا إيجابيًا نحو التشجير كجزء من الجهود الرامية لمواجهة التحديات البيئية والمناخية المتزايدة.

وهذا التحول، المدعوم من المجتمع المدني والحكومة، يعكس فهمًا أعمق للتأثيرات الضارة للتغييرات المناخية والتلوث على البلاد.

وفي مارس 2023، أعلنت الحكومة العراقية عن مبادرة كبرى لزرع خمسة ملايين شجرة بهدف تعزيز الغطاء النباتي في البلاد.

ويقول المهندس الزراعي سعد الحيدري “إن التشجير ليس مجرد نشاط بيئي، بل هو جزء أساسي من الحلول التي يمكن للعراق تبنيها لمواجهة التغير المناخي والحد من التصحر. نعمل الآن على توجيه جهودنا نحو تقديم التدريب والإرشاد للسكان حول أنواع الأشجار الملائمة لبيئة العراق، مع التركيز على الأنواع ذات القدرة العالية على تحمل الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة”.

وأضاف أن “تفاعل المواطنين مع هذه الحملات كان مشجعًا للغاية، حيث بدأوا بإظهار اهتمام كبير بزراعة الأشجار في منازلهم ومساحات أراضيهم الخاصة”.

واعلن امين بغداد المهندس عمار موسى كاظم عن انطلاق الحملة الوطنية للتشجير عبر زراعة 101 الف شجرة، اشارة الى عمر مؤسسة أمانة بغداد الذي تجاوز المائة عام.

ونقل بيان للامانة عن امين بغداد قوله ان “حملة التشجير الوطنية الكبرى تم اطلاقها هذا اليوم في عموم مناطق العاصمة بغداد ، بدءاً من حديقة بغداد في منطقة البياع ضمن قاطع بلدية الرشيد التي شهدت زراعة اول شجرة”.

بينما أكد المهندس الزراعي علي الجبوري أن: “تحدي التغير المناخي في العراق يتطلب مشاركة جماعية من المجتمع. نعتمد على الحملات التوعوية ومواقع التواصل الاجتماعي لرفع مستوى الوعي بأهمية التشجير. لاحظنا زيادة واضحة في التجاوب الشعبي، حيث بدأ الناس يتوجهون إلينا للحصول على مشورة حول كيفية زراعة الأشجار بطريقة مستدامة.”

و  تزايد التفاعل الشعبي مع حملات التشجير جاء كنتيجة لتكثيف الجهود الإعلامية والتوعية من قبل المهندسين الزراعيين والمتخصصين البيئيين اذ يعكف هؤلاء على نشر الوعي بضرورة التشجير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع تقديم نصائح وإرشادات بشأن أنواع الأشجار الملائمة لبيئة العراق.

و المشاتل الزراعية، تسهم بشكل كبير في تسهيل الوصول إلى الشتلات بأسعار مخفضة، مع تقديم النصائح اللازمة للمزارعين والهواة. ي

وفي ضوء هذه التطورات، أصبحت الحملات البيئية والتشجير جزءًا لا يتجزأ من التوجه الوطني لمكافحة التغير المناخي. من المتوقع أن تسهم حملات مثل حملة التشجير الكبرى المقررة في أكتوبر المقبل في تعزيز الغطاء النباتي، والتخفيف من آثار التصحر، فضلاً عن تحقيق فوائد اقتصادية بيئية من خلال تحسين البيئة المحيطة وزيادة الغطاء الأخضر الذي يقلل من درجات الحرارة ويزيد من جودة الهواء في العراق.

و قال كريم الزيدي، صاحب مشتل في بغداد: “في السنوات الأخيرة، شهدنا تزايدًا في الطلب على الأشجار والشتلات، وهذا يعكس تزايد الوعي الشعبي بأهمية التشجير. نقوم في مشتلنا بتقديم خصومات خاصة على الأشجار سريعة النمو والمتوافقة مع مناخ العراق لتشجيع الناس على زراعتها. نعتبر أنفسنا جزءًا من هذه الجهود الوطنية، ونساهم من خلال تقديم الاستشارات المجانية وتوفير الشتلات للمبادرات البيئية المحلية.”

هذه الجهود المشتركة بين الحكومة، المجتمع المدني، والمواطنين، تعكس التزامًا حقيقيًا بتحسين جودة الحياة والتصدي للتحديات المناخية، حيث يلعب كل فرد دورًا في تحقيق رؤية بيئية أكثر استدامة للبلاد.

أما فاطمة العامري، وهي صاحبة مشتل آخر في بغداد، فأشارت إلى أن: “التشجير أصبح حاجة ملحة للعراق بسبب مشكلات التصحر وتراجع المساحات الخضراء. نحن في المشاتل نقوم أيضًا بتنظيم ورش عمل توعوية لمساعدة المواطنين في فهم كيفية العناية بالنباتات والأشجار بشكل صحيح، وأعتقد أن نشر ثقافة الزراعة هو جزء من الحل لمواجهة تحديات البيئة الحالية.”

من جانبه، قال المواطن أحمد الربيعي، الذي شارك في إحدى حملات التشجير: “بدأت بزراعة الأشجار حول منزلي بعد أن أدركت تأثيراتها الإيجابية على البيئة. الأشجار لا تضفي جمالًا فقط، بل تساعد أيضًا في تقليل الحرارة وتنقية الهواء. المشاركة في الحملات البيئية أصبحت نشاطًا ممتعًا ومفيدًا لي ولعائلتي.”

بينما عبرت أمينة حسين، وهي موظفة عن تجربتها في التشجير قائلة: “قبل سنوات قليلة لم أكن أعرف الكثير عن أهمية الأشجار، لكن بعد حملات التوعية الأخيرة، أدركت دورها في تحسين الهواء وتقليل الأتربة. الآن أقوم بزرع أشجار في الفناء الخلفي لمنزلي وأشجع جيراني على فعل الشيء نفسه.”

المهندسون الزراعيون، أصحاب المشاتل، والمواطنون يتكاتفون جميعًا لتعزيز الوعي بأهمية التشجير، في سبيل مواجهة التحديات المناخية التي تواجه العراق. هذا التعاون المشترك يعكس التزام الجميع بتحسين البيئة والمساهمة في بناء مستقبل أكثر استدامة للبلاد.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • لطفي لبيب: المسرح بيتي الذي أعشقه.. وتوجهت للكتابة الأدبية بعد اعتزال الفن
  • سماح أبو بكر: الكاتب الناضج هو من يكتب للطفل.. وأصدرت عدة كتب للأطفال
  • شمشون يكتب نهايته في لبنان.. قراءة في كتابات إسرائيلية وغربية
  • د.حماد عبدالله يكتب: (الروشتة) المؤجل تفعيلها !!
  • الخضرة تواجه التصحر: العراق يكتب قصته البيئية
  • د.حماد عبدالله يكتب: "قدرات" مصر المتنامية!!
  • ‏أب يكتب كلمة النهاية في حياة طفله بسيناريو شيطاني ‏
  • رأي.. بشار جرار يكتب لـCNN عن تداعيات اغتيال نصرالله
  • د.حماد عبدالله يكتب: وزارة للأقاليم الإقتصادية !!